م.م تمارا كاظم الأسدي
تحظى منطقة الشرق الأوسط باهتمام كبير من قبل المجتمع الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية، الامر الذي دفع المنظمات الدولية الى السعي نحو مجموعة من الإجراءات لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، ولعل ابرز هذهِ الجهود سيتم تناولها كالآتي:-
أولاً:- منظمة الأمم المتحدة
أدرج موضوع إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لأول مرة في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1974 بناءً على طلب مقترح من إيران التي انضمت إليها مصر في وقت لاحق، إذ اشتركت مصر وإيران في تقديم مشروع قرار اعتمدته الجمعية العامة في ما بعد بوصفه القرار (3263) (د-29) بتاريخ 9 كانون الأول 1974، وقد ذكرت إيران بأنه لا يمكن إنشاء مثل هذهِ المنطقة في هذا الجزء من العالم إلا في وجود جو من الثقة، بينما ركزت مصر على أن الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هو شرط مسبق لإنشاء أي منطقة خالية من الأسلحة النووية تكون فعالة ومحددة.
مما جعل الجمعية العامة تدعو جميع الأطراف المعنية بالقرار الى الإعلان فوراً عن عزمها على الامتناع على أساس متبادل عن انتاج أسلحة نووية، أو اقتنائها على أي نحو آخر، كما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قراراها المرقم (3474-د30) في عام 1975 على تأكيدها على إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، وقد تبعه إصدار قرار مجلس الأمن رقم (487) عام 1981 الذي يلزم إسرائيل بإخضاع منشآتها النووية للرقابة الدولية، إلا أن رفضها لذلك لم يدفع مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات المخولة له في إجبارها على ذلك بسبب الدعم الأمريكي لها.
وفي الدورة العادية رقم (40) عام 1985 اقترحت عشرون دولة معظمها من دول الشرق الأوسط مشروعاً يطالب بالتنفيذ الفوري للقرار(487)، وضرورة التعامل الحاسم مع الرفض المتكرر لإسرائيل لإلزام نفسها بعدم صناعة أسلحة نووية، وأكد المشروع على أنه حان الوقت لتدخل مجلس الأمن باتخاذه التدابير العاجلة والفعالة لإرغامها على ذلك، وقد رافق هذا المشروع مذكرة للأمين العام للأمم المتحدة، يوضح فيها الدلائل المتاحة حول الأنشطة النووية في إسرائيل وقدرتها على صنع هذه الأسلحة، ويؤكد مدى القلق الذي تبديه المنظمة من هذه المسألة.
وفي عام 1995، اتخذ مؤتمر المراجعة قراراً بتحديد معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى مالا نهاية، وذلك بعد أن جرت تقوية عمليات المراجعة وتبنى عدد من المبادئ التي صيغت بهدف التحرك نحو التحقيق الكامل والتطبيق الفعال لأحكام المعاهدة، ولقد كان من بين هذه المبادئ الدعوة لإنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، معترف بها دولياً، وعلى وجه الخصوص في مناطق التوتر كالشرق الأوسط.
وقد حاولت الدول العربية العمل على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل حتى بدأ في مقر الأمم المتحدة بنيويورك مؤتمر المراجعة الدوري لمعاهدة حظر الانتشار النووي في 3 أيار 2010، وهو مؤتمر يُعقد كل خمس سنوات، بحضور (189) دولة عضواً، ويهدف المؤتمر إلى تقييم مدى التقدم الذي تم تحقيقه على صعيد الالتزام بنص الاتفاقية، إلا ان إسرائيل أعلنت رفضها النهائي عن التوقيع على المعاهدة في 14 نيسان 2010، مؤكدة أنها لم تنضم في الأصل إلى المعاهدة مما يعنى أنها ليست مضطرة لإثبات عدم حيازة أسلحة نووية أو السماح للمفتشين الدوليين بدخول منشآتها النووية؛ وهي المنشآت التي يعتقد أنها أنتجت بلوتونيوم ونحو ما يقارب الـ(200) رأس نووي، وفي العام 2016 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراها المرقم (71/83)، وعامي 2017 و2018، للتأكيد إلى مسألة الخطر النووي في الشرق الأوسط، وأشارت إلى ان إسرائيل لا تزال الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط لم تصبح طرفاً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وانطلاقاً مما ذكر تعتقد الباحثة بأن الدور الأممي محكوم بسياسات الدول الكبرى وبالأخص الولايات المتحدة الامريكية وكذلك التفاهمات الدولية التي تحصل في بعض المواقف التي تعرض على الساحة الدولية، ولاسيّما السكوت، أو التغاضي عن البرنامج النووي الاسرائيلي، وامتلاك اسرائيل للسلاح النووي لا بل يتعداه في اعطاء الولايات المتحدة الامريكية للتقنيات النووية مع احتفاظها بالصدارة، أي ان الدور الأممي مغيب، أو محكوم من قبل الولايات المتحدة الامريكية؛ وعليه، فإن سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط بسبب امتلاك إسرائيل للقدرات النووية، بالمقابل ايران سيؤدي إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي سينتج سباق تسلح نووي.
ثانياً: الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أنشأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بناء على اقتراح من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور في عام 1953، إذ صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1954 تحت عنوان (الذرة مقابل السلام) الذي قضى بإنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي عام 1956 عقد مؤتمر خاص بأنشاء الوكالة وفي العام 1957 ظهرت للعلن، فأصبحت جهازاً قائماً معترف به، وتتمثل مقاصد الوكالة في:-
1- العمل على استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية في المجالات الصحية والاقتصادية.
2- التأكد من أن المساعدة التي تقدمها أو تنظمها أو تشرف عليها لا تستغل في الأغراض العسكرية.
3- اجراء المفاوضات بشأن منع الاختبارات النووية.
كما تنطوي مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق أو، الضمانات، أي على التحقق من امتثال الدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وغيرها من الاتفاقيات الملزمة قانوناً بهذا الشأن للالتزامات التي تعهدت بها بموجب هذهِ الاتفاقيات، وهناك عدد كبير من الأساليب الفنية المستخدمة لهذا الغرض وتشمل: المساءلة عن المواد، والمراقبة عن بعد، والتفتيش في الموقع، والرصد عن طريق التوابع الاصطناعية.
وتعتمد سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على “الاتفاق الشامل للضمانات” والذي يطلب من الدولة إبرامه مع الوكالة بموجب اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية وغيرها من اتفاقيات عدم الانتشار، وتمنح اتفاقية الضمانات أساساً تفويضاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من أن الدول لم تحول أيا من المواد النووية المعلنة لاستخدامها في الأغراض غير السلمية، وفضلاً عن ذلك شاركت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مشاركة كبيرة في التفاوض حول الالتزامات الناشئة عن المنطقة الخالية من الأسلحة النووية وفي التحقق من تنفيذها، ويعتمد المؤتمر العام للوكالة منذ عام 1991 بتوافق الآراء بشأن تطبيق ضمانات الوكالة في الشرق الأوسط وطلبت الدول الأعضاء الى المدير العام ما يأتي:-
أ- اتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل التطبيق المبكر للضمانات الشاملة على جميع الأنشطة النووية في الإقليم.
ب- اعداد اتفاقيات نموذجية كخطوة نحو انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الأوسط.
ت- عقد منتدى حول التجارب المتصلة بإنشاء مثل تلك المنطقة.
إلا انه بعد عام واحد اضطر المدير العام للوكالة أن يقدم تقريراً يشير فيه إلى عدم تقدم سير العمل في هذا المجال، وفي عام 1997م تم إقرار البروتوكول الإضافي النموذجي من جانب مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وأصبح بمقدور الوكالة القيام من خلال هذا البروتوكول بعمليات تفتيش أكثر فعالية من أجل ضمان عدم تحويل المواد والمرافق النووية عن أغراضها السلمية، وبحلول عام 2005 صدقت (63) دولة طرفاً في معاهدة عدم الانتشار على البروتوكول الإضافي ولدى (152) دولة حالياً اتفاقات ضمانات مع الوكالة، فيما تخضع (108) دولة كمرافق لعمليات تفتيش روتينية مرتبطة بضمانات.
وعلى هذا الأساس تمثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية المحفل الحكومي الاول للتعاون العلمي والتقني في استعمال التكنولوجيا النووية وللأغراض السلمية، وتقوم بتنفيذ برامج لتحقيق أكبر مساهمة مفيدة للتكنولوجيا النووية في المجتمع الدولي، إذ تؤدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ادوار محددة بوصفها مفوضي للتفتيش الدولية للضمانات وقناة متعددة الاطراف لنقل التطبيقات السلمية للطاقة الذرية، وبقدر تعلق الامر بالشرق الأوسط رعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية جميع القرارات الخاصة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، لاسيّما القرار الذي اتخذ عام 1995، إذ يكون دورها بالمراقبة والتفتيش في حال توفر المعلومات عن امتلاك دولة ما في منطقة الشرق الاوسط للسلاح النووي.
وقد كشفت الوكالة في أوائل التسعينات عن البرنامج العراقي النووي السري للحصول على تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم مما شجع المجتمع الدولي على منح الوكالة بالسلطة اللازمة لتمكينها من تقديم ضمانات أكثر شمولية ومصداقية، ثم اكتشفت برامج نووية سرية عدة في ليبيا وسورية والجزائر وايران في عام 2003، مما دفعها في 24 أيلول 2010 لعقد مؤتمر رحب بالمبادرات الخاصة بإنشاء منطقة خالية في الشرق الأوسط، إلا أن المؤتمر في الوقت نفسه رفض قرارا أعرب فيه عن قلقه من القدرات النووية الإسرائيلية.
* باحثة متخصصة في الشؤون الدولية-العراق
…………………………….
المصادر:
1- إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط النظم الدولية لمنع الانتشار والتجارب الإقليمية، وثيقة الأمم المتحدة، معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، جنيف – سويسرا، 2004.
2- د. سماح مهدي صالح العلياوي، مستقبل الشرق الأوسط وملامح نظام عالمي جديد، منشورات زين الحقوقية، بيروت- لبنان، 2018.
3- مجموعة باحثين، القدرة النووية وتأثيرها على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية دراسة حالة ايران- إسرائيل، دراسة منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2017.
4- مجموعة مؤلفين، الخيار النووي في الشرق الأوسط، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 2001.