وتشهد الانتخابات الحالية مشاركة واسعة وغير مسبوقة من قبل الناخبين، حيث لم يشهد السباق الرئاسي هذا الكم الهائل من التصويت والذي بلغ التصويت المبكر له اكثر من 91 مليون قبل يومين فقط من فتح صناديق الاقتراع.
جرت العادة ان تكون السياسة الخارجية احدى اهم المحاور التي يتسابق عليها المرشحان، بخلاف هذا السباق حيث ان العلاقات الخارجية ودور أمريكا في العالم اختفت من حمى التنافس بين برنامجي كلا المرشحين في حين سادت محاور اهم داخليا مثل وباء كورونا والاقتصاد والتمييز العرقي.
العراق خارج الحسابات
اللافت أن العراق بدا خارج حسابات الانتخابات الأمريكية الجارية الآن، فالمرشحان لم يشيرا اليه من بعيد أو قريب، ليس ذلك فحسب حتى ايران لم تدخل حمى التنافس بين مرشحي الحزبين الرئيسيين، بل ذهب الأمر ابعد من ذلك حينما غابت ساحة الشرق الأوسط أيضا برغم ماتشهده من تغيرات عاصفة هي الأخرى. ولكن ينبغي الاشارة هنا الى أن الاهتمام بالشأن العراقي بقي محصورا بين الجهات ذات العلاقة في المؤسسات التقليدية بما يجري في العراق مثل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وغيرهما من المؤسسات المعنية بالتواجد الأمريكي في العراق والشرق الأوسط.
والغريب في الأمر ان المختصين بالشأن العراقي باتوا لا يعرفون كيف ستكون طبيعة السياسة الامريكية إزاء العراق خلال مرحلة مابعد الانتخابات، وثمة جدل واسع يدور حاليا بين المهتمين بهذا الملف حيال شكل ونوعية هذه السياسة، لكنهم يتفقون بالظاهر على أن العراق لن يحظى بأي أولوية لدى الإدارة الامريكية القادمة في المستقبل القريب على الأقل، بغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة هذه الانتخابات.
في حال فوز بايدن
إذا فاز المرشح الديموقراطي جو بايدن، فإن السياسة الامريكية الخارجية ممكن ان تشهد انفتاحا اكثر على الحلفاء التقليديين مثل المانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها، سيعود بايدن لهم بعد ان أثار الرئيس ترمب استياءهم أكثر من مرة خلال الأعوام الأربعة الماضية. فيما سيكون أقل حميمية مع البعض الآخر المقربين من ترمب مثل السعودية والامارات وتركيا.
أما مايتعلق بإيران، فإن معظم المراقبين والمختصين يعتقدون أن بايدن سيعود الى الاتفاق النووي وسيعمل مع الدول الخمس لإحياء هذه الاتفاقية بشكل او بآخر، ولكن هذه النظرة لا تأخذ بعين الاعتبار عاملين مهمين، أولا ان ترمب قد يعمل في الشهرين القادمين من فترة رئاسته المتبقية على اتخاذ قرارات حاسمة سيحول دون العودة السهلة للاتفاق النووي، أما العامل الثاني والاهم فإن إيران قد تكون هي من لا تود العودة الى الاتفاق النووي علما ان المرشد الأعلى والمحافظين كانوا ضد الاتفاق النووي، وسيكون هناك سباق رئاسي ايراني محموم في غضون الأشهر القادمة ومن المتوقع فوز المحافظين في هذا السباق وهذا يعني التشدد الأكثر في السياسة الإيرانية. بمعنى آخر أن الانفتاح نحو ايران مستبعد في الأمد القريب وستبقى السياسة الامريكية على حالها إن لم تشهد تشددا اكثر من قبل أحد الطرفين أو كلاهما.
بما يتعلق بسياسة بايدن تجاه العراق، فانه ليس متوقعاً ان تشهد سياسة إدارة بايدن تحولا جذريا بما يتعلق بالعراق، حيث يرى مراقبون بأن المشاكل الداخلية وانشغاله بمعالجة مخلفات الوباء وتداعياته الاقتصادية داخليا سيجعله في غنى عن أي اهتمام يذكر بالخارج على الأقل في العام الأول، والعراق لن يشكل أي اهتمام جوهري في السياسة الامريكية في المنطقة.
وستعمد الإدارة الامريكية الجديدة الى الإبقاء على الملف العراقي لدى وزارة الخارجية والمختصين فيها مع الاستمرار في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وبذلك فأن الدعم الأمريكي للعراق لن يشهد تحولا جذريا سابقه، ولن يكون هناك دعم مالي يذكر سوى ماتقدمه حاليا المؤسسات الأمنية والإنسانية الأمريكية عبر قواتها ومنظماتها العاملة في العراق وعلى نحو خاص المعنية بملف النازحين وإعادة اعمار المناطق المحررة ولو بشكل محدود.
في حال فوز ترمب
إذا فاز الرئيس الحالي ترمب بالدورة الثانية، فمن المتوقع استمراره بنفس السياسات الحالية والتمادي بها الى حدود اكبر، لإنه سيعتقد ان سياساته السابقة كانت ناجحة وهي التي تقف وراء منحه الثقة بولاية ثانية، وليس خافيا بأن شركاء واشنطن التقليديين غير متحمسين لفوز ترمب بولاية ثانية، مقابل اشد المتحمسين لفوزه من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية والامارات.
وعن سياسة ترمب تجاه إيران، فإن من المتوقع أن يستمر بالضغط على طهران من خلال تشديد الحصار القائم حاليا جراء العقوبات المفروضة عليها، والضغط لمزيد من الإذعان والتسليم، خاصة وأن تلك العقوبات قد حققت أهدافها في شل الإمكانيات الإيرانية الاقتصادية وجعلها في اسوء حالاتها. وأن الاستمرار بهذه السياسة سوف تفضي الى تصعيد وتوتر الأوضاع بالداخل الإيراني، حيث لن يكون بإمكان طهران الاستمرار لاربعة سنوات أخرى من الحصار الاقتصادي المتشدد. ولعل من اهم ساحات التصعيد هي الساحة العراقية حيث أن إيران لديها من الإمكانيات اللوجستية والأمنية ما يمكنها من تهديد المصالح الأمريكية في العراق، وقد يعود مشهد الهجمات الصاروخية على السفارة الامريكية في بغداد والقواعد التي تضم القوات الامريكية، ولا يخفي الجانب الإيراني سعيه المعلن الى الضغط بكل الوسائل لدفع أمريكا على مغادرة المنطقة برمتها.
وينبغي التنويه هنا الى أن وزير الخارجية مايك بومبيو سبق وأن أخبر القيادات العراقية بأن إدارته ستسحب سفارتها من بغداد في حالة استمرار الهجمات، وقد بدأت السفارة فعلا باعداد خطة الانسحاب، ويشير مصدر مطلع بان السفارة قد اكملت خطتها وأنها قيد الإشارة لبدء التنفيذ والذي يستغرق بحسب توقعاتهم في وقت سابق بين 60- 90يوما وفي حالة البدء بالهجمات الصاروخية مجددا في الأسابيع القادمة، فان تنفيذ هذه الخطة سيصبح حقيقة.
الدعم الأمريكي للعراق
ليس خافياً على الجانب الأمريكي حجم الازمات التي تعصف بالعراق من الجانب المالي والاقتصادي والأمني والخدمي، وقد وقع العراق وامريكا مذكرات تفاهم للتعاون في هذه المجالات، ولعل الأزمة الإقتصادية هي الأخطر على العراق ومستقبله. صرح وزير المالية في بيان في يوم 29 تشرين الاول بأن الإيرادات الشهرية لا تصل الى اكثر من خمسين بالمئة من حجم الانفاق. علما أن العجز الفعلي الشهري يصل الى ما يقارب 4 مليارات دولار، والعراق ليس لديه سبيل حقيقي لسد هذا العجز. وكانت الحكومة تمني النفس بتلقي دعم مالي من واشنطن.
يشير مراقبون بأن الإدارة الامريكية بغض النظر عن الفائز بالانتخابات لن تعمل على مساعدة العراق ماليا ودعمه من دون إجراء إصلاح حقيقي من قبل حكومة بغداد، وليس معلوما ان الحكومة ستتمكن من إجراء الإصلاحات المنتظرة بالرغم من إعلانها من طرح ماسمي بالورقة البيضاء. سبق وأن رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بطرح الورقة البيضاء التي تم التصويت عليها في مجلس الوزراء في 13 تشرين الأول ولكنها لا تخفي قلقها بأن تصبح الورقة البيضاء مجرد حبر على ورق، خاصة بعد مرور اكثر من 18 يوما على تبني الورقة ولم يتم تفعيل أي مادة فيها، كما وأن الحكومة العراقية لم تخطُ بخطوة عملية لتنفيذ بعض بنود الورقة والتي هي ليست بحاجة الى مصادقة من البرلمان، وإنما مشروع تنفيذي يتعلق بمهام الحكومة وواجباتها الأساسية، وبهذا الصدد يراقب الجانب الأمريكي خطوات الحكومة العراقية عن كثب ولا يخفي خيبة أمله من عدم إجراء تلك الإصلاحات حتى اليوم.
من الواضح ان المسؤولين في العراق يتمنون دعما أمريكيا لإخراجهم من الأزمات التي تعصف بالبلاد، وهناك قيادات عراقية يعتقدون بان التغير في الإدارة الامريكية قد يكون كفيلا بتغير التعامل الأمريكي مع العراق في حين ينكرون حقيقة ان الإدارة الامريكية سأمت من طلباتهم المتكررة للمساعدات من دون إبداء أي حرص لإصلاح ومعالجة الأزمات القائمة، لذا من المتوقع ان تتعامل الإدارة الامريكية مع الشأن العراقي بنوع من الفتور خلال المدى القريب. وأن أي تغيير جذري في السياسة الأمريكية اتجاه العراق ليس وارداً، إلا اذا حصل ما لم يكن بالحسبان كالذي جرى في عام 2014.