ماجد المنيف
مقدمة
طغى موضوع العولمة وتداعياتها الدولية على الأدبيات الاقتصادية منذ عقد الثمانينات من القرن الماضي. وكان انعكاس علاقاتها من انفتاح الأسواق والاهتمامات البيئية وثورة الاتصالات وغيرها على الدول والقطاعات وعلاقات السياسة والاقتصاد محوراً للأبحاث والمبادرات والاتفاقات العالمية والإقليمية وعنواناً للإصلاحات الاقتصادية في العديد من دول العالم. ولم تكن علاقات الطاقة وخصوصاً النفط بمنأى عن تلك الاهتمامات. وتركز الجدل والأبحاث إجمالاً حول تكامل أسواق النفط المالية والفعلية، وتأثير اتفاقات التغير المناخي واتفاقات منظمة التجارة العالمية على إنتاج وتسويق النفط، وفتح المجال للاستثمار الأجنبي في قطاع إنتاجه في الدول التي كانت قد أممته، أو حتى جدوى تكتل أوبك في ظل العولمة.
ومع أن جانباً من ذلك الجدل أو الاهتمام قد حُسم بشكل أو بآخر، إلا أن السنوات الأخيرة أفرزت إما تراجعاً أو بطئاً أو تغيّراً في بعض مسارات العولمة وعلاقاتها بالاقتصاد وكذلك الطاقة، هذا على الرغم من استمرار بل وتسارع التطورات التقنية والعلمية وثورة الاتصالات والمعلومات ودخولها عصراً جديداً واتخاذها أبعاداً أعمق. فعلى سبيل المثال، يبدو أن مسار الاهتمام العالمي للتغير المناخي سوف يستمر على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس، بل إن قيادة ذلك الاهتمام العالمي سياسياً وتقنياً مرشح للانتقال من الولايات المتحدة إلى الصين. كما وأن اتفاقات منظمة التجارة العالمية بما فيها “جولة الدوحة التنموية” وإن واجهت منذ إطلاقها عام 2001 انتكاساتٍ جعلتها في طريق مسدود، إلا أنها لن تلغي أهمية نمو التجارة وتكامل الأسواق.
أضف إلى ذلك أن أهداف الأمم المتحدة حول التنمية المستدامة (Sustainable Development Goals (SDGs)) التي أطلقت عام 2015، وإن بدا أنها صعبة المنال بسبب تراجع الكثير من الحكومات عنها، إلا أنها ستبقى حافزاً ومحركاً للمجتمعات المدنية.[1]
لقد أدى التوسع في حركة التجارة والاستثمار وفي مجالات وآليات سلسلة القيمة المضافة عبر العالم وانعكاس كل ذلك على الاقتصاد العالمي وخفض معدلات الفقر ومظاهره واتساع حجم الطبقة الوسطى وتأثيرها، أدى إلى تعديل في المركز النسبي للدول والقطاعات في الاقتصاد العالمي وفي الوزن المالي والابتكاري للشركات. فقد تمكنت الدول النامية مدفوعة ومتأثرة بالنمو المذهل في الصين والهند والاقتصادات الناشئة الأخرى، من زيادة حصتها في الاقتصاد العالمي ومن حصتها في استهلاك الطاقة والنفط من 34 و32 و30 بالمائة عام 1990 إلى 53 و54 و49 بالمائة عام 2018 على التوالي. وكانت اقتصاداتها تنمو بنحو 1.5 ضعف نمو اقتصادات مجموعة OECD الصناعية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي وبنحو 3.5 ضعفاً منذ بداية القرن الحالي حتى الآن، وقد أثر ذلك على اتجاه التجارة والاستثمارات عبر الحدود، إذ ازداد حجم الصادرات والواردات بين منطقة الخليج وشرق آسيا على حساب شركائها التقليديين في الغرب.
النفط والتحولات في علاقات العولمة
كان استكشاف النفط وإنتاجه وتكريره وتسويقه يجري (حتى قبل أن تصبح العولمة شعاراً وإطاراً للسياسات) في ظل علاقات تتميز بحرية في التجارة والاستثمار الدوليين. لقد كان دور النفط محورياً في تطور المجتمع الصناعي خلال القرن العشرين وحافزاً للشركات العالمية للاستثمار خلال النصف الأول من القرن في مناطق الاحتياطي الرئيسية في الخليج العربي وغيره، حيث شكلت تلك الاستثمارات الجزء الأكبر والأهم من حركة رؤوس الأموال الدولية خلال الفترة. وساعدت معدلات النمو الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية على زيادة استهلاك النفط والتوسع في استخداماته ورواج تجارته واستثماراته. حيث شكلت تجارته لسنوات عدة أكبر نسبة من التجارة السلعية في العالم، وتبوأت شركاته العالمية لعقود عدة الصدارة من حيث حجم المبيعات وقيمة الأصول والتأثير السياسي والاجتماعي.
لذلك كانت علاقات النفط طوال تاريخه تتطور وتتوسع ضمن المنظومة العالمية، وإن تعرضت علاقات التبادل والاستثمارات فيها لتحولات وتقلبات. على سبيل المثال، بينما شكلت واردات النفط ومنتجاته إلى أوروبا والولايات المتحدة واليابان نحو 75 بالمائة من الواردات العالمية عام 1980، واصلت تلك الواردات انخفاضها لتصل إلى 41 بالمائة عام 2018، حيث ارتفعت حصة الصين والهند من الواردات العالمية من 6 بالمائة نهاية القرن الماضي إلى 23 بالمائة الآن. وبينما كانت صادرات الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأفريقيا تشكل نحو 71 بالمائة من الصادرات النفطية العالمية عام 1980، انخفضت إلى 50 بالمائة عام 2018 بسبب زيادة عدد المنتجين عموماً وكذلك اتساع حجم التجارة داخل مجموعة الدول الصناعية. أما الاستثمارات في مرحلتي الإنتاج والتكرير والنقل التي كان أغلبها من شركات النفط العالمية من دول OECD، فقد تراجعت مع ازدياد حجم ومجالات استثمارات شركات النفط الوطنية من منطقة الخليج العربي والصين وروسيا وماليزيا والبرازيل وتصدرها المشهد العالمي منذ بداية القرن الحالي.
إن تجارة النفط لم تتأثر بإفرازات العولمة ومسار تطور أنظمتها ومؤسساتها كمنظمة التجارة العالمية لأنها كانت في الأساس تتم بأدنى قدر من القيود التجارية (وإن تأثرت بالقيود السياسية من حظر ونزاعات). لذلك فإن تأثر تجارة النفط سيكون محدوداً للغاية من إجراءات القيود التجارية والحد من المكتسبات التي تحققت للعالم خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وإن استمر تأثر التجارة بالنزاعات السياسية وسياسات المقاطعة. كما وأن ارتباط أسواق النفط جغرافياً بين الدول أو تكاملياً بين مراحل صناعته مرشح للاستمرار. ولكن النفط وأسواقه قد تأثرا بشكل كبير بالتطور المذهل في أسواق المال والتكامل بين سوقي النفط الفعلية (Physical) والمالية (Financial)، إذ أصبح سعر النفط منذ أواسط عقد الثمانينات من القرن الماضي يتحدد وفق ذلك التكامل والتفاعل بين السوقين، وهو مرشح للاستمرار على هذا المنوال، حيث لم يؤثر الانهيار المالي عام 2008 وقبله الأزمة المالية الآسيوية عام 1998على ذلك التكامل، لأنه أصبح ببساطة مكون عضوي للسوقين.
ويرتبط بعالمية النفط دور الدولار في معاملاته. فالمعروف منذ اكتشاف النفط تجارياً وحتى الآن أن معاملاته يتم تقويمها وفي الغالب دفعها بالدولار الأمريكي، سواء بسبب دور الولايات المتحدة وشركاتها في تجارة النفط أو دور الدولار في الاقتصاد والنظام النقدي الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية. ولا يقتصر الدور الطاغي للدولار على تعاملات النفط فحسب، بل يشمل التجارة والمدفوعات الدولية والموجودات الرسمية للبنوك المركزية، وحجم التعاملات في سوق الصرف، وحجم إصدار السندات العالمية، وتقويم القروض الخارجية للبنوك التجارية وغيرها. وذلك الدور وإن كان مستمداً في البداية من وزن الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي، إلا أنه يتجاوزه الآن بكثير. وإذا استثنينا الأبعاد السياسية لمحاولات تخلي بعض الدول عن الدولار كوسيلة لمدفوعات مبيعات النفط (العراق وإيران وفنزويلا في فترات متباعدة ولأسباب مختلفة)، فقد استمر القبول العام له طالما استمر دوره طاغياً في الاقتصاد والمدفوعات الدولية. وهذا قد يتأثر بدخول الصين طرفاً هاماً في مبادلات النفط الدولية وتطور دور عملتها (اليوان) في مدفوعات وارداتها النفطية، وتطور سوق تداول السلع (وعقود النفط الخام إحداها) في شنغهاي. ولكن وفي الزمن المنظور واعتماداً على تطور نظم المدفوعات الدولية وعالمية اليوان، ستبقى علاقة سعر النفط وسعر صرف الدولار على حالها نظراً لأن تحديد السعرين يتم بعوامل العرض والطلب على النفط وعلى الدولار الذي يؤثر في سوق كل منهما عوامل مختلفة. لذلك فإن اختيار العملة المستخدمة كوحدة حسابية أو وسيلة للدفع لا يؤثر فعلياً على ما يحصل عليه مصدّرو النفط، ولكنه يؤثر على قيمته في الدول المستوردة. كما لا يؤثر اختيار عملة المبادلات النفطية على أسعار السلع والخدمات التي تستوردها الدول النفطية من الدول الأخرى التي تتغير عملاتها مقابل الدولار، طالما استمر معظمها في ربط عملته بالدولار بشكل أو بآخر.[2]
يبقى مجال تأثير تحولات النظام التجاري العالمي على النفط ودوله المنتجة محدوداً بسبب طبيعة أسواقه ودوره كمدخل إنتاجي وأهمية تبادله عبر الحدود ووجود اتفاقيات ومواثيق دولية وإقليمية تسهل ذلك. ولكن مجال التأثير الأهم قد يأتي من التحولات في علاقات الطاقة والنقل العالميتين بسبب سياسات الدول تجاه اتفاقية التغير المناخي وهواجس أمن إمدادات الطاقة، وتداعياتها التقنية والسياسية والمالية وغيرها.
التحولات في علاقات الطاقة
تتسم علاقات الطاقة بأنها في تغير مستمر اعتماداً على محددات الطلب والعرض. فالنمو السكاني والحضري والنمو الاقتصادي وأسعار مصادر الطاقة مؤثرات رئيسية في الطلب القطاعي لكل مصدر وتوزيعه الجغرافي، بينما الاستثمار والبنية التنظيمية للصناعة والسياسات الحكومية والأسعار والتطورات التقنية في إنتاج وإمداد كل مصدر تحدد مستوى العرض من كل منها. ولكن التحولات في علاقات الطاقة تشكل تغيراً راديكالياً ليس في أنماط الطلب والعرض بل في مسارهما لعقود قادمة. إنها تمثل تحولاً في البنية والمؤسسات والعلاقات، وتنطوي على نقلة هيكلية حيث تنعكس علاقات الطاقة ومصادرها على العلاقات الاقتصادية من استثمار وإنتاج وتوزيع أو في العلاقات الاجتماعية من أنماط العمل والتنقل والاستهلاك أو في مسار التقنيات ومجالات تأثيرها.
وعادة ما يجري توصيف التحولات التقنية بالثورات: فثمة الثورة الصناعية الأولى المتمثلة باختراع الآلة البخارية وانتشار سكك الحديد في القرن الثامن عشر، والثورة الصناعية الثانية أواخر القرن التاسع عشر والمتمثلة باختراع الكهرباء وخطوط الإنتاج (Assembly Lines) وآلية الاحتراق الداخلي والمركبات المسيرة بها، والثورة الصناعية الثالثة التي ابتدأت في عقد الستينات من القرن العشرين باختراع الكمبيوتر والرقائق، وتطور نظم وتقنيات الاتصالات وبداية العصر الرقمي، والتي أدت إلى خفض التكاليف وتحسين كفاءة الإنتاج وزيادة إمكانات الاستهلاك. أما الثورة الصناعية الرابعة فهي التي نعيشها الآن، وتأخذ بالاقتصاد الرقمي إلى أبعاد وقطاعات ومجالات أوسع، وهي كحال الثورات السابقة ستؤثر على جميع القطاعات ما فيها صناعة النفط.
وبخصوص مجال الطاقة، فقد كانت مصادرها إما محفزاً أو مستفيداً من تلك الثورات، كالانتقال من استخدام مصدر للطاقة إلى آخر (من الأخشاب إلى الفحم الحجري ثم النفط أو من وقود تشغيل الآلة البخارية إلى وقود تسيير آلة الاحتراق الداخلي)، أو تغيير في تقنية إنتاج أو استخدام مصدر ما للطاقة (كتغيير مجال استخدام منتجات النفط من الإنارة إلى النقل والصناعة)، أو تغير في أنماط استخدام الطاقة بشكل يؤثر على مصادرها والخدمات الناتجة عنها، أو التحول من نظام اقتصادي يعتمد على مصدر للطاقة إلى نظام آخر يستوجب استخدام مصدر آخر. ويصاحب تطور استخدام أي مصدر للطاقة تحسن كفاءة استخدامها سواء التقليدية أو المتجددة، وسواء جرى التحول وتسارع أم لا. وهو مسار تصاعدي مرتبط بالتقدم التقني والسلوكي والسياسات الحكومية. فقد انخفضت كثافة استخدام الطاقة قياساً بكمية الطاقة اللازمة لإنتاج مقدار معين من الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الثابتة) بنسبة 40 بالمائة خلال الثلاثة عقود الماضية من 1.5 برميل لكل 1000 دولار إلى 0.9 برميل ويتوقع أن تنخفض بنسبة 35- 55 بالمائة بحلول عام 2040 اعتماداً على السيناريو المفترض.
وعادة ما توصف تحولات الطاقة ببعدها الزمني الطويل، كعصر الفحم الحجري الذي صاحب الثورة الصناعية الأولى، وعصر النفط الذي صاحب الثورة الصناعية الثانية والثالثة، وعصر الطاقات المتجددة الذي يؤمل منه أن يكون أحد عناوين الثورة الصناعية الرابعة. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من ترسيخ كل من القرنين التاسع عشر والعشرين للاعتماد على الفحم والنفط بالتوالي، إلا أن انتاج الوقود الفاقد لحصته في كلا القرنين استمر بالزيادة. بل إن إنتاج الوقود الخشبي خلال قرن الفحم ازداد بنحو الضعف، وازداد إنتاج الفحم خلال قرن النفط بنحو 15 بالمائة. وكما يوضح الشكل 2.2.1 فإن عصر الفحم لم يعنِ نهاية استخدام الوقود العضوي في القرن التاسع عشر، وعصر النفط لم يعن نهاية استخدام الفحم أيضاَ.[3]
شكل 2.2.1: تطور حصص المصادر في مزيج الطاقة عبر الزمن
. المصدر:
Benjamin K. Sovacool, “How long will it take? Conceptualizing the temporal dynamics of energy transitions,” Energy Research & Social Science, Vol. (13), January 2016
وينطوي التحول في نظام الطاقة على تغيّرات هيكلية متداخلة بالغة التعقيد، لا تسير بشكل خطي أو حتمي، وتكتنفها حالات من اللايقين تطال العلاقات المتداخلة التالية:[4]
1. الجوانب الملموسة من نظم الطاقة من تقنيات وبنية أساسية وأسواق وآلات ومعدات وأنماط استهلاك وشبكات إمدادات.
2. سلوك الفاعلين في نظم الطاقة من منتجين ومستهلكين (دول وقطاعات وصناعات) وحكومات وجماعات ضغط، وذلك فيما يتعلق بالاستراتيجيات وأنماط الاستثمار والتحالفات والإمكانات المتاحة لكل منهم.
3. المنظومات التقنية والاجتماعية والسياسية التي تشمل القوانين والسياسات والمؤسسات والذهنيات والقناعات وما هو ضمن أو خارج السياق العام.
4. البعد الزمني للتحول بطيئاً كان أم سريعاً وديناميكيته وحجمه واتجاهه والفاعلين في التغيير.
5. سرعة أو تباطؤ التغيرات السلوكية للأفراد والصناعة والكيفية والمدى الزمني لتعديل تدفق الاستثمارات من مصدر إلى أخر أو من قطاع إلى أخر أو من بنية أساسية إلى أخرى.
وتشير التجارب التاريخية إلى أن بعض التحولات في مزيج الطاقة أو استخداماتها قد تكون سريعة بحيث يستغرق فيها التحول عقداً أو اثنين، وبعضها أكثر بطئاً فيستغرق التحول عقوداً عدة. مثلاً تخطت حصة الفحم حاجز 25 بالمائة من استهلاك الطاقة العالمي عام 1871 بعد مئات السنين من تطويره تجارياً في بريطانيا، وتخطت حصة النفط ذلك الحاجز عام 1953 بعد نحو قرن من اكتشاف وإنتاج النفط تجارياً في الولايات المتحدة. وزادت حصة الفحم في استهلاك الطاقة العالمي من 5 بالمائة عام 1830 حتى بلغت ذروتها عند 60 بالمائة بداية الحرب العالمية الأولى. أما حصة النفط فقد ازدادت من نحو 2 بالمائة بداية القرن العشرين إلى ذروتها عند 49 بالمائة عشية ما عُرف بأزمة الطاقة العالمية عام 1973. أما الغاز الطبيعي فقد ارتفعت حصته من 4 بالمائة مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نحو 24 بالمائة عام 2018. وبالمقابل استغرقت الطاقة النووية أكثر من نصف قرن لتزيد مساهمتها في مزيج الطاقة الأولية من لا شيء منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي إلى نحو 4 بالمائة الآن. وبينما اختُرعت السيارة في ألمانيا أواسط الثمانينات من القرن التاسع عشر، فإنها لم تنتشر بشكل واسع إلا بعد عام 1920 ليس في مهدها بل في الولايات المتحدة ولاحقاً في أوروبا واليابان والعالم.
ويعود البطء في تحول الطاقة العالمي إلى عوامل تقنية واقتصادية وسلوكية، أولها طول الفترة الزمنية لبناء منظومة الطاقة من موانئ وطرق وسكك حديد ومحطات توليد ومصافي معالجة وأنابيب ومفاعل نووية وغيرها. وثانيها أن التقنيات الجديدة تستغرق وقتاً كي تثبت تنافسيتها مع التقنيات الراسخة، وثالثها أن تلك التقنيات القائمة شيدت عبر السنين أصولاً إنتاجية من غير المجدي اقتصادياً إحالتها للتقاعد قبل انتهاء عمرها الزمني. هذا ناهيك عن قيام تلك التقنيات الراسخة من خلال الصناعات المستخدمة لها بمجابهة التقنيات الجديدة بتطوير أدائها بالابتكار والاستثمار، وليس التطور في كفاءة آلة الاحتراق الداخلي خلال العقود الماضية وفي تقنيات تطوير النفط غير التقليدي (كالنفط الصخري) سوى أمثلة على تلك المجابهة. ومنذ بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين توسع الاهتمام بموضوع التحول الجديد في نظام الطاقة العالمي مدفوعاً بالتطور المذهل في تقنيات وتكلفة ورواج الطاقات المتجددة من شمس ورياح، والتطورات في قطاع النقل معبراً عنها بإنتاج ورواج السيارات الكهربائية وانخفاض تكلفة البطارية التي تسيرها وزيادة سعتها التخزينية وتغير أنماط التنقل داخل المدن.[5]
تطوير الطاقات المتجددة
منذ بداية القرن الحالي بلغ المتوسط السنوي في معدل نمو الطاقات المتجددة (خلاف الطاقة الهيدروليكية من مساقط المياه) نحو 30 بالمائة (42 بالمائة للطاقة الشمسية و25 بالمائة لطاقة الرياح) مقابل نمو 2.3 بالمائة سنوياً في استهلاك الطاقة الأولية (1.3 بالمائة للنفط و2.6 بالمائة للغاز و2.8 بالمائة للفحم). حيث ساهمت الطاقات المتجددة الحديثة بنحو 17 بالمائة من الزيادة في استهلاك الطاقة عموماً منذ بداية القرن الحالي حتى عام 2018، لتزيد من حصتها في استهلاك الطاقة من أقل من 0.1 بالمائة بداية القرن إلى نحو 10 بالمائة عام 2018 باستثمارات بلغت 390 مليار دولار. ومن تتبع تحولات الطاقة خلال الـ 250 عاماً الماضية، يبدو أن تطور الطاقات المتجددة يتخذ مساراً مشابهاً للفحم في القرن التاسع عشر والنفط في القرن العشرين، استناداً إلى أنه خلال 2011-2018 ساهمت تلك الطاقات بنحو 20 بالمائة من الزيادة في استهلاك الطاقة (13 بالمائة طاقة رياح و7 بالمائة طاقة شمسية) وارتفع حجم طاقة توليد الكهرباء باستخدام تلك الطاقات 2.4 ضعفاً خلال 2000-2018. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تزداد مساهمتها في استهلاك الطاقة عالمياً من 10 بالمائة عام 2018 إلى ما يتراوح بين 24 و40 بالمائة، وأن تزداد الاستثمارات فيها من 308 مليار دولار عام 2018 إلى 390-625 مليار دولار اعتماداً على السيناريو المستخدم.
ويلاحظ أن تكلفة توليد الطاقة الكهربائية بالخلايا الشمسية وطاقة الرياح، بما فيها التكاليف الرأسمالية التي بلغت 11 و17 سنت للكيلو وات/ساعة على التوالي عام 2010، قد انخفضت إلى متوسط عالمي 6 و5 سنت للكيلو وات/ساعة لكل منهما على التوالي، وأقل من ذلك في مناطق عدة من العالم، الأمر الذي أدى إضافة لارتفاع كفاءتها مقارنة بالفحم والغاز والسياسات الحكومية الداعمة لها إلى تحسن قدرتها على منافسة المصادر الأخرى في قطاع توليد الكهرباء. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تزداد حصتها في توليد الكهرباء من 7 بالمائة عام 2018 إلى ما يتراوح بين 63 و67 بالمائة اعتماداً على السيناريو.[6]
ولدى معظم دول العالم – منتجة كانت أم مستهلكة للوقود الأحفوري، متقدمة أم نامية – برامج وسياسات لتطوير الطاقات المتجددة وخصوصاً في قطاع توليد الكهرباء لدواع اقتصادية وبيئية وتحقيق أمن الطاقة وتوطين صناعتها. وتعتبر الصين أهم منتج للطاقات المتجددة في العالم إذ تبلغ حصتها 39 و32 بالمائة من طاقات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية وطاقة الريح في العالم على التوالي. وتعتبر أكبر مصدر للوائح الشمسية في العالم بحصة 40 بالمائة من حجم الصادرات العالمية، وأكبر مصدر لتوربينات طاقة الرياح بحصة 33 بالمائة ولديها أكبر عدد من براءات الاختراع (150 ألفاً) في الطاقات المتجددة عالمياً.
كهربة ورقمنة قطاع النقل
لم تكن التحولات في قطاع النقل أقل زخماً من تلك في الطاقات المتجددة، وإن تسارعت بعد نهاية العقد الأول من القرن. فالسيارات الكهربائية التي تسيرها البطارية وإن لم تكن تصوراً ثورياً، إذ كانت الفكرة تراود مخيلة الكثير بمن فيهم توماس أديسون منذ أوائل القرن العشرين، إلا أنه حالت دون انتشارها اعتبارات التكلفة والكفاءة والمسافة التي يمكن أن تقطعها وكيفية إعادة شحنها. ولكن منذ بداية العقد الثاني من القرن الحالي ازداد الاهتمام بإنتاج وترويج تلك السيارات مما أدى إلى ارتفاع عدد أسطول السيارات الكهربائية المسيرة بالبطارية من بضعة آلاف بداية القرن الحالي إلى 5 مليون عام 2018، وتلك وإن شكلت نسبة ضئيلة تقل عن 2 بالمائة من أسطول سيارات الركاب في العالم الذي يقدر بنحو مليار سيارة، إلا أن مبيعاتها تنمو باطراد بمعدل 70 بالمائة سنوياً خلال السنوات الخمس الماضية، وإن بقيت نسبتها من مبيعات السيارات الإجمالية متواضعة للغاية. ولكن تشير التوقعات إلى أن رواجها مقيساً بنسبة مبيعاتها إلى إجمالي مبيعات السيارات عموماً مرشح للزيادة.
وتستحوذ الصين على نحو نصف أسطول السيارات الكهربائية في العالم، تليها أوروبا والولايات المتحدة عند 24 و22 بالمائة على التوالي. ومع أن تلك السيارات موجودة حالياً في نحو 40 دولة، إلا أن نحو 80 بالمائة منها موجود في خمس دول هي الولايات المتحدة والصين واليابان والنرويج وهولندا، مع تفاوتٍ بينها من حيث حصص مبيعات السيارات الكهربائية من 23 بالمائة في النرويج و10 بالمائة في هولندا إلى 1 و0.7 و0.6 بالمائة في الصين والولايات المتحدة واليابان على التوالي. ولكن حجم أسواق الدول الأخيرة الذي يمثل 63 بالمائة من عدد السيارات الكهربائية المسجلة عام 2015 يجعل من التطور التقني والسلوكي والتنظيمي والتسويقي فيها محدداً هاماً لسوق السيارات الكهربائية العالمي.[7]
وتتفاوت توقعات نمو مبيعات تلك السيارات ونسبتها إلى مبيعات سيارات الركاب وحجم الأسطول منها إلى حجم أسطول السيارات في الطرق اعتماداً على الفرضيات المستخدمة، وتلك دائمة التغير نتيجة تطور التقنية وتحسن الجدوى الاقتصادية وتوجه السياسات الحكومية المحفزة لمنتجي ومشتري السيارات الكهربائية أو الهجينة (Hybrid)، بل وتختلف التوقعات باختلاف خلفية وتوجه الجهة التي تقوم بالتقدير. فقد رصدت إحدى الدراسات بوناً واسعاً بين توقعات كل من شركات النفط العالمية والمنظمات الدولية (أوبك ووكالة الطاقة الدولية) والحكومات والشركات المنتجة للسيارات والمؤسسات المالية الممولة للتقنيات الجديدة. إذ يلاحظ في هذا الصدد أن صناعة النفط العالمية ممثلة بالشركات الكبرى (أكسون وتوتال والنفط البريطانية وشل وشفرون) ومنظمات الطاقة الحكومية مثل أوبك ووكالة الطاقة الدولية تتجه أكثر إلى المحافظة في تقدير سرعة انتشار وترسخ وقبول المستهلكين للسيارات الكهربائية مقارنة بدرجة أعلى من التفاؤل حول ذلك من ممثلي صناعة السيارات وهذا البون الشاسع بينهما، كما يتضح من الجدول 2.2.1 ، يضيف إلى حالات اللايقين حول جانب هام من أطروحة قرب الوصول إلى “ذروة الطلب على النفط” التي سيأتي عرضها لاحقاً.
جدول 2.2.1: اختلاف تقديرات معدل انتشار السيارة الكهربائية بأنواعها
النسبة من عدد السيارات في الطرق بالمائة | السنة | |
شركات السيارات | ||
فولفو | 74 | 2025 |
مرسيدس | 20 | 2025 |
هوندا | 40 | 2030 |
فولكس فاجن | 25 | 2025 |
شركات النفط العالمية والمنظمات الدولية | ||
إكسون | 23 | 2040 |
البترول البريطانية | 15 | 2040 |
توتال | 23 | 2030 |
ستاتويل | 30 | 2030 |
أوبك | 12 | 2040 |
وكالة الطاقة الدولية | 14 | 2040 |
المصدر:
Marianne Kah, “Electric Vehicles and their Impact on Oil Demand: Why Forecasts Differ?” Centre on Global Energy Policy, (New York: Columbia University, July 2018).
IEA Global EV Outlook 2019: Scaling up the transition to electric mobility (IEA, May 2019).
ولاحظت دراسة أخرى أن تقديرات كل من تلك الجهات تتعرض لمراجعة سواء لأسباب سياسية أو لتغير في الفرضيات أو المعطيات التقنية والاقتصادية والمالية التي يتم الاستناد عليها. مثلاً بينما أظهر تقرير أوبك السنوي حول آفاق السوق العالمية للنفط عام 2015 أن أسطول السيارات الكهربائية قد يصل عام 2040 إلى 50 مليون، جرى رفع النسبة في التقارير اللاحقة لتصل في تقرير عام 2019 إلى 300 مليون سيارة لذلك العام. وعدلت شركة إكسون تقديراتها حول حصة السيارات الكهربائية من عدد السيارات في الطرق عام 2040 من 9 بالمائة في تقرير 2017 إلى 23 بالمائة في تقرير عام 2019.[8]
ويعتبر تقرير بلومبرج السنوي حول معدل ترسخ السيارات الكهربائية الأكثر تفاؤلاً، إذ يقدر تقرير عام 2019 أن يصل أسطول السيارات الكهربائية في العالم بحلول عام 2040 إلى نحو 548 مليون سيارة تشكل نحو 32 بالمائة من أسطول السيارات (مقارنة بتقديرات لها في عام 2016 أن تصل إلى 23 بالمائة). وتتوقع بلومبرج أن يؤدي الوصول إلى النسب المشار إليها إلى انخفاض مستدام في الطلب على النفط بنحو 7.3 مليون برميل يومياً. أما وكالة الطاقة الدولية فتقدرها في سيناريو العمل بسياسات الدول القائمة أو المخطط لها أن تصل إلى 130 مليون بحلول عام 2030، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في الطلب المتوقع بنحو 2.5 مليون برميل يومياً. أما في سيناريو الوفاء بمبادرة السيارات الكهربائية (وهي منتدى حكومي يضم في عضويته دول تصل استثماراتها في تقنيات تلك السيارات إلى 90 بالمائة من الاستثمارات العالمية) الذي يستهدف وصول حصة تلك السيارات إلى 30 بالمائة عالمياً، تقدرها الوكالة أن تصل إلى 250 مليون سيارة يكون نصيب الصين منها 57 بالمائة، مما يؤدي إلى انخفاض 4.3 مليون برميل يومياً في الطلب على منتجات النفط في ذلك العام. ويتوقع بنك أمريكا (Bank of America) وصول مبيعات السيارات الكهربائية إلى 10 بالمائة من مبيعات السيارات عام 2030 و20 بالمائة عام 2050. بينما تتوقع شركة النفط البريطانية (BP) أن يزداد حجم أسطول السيارات الكهربائية بنوعيها بنحو ستين ضعفاً ليصل إلى 70 مليون من إجمالي الزيادة في عدد المركبات بنحو 900 مليون مركبة عام 2035.
ومع أن معدل انتشار السيارات الكهربائية وترسخها يعتمد على فرضيات عدة، إلا أنه ثمة توافق عام حول سرعة اعتمادها وإن كان تاريخ ترسّخها في السوق (penetration) ما زال موضع أبحاث ودراسات ونماذج محاكاة. ومن ذلك مقارنة الفترة الزمنية التي أدت إلى صعود تقنيات جديدة على أنقاض تقنيات أخرى وتطبيقها على السيارات الكهربائية. فالكاميرات الرقمية أدت إلى الاستغناء كلياً عن كاميرات الأفلام خلال 15-20 سنة، وأزاحت الأقراص المدمجة DVD أشرطة VHS خلال 10 سنوات، والهواتف الذكية حلت محل الهواتف النقالة في أقل من ذلك. وحاولت إحدى الدراسات تتبع مسار ترسخ التقنيات الجديدة البديلة خلال القرن العشرين (كالسيارات والثلاجات والتلفاز والغسالات والمكيفات والاسطوانات المدمجة) في الولايات المتحدة ومحاكاة السيارات الكهربائية بها. ولاحظت تلك الدراسات أن الوصول إلى نسبة أكثر من 80 بالمائة ترسخ لتلك التقنيات قد استغرق نحو 20-30 سنة بعد نمو 1 بالمائة في انتشارها، وهو ما حدث للسيارات الكهربائية. وبافتراض نمو سنوي 2.5 بالمائة في مبيعات السيارات الكهربائية وفرضيات أخرى حول عمرها الزمني، استنتجت الدراسات أن حصتها من مبيعات السيارات عموماً قد تصل إلى 20-60 بالمائة عام 2030 وتشكل حينها 7-22 بالمائة من أسطول السيارات في العالم، وأن النمو والترسخ سيكون أسرعه في الصين وأنه بحلول عام 2050 ستكون حصة تلك السيارات من رصيد أسطول السيارات نحو النصف.[9]
ولعل التطور التقني الأهم الذي ساهم في ارتفاع حجم مبيعات ورواج السيارة الكهربائية هو ذلك المتعلق بمدى وتكلفة وسرعة شحن البطارية التي تسيَرها. فقد ساهم تطور الحواسيب والهواتف المحمولة والذكية في تطوير بطارية Lithium-ion وقدرتها على تخزين الطاقة قبل إعادة الشحن، إذ ارتفع المدى الذي يمكن أن تسير به المركبة الكهربائية قبل إعادة الشحن من نحو 120 كيلومتر إلى نحو 500 كيلومتر خلال السنوات الخمس الماضية باختلاف نماذج تلك السيارات. كما انخفضت تكلفة البطارية خلال الفترة بشكل كبير من 1160 دولار لكل كيلو وات/ ساعة عام 2010 إلى 176 دولار عام 2018، وأعلنت شركة تسلا أنها تهدف إلى 100 دولار عام 2020 مقارنة بهدف وزارة الطاقة الأمريكية خفضها إلى 125 دولار كمتوسط للسيارات المنتجة بحلول عام 2022.[10]
وبموازاة ذلك تم خفض الوقت اللازم لإعادة شحن البطارية، ولا يزال ذلك في انخفاض متواصل (Economist 2017). فسيارة مثل شيفروليه فولت (Volt) تتطلب 4-10 ساعات لإعادة شحن بطاريتها وهي مدة طويلة لا تساعد على رواج السيارة على الرغم مع أن إعادة الشحن خارج أوقات الأحمال القصوى للتيار الكهربائي تساهم في خفض تكلفة الشحن وفي زيادة معدل تشغيل التيار. أما البنية الأساسية، ففضلاً عن معدات الشحن المنزلية في بعض الدول، انتشرت مراكز إعادة الشحن (EVSE) العامة حيث بات هناك شاحن واحد لكل 40 سيارة كهربائية في العالم عام 2016. وقد ارتفع عدد تلك المحطات خلال الخمس سنوات الماضية بنحو أربعة اضعاف في الولايات المتحدة وثلاثة أضعاف في ألمانيا ونحو عشرة أضعاف في الصين. وتختلف المعدلات بين الدول اعتماداً على مستوى انتشار السيارات الكهربائية والبنية الديموغرافية والهيكلية والسياسات الحكومية وأنظمة المرور، وغيرها. على سبيل المثال، تصل حصة الصين من أسطول السيارات التي تعتمد على شحن بطارياتها (بنوعيها BEV وPHEV) إلى نحو 35 بالمائة، ويقدر أن لديها أكثر من ثلاثة أرباع محطات إعادة الشحن.
ومع أن صناعة السيارات كانت مترددة في البداية في الدخول في مجال إنتاج السيارات الكهربائية، إلا أن السياسات الحكومية والرأي العام والتحدي الذي أطلقته تويوتا في نموذجها بريوس للسيارة الهجينة بداية القرن الحالي ونماذج تسلا من السيارات الكهربائية دفع معظمها إلى إعادة النظر. وتشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن الخطط الخاصة بإنتاج السيارات الكهربائية لأكبر 20 شركة للسيارات في العالم تستحوذ على 75 بالمائة من مبيعات السيارات ستؤدي إلى زيادة مبيعات تلك السيارات من 2 مليون حالياً إلى 20 مليون عام 2030 بزيادة في حصتها من إجمالي المبيعات من 2 بالمائة إلى 15 بالمائة، وأنها تخطط لاستثمار 300 مليار دولار في الأبحاث والتطوير لذلك الغرض، وأنه بحلول 2025 سيكون نحو 350 من تلك السيارات منتشراً في طرق العالم.
وتتصف سوق السيارات الكهربائية حتى الآن بالثنائية، حيث الدول (والولايات أو المدن) ومقتني تلك السيارات هم الأعلى دخلاً، وفي العديد من الأحيان يقتنيها المشاهير (غالباً لتسجيل موقف داعم للتوجهات البيئية) وبالنسبة لبعضهم تعتبر تلك السيارة الثانية أو أكثر في أسطولهم. ويرى البعض أنه في حال تشبع طلب هؤلاء فإن مسار الطلب على السيارات الكهربائية قد لا يكون بذات الوتيرة المشهودة خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الإعانات التي تستطيع الدول المتقدمة أن تقدمها لمنتجي ومشتري تلك السيارات تجاوباً مع الرأي العام ومع خططها البيئية، ليس بمقدور الدول النامية تحمل تقديمها لأن الرأي العام فيها لم يصل بعد إلى حاله في الدول الصناعية. ولأن السيارات التقليدية لا تزال أقل كلفة من السيارات الكهربائية، هذا إضافة لحاجة تلك الدول إلى تشييد بنية أساسية من محطات إعادة شحن أو قدرات كهربائية إضافية لهذا الغرض.
وقد وضع عدد كبير من حكومات الدول (وخصوصاً الصناعية) سياسات عدة لإنتاج وتطوير وترويج تقنيات استخدام السيارات الكهربائية والخدمات المتصلة بها (كمحطات إعادة الشحن)، والتي وصل عددها عام 2018 إلى 5.2 مليون محطة بزيادة 44 بالمائة عن العام السابق، ووضع العديد منها أهدافاً محددة لنسبة السيارات الكهربائية المنتجة لديها أو لحركة السيارات التقليدية في المدن، بل واتجه البعض منها كبريطانيا والسويد إلى تحديد تاريخ بعينه لوقف إنتاج سيارات الاحتراق الداخلي. على سبيل المثال تتمتع السيارات الكهربائية في الصين بإعفاءات ضريبية تتراوح بين 6 آلاف دولار لسيارات PHEV إلى 10 آلاف دولار لسيارات BEV، وتمنح فرنسا حافز ضريبي يتراوح بين ألف وسبعة آلاف دولار لنوعي السيارات. وتعتمد الحوافز في اليابان على الفرق بين سعر تلك السيارات وسعر السيارات التقليدية وبحد أقصى 7800 دولار، وتعفي النرويج مشتري تلك السيارات من ضريبة المبيعات. وفي الولايات المتحدة تتمتع مبيعات السيارات الكهربائية بإعفاء 7500 دولار على المستوى الفيدرالي إضافة لما تقدمه حكومات الولايات من إعفاءات كإعفاء كاليفورنيا 2500 دولار. يضاف إلى ذلك حوافز أخرى كالإعفاء من رسوم الطرق في الدول التي تطبقها وأحقية استخدام مسارات في المدن أو من رسوم التوقف في بعض المدن وحوافز ضريبية وأهداف محددة لإنتاج تلك السيارات. وتلك الحوافز والإعانات قد يكون أثرها على المالية العامة محدوداً طالما كان حجم المبيعات من السيارات الكهربائية منخفضاً، فمبيعات مليون سيارة تحتاج حوافز مباشرة بنحو 4-5 مليار دولار ولكن مائة مليون سيارة مثلاً تحتاج إلى دعم عالٍ قد لا يكون مستداماً. أما من جهة تقبل المستهلكين لتلك السيارات والعوامل التي تؤثر على تفضيلاتهم فما تزال الأبحاث تتوالى حول هيكل ومحددات الطلب في كل سوق للتغلب على الانطباعات المسبقة أو التوقعات المفرطة تشاؤماً أو تفاؤلاً حول خصائص تلك السيارات، هذا إضافة إلى تأثر التطور التقني في إنتاج البطارية بأسعار مدخلاتها كالكوبالت والتوسع في إنشاء بنية إعادة الشحن العامة.[11]
واستناداً إلى تلك التطورات التقنية وإلى النمط التاريخي للتحولات في نظم الطاقة المشار إليها، وكذلك نتائج مؤتمر باريس للتغير المناخي وما نتج عنه من التزامات طوعية لخفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري، ابتدأ المحللون ومراكز الأبحاث وممثلو صناعة النفط والغاز منذ عام 2010 بتناول موضوع التحول الجديد في نظام الطاقة، وأركانه الأساسية ما يلي:
- تباطؤ معدلات نمو الطلب على الطاقة ليستقر عند أقل من 1 بالمائة سنوياً حتى عام 2040 وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. وهذا التباطؤ ناتج عن تحسن كفاءة استخدامها في جميع القطاعات والصناعات والدول وضعف ارتباط النمو الاقتصادي بذلك الطلب، وهذا استمرار لنمط لم ينقطع طوال القرنين الماضيين وإن تسارع خلال فترات تاريخية معينة (مثلاً في أعقاب ارتفاع أسعار النفط في السبعينات ومنذ بداية هذا القرن).
- نمو سنوي متواضع في الطلب العالمي على كل من: الفحم (0.2 بالمائة) والنفط (0.4 بالمائة) ونمو أعلى في استخدام الغاز (1.6 بالمائة) باعتباره أقل بعثاً لغاز ثاني أكسيد الكربون عند الاحتراق مقارنة بالفحم والنفط.
- نمو متسارع في الطاقات المتجددة (شمسية ورياح) في قطاع توليد الكهرباء بنحو 7 بالمائة سنوياً بحيث تستحوذ على 62 بالمائة من الزيادة في طاقة التوليد العالمية خلال 2017-2040 وترتفع حصتها من استهلاك الطاقة من 4 بالمائة إلى 16 بالمائة في تلك الفترة.
- تحول مركز ثقل الطلب العالمي على الطاقة وعلى النفط من الدول الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية وشرق آسيا، إلى الدول النامية التي استحوذت منذ بداية القرن الحالي حتى الآن على 93 بالمائة من الزيادة العالمية في استهلاك الطاقة وعلى جُل الزيادة الصافية في استهلاك النفط لتصل حصتها إلى نصف الاستهلاك العالمي بعدما كانت أقل من 15 بالمائة منتصف القرن الماضي.
وتجدر الإشارة هنا بأن دراسة التجارب التاريخية للتحولات في نظام الطاقة، كالتحول من الأخشاب إلى الفحم ومنه إلى النفط وتفاصيل ذلك التحول، مهم في تحليل اتجاه وسرعة ومجال التأثير وردود الفعل تجاه التحول الجديد الذي تظهر بوادره في الوقت الراهن: من الوقود الأحفوري إلى الطاقات المتجددة ومن وسائط النقل المعتمدة على منتجات النفط إلى تلك المعتمدة على البطارية القابلة للشحن أو الغاز الطبيعي. ولكن يجب الاستدراك بأن لكل مرحلة تحوّل ظروفها الاقتصادية والتقنية والسياسية والديموغرافية وطبيعة ودور الفاعلين فيها. فالتحولات التاريخية السابق الإشارة إليها كانت ظرفية تمليها وتسيرها وتؤثر على سرعتها اعتبارات وهياكل السوق والوضع المؤسسي للبحث والابتكار، أما التحول الحالي فهو يسير بشكل مخطط، تؤثر فيه وتحفزه السياسات الحكومية والاتفاقات والمواثيق الدولية، وتطغى عليه الاهتمامات البيئية، ويجري في ظل وضع مؤسسي ومالي للابتكار أكثر تنوعاً وديناميكية من التحولات السابقة في نظام الطاقة. ويتاح في الوضع الحالي للمتابعين والمحللين بناء نماذج محاكاة بالغة التعقيد لسبر أغوار ذلك التحول. ويرى البعض أن التحولات الجديدة تدفعها الرغبة في إيجاد الحلول (Problem-Driven) بينما التحولات التاريخية في نظم الطاقة كانت في الغالب تحولات لاغتنام الفرصة (Opportunity-Driven)، لذلك سيكون التحول الجاري أسرع من التحولات السابقة التي كانت تعنى باختيار مزيج الطاقة الأقل كلفة، بينما التحول الجاري يعني بتعديل ذلك المزيج لدواعي الاستدامة.[12]
ومن الملاحظ أن النظام الحالي للطاقة القائم على تسيد مصادر ناضبة (النفط والغاز) يتركز إنتاجها في مناطق محددة (الشرق الأوسط) قد جعل من موضوع “أمن إمدادات الطاقة” هاجساً ومحدداً لسياسات الحكومات، لكن ذلك لا يعني أن النظام الجديد لا ينطوي على تحديات مماثلة. فالطاقات المتجددة وإنتاج البطاريات للتخزين يعتمد (إضافة إلى التقنيات والاستثمار) على توفر موارد تعدينية هي الأخرى ناضبة ويتركز إنتاجها في دول ومناطق محددة. فالتحول الجديد له ديناميته وتحدياته وقد لا تتاح له “الطاقات الفائضة” المرتبطة بإنتاج النفط، مثلاً تلك المتاحة في النظام الحالي للنفط والتي اعتبرت على مر التاريخ “احتياطاً” يحد من تأثير انقطاع الإمدادات في النفط، كما أن البنية الأساسية للنظام الحالي التي جرى بناؤها خلال قرون من الصعب استبدالها ببنية أخرى لنظام جديد. ويوضح الجدول 2.2.2 الموارد المستخدمة في أوجه التحولات المشار إليها ومستوى تركز احتياطاتها.
جدول 2.2.2: بعض الموارد المعدنية اللازمة لإنتاج الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية ونسب تواجد احتياطاتها
السيارة الكهربائية والبطارية |
طاقة الرياح | الطاقة الشمسية | المعدن |
غينيا وأستراليا والبرازيل وفيتنام 65% | بوكسايت | ||
تشيلي وأستراليا وبيرو وروسيا 60% | نحاس | ||
استراليا والصين وروسيا 74% | الرصاص | ||
الصين وأستراليا وبيرو والهند 63% | الزنك | ||
تشيلي وأستراليا والأرجنتين والصين 85% | ليثيوم | ||
الصين والبرازيل وفيتنام 73% | Rare Earth | ||
الصين وأستراليا وكندا وجنوب افريقيا 62% | تيتانيوم |
المصدر: مصادر متعددة من تجميع المؤلف
ويرى آخرون أن جانباً من تحولات الطاقة وخصوصاً على مستوى الدول قد يكون سريعاً وأقل تكلفة على الاقتصاد والمجتمع، خصوصاً إن كان ذلك ناتجاً عن أزمة في قطاع الطاقة لديها أو في اقتصادها. بل يلاحظ أن التحول السريع لم يكن القاعدة بل الاستثناء. فقد تمكنت البرازيل بعد أزمة ارتفاع أسعار الجازولين لديها في السبعينات من القرن الماضي من تبني استراتيجية عام 1975 لتطوير الوقود العضوي من قصب السكر (الإيثانول) بديلاً لمنتجات النفط المستورد حينها، وبعد ست سنوات فقط تمكنت من تحويل نحو 90 بالمائة من مبيعات السيارات فيها إلى الوقود البديل. وبالمقابل تبنت فرنسا في ذات العقد استراتيجية للتحول نحو الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وبعد نحو عشر سنوات أصبح نصف ذلك التوليد تقريباً يعتمد على تلك الطاقة. إن التحول السريع نسبياً في إطار الدول فرادى لا يعني بالضرورة إمكانية امتداده عالمياً ولكن لا يلغيه بالكامل بالنظر إلى التغيرات الهيكلية التي نلاحظ بوادرها اليوم.
وبينما كانت دوافع التحولات السابقة للتحول من مصدر طاقة إلى آخر تؤثر فيها الأسعار وكفاءة الاستخدام ووفرة المصادر، تأثرت بوادر التحول إلى النظام الجديد بداية القرن الحالي بأطروحات نضوب النفط وأقصى تجلياتها “ذروة إنتاجه” أي قرب وصول إنتاجه إلى ذروته الطبيعية وبداية انخفاضه. فقد ساهمت حقيقة تدني الإنتاج من حقول النفط العملاقة بسبب تقادمها وضرورة تعويض انخفاض انتاجيتها (تقدر بنحو 4 بالمائة عالمياً) في تضخيم ذلك التحدي وبروز تلك الأطروحات. وقد واجهت الصناعة النفطية منذ بداياتها تحدي انخفاض الإنتاجية عن طريق البحث والتطوير وتكثيف الاستثمار في مناطق وحقول أقل غزارة وتطوير مصادر بترول في أعماق البحار أو القطب الشمالي أو غير تقليدية كالنفط الصخري ورمال الزيت وغيرها، وساهم التقدم التقني والأسعار في إيجاد حلول أضافت إلى الاحتياطي عبر الزمن وأطالت من العمر الافتراضي للنفط. على سبيل المثال، بينما قدرت نسبة الاحتياطي الثابت من النفط عام 1950 بنحو 15 عاماً، ارتفع التقدير إلى 30 عاماً في 1980 وإلى 50 عاماً الآن، على الرغم من استنزاف ما يقارب حجم الاحتياطي الحالي خلال تلك المدة. وقد أدى هذا وغيره من عوامل إلى تراجع الاهتمام العالمي عن التركيز على الندرة وشح الموارد، وتجلياتها في أطروحة “ذروة إنتاج” النفط وضرورة تقييد إنتاجه للأجيال القادمة، ليحلّ محلها منذ عام 2010 التركيز على الوفرة وتجلي ذلك في أطروحة “ذروة الطلب” على النفط. وقد أدى تطوير الطاقات المتجددة وكهربة قطاع النقل إضافة إلى تحسن كفاءة استخدام الطاقة وهواجس أمن الإمدادات والمسار العالمي لمواجهة ظاهرة التغير المناخي إلى بروز أطروحات عدة مرتبطة بالتحول في نظام الطاقة، منها أطروحة ذروة الطلب على النفط، وانتهاء عصره، واحتمال بقاء جانب كبير من احتياطاته غير مستغلاً، وتضاؤل الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.
أطروحة وصول الطلب على النفط إلى الذروة
تنطلق أطروحة ذروة الطلب على النفط من تباطؤ معدلات نمو الطلب عليه في الدول الصناعية، بل وبدء انخفاضها في أوروبا واليابان منذ منتصف العقد الأول من القرن الحالي بنحو 1.5 بالمائة سنوياً، وانتشار سياسات مواجهة التغير المناخي على مستوى العالم، والتقدم التقني في قطاع النقل، والتوسع في إنتاج واستخدام الغاز، وتحسن كفاءة استخدام منتجات النفط في المركبات وغيرها. لذلك تستنتج الأطروحة وصول الطلب على النفط إلى الذروة التي يختلف توقيتها باختلاف الفرضيات التي تستخدمها الجهة المعنية. على سبيل المثال، تقدر شركتي النفط البريطانية وتوتال الفرنسية توقيت ذروة الطلب عالمياً بأوائل عام 2040، بينما تقدرها شركة شل بين 2025-2030، وتقدرها شركة أكوينور (ستاتويل سابقأً) النرويجية عند عام 2030. أما وكالة الطاقة الدولية، فيُستنتج من إحدى سيناريوهاتها أن الذروة يمكن أن تبدأ عام 2040. وتقدرها سكرتارية أوبك بعام 2029 في سيناريو تطبيق مستهدفات مؤتمر باريس للتغير المناخي عام 2015. ويقدرها صندوق النقد الدولي عامي 2030 أو 2042 اعتماداً على سيناريو الرواج السريع أو البطيء للسيارة الكهربائية. وبالغت بعض الدراسات في توقعاتها حيث قدر بعضها احتياطي النفط الذي لن يستخدم مطلقاً، أو ما اصطُلح عليه في الأوساط الصناعية بتعبير “الأصول العاطلة” (Stranded Assets) بما يتراوح بين 500 و600 مليار برميل بحلول عام 2035، أي نحو نصف الاحتياطي الحالي، وأن نحو نصف ما يجري تطويره حالياً من احتياطي البترول في المياه العميقة لن يكون مجدياً.[13]
ومع أن التحول الجديد في نظام الطاقة لا يقتصر على التنبؤ “بذروة الطلب” على النفط، بل يستند على تحول نظام الطاقة وبالتالي تحول الاقتصاد إلى مرحلة ” تقليص محتواه الكربوني” (Low Carbon Economy)، أي استخدام مصادر لا ينبعث عنها كربون للنتاج السلعي والخدمي من خلال استخدام الطاقات المتجددة بديلاً عن الفحم والغاز في توليد الكهرباء، وانتشار السيارة الكهربائية بديلاً عن سيارة آلة الاحتراق الداخلي، وتغير أنماط التنقل، وتحول اقتصاد الصين تدريجياً نحو قطاع الخدمات الأقل استخداماً للوقود الأحفوري، واستمرار التحسن في كفاءة استخدام الطاقة، بل وتسارعها وانتشارها، كل ذلك مصحوباً بتطور تقني مذهل. ولكن جرى التركيز على أطروحة “ذروة الطلب” على النفط في ذلك التحول بسبب موقعه المركزي في نظام الطاقة الحالي وأبعاده الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. وبينما لا يزال الجدل حول ذروة الطلب على النفط محتدماً، كما الحال مع سابقه “ذروة الإنتاج”، إلا أن ما يجري من تحولات في نظام الطاقة عموماً سيستمر، وسيكون دور حكومات الدول المختلفة سواء مصدرة أو مستوردة لمصادر ومنتجات الطاقة مركزياً في التأثير على اتجاه وسرعة التحول، اعتماداً على ما لديها من موارد ومتانة هياكلها ومستويات نموها الاقتصادية ووضعها المؤسسي ومستوى تطورها التقني وغيرها من عوامل.
وتجدر الإشارة إلى أن مآل أطروحة ذروة الطلب قد لا يكون مشابهاً لما آلت عليه أطروحة ذروة الإنتاج. ففي الأولى مثّل اتجاه التطور التقني (تطوير تقنيات الاستكشاف والحفر والإنتاج مما زاد من قاعدة الموارد) وظروف وأسعار النفط (مما حسن من جدوى إنتاج النفط غير التقليدي أو في أعماق البحار أو القطب الشمالي) عواملاً هامة في ضعف جاذبيتها. أما في الأطروحة الثانية، فمن المتوقع أن يساهم العاملان في جاذبيتها للباحثين وصناع القرار (سواء التقدم التقني والتحول الرقمي أو تحسن الجدوى الاقتصادية). ويلاحظ بالنسبة للدول المنتجة للنفط أن كلا الأطروحتين لم تؤثّرا على السياسات التي تنتهجها في الإنتاج والاستثمار في الموارد النفطي. فلم تتبنى أي منها مقولة ذروة الإنتاج إبان رواجها خلال العقود الماضية، والقائلة بأن “البرميل في باطن الأرض أجدى من البرميل المنتج”، وما تنطوي عليه المقولة من خفض الاستثمارات والحد من التوسع في الإنتاج، ولم تتبنى حديثاً أيضاً ما تنطوي عليه مقولة ذروة الطلب من استنزاف متسرع للاحتياطي وأن ” البرميل المنتج آنياً أجدى من ذاك في باطن الأرض”. وانتهجت في كلاهما وفي الغالب سياسات إنتاج واستثمار وفقاً لما تمليه حاجة السوق واحتياجاتها المالية وبما يحافظ على كفاءة الإنتاج.
وقد يحدث تحول باتجاه معين وبسرعة في دولة ما ولكن باتجاه آخر وببطء في أخرى. ففي الدول المنتجة للنفط مثلاً قد يتحول نظام الطاقة من الاعتماد على النفط في توليد الكهرباء إلى الغاز أو الطاقات المتجددة، وقد يتم تحول الصين وغيرها من الفحم إلى الغاز والطاقات المتجددة. وقد يكون خيار التوليد بالطاقة النووية مقبولاً ومتاحاً في دول وغير ذلك في دول أخرى. وهذا الاختلاف بين الدول سينعكس على سرعة التحول في الإطار العالمي الذي يأخذ بعداً زمنياً أطول من التحولات في كل دولة على حدة. علماً بأن الدول التي تبدأ التحول متأخرة عن غيرها تستفيد من تجارب من سبقها مما يجعل زمن وتكلفة التحول لديها أقل. وكمثال على ذلك استفادت العديد من الدول من تجربة ألمانيا في تطوير الطاقات المتجددة أو تجربة الصين في إنتاج السيارات الكهربائية وترويجها. أما لماذا تبدأ دول في التحول قبل غيرها فذلك يعود إلى درجة انعكاس التغيرات الاجتماعية والمؤسسية في كل منها على جوانب علاقات الطاقة التقنية والاقتصادية أو العكس، وهذا الانعكاس قد يفسر بدء تحول كل من ألمانيا والصين قبل غيرهما نحو الطاقات المتجددة أو تصنيع السيارات الكهربائية.
إن الوصول إلى الذروة في الطلب ليس مؤكداً خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار إمكانية التراجع أو التباطؤ في المسار نتيجة الأسعار أو السياسات أو التقدم التقني. على سبيل المثال، يلاحظ أن انخفاض الأسعار خلال 2015-2017 قد أثر إيجاباً على الطلب، الذي ازداد خلال الفترة بنحو 800 ألف برميل يومياً في الولايات المتحدة ونحو 930 ألف برميل يومياً في أوروبا، مقارنة بانخفاض 600 ألف و1.9 مليون برميل في كل منهما خلال الفترة 2000-2014. أما من ناحية السياسات، فيلاحظ مثلاً تراجع إدارة الرئيس ترامب عن سياسة سلفه بشأن اتفاقية باريس حول التغير المناخي وتجميده الأهداف الطموحة (على المستوى الفيدرالي) لخفض الانبعاث من المركبات وفق مواصفات CAFE. أما التقدم التقني فيلاحظ استمرار صناعة السيارات في تطوير كفاءة آلة الاحتراق الداخلي وزيادة الاستثمارات فيها. أي أن التحول لن يكون ذا اتجاه تنازلي واحد بل لا بد ستواجهه منعطفات تؤثر على مساره وبالتالي على توقيت ذروة الطلب.
وبالنظر إلى المسار التاريخي، يُلاحظ أن معدلات النمو في الطلب على الطاقة والنفط عموماً استمرت بالانخفاض طوال العقود الأربعة الماضية بسبب سياسات وأنماط الترشيد في طرق الإنتاج والاستهلاك. فقد انخفضت كثافة استهلاك النفط عالمياً بنحو النصف، من نحو 1.7 برميل لكل 1000 دولار من الناتج المحلي بالأسعار الثابتة منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي إلى 0.8 برميل حالياً. وهذا النمط من المتوقع أن يستمر خلال العقود القادمة بمعدل كفاءة سنوي بين 1-2 بالمائة. وعلى الرغم من النمط العام للتوقعات المفرط بالتشاؤم حول الطلب العالمي على النفط للأمد الطويل، تتوقع وكالة الطاقة الدولية في الحالة الأساسية التي تفترض استمرار العمل بالسياسات الحالية أن ينمو الطلب العالمي بنحو 0.6 بالمائة حتى عام 2040 (وانخفاضه في الدول الصناعية وزيادته في الدول النامية) مقارنة بنمو 1.4 بالمائة منذ عام 1975 حتى الآن. أما في حالة سيناريو التنمية المستدامة أو اتخاذ سياسات متشددة لخفض انبعاث غازات الدفيئة (وأهمها ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرق الوقود الأحفوري) للوصول إلى درجة زيادة سخونة في الأرض لا تتجاوز 2 درجة مئوية، فتتوقع انخفاضاً في نمو الطلب العالمي على النفط بمعدل 1.5 بالمائة سنوياً، أي انحسار الطلب من نحو مائة مليون برميل يومياً الآن إلى أقل من 70 مليون برميل يومياً عام 2040. وتتوقع شركة النفط البريطانية أن يكون التأثير الأكبر في الطلب على النفط قادماً من النمو في حركة التنقل وتغير أنماطه وأن الطلب على النفط في قطاع النقل سيبقى عند مستواه الحالي تقريباً بحلول عام 2040، حيث ستغطي الزيادة في الطلب على حركة النقل – خصوصاً في الدول النامية – الانخفاض في الطلب الناتج عن كفاءة المركبات وانتشار السيارة الكهربائية في الدول الصناعية.
انعكاس التحولات في نظام الطاقة على الدول العربية المنتجة للنفط والغاز
على الرغم من التبشير بالتحول في نظام الطاقة وقرب نهاية عصر النفط، إلا أنه من المهم أيضاً الإشارة إلى أن “عصر النفط” ذاته قد مر بتحولات وتحديات طوال مسيرته الممتدة لنحو قرن حتى الآن، بدءاً باحتكار ستاندرد مروراً بتنظيم الإنتاج من خلال سكة حديد تكساس ثم الأخوات السبع وانتهاء بهيمنة أوبك التي مرت بتحولات بدءاً من الأسعار المثبتة وانتهاء بحصص الإنتاج والأسعار المرنة. وتحولات تلك المرحلة تُظهر أن الانتقال من منظومة إلى أخرى يتطلب فترات زمنية طويلة وتوترات وانعكاسات على قطاعات وتطورات تقنية ومؤسسية وتقلبات حادة في الأسعار والإنتاج. فالنفط الذي ابتدأ استخدام منتج منه في إنارة المصابيح تطور استخدامه إلى قطاع توليد الكهرباء والنقل البحري فالبري ثم الجوي، وتطور لاستخدامات صناعية كالبتروكيماويات. ومن كونه يلبي حاجة العالم الصناعي امتد ليشمل حضارة القرن العشرين بالكامل.
وفي ظل نظام التحول الذي تمت الإشارة إلى ملامحه تعمل المنظمات العالمية والشركات على وضع توقعات وسيناريوهات حول الطلب والعرض للسنوات العشرين أو الثلاثين القادمة، تشتمل افتراضات حول التحسن في كفاءة الاستخدام والنمو الاقتصادي والسكاني والحضري وتطور الطاقات البديلة وقطاع النقل والاستخدامات الصناعية للنفط. وتبني تصورات حول الإنتاج والاستثمارات وهيكل التكاليف وسياسات الحكومات وتبني السيناريوهات من وحي المرحلة ومن قراءتها للمستقبل، وتلك تختلف من جهة لأخرى. فإذا نظرنا إلى توقعات الحالة المرجعية لكل من منظمتي أوبك ووكالة الطاقة الدولية اللذان يمثلان مجموعتي الدول المنتجة والمستهلكة، يُلاحظ تحفظ الثانية فيما يتعلق بالطلب، حيث تقدر زيادته بإجمالي 7.6 مليون برميل يومياً خلال 2018-2040 بينما تقدر أوبك زيادته بنحو 12 مليون برميل يومياً خلال نفس الفترة. وتتفق توقعات المنظمتين بأن يستحوذ قطاع النقل (وخصوصاً النقل الجوي) على الحصة الأعلى من الزيادة يليها طلب القطاع الصناعي (خصوصاً البتروكيماويات التي تشكل نحو نصف طلب القطاع الصناعي في كلا التقديرين). وبينما تتوقع وكالة الطاقة استمرار نمو الإنتاج من خارج أوبك، تتوقع أوبك تباطؤه، مما ينعكس على تقديراتهما للإنتاج المتوقع من أوبك كما يوضح الجدول 3. ويجدر التنويه هنا بأن اختلاف التقديرات لا يعود فقط لاختلاف الفرضيات أو التحيز المؤسسي لكل منهما، ولكن قد يعود إلى اختلاف في تعريفات ومكونات كل قطاع، وتعريف الحالة المرجعية، فالحالة المرجعية في وكالة الطاقة الدولية هي تحقيق السياسات المعلنة أما الحالة المرجعية في أوبك فهي استمرار السياسات القائمة. والجدير بالإشارة هنا أيضاً بأن تلك التقديرات ستكون عرضة للمراجعة في ظل انهيار الطلب العالمي وتغير تقديرات الإنتاج عام 2020 بسبب فيروس كورونا المستجد واحتمال انتقال ذلك التأثير إلى الأمد المتوسط والطويل. وبشكل عام تعتبر تقديرات وكالة الطاقة حول الطلب أكثر تفصيلاً وهي أكثر رواجاً من تقديرات أوبك، علماً بأن منتدى الطاقة الدولي (ومقره الرياض) يحاول أن يوافق بين المنهجيات ويستضيف منذ عشر سنوات منتدى مخصص لذلك، تشارك فيه أوبك والوكالة ومختصين وممثلي الصناعة.
جدول 2.2.3: تقديرات الطلب والعرض من النفط
(مليون برميل يومياً)
2040 | 2018 | |||
وكالة الطاقة الدولية | أوبك | وكالة الطاقة الدولية | أوبك | |
106.4 | 110.6 | 98.8 | 98.7 | الطلب |
44.5 | 47.3 | 42.2 | 44.4 | النقل البري |
16.8 | 15.9 | 12 | 12.7 | أنواع النقل الأخرى (1) |
22.9 | 31.2 | 18.3 | 26.3 | الصناعة والبتروكيماويات |
4 | 4 | 5 | 4.9 | توليد الكهرباء |
18.2 | 12.2 | 21.3 | 10.4 | أخرى |
40.1 | 44.4 | 37.4 | 36.6 | إنتاج أوبك |
31.3 | 35.6 | 31.1 | 30.3 | الزيت الخام |
- تشمل النقل الجوي والبحري وسكك الحديد
المصدر:
World Oil Outlook (Organization of Petroleum Exporting Countries (OPEC) 2019)
World Energy Outlook (International Energy Agency IEA, November 2019)
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تبقى حصة قطاع النقل من الطلب على النفط عند مستوياتها الحالية البالغة 43 بالمائة في اثنين من سيناريوهاتها، وأن تنخفض إلى 34 بالمائة في سيناريو الوصول إلى درجة سخونة كونية 2 مئوية وفق اتفاق باريس للتغير المناخي، وأن تزداد حصة صناعة البتروكيماويات من 19 بالمائة عام 2018 إلى 28 بالمائة في ذلك السيناريو، وأن تزداد حصة النقل الجوي والبحري من الطلب على النفط من 12 بالمائة حالياً في السيناريوهات الثلاثة للوكالة (بسبب قلة البدائل في ذلك القطاع). وفي جميع السيناريوهات يظهر أن الطلب على النفط لتوليد الكهرباء سيستمر في انخفاضه التاريخي منذ عقد الثمانينات ويصل إلى أقل من 2 بالمائة من إجمالي الطلب عام 2040، تاركاً المجال عموماً للطاقات المتجددة والغاز في ذلك القطاع. أما أوبك فإن تقديراتها حول التوزيع القطاعي للطلب في الحالة الأساسية لا تختلف كثيراً عن تقديرات الوكالة، وإن اختلف بناء السيناريوهات لديها لاختلاف توجهها المؤسسي. ويجدر التنويه بأن التقديرات لا تختلف فيما بينها فقط، بل تختلف عبر الزمن كما يتضح من الجدول 4 حول توقعات الطلب والإنتاج للمنظمتين للعام 2030.
جدول 2.2.4: اختلاف تقديرات الطلب والإنتاج عبر الزمن لوكالة الطاقة الدولية وأوبك
(مليون برميل يومياً)
تقديرات إنتاج أوبك 2030 | تقديرات الطلب 2030 | عام صدور التقرير | ||
أوبك | وكالة الطاقة الدولية | أوبك | وكالة الطاقة الدولية | |
43.6 | 42.7 | 113.3 | 106.4 | 2008 |
38.7 | 33.5 | 105.5 | 96.4 | 2010 |
33.8 | 33.6 | 104.2 | 100.5 | 2012 |
33 | 32.9 | 104.8 | 101.3 | 2014 |
36 | 32.8 | 105.5 | 102.8 | 2016 |
34.4 | 33.7 | 108.6 | 104.3 | 2018 |
10.6 | 10 | 9 | 10 | فرق التقديرات |
المصدر: تقارير أوبك ووكالة الطاقة الدولية
إن الاختلاف في التوقعات وافتراضاتها حول الطلب على النفط يستوجب الحذر في تبني أي منها وعدم التسرع سواء في تبني أطروحة انحسار الطلب على النفط القائلة بأن ذلك القطاع آيل إلى التراجع عاجلاً أم آجلاً، أو التسرع بالاستنتاج أنه لا ضرورة للتشاؤم وأن الطلب على النفط سيواصل النمو وأن أسعاره ستتعافى مع ذلك النمو. باختصار، على الدول المنتجة أن تبني سياساتها في قطاع النفط أو في الاقتصاد أو السياسة على أن أي من تلك السيناريوهات ممكن على أرض الواقع، ويجب الاستعداد له. إن ملامح التحول في نظام الطاقة سواء كان بطيئاً أو سريعاً، وإحدى مظاهرها “ذروة الطلب” على النفط سواء كان بعيداً أو قريباً سيكون له انعكاسات على صناعات الطاقة والصناعات والقطاعات المستخدمة لها وعلى الدول المنتجة والمستهلكة لمصادر الطاقة وعلى العلاقات الجيوسياسية. وستكون قدرة الصناعات والقطاعات على التكيف وتغيير نماذج واستراتيجيات أعمالها استعداداً أو استجابة للتحول محدداً لنجاحها واستمرارها. كما وستواجه الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز والمعتمدة اقتصاداتها على إنتاجه وإيراداته وخصوصاً ذات العمر الزمني الطويل لاحتياطاتها (كدول الخليج العربية) خيارات تختلف عما واجهته منذ بداية اكتشاف واستغلال النفط والغاز فيها.
ويجدر التنويه بأن التحولات المشار إليها لا تمثل تهديداً مماثلاً ومباشراً للطلب على النفط والغاز. فالطاقات المتجددة التي تركز على قطاع توليد الكهرباء يمكن أن تؤثر أكثر بكثير على الفحم والغاز نظراً لأن النفط فقد حصته في ذلك القطاع، بل إن الدول النفطية ذاتها تسعى لأسباب بيئية ولدواعي الكفاءة الابتعاد عن النفط في توليد الكهرباء وتتبني استراتيجيات لتطوير الطاقات المتجددة. أما السيارات الكهربائية في حال انتشارها فستؤثر على الطلب على النفط في قطاع نقل الركاب بالمركبات. ولكن في جميع الحالات سيكون التغير في الطلب غير خطي بل متذبذب وتأثير الدول المنتجة على مجرياته محدود، لأن مجال التأثير يأتي من الدول المستهلكة الرئيسية حيث السياسات الموجَّهة والأبحاث والاستثمارات من جهة، وجهود جماعات ضغط البيئة أو الصناعة وكذلك الاتفاقات الدولية من جهة أخرى تسرع أو تباطئ ذلك التحول.
وبالنسبة لشركات النفط العالمية فقد كان نموذج أعمالها في ظل النمو الموجب في الطلب على النفط أن تستمر بالاستثمار لاستكشافه وإنتاجه في جميع الدول والمناطق التي تتمكن من التواجد فيها وتكريره وتسويقه. وقد اختلفت تلك الشركات من حيث الاحتياطي المتاح لديها وانتشارها الجغرافي في مرحلتي الإنتاج والتكرير، ومن حيث درجة إقدامها على المخاطرة وثقافة الأعمال فيها. لذلك قد يؤدي التحول في نظام الطاقة وجانبه الأهم بالنسبة لها (ذروة الطلب على النفط) أو قناعة كل منها باتجاهه وسرعته إلى قيامها بالتحوط سواء بالاستثمار في الغاز باعتباره لا يزال المفضل بيئياً وحيث الطلب عليه مرشح للاستمرار لمدى أطول مقارنة بالنفط. لذلك اتخذ بعض الشركات كشركتي شل والنفط البريطانية ذلك المنحى بزيادة حصة الغاز في عملياتها. وقد يلجأ بعضها للاستثمار في الطاقات المتجددة، وهو مجال أعمال جديد بالنسبة لها. وما تزال معظم الشركات العالمية مترددة في الدخول في هذا المجال لانخفاض العوائد منه مقارنة بإنتاج النفط والغاز، وتعقد وتغير القيود التنظيمية والرقابية في قطاع الكهرباء الذي تخدمه تلك الطاقات، ولأن مصدر قوة تلك الشركات وأساس نموذج أعمالها هو الاستكشاف والإنتاج والتكرير وليس بناء محطات التوليد. بل إن محاولات بعضهم (مثل النفط البريطانية) الاستثمار في الطاقات المتجددة منذ بداية القرن الحالي لم تكن مجدية. إن تردد تلك الشركات في الاستثمار في الطاقات المتجددة لا يعني أنها ستواصل أعمالها كما لو أن التحول لا يعنيها، بل الأرجح أن تعمد إلى تقييم تنافسية أصولها من النفط والغاز وتقنياتها واغتنام الفرص في أي منها وفي أي مكان ومواصلة الاستثمار لجعل تلك المصادر أكثر قبول بيئياً. أي أنها قد تلجأ إلى إطالة عمر مواردها بتقنيات أحدث، عوضاً عن اعتبار أصولها منها عاطلة (Stranded) حسب فرضية اقتراب ذروة الطلب على النفط.[14]
أما الدول التي تعتمد اقتصاداتها على إنتاج وعائدات النفط فستواجه مع شركاتها النفطية الوطنية خيارات مختلفة عن تلك التي تواجهها الشركات العالمية من تداعيات التحول إلى الطاقات المتجددة. فالأفق الزمني لكل منها ونطاق عملياتها وأفق استراتيجياتها يختلف. على سبيل المثال، بينما لا يتجاوز العمر الزمني لاحتياطي الشركات العالمية عشر سنوات فإنه يمتد لعشرات السنين بالنسبة لتلك الدول، وبينما تتوزع أصول شركات النفط العالمية جغرافياً تتركز أصول شركات النفط الوطنية لتلك الدول ضمن حدودها، وبينما تعمل الأولى على تحقيق عائد مجز لمالكيها من عملياتها، تعمل شركات النفط الوطنية إضافة لذلك ضمن برنامج التنمية الوطنية لدولها. لذلك فإن خيار تلك الدول وشركاتها الوطنية بغض النظر عما إذا كان التحول أو “ذروة الإنتاج أو الطلب على النفط” بطيئاً أو سريعاً يتلخص في تحويل أصولها الناضبة في باطن الأرض إلى أصول جديدة مستدامة ناتجة عن استخراج المورد والتصرف بعوائده. وهذا يستتبع تنويع الاقتصاد والإيرادات العامة من جهة وتنويع مصادر استهلاك الطاقة لديها من جهة أخرى، الأمر الذي يعني في الحالتين إعادة هيكلة الاقتصاد وقطاع الطاقة في تلك الدول. ومع أنه يحلو للبعض الحديث مبكراً عن “اقتصاد ما بعد النفط” إلا أن دول الخليج المنتجة للنفط ستبقى لسنوات طويلة منتجة ومصدرة له حتى في ظل أكثر سيناريوهات الطلب تشاؤماً، لأنها تمتلك الاحتياطات العالية وتكاليف الإنتاج الأدنى التي تسمح لها بالاستمرار في الإنتاج لمدى أطول من المنتجين الآخرين. ولأن الطلب على النفط وإن تشير التوقعات إلى تباطؤ نموه في قطاع نقل الطرق بسبب تطوير السيارات الكهربائية، إلا أن معظم التوقعات والسناريوهات تشير إلى نموه في قطاعي النقل الجوي والبحري. كما وأن استمرار انحسار دوره في قطاع توليد الكهرباء يقابله تزايد ونمو دوره في قطاع الصناعات البتروكيماوية.
ولعل جائحة فيروس كورونا COVID-19 التي اجتاحت العالم بدءاً من الصين منذ بداية 2020 وتأثر حركة النقل داخل وبين الدول وتأثر النشاط الصناعي ودخول العالم في مرحلة ركود لم يشهده في التاريخ، يعتبر اختباراً أولياً للسيناريو المتشائم في نظام تحول الطاقة المشار إليه حول “الوفاء بالتزامات مؤتمر باريس للتغير المناخي” وتدمير الطلب على المدى الطويل. ففي خلال عام واحد (بل أشهر قليلة) انخفض الطلب على النفط ومنتجاته بنحو 16 و20 مليون برميل يومياً خلال شهري مارس وأبريل 2020 ويتوقع (حتى كتابة هذه الورقة) أن يبلغ متوسط الانخفاض بنهاية العام بين 4-5 مليون برميل يومياً وهو أكبر انخفاض في تاريخ إنتاج النفط. ومما زاد الأمر تعقيداً بالنسبة للنفط انفراط تحالف أوبك والدول المنتجة الأخرى الذي يسعى لاستقرار وتوازن السوق النفطية ونشوب حرب أسعار، أدت إضافة لانهيار الطلب إلى أكبر انهيار للأسعار منذ عقود. وستؤثر حالة الاقتصاد العالمي وانهيار قيمة الأصول وكذلك انهيار الإيرادات النفطية على النمو الاقتصادي في دول الخليج المنتجة للنفط وعلى قيمة أصول صناديقها السيادية، مما يقلص من مساحة الخيارات المتاحة لديها. بل إن الأزمة أظهرت بعداً آخر لم يراود مخططي السياسات والباحثين في دول المنطقة. فقد جاءت الجائحة و أكثر من نصف سكان دول مجلس التعاون من الوافدين المقيمين، مما جعل إجراءات الاحتراز والحجر التي اتخذتها حكومات الدول لمواجهة الجائحة تشملهم وكذلك المنظومة الصحية ومنظومة الإمدادات. فالاعتماد على النفط وعلى العمالة الوافدة ووضع صناديقها السيادية أضاف أبعاداً أخرى خاصة بتلك الدول، الأمر الذي سيجبرها على إعادة النظر في سياساتها وخياراتها بعيدة المدى.
إن التغيرات في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي ستنتج عن جائحة كورونا لا بد أن تنعكس على وتيرة واتجاه التحول في نظام الطاقة العالمي ومنظومة العلاقات بين الدول. لذلك على دول الخليج العربية أن تسعى لتكون طرفاً فاعلاً في تلك العملية بأن تقوم بتنويع مزيج الطاقة لديها، عن طريق تطوير تقنيات الطاقات المتجددة والرياح لتكون رديفاً هاماً للنفط والغاز في قطاع توليد الكهرباء وتحلية المياه وتوجيه الموارد واتخاذ السياسات الملائمة لذلك. فالمنطقة تعتبر من أعلى مناطق العالم تركيزاً للإشعاع الشمسي، ولدى بعض دولها إمكانات واعدة في طاقة الرياح. ولكن تطوير تلك الطاقات يعتمد على التكلفة البديلة للاستمرار بتوليد الكهرباء باستخدام النفط والغاز بأسعار مدعومة. وحسب المتوسط العالمي، يقدر السعر التعادلي لتوليد ميجا وات/ساعة كهرباء بالطاقة الشمسية بنحو 34.7 دولار لبرميل النفط و5.9 دولار لمليون قدم مكعب غاز، وكلاهما أقل من متوسط الأسعار العالمية، مما يجعل من الطاقة الشمسية بديلاً مجدياً، علماً بأن العروض التي تلقتها مشروعات التوليد بالطاقة الشمسية في دول المنطقة كانت أقل من ذلك ووصلت إلى نحو 23.4 دولار لتوليد ميجا وات/ساعة أواخر عام 2017. وترى إحدى الدراسات أنه استناداً على التعرفة الواردة في العطاءات الفائزة بمشاريع توليد الطاقة الكهربائية بالطاقة الشمسية في كل من السعودية والإمارات خلال 2016 و2017، فإن سعر تعادل النفط والغاز في حال استخدامهما في التوليد عند تلك التعرفة يصل إلى نحو 17.3 دولار للبرميل و2.96 دولار للقدم المكعب من الغاز، وأنه حتى إذا تمت إضافة تكلفة انقطاع التغذية الناتج عن الطاقة الشمسية، فإن الأخيرة ستبقى مجدية في تلك الدول.[15]
وإضافة إلى خيار تنويع مصادر استهلاك الطاقة لديها بتطوير الطاقات المتجددة أو النووية، تواجه دول المنطقة إشكالية واجهتها فيما مضى عندما أممت أو تملكت صناعة النفط، ومفادها التالي: هل ستبقى مصدرة للنفط الخام ومستوردة لتقنيات إنتاجه أم تتوسع في صناعاته اللاحقة كالتكرير والبتروكيماويات وصناعة الخدمات المرتبطة بها؟ وقد حققت دول المنطقة نجاحات متفاوتة في صناعة التكرير والبتروكيماويات وإن لم تنجح كغيرها (مثل ماليزيا والبرازيل والنرويج) في الصناعات والخدمات المساندة لصناعة النفط في مرحلتي الإنتاج والمصب، وهي وإن أقامت مؤسسات بحثية مرموقة (كما في السعودية) إلا أن إنجازاتها في مجال تطوير التقنيات تبقى دون المستوى المأمول. لذلك فإن تطوير الطاقات المتجددة سيواجه ذات الإشكالية: هل يتم استيراد متطلبات تلك الطاقات كالتوربينات أو الخلايا الشمسية أم يتم تصنيعها محلياً، وما هي الشروط والسياسات اللازمة لذلك؟
وعلى خلاف شركات النفط العالمية التي تواجه خياراً صعباً لا يميل إلى زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة ذات العائد الأقل من الاستثمار في النفط والغاز، فإن الاستثمار في تلك الطاقات من قبل الدول المنتجة للنفط يعتبر مكملاً ومحرراً لجانب من استهلاكها من النفط والغاز وتوجيهه للتصدير. إن زيادة الطلب على الطاقة في تلك الدول، الناتج عن تعديل هياكلها الاقتصادية، يجعل للطاقات المتجددة دوراً هاماً في مزيج الطاقة فيها، خصوصاً بعد أن ثبتت جدوى تطوير تلك الطاقات فيها مقارنة باستمرار الاعتماد على النفط والغاز لتوليد الكهرباء وتحلية المياه وتشغيل الصناعات الثقيلة. على سبيل المثال، يؤدي بناء محطة توليد كهرباء سعة جيجا وات بالطاقة الشمسية إلى توفير نحو 40 ألف برميل في اليوم أو243 ألف قدم مكعب غاز. إن الاستثمار في الطاقات المتجددة لا يعني زيادة كبيرة في الإيرادات النفطية ولكنه يؤدي إلى تحرير أسواق النفط ومنتجاته والغاز في تلك الدول، وخفض الإعانة المتضمنة في أسعارها المحلية، ويعني درجات أعلى من الكفاءة في الاستخدام وفي المساءلة ودمج قطاع الطاقة في برامج هيكلة الاقتصاد والمالية العامة. ويعتبر نجاح أو إخفاق تلك الدول في إعادة هيكلة اقتصاداتها وتنويعها وتعديل أسعار النفط والغاز فيها تدريجياً، مؤثراً بشكل أو بآخر على سرعة أو بطء التحول في نظام الطاقة العالمي، كما يعتبر الأخير محفزاً لإعادة هيكلة تلك الاقتصادات وتعزيز كفاءتها، وإن بدت في المدى القصير والمتوسط ذات تكلفة عالية على الاقتصاد والمالية العامة.
أما حول تنويع الاقتصاد والإيرادات العامة، فيُلاحظ أن سجل تلك الدول في ذلك طوال العقود التالية لاستكشاف وإنتاج النفط لم يكن مُرضياً، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في نموذج تنمية وتنويع اقتصاداتها. وقد يكون التحول في نظام الطاقة العالمي بعناصره المشار إليها حافزاً لمراجعة نماذج وسياسات التنمية في تلك الدول. وقد قامت العديد منها بذلك خصوصاً بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 وتوقع استمرارها على المدى الطويل عند مستوياتها الحالية على أفضل تقدير، استناداً إلى ديناميكيات التحول. وتستدعي تلك المراجعة تصحيح أوضاع المالية العامة بزيادة الإيرادات غير النفطية وخفض مستويات ومعدلات نمو الإنفاق الجاري والرأسمالي وترشيدهما، إضافة لتعديل نظم الحوافز والإعانات لتطوير الصناعات والقطاعات غير النفطية واستغلال المزايا النسبية إلى أبعد مدى وخلق فرص عمل للمواطنين. وقد تنطوي تلك المراجعة على تغيير أسس ما أصبح يُعرف بـ”الدولة الريعية” أو “ثقافة الاستحقاق”، وباختصار إعادة النظر في “العقد الاجتماعي” في العديد من تلك الدول لأن نموذج التنمية السابق أنتج عقداً اجتماعياً يشوبه تشويه من نواح عدة. ولا ريب أن تلك المراجعة وتغيير دفة الاقتصاد تتطلب زمناً طويلاً وإصلاحات هيكلية ومؤسسية، الأمر الذي يعني فيما يعنيه استمراراً لدور النفط وإيراداته على الأقل خلال المرحلة الانتقالية للاقتصاد من التبعية العالية على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية ومالية عامة أكثر استقراراً. وهذا يستوجب وجود صناعة نفط وطنية قوية ذات كفاءة وتواجد عالمي يعطيها على المدى الطويل ذات المرونة التي تنشدها شركات النفط العالمية في مواجهة تداعيات التحول في نظام الطاقة العالمي.
خاتمة واستنتاجات
لم يكن النفط يوماً بمعزل عن إفرازات العولمة، بل كان استكشافه وإنتاجه وتكريره وتسويقه يجري، قبل أن تصبح العولمة شعاراً وإطاراً للسياسات، في ظل علاقات تتميز بحرية واسعة في التجارة والاستثمار الدوليين، وإن تعرضت علاقات تبادلها والاستثمارات فيها لتحولات وتبدلات. لذلك فإن تأثر تجارة النفط من سياسات النكوص عن مكتسبات العولمة في الآونة الأخيرة من الدول الصناعية الرئيسة سيكون محدوداً للغاية، وإن استمر استخدام تقييد تجارته لدواع سياسية خصوصاً من الولايات المتحدة. كما وأن تكامل سوقي النفط المالية والفعلية مرشح للاستمرار ومعه استمرار طغيان الدولار على مبادلاته، واستمرار علاقة النفط بالسياسة ولكن بأطر وأدوات خلاف ما شهدته في العقود الماضية.
ولكن مجال التأثير الأهم على النفط قد يأتي من التحولات في علاقات قطاعي الطاقة والنقل العالميين بسبب سياسات الدول الناتجة عن اتفاقية التغير المناخي والتطورات التقنية المتسارعة، أو هواجس أمن الإمدادات أو عوامل محلية تدفع باتخاذ سياسات مالية أو تجارية أو سياسات طاقة أو غيرها تؤثر على تجارة النفط واستثماراته واستقرار أسواقه. إذ مع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ابتدأت ملامح تشكُل نظام طاقة جديد أسوة بالنمط التاريخي لنظم الطاقة الحديثة، بدءاً من عصر الفحم الحجري في القرن الثامن عشر مروراً بعصر النفط في القرن العشرين. ومن ملامح التحول الجديد التطور المذهل في تقنيات وتكلفة ورواج الطاقات المتجددة من الشمس والرياح، والتطورات في قطاع النقل معبراً عنها بإنتاج ورواج السيارات الكهربائية أو الهجينة وانخفاض تكلفة البطارية التي تسيرها وزيادة سعتها وتغير أنماط التنقل داخل المدن. وإحدى تجليات ذلك التحول رواج مقولة قرب وصول الطلب على النفط إلى الذروة واحتمال انخفاض قيمة جزء كبير من الاحتياطي العالمي المتبقي من النفط والغاز. ومن شأن ذلك التحول بطيئاً كان أم سريعاً أن يؤثر على خيارات كل من صناعة النفط العالمية والدول المنتجة والمصدرة للنفط التي تعتمد اقتصاداتها ووضعها المالي على إنتاجه وصادراته، مع اختلاف طبيعة الخيارات في كل منها.
وتعتمد قدرة وسرعة الصناعة على التأقلم وتغيير أنماط الاستثمار وتبني التقنيات الأنسب بيئياً استعداداً لنظام الطاقة الآخذ بالتشكل محدداً هاماً لنجاحها في مجاراة أو تعديل مسار التحول. أما دول الخليج العربية فلديها أفق زمني أطول من الصناعة سواء بسبب دور النفط في اقتصاداتها أو بسبب العمر الافتراضي الأطول لاحتياطاتها من موارد النفط والغاز. لذلك تتركز خياراتها على تحويل أصولها الناضبة في باطن الأرض من خلال استخراج تلك الموارد والتصرف بعوائدها، إلى أصول جديدة مستدامة تعمل على تنويع الاقتصاد والإيرادات العامة من جهة وتنويع مصادر استهلاك الطاقة لديها من جهة أخرى. وهذا يؤدي بالتعريف إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والمالية العامة وقطاع الطاقة في تلك الدول ودور الحكومات في الاقتصاد، ويستوجب بالتالي مراجعة نموذج التنمية الذي سارت عليه منذ اكتشاف وإنتاج النفط. ولا تروج تلك المراجعة لهامشية دور النفط وصناعته وعائداته بل لضرورتهما خلال المرحلة الانتقالية للاقتصاد من التبعية العالية نحو النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وديناميكية ومالية عامة أكثر استقراراً. وعلى خلاف شركات النفط العالمية التي قد لا تحبذ زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة ذات العائد الأقل من الاستثمار في النفط والغاز، فإن الاستثمار في تلك الطاقات من قبل الدول المنتجة للنفط إضافة إلى جدواه مقارنة باستهلاك النفط والغاز، سيحرر كميات النفط والغاز وتوجيهها للتصدير. وقد لا يؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في الإيرادات ولكنه سيساهم في تحرير أسواق النفط ومنتجاته والغاز في تلك الدول وخفض الإعانة المتضمنة في أسعارها المحلية، ويعني هذا بدوره درجات أعلى من الكفاءة في الاستخدام ودمج قطاع الطاقة في برامج هيكلة الاقتصاد الوطني.
[1] حول تداعيات انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للتغير المناخي، أنظر:
Rob Bailey, “What Trump’s Withdrawal from Paris Means for Global Climate Action,” Chatham House, 02 June 2017
وحول فشل مفاوضات جولة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية أنظر:
James McBride, “What’s Next for the WTO?” Council on Foreign Relations, 23 March 2018.
وحول إمكانات نجاح أهداف التنمية الكونية للأمم المتحدة أنظر:
Martin Sandbu, “Critics question success of UN’s Millennium Development Goals Poverty reduction targets could prove elusive or expensive to achieve,” Financial Times, 15 September 2015.
[2] حول دور الدولار في التجارة والمعاملات أنظر:
Emine Boz, Gita Gopinath, and Mikkel Plagborg-Møller, “Global Trade and the Dollar,” Working Paper No. (23988), (US: National Bureau of Economic Research (NBER)), 2017.
Ethan Ilzetzki, Carmen M. Reinhart, Kenneth S. Rogoff, “Exchange Arrangements Entering the 21st Century: Which Anchor Will Hold?” Working Paper No. (23134), (US: NBER), 2017.
[3] يشير البعض إلى المقولة المنسوبة للوزير السعودي الأسبق زكي يماني بأن “العصر الحجري لم ينته لعدم وجود حجارة وكذلك عصر النفط لن ينتهي بعدم وجود نفط”، بأنها ليست تأكيد لقرب نهاية عصره بل لنهاية دوره بالكامل. أنظر:
Bernard Marr, “Why Everyone Must Get Ready for the 4th Industrial Revolution,” Forbes, 5 April 2016.
Klaus Schwab, “The New Technology Revolution and its Impact,” World Economic Forum, August 2015.
[4] أنظر:
Bassam Fattouh, Rahmat Poudineh, and Rob West, “The Rise of Renewables and the Positioning for Energy Transition: What Adaptation Strategy for Oil Companies and Oil Exporting Countries?” Working Paper (MEP), (London: OIES), 19 May 2018.
Benjamin K. Sovacool, “How long will it take? Conceptualizing the temporal dynamics of energy transitions,” Energy Research & Social Science, Vol. (13), January 2016.
[5] Vaclav Smil. “Examining energy transitions: A dozen insights based on performance,” Energy Research & Social Science, Vol. 22, 2016.
[6] بلغ أقل العطاءات عام 2016 لبناء محطة توليد بالطاقة الشمسية في أبو ظبي نحو 2.4 سنت، تلاها عطاء نهاية عام 2017 في السعودية عند 2.3 سنت للكيلو وات/ ساعة. أنظر تقرير:
“Renewable Power Generation Costs in 2017,” (Abu Dhabi: International Renewable Energy Agency IRENA,2018).
وحول دراسة معهد أكسفورد أنظر:
Bassam Fattouh, Rahmat Poudineh, and Rob West, “The Rise of Renewables and the Positioning for Energy Transition: What Adaptation Strategy for Oil Companies and Oil Exporting Countries?” Working Paper (MEP), (London: OIES), 19 May 2018.
وحول تقديرات وكالة الطاقة الدولية وسيناريوهاتها: استمرار السياسات الحالية، تطبيق السياسات المعلنة أو سيناريو التنمية المستدامة (الوصول إلى مستهدف اتفاقية باريس للتغير المناخي) أنظر:
World Energy Outlook (International Energy Agency IEA, November 2019).
[7] البيانات تشير إلى السيارات الكهربائية المسيرة بالبطارية القابلة للشحن (BEV) علماً بأن هناك سيارات هجينة وكهربائية (أي تعمل بالبطارية القابلة للشحن وبالوقود بالتناوب) المعروفة بـ PHEV، وبلغ أسطولهما نحو مليوني مركبة، حوالي 800 ألف منها من النوع الثاني.
[8] Michael J. Coren, “Researchers have no idea when electric cars are going to take over,” Quartz Insights, May 2018, < https://qz.com/1620614/electric-car-forecasts-are-all-over-the-map/ >.
Marianne Kah, “Electric Vehicles and their Impact on Oil Demand: Why Forecasts Differ?” Centre on Global Energy Policy, (New York: Columbia University, July 2018).
[9] Adam Whitmore, “How fast could the market for electric vehicles grow?” EnergyPost.eu, 21 June 2016, < http://energypost.eu/fast-market-electric-vehicles-grow/ >.
[10] أطلقت شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية (ومقرها وادي السليكون خلاف مقر صناعة السيارات الأمريكية في ديترويت) عام 2017 نموذج سيارة Model 3 الشعبية ببطارية 50-60 كيلوواط/ساعة قادرة على قطع مسافة 346 كيلومتر وإعادة الشحن خلال 30-40 دقيقة.
[11] يضاف إلى ذلك التطور في أنماط التنقل المتمثل في انتشار الخدمات التي تستعيض عن امتلاك أو تسيير السيارة الخاصة، مثل خدمة أوبر وكريم وليفت وديدي وعُلا وغيرها. وتلك الخدمات تستفيد من ثورة تقنية الاتصالات وما يرتبط بها وتؤثر إضافة لرواج السيارات الكهربائية على سرعة وأنماط التحول في نظم الطاقة العالمية.
[12] أنظر مثلاً:
Benjamin K. Sovacool and Frank W. Geels, (2016) “Further Reflections on the Temporality of Energy Transitions: A Response to Critics,” Energy Research & Social Science, Vol. (22), December 2016.
[13] حول مفهوم الأصول العاطلة أنظر مجموع المقالات في:
Energy Forum, First Quarter (International Association for Energy Economics (IAEE), January 2020).
وحول التقديرات أنظر:
Christophe McGlade, and Paul Ekins, “Un-burnable oil: An examination of oil resource utilisation in a decarbonised energy system,” Energy Policy, Vol. (64), January 2014.
وأيضاً:
Ploeg, Vvan der Frederick Ploeg and Armon Rezai, “(2016) Stranded Assets, the Social Cost of Carbon, and Directed Technical Change: Macroeconomic dynamics of optimal climate policy,” Oxford Centre for the Analysis of Resource Rich Economies OxCarre Research Paper 176, May 2016.
[14] Dale, Spencer and Bassam Fattouh, “(2018) Peak Oil Demand and Long-Run Oil Prices,” Energy Insight No. 25, (London: The Oxford Institute for Energy Studies (OIES), January 2018).
[15] Bassam Fattouh, Rahmat Poudineh, and Rob West, “The Rise of Renewables and the Positioning for Energy Transition: What Adaptation Strategy for Oil Companies and Oil Exporting Countries?” Working Paper (MEP), (London: OIES), 19 May 2018.
رابط المصدر:
https://gulfpolicies.org/2019-05-18-07-30-16/2019-05-18-10-13-53/202020/2410-2-2