- مايكل آيزنشتات
- كريستين ماكفان
قد تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة ضربة عسكرية إيرانية بحدود يوم التنصيب للرئيس المنتخب جو بايدن، بالإضافة إلى تهديدات متعددة من نظام الأسد و«حزب الله» والجهات الفاعلة الأخرى في المرحلة القادمة، وجميعها تتطلب إظهاراً واضحاً للعزيمة الأمريكية.
إذا كان الماضي أي مقدّمة، فمن المرجح أن تواجه الإدارة الأمريكية المقبلة للرئيس جو بايدن تحديات مبكرة في الشرق الأوسط، سواء من الخصوم الذين يحاولون قياس عزمها عمداً، أو من خلال حدث يختبر القيادة الأمريكية وقد يحصل صدفة، أو الأمرين معاً. وحتى بدون الجهود المقصودة لتحدي الرئيس الأمريكي الجديد، تضْمِن الطبيعة المتغيرة للمشهد الإقليمي لما بعد “الربيع العربي” أنه سيتعين على المسؤولين الجدد التعامل مع التوترات الكبيرة والخلافات والتحديات الدبلوماسية المعقدة التي تشمل كل من الأصدقاء والأعداء.
السوابق
في الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس جورج بوش الأب، أطلق [الرئيس العراقي الأسبق] صدام حسين سلسلة من الاستفزازات التي تحولت إلى اختبارات مبكرة للرئيس بيل كلينتون. فقد تحدّى النظام مناطق حظر الطيران الأمريكية فوق سماء العراق، وحاول عرقلة عمليات التفتيش عن الأسلحة التي كانت تقوم بها الأمم المتحدة، وأرسل قوات عبر الحدود إلى الكويت، مما أدى إلى وقوع عدة اشتباكات عسكرية. وفي وقت لاحق، أدت مؤامرة عراقية لاغتيال الرئيس الأمريكي السابق بوش خلال زيارته للكويت في نيسان/أبريل 1993 إلى هجوم أمريكي بصاروخ كروز في حزيران/يونيو.
وفي عام 2017، واجه الرئيس المنتخب حديثاً دونالد ترامب اختبارات إقليمية مبكرة خاصة به، وهذه المرة من سوريا. ففي نيسان/أبريل، استخدمت قوات نظام الأسد أسلحة كيميائية في هجوم مدمر على المدنيين في خان شيخون. وفي مايو/أيار ويونيو/حزيران، قامت ميليشيات موالية لإيران إلى جانب طائرات بدون طيار بعمليات استكشافية متكررة على الحامية العسكرية الأمريكية – البريطانية الصغيرة بالقرب من بلدة التنف الحدودية، في حين شن النظام غارة جوية على «قوات سوريا الديمقراطية» ومستشاريها الأمريكيين بالقرب من مدينة الطبقة. وقد قوبلت جميع هذه التحديات بقوة مضادة لها، الأمر الذي وضع خصوم أمريكا عند حدّهم ودفعهم إلى وقف مثل هذه الأنشطة، على الأقل مؤقتاً.
واليوم، من المرجح أن تكون إيران ووكلاؤها والنظام السوري – ما يسمى بـ “محور المقاومة” – من بين أول من يختبر الرئيس بايدن. أمّا كيفية رد إدارته لهذه التحديات الأولية فستحدد بدورها مسار التفاعلات المستقبلية مع هذه الجهات الفاعلة والخصوم في أماكن أخرى من العالم.
الاختبارات المحتملة من إيران
قد يكون التحدي الأكثر صعوبة هو وقوع هجوم إيراني في الساعات الأخيرة لإدارة ترامب في 20 كانون الثاني/يناير، للانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني قبل عام، وتكرار سيناريو “إطلاق سراح رهائن السفارة الأمريكية في يوم التنصيب” الذي حصل في عام 1981. فقد تحسب طهران أن إدارة ترامب لن يكون لديها متسع من الوقت لإطلاق رد كبير قبل ترك أعضائها مناصبهم، في حين قد لا تميل إدارة بايدن إلى القيام بذلك فور تسلّمها المسؤولية. وقد يفترض القادة الإيرانيون أيضاً أن من شأن الهجوم أن يخلق نفوذاً على الإدارة الأمريكية الجديدة.
وحتى لو تجنبت طهران مثل هذا الهجوم، فمن المرجح أن تستخدم وسائل غير حركية مختلفة للضغط على إدارة بايدن للانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» دون تقديم تنازلات خاصة بها. ففي وقت سابق من هذا الشهر، على سبيل المثال، انتهكت الحدود القصوى لـ «الخطة» من خلال استئنافها التخصيب لليورانيوم بنسبة 20٪، ثم احتجزت ناقلة ترفع علم كوريا الجنوبية، والتي يبدو أنها تأمل في مبادلة 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المحفوظة في حساب الضمان في سيؤول.
بالإضافة إلى ذلك، قد يحاول النظام الإيراني عدداً من الإجراءات الأخرى:
• منع دخول المفتشين النوويين من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”
• تشجيع الوكلاء على تصعيد الهجمات على المصالح الأمريكية في العراق باستخدام الصواريخ والعبوات الناسفة
• حث المتمردين الحوثيين في اليمن على تكثيف الهجمات على السعودية أو شن ضربات على إسرائيل
• تسريع جهود تحويل ناقلات النفط الأجنبية في الخليج العربي
• استئناف مضايقته لسفن البحرية الأمريكية
• اختبار صاروخ باليستي إلى مدى يتجاوز الحد الأقصى المزعوم حالياً البالغ 2000 كيلومتر، الأمر الذي يشير إلى رفضه أي قيود على برنامجه للصواريخ
• محاولة شن هجوم إلكتروني مدمر ضد القطاع المالي الأمريكي أو البنية التحتية الحيوية الأمريكية
• مهاجمة أراضي أو مصالح إسرائيلية انتقاماً لدور إسرائيل المفترض في حادثين وقعا العام الماضي، وهما: تخريب معمل تجميع أجهزة الطرد المركزي في “نطنز” (“ناتانز”) ومقتل العالم النووي محسن فخري زاده. وقد تؤدي الهجمات الإيرانية من هذا القبيل إلى تصعيد يتطلب دبلوماسية أمريكية لحل الأزمة.
التوصيات:
- إن رد إدارة بايدن على وقوع هجوم في يوم التنصيب سوف يمليه نطاق وطبيعة وضحايا ذلك الهجوم. وعلى الرغم من أن الرد المتسرع غير مرغوب فيه – من الأفضل القيام بذلك بشكل صحيح وليس بصورة متسرعة – فمن المحتمل أن يؤدي التخلف عن الرد إلى مزيد من التحديات، ويشدد موقف طهران التفاوضي، ويضعف الدعم المحلي للانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي المقابل، من شأن الرد الحازم أن يعزز مصداقية الإدارة الأمريكية الجديدة، ويزيد من نفوذ الولايات المتحدة في المفاوضات، ويساعد في ردع إيران عن محاولة حيازة الأسلحة النووية في عهد الرئيس بايدن إذا لم تثمر المفاوضات [عن نتيجة مُرضية].
- على الرغم من أن تأكيد إدارة بايدن من جديد على استعدادها لإجراء مفاوضات من شأنه أن يمنحها امتيازاً، إلّا أن على المسؤولين الأمريكيين أن يتجنبوا الإعراب عن الشعور بالحاجة الملحة إلى العودة للانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» خشية أن يؤدي ذلك إلى تشدد موقف طهران التفاوضي. وفي النهاية، كانت إيران حذرة بشأن تطوير برنامجها النووي لأكثر من ثلاثة عقود حتى الآن، على الأقل جزئياً، لأنها تدرك أن لدى الجيش الأمريكي القدرات اللازمة لوقف محاولتها للاختراق النووي. يجب على إدارة بايدن التأكد من جهوزية هذه القدرات وأنه تم تحديث الخطط العسكرية ذات الصلة.
- على الإدارة الأمريكية الجديدة صياغة خيارات واضحة وأخرى في المنطقة الرمادية [غير واضحة المعالم] للرد على أنشطة إيران الإقليمية بطريقة لا تعيق الدبلوماسية أو تولّد رد فعل داخلي عنيف في الولايات المتحدة. كما يتعين عليها التشاور عن كثب مع إسرائيل والشركاء العرب الرئيسيين فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران حتى لا يشعر هؤلاء الشركاء بالحاجة إلى التأثير على الدبلوماسية من “خارج الغرفة”.
الاختبارات المحتملة من سوريا
قد يرى نظام الأسد فرصة لاستعادة الأراضي الواقعة خارج سيطرته حالياً من خلال تجديده الضغط على القوات الأمريكية في التنف ودير الزور والشمال الشرقي من البلاد، ربما بالتعاون مع روسيا، ومع إيران ووكلائها. وقد تتضمن هذه الخطوة جهوداً لقلب [سياسة] «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي يقوده الأكراد، والذي يشكل العمود الفقري لـ «قوات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة، أو لاستدراج بعض الوحدات القبلية العربية التابعة لـ «قوات سوريا الديمقراطية». وبدورها، قد تمنح عودة قوات النظام فرصاً متجددة لتنظيم «الدولة الإسلامية» لتجنيد إرهابيين جدد واستعادة قوته في هذه المناطق. وقد تستخدم قوات النظام أيضاً الأسلحة الكيميائية في أحد جيوب المقاومة المتبقية في البلاد، مما قد يرغم إدارة بايدن على تحديد سياستها فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية وانتهاكات “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”.
التوصيات:
- الحفاظ على وجود عسكري متبقي صغير في سوريا (ربما أكبر إلى حد ما مما هو عليه الآن)، والذي من شأنه أن يوفر نفوذاً على نظام الأسد وإيران وروسيا بتكلفة منخفضة للغاية من الدم والمال، مع حماية عدة ملايين من السوريين في الوقت نفسه في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
- التمسك بالخط الأحمر الخاص بالأسلحة الكيميائية الذي تبنته الإدارات الأمريكية السابقة بالإضافة إلى القاعدة المتلاشية المناهضة لاستخدام الأسلحة الكيميائية بشكل عام (على سبيل المثال، استخدمت روسيا وكوريا الشمالية الأسلحة الكيماوية في اغتيالات جرت مؤخراً). وفي الوقت نفسه، الاعتراف بأن الأسلحة الصغيرة والمدفعية والبراميل المتفجرة أدت إلى مقتل عدد أكبر بكثير من الناس في سوريا مقارنة بالأسلحة الكيميائية، مما يجعلها “أسلحة الدمار الشامل” الحقيقية للحرب. إن مجرد التمسك بالخط الأحمر للأسلحة الكيمياوية لن يكون كافياً لمنع المزيد من إراقة الدماء في سوريا.
- الاستمرار في دعم حملة المنطقة الرمادية الإسرائيلية ضد إيران ووكلائها في سوريا. وتخدم هذه الحملة المصالح الأمريكية من خلال منع «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني من تحويل سوريا إلى نقطة انطلاق لاستعراض القوة في بلاد الشام، دون إحداث تصعيد هناك.
الاختبارات المحتملة من «حزب الله»
في السنوات الأخيرة، كان أهم مشروع استراتيجي لـ «حزب الله» هو الجهود التي تدعمها إيران لإنتاج صواريخ وقذائف متطورة في لبنان – وهو برنامج بدأ لأسباب جزئية لأنه غالباً ما يتم اعتراض الأسلحة المرسلة من إيران. ويعتزم «حزب الله» تحديث مئات الصواريخ الثقيلة لتصبح موجّهة، وصنع صواريخ عالية الدقة في ورش تحت الأرض في مناطق مكتظة بالسكان في بيروت. وإذا حصل «الحزب» على أعداد كبيرة من هذه الصواريخ الدقيقة، فبإمكانه أن يغمر دفاعات إسرائيل، ويستهدف بنيتها التحتية الحيوية، ويلحق أضرار جسيمة طويلة الأمد باقتصادها ومعنوياتها. لهذا السبب، فإن مشروع الصواريخ الدقيقة مهم أيضاً لإيران، التي تعتبر قوة «حزب الله» الصاروخية جزءاً من ردعها الاستراتيجي.
لقد أعلنت إسرائيل أنها لن تسمح لـ «حزب الله» بإكمال هذه الورش وعملت بلا كلل لتحقيق هذه الغاية، وحققت نجاحاً كبيراً حتى الآن. وتشمل جهودها اعتراض شحنات الصواريخ والمكونات ومعدات الإنتاج في سوريا. من جهتها، حاولت إيران – دون جدوى – إحباط عمليات الاعتراض الجوي الإسرائيلية من خلال تعزيز دفاعاتها الجوية في سوريا. وبمجرد تولي إدارة بايدن السلطة، فقد تكثّف طهران هذه الجهود من أجل إثارة رد تصعيدي، على أمل أن تضغط واشنطن على إسرائيل لوقف الضربات الجوية في سوريا والتحليقات الاستطلاعية ذات الصلة في لبنان. وإذا تعثرت جهود الحظر، فقد تتقبل إسرائيل مخاطر أكبر في شن هذه الضربات الجوية، مما قد يزيد من احتمالية التصعيد في سوريا أو – الأمر الأقل احتمالاً – اندلاع حرب مع «حزب الله» في لبنان.
التوصيات:
- التوضيح بأن الولايات المتحدة ستواصل دعم جهود إسرائيل لمنع نقل الأسلحة عبر سوريا، وبالتالي تجنب ضرورة توجيه ضربات مستقبلية ضد الورش الصاروخية في لبنان والتي قد تؤدي إلى اندلاع حرب. على واشنطن أن تؤكد أن هذا الدعم لن يتأثر بجهود تجديد الدبلوماسية النووية مع إيران.
- إدراج مشروع الصواريخ الدقيقة في أي مفاوضات تتعلق بأنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار.
- العمل مع فرنسا وحلفاء آخرين للضغط على «حزب الله». على واشنطن أيضاً نشر معلومات علنية حول كيفية قيام «الحزب» ببناء منشآت صاروخية في مناطق مكتظة بالسكان تُعرّض المدنيين اللبنانيين للخطر، من أجل توليد ضغط من الجمهور اللبناني لإغلاق هذه المنشآت، ومن مسؤولي الحكومة اللبنانية الذين قد يخشون فقدان المساعدة العسكرية الأمريكية إذا ما استمرت هذه الأنشطة.
الخاتمة
قد تتعرض إدارة بايدن للتحدي في يومها الأول، لذا ستحتاج إلى البدء بالعمل بكل طاقتها. إن الانطباعات الأولى مهمة، وعليه، سيحدد رد الرئيس الأمريكي الجديد للاختبارات المبكرة المسارَ المستقبلي لعلاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء والخصوم على حد سواء. ومن شأن الدفاع الصارم عن المصالح الأمريكية أن يعزز مصداقية الولايات المتحدة، ويكسب الإدارة الجديدة مكانة جيدة مع الشركاء، وربما يكسب الوقت من خلال إرجاء التحديات الإضافية. ومع ذلك، من المرجح أن يؤدي الفشل في إظهار العزيمة إلى تشجيع خصوم الولايات المتحدة، وحصول تداعيات تتخطى بكثير منطقة الشرق الأوسط.
مايكل آيزنشتات هو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. كريستين ماكفان، هي لفتنانت كولونيل في “سلاح الجوي الأمريكي”، وزميلة عسكرية في المعهد في الفترة 2020-2021. الآراء المعبر عنها في هذه المقالة هي آراء المؤلفَيْن ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي لـ “سلاح الجوي الأمريكي” أو وزارة الدفاع أو الحكومة الأمريكية.