آنا بورشفسكايا
وضعت إدارة جو بايدن بند العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران على قائمة أولويات سياستها الخارجية. وفي سعيه لإنقاذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لا ينبغي لبايدن أن يفترض تعاوناً من موسكو التي عملت لسنوات على مساندة برنامج إيران النووي، بل عليه التركيز بدلاً من ذلك على بناء استراتيجية موحدة تعزز الموقف التفاوضي للولايات المتحدة.
وضعت إدارة جو بايدن بند العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران على قائمة أولويات سياستها الخارجية. وهذا الاتفاق المعروف بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، الذي تم التوصل إليه بين إيران والولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا في تموز/يوليو 2015 يهدف إلى الحد من أعمال تخصيب اليورانيوم الإيراني. لكن دونالد ترامب انسحب من الاتفاق في أيار/مايو 2018 في إطار حملة “الضغط الأقصى” التي كان يشنها ضد إيران.
وبينما تتجه جميع الأنظار نحو طهران، من الضروري الآن إيلاء الاهتمام لبلد آخر – هو روسيا. فقد عملت موسكو لسنوات على مساندة برنامج إيران النووي. وساعدت شركة “أتومسترويكسبورت” الروسية التابعة للدولة الإيرانيين على إكمال محطة بوشهر للطاقة النووية ومنحتهم رسمياً صلاحية السيطرة على المنشأة في أيلول/سبتمبر 2013، أي قبل عامين من إبرام «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي هذا السياق، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الدعم الروسي لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» ضرورياً بالنسبة لإدارة أوباما. واليوم أيضاً سيكون الدور الروسي جوهرياً. وبينما لا يزال الكثير غير مؤكد – حيث يتوقع وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكين عملية بطيئة ومعقدة، تركز على ضمان التزام إيران بمعاودة الامتثال – على إدارة بايدن أن تستعد لاحتمال أن تعقّد روسيا جهودها بدلاً من أن تدعمها.
ولطالما عارضت موسكو العقوبات الصارمة التي أوصلت إيران إلى طاولة مفاوضات «خطة العمل الشاملة المشتركة» في المقام الأول. وعادة، سعى المسؤولون الروس إلى تخفيف العقوبات المفروضة على إيران والتقليل من خطر البرنامج النووي الإيراني. وفي عام 2010، لم تكتفِ موسكو بإقناع الأمم المتحدة بتخفيف العقوبات المقترحة آنذاك، بل انتزعت أيضاً تنازلاً غير مسبوق، وهو رفع العقوبات الأمريكية عن المجمّع العسكري الروسي، والاتفاق على عدم حظر بيع البطاريات الروسية المضادة للطائرات إلى طهران.
ولم يكن تعاون موسكو في النهاية بشأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لصالح واشنطن، بل كان مدفوعاً بالمصلحة الذاتية. فقد سمح الاتفاق لموسكو بتوسيع علاقاتها مع طهران، وانتزاع التنازلات من واشنطن، وتعزيز مكانة روسيا كثقل إقليمي موازن للغرب. وعلى نطاق أوسع، جاء الاتفاق في وقت ارتقت فيه العلاقات الروسية الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة، والسبب هو الأهداف الجغرافية الاستراتيجية المشتركة بين موسكو وطهران، أي الحد من النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، بما في ذلك التقارب المتبادل بين مصالحهما في سوريا. وساعد هذا التقارب كلاً من موسكو وطهران على وضع خلافاتهما التكتيكية جانباً وزيادة تعاونهما. وفي الشهر نفسه الذي تم فيه التوصل إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، قام اللواء الإيراني قاسم سليماني بزيارة إلى موسكو فيما كان على الأرجح الخطوة الأولى في التخطيط للتدخل العسكري الروسي في سوريا. ولا يزال التقارب بين المصالح الروسية والإيرانية قائماً حتى يومنا هذا، في حين أصبح الاتفاق مع إيران حالياً من أهم بنود الأجندة الثنائية.
وهذا الشهر، وصل رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف إلى موسكو. وخلال زيارته، نقل قاليباف رسالة شكر من المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إلى روسيا (والصين) على موقفهما من «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال رئيس مجلس الدوما (البرلمان) الروسي فياتشيسلاف فولودين. وقال قاليباف: “في هذه الرسالة، تَقدّم المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية بالشكر إلى الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية على موقفهما العادل”. وفي حين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يجتمع من جهته بقاليباف، إلا أن سكرتير “مجلس الأمن الروسي” نيكولاي باتروشيف التقى به، وأكد المسؤولان حرص بلديهما على توسيع العلاقات بعد الاجتماع. ووفقاً للبيان الرسمي الصادر في أعقاب الاجتماع، كانت «خطة العمل الشاملة المشتركة» من بين المجالات الرئيسية التي أولاها باتروشيف وقاليباف اهتماماً خاصاً.
واليوم، كما في الماضي، تواصل موسكو ممارسة لعبة مزدوجة مع الغرب، حيث تتصرف كشريك جاهز ومحامٍ لإيران على حد سواء. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن روسيا مستعدة للعمل مع إدارة بايدن، مضيفةً أن رفض إيران الحالي للامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا يتعارض مع التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وفي هذا السياق، قالت إن “جميع الأنشطة التي تنفذها إيران في هذه المواقع تتم تحت رقابة صارمة من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ولا تتجاوز التزامات طهران بموجب «معاهدة حظر الانتشار النووي»“. ومع ذلك، فإن الواقع يحمل فوارق أكثر دقة.
وقد خلص تقرير الامتثال الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في حزيران/يونيو 2020 إلى أن “امتناع إيران المتعّمد عن التصريح عن المواد النووية الخاضعة لضمانات «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» سيشكل انتهاكاً واضحاً لـ [اتفاق الضمانات الشاملة] الإيراني الذي تستوجبه «معاهدة حظر الانتشار النووي»، وسيشكل انتهاكاً للمادة الثالثة من «معاهدة حظر الانتشار» نفسها“. وبما أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» وجدت إيران مذنبة بعدم الامتثال لـ «معاهدة حظر الانتشار النووي» في أيلول/سبتمبر 2005، فهذا يعطي الغرب سبباً مشروعاً آخر لعدم الثقة بطهران، لكن موسكو لا ترى الأمر من هذا المنظار، بل تخشى إيران الموالية للغرب أكثر مما تخشى إيران النووية.
وتنظر روسيا إلى القانون الدولي والمؤسسات الدولية من منظار ضيق يستبعد المفاهيم الأوسع مثل “النظام القائم على القواعد” وحقوق الإنسان – وهي مفاهيم تعتبرها غربية وليست عالمية. وفي هذا الإطار، كتب الدبلوماسي الروسي حول شؤون الحد من التسلح وعدم الانتشار، فيكتور ميزين، في أكتوبر/تشرين الأول 2000 أنه في حين “يدّعي البعض في روسيا تأييد الفكرة الصائبة سياسياً بأن الانتشار أمر خطير”، إلا أن موسكو ترفض المصطلح الغربي “الدول المارقة”. وبالفعل، وصفت زاخاروفا مؤخراً إيران بأنها ضحية للإرهاب وليست مرتكبة للإرهاب.
وهذا الشهر، أفاد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن شروط الولايات المتحدة للعودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» “تتعارض مع بعضها البعض“. كما غرّد ممثل روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف على تويتر قائلاً إن “كلاً من #الولايات المتحدة و#إيران مستعدة لاستئناف التنفيذ الكامل لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» لكنهما منخرطتان في خلاف غير مثمر وذي نتائج عكسية بشأن الطرف الذي سيتخذ الخطوة الأولى. ومن الواضح أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو مزامنة الخطوات ذات الصلة”. ومن المرجح أن تواصل موسكو التشديد على “المزامنة” خلال الأشهر المقبلة.
وفي غضون ذلك، أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق من هذا الشهر أن مفتشي الأمم المتحدة وجدوا أدلة جديدة على أنشطة نووية غير معلنة في إيران، مما يشير إلى أن إيران كانت تملك برنامج للأسلحة النووية في الماضي على الرغم من جميع الإنكارات. ومن المرجح أن تدفع هذه النتائج «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» إلى طلب تفسيرات إضافية. لكن أوليانوف لم ينزعج وغرّد قائلاً: “إذا قام بعض الدبلوماسيين في هذه اللحظة الحرجة بإيلاء اهتمام إضافي بالماضي، فسنواجه كلنا مشاكل كبيرة”.
وبينما تتطلع إدارة بايدن إلى إحياء الاتفاق مع إيران، يحفل الماضي بالدروس القيمة. وقد أوضح بايدن وفريقه أنهم سيتعاملون بصرامة مع روسيا بشأن مجموعة واسعة من القضايا، بدءاً من التدخل في الانتخابات الأمريكية واختراق “سولار ويندز” (SolarWinds)، وصولاً إلى سجن زعيم المعارضة أليكسي نافالني، وخط أنابيب “نورد ستريم 2”. وهذه خطوات مرحب بها. ومع ذلك، إذا كانت واشنطن تتعامل مع موسكو كقوة معادية في أوروبا، فلماذا تمنحها حرية التحرك مع حلفائها؟ على الولايات المتحدة التخلي عن مفاهيم إعادة ضبط العلاقة مع روسيا والتركيز على وضع استراتيجية موحدة تعزز الموقف التفاوضي للولايات المتحدة. ولا تقتصر عرقلة الكرملين على أوروبا. وقد أوضح بايدن وفريقه أنهم يريدون التركيز على المنافسة بين القوى العظمى. فإذا كانوا يريدون القيام بذلك، فلا ينبغي أن يكون هناك المزيد من الاستراتيجيات المجزأة مع موسكو.
آنا بورشيفسكايا هي زميلة أقدم في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط، ومؤلفة الكتاب القادم، “حرب بوتين في سوريا: السياسة الخارجية الروسية وثمن غياب أمريكا”.
رابط المصدر: