محمود جمال
في أواخر ديسمبر من العام 2020م، طرحت سؤالاً على حسابي بتويتر، كان نَصّه: “سؤال لغرض بحثي خاص للمصريين: كيف كانت نظرتك تجاه الجيش المصري في الفترة منذ حرب أكتوبر 73 إلى يناير 2011 وأثناء فترة المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير 2011؟ وكيف هي نظرتك تجاه الجيش المصري بعد يوليو 2013 إلى الآن. وإذا كانت نظرتك اختلفت تجاه #الجيش_المصري فما هي الأسباب باختصار؟”.
إجابات المتابعين في مجملها أكدت على أن نظرتهم قد تحولت تجاه الجيش المصري بشكل كلي، وأكدت على أنهم يرون أن الجيش المصري هو آلة التنكيل الأولي للنظام الحالي، التي يستخدمها ضد أبناء الشعب المصري واستدلوا بما فعلته عناصر الجيش من ممارسات قمعية في ميدان التحرير وماسبيرو وعند الحرس الجمهوري وعند فضه لاعتصامات رابعة والنهضة؛ وكيف استخدمت عناصر الجيش المصري “ضباط وجنود” القوة المفرطة ضد أبناء الشعب المصري، وأطلقت النار في الميادين والشوارع المصرية على المصريين وقتلتهم باختلاف انتمائهم وأنواعهم وأعمارهم، بالإضافة إلى التهجير الذي مارسته ضد أهالي سيناء.
رأت بعض الإجابات أن الجيش المصري هو العقبة الأساسية ضد حدوث أي عملية انتقال ديمقراطي في مصر، وأنه لا مجال للحديث عن تحول ديمقراطي في مصر في وجود ذلك الجيش بتلك الممارسات، وأن الاصطدام مع ذلك الجيش هو الحل، وهذا امر في غاية الخطورة، وتداعياته ليست في صالح أحد.
كلما كنت أتابع تعليقات المتابعين، كان يظهر لي جلياً مدى الحب الذي تبدّل لدى الكثيرين وتحوّل إلى “كُره”، وكان يتضح تحول نظرة قطاع من الشعب ضد مؤسسة اعتاد أن يُكنّ لها كل الاحترام والتقدير من قبل، والسبب الرئيس في ذلك هي سياسات قيادات هذه المؤسسة التي صارت عليها بعد يوليو 2013م، من ممارسات تنكيل ضد جميع أطياف الشعب، واحتكارها وهيمنتها على كل شيء داخل الدولة المصرية في كافة النواحي، السياسية والاقتصادية والأمنية.
لقد كانت المؤسسة العسكرية حامية للنظم العسكرية السابقة “ناصر والسادات ومبارك” ولكنها لم تكن أداه قمع مباشرة للشعب؛ حيث رأى الكثيرون أنه بعد 03 يوليو 2013م، أصبح الجيش المصري أداة لقمع الشعب، وهذا أمر في منتهى الخطورة، فالجيش مهمته أن يحمي أبناء شعبه، وليس قتلهم والتنكيل بهم.
إن شعور بعض مواطني الدولة بأن جيشهم المنوط به حمايتهم هو الذي يهدد أمنهم واستقرارهم ويقف أمام مطالبهم المشروعة أمر في غاية الخطورة، وهو التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري، وتداعيات ذلك الأمر ستكون كارثية على الجميع وليست في صالح أحد.
إن حدوث فجوة بين الشعب والجيش هي الخطوة الأولى لتفكيك الدولة، وعلى قيادات المؤسسة العسكرية أن تفهم ذلك، فسوريا واليمن وصلتا إلى الوضع الذي هما عليه الآن بسبب حدوث فجوة بين الشعب والمؤسسات الأمنية والعسكرية، وكان المتسبب في ذلك رؤساء تلك الدول بشكل رئيسي، وهذا بسبب الممارسات القمعية التي مارستها تلك المؤسسات في حق الشعبين السوري واليمني تنفيذاً لأوامر القيادة السياسية، فكانت النتيجة الحتمية حدوث صدام بين الشعب والجيش فانهارت الدولتان بكامل أركانهما، فوجود رأس نظام متعنت يتبع سياسات غير راشدة حتماً يقود الدولة التي يرأسها إلى كارثة حتمية.
في بعض الإجابات كانت هناك إشارة إلى أمر مهم، وهو التفرقة بين قيادات المؤسسة العسكرية من ناحية وضباطها وجنودها المنتمين إليها في المستويات الوسطى والصغرى من ناحية ثانية.
إن السياسات التي صارت عليها المؤسسة العسكرية منذ يناير 2011م، إلى الانقلاب على التجربة الديمقراطية في يوليو 2013م، ثم السياسات التي وُضعت بعدها وإلى وقتنا هذا، هي من صنع قيادات المؤسسة العسكرية، وليست من صنع الضباط والجنود، كما أنه كانت هناك قيادات داخل المجلس العسكري غير مرحبة بسياسات وإستراتيجيات السيسي بعد 2013م، ولكن تم التنكيل بها، وكان على رأس هؤلاء القادة الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، والذي تم التنكيل به واعتقاله ووضعه في السجن الحربي إلى ما يقارب العامين.
الأمر الذي يعني أن الجيش ليس كتلة واحدة مصمتة، وأن السياسات يضعها القادة المسيطرون أصحاب النفوذ الداخلي والخارجي، وأن الجيش مؤسسة هرمية والقرار يهبط تدريجياً من الأعلى إلى الأسفل، وما على الضباط والجنود إلا التنفيذ؛ ومن يكون له رأي مخالف ولا ينفذ القرار يتم التنكيل به والزج به في السجن، وهذا حدث تكرر منذ أحداث يناير 2011م وما تلتها من أحداث.
ليس لهذا الحد فقط بل إن بعض الضباط شاركوا في ثورة يناير 2011م، وشارك ضباط أخرون في تظاهرات جمعة 8 أبريل 2011 بزيهم العسكري، هذه الجمعة التي عرفت باسم جمعة المحاكمة والتطهير. بعدما شعر هؤلاء الضباط بأن المجلس العسكري وخاصه المشير محمد حسين طنطاوي يتلاعب بمطالب الثورة، ويتعمد تصفيتها معنوياً ومادياً، فقرروا الانضمام إلى المتظاهرين في ميدان التحرير يوم 8 أبريل 2011، وتمت محاكمتهم بعد ذلك.
وبعد 2013م، كان هناك ضباط غير مرحبين بما فعلته قيادات الجيش في الانقلاب على التجربة الديمقراطية في 3 يوليو 2013م وحاولت التصحيح؛ والقضية رقم 03 عسكرية لعام 2015م شاهد على ذلك، فقد تمت محاكمة 26 ضابط بتهم التخطيط لمحاولة انقلاب عسكري على السيسي والمجموعة التي تدير الدولة معه. وأيضاً حاول بعض المنتمين للمؤسسة العسكرية تغيير المسار عن طريق إزاحة السيسي عن طريق الانتخابات والدليل على هذا ما فعله العقيد أحمد قنصوه، والفريق سامي عنان، والفريق أحمد شفيق، والذين تم التنكيل بهم جميعاً. فالتنكيل الذي قام به السيسي والمجموعة التي تدير الدولة معه طال الجميع من العسكريين والمدنيين، ومن له أي آراء مخالفة للنظام فهو يلتزم الصمت خوفاً من التنكيل، أو يطلب الخروج من الخدمة بمعاش مبكر.
إن المتسبب في التحول الذي طرأ على نظرة البعض تجاه الجيش المصري، وفق تعليقات الكثيرين، هو رأس النظام والمجموعة التي تدير الدولة معه؛ حيث تحولت نظرة قطاع من الشعب تجاه الجيش بسبب التحولات في عقيدته التي تعمل عليها المجموعة التي تدير الدولة حالياً، وتحاول إقناع الشعب بأنه قد بات هناك عدو جديد للشعب المصري، وتعمل على غرس ذلك في نفوس وقلوب المصريين بشتى الطرق.
هذا التحول في العقيدة العسكرية للجيش المصري خطأ استراتيجي كبير لأن الحدود الشرقية المصرية ستظل هي المناطق التي تهدد الأمن القومي المصري، وما زالت تلك عقيدة قطاع كبير داخل الشعب المصري، ومن غير المقبول أن يؤدي تهديد مؤقت للدولة المصرية في فترة استثنائية، يراه فقط من يقود الدولة لأسباب سياسية، إلى تحول في العقيدة الاستراتيجية للجيش المصري في مستوياتها الثلاث “الأساسية والبيئية والتنظيمية” ويجعله ينكل بأبناء شعبه.
إن التحول في الصورة الذهنية للجيش، يدفع إلى القول إن الكل خاسر إذا استمر النهج الذي يسير عليه نظام السيسي، وأن ما يذكره رأس النظام بأنه في غيابه ستصبح مصر مثل سوريا واليمن غير دقيق، وأن العكس هو الصحيح، فاستمرار هذا النظام بسياساته الراهنة هو الذي من شأنه أن يدفع بمصر لتكرار نماذج سوريا واليمن وغيرهما من الدول المنكوبة.
رابط المصدر: