ملخّص:
يبدو أنّ إيقاع الأحداث في مالي يتسرّع ومعه احتمالات المآل. إذ، خلافا لما يذكر بعضهم من توقّع انقلابا عسكرياّ في هذا البلد منذ ثلاث سنوات، لم يكن في الحسبان سقوط الرئيس إبراهيم بوبكار كيتا في التوقت والطريقة والنتيجة التّي تمّ بها هذا السقوط، كرابع انقلاب عسكريّ بعد 1968 بزعامة موسى تروري أو رجل الثلاثاء، و1991 بقيادة أمدو توماني توري، و2012 على يد أمدو أيا سانوغو.
مقدمة:
رغم ضغط الشّارع المتزايد ضدّ نظام كيتا، لم تكن لصبيحة الثلاثاء 18 أوت 2020 مؤشّرات انقلاب، نظرا لكثافة التحرّكات الدبلوماسيّة لإنجاح وساطة غودلاك جوناتان، رئيس نيجيريا السابق ومبعوث مجموعة دول إفريقيا الغربيّة (إيكواس). وساطة اعتبرها المحتجّون ظلّ باريس، الهادف إلى إبقاء كيتا في الحكم حتى نهاية ولايته الثانية سنة 2023 مهما كلّف الأمر. فالطلقات الناريّة الصباحيّة في إحدى ثكنات مدينة كاتي، المدينة العسكريّة الرئيسيّة في البلاد الواقعة على بعد 15 كلم من العاصمة بماكو، كان بالإمكان أن تكون طلقات تدريبيّة عاديّة، لولا قيام الجيش بسدّ المنافذ والسيطرة على ثكنات العاصمة والأماكن الرسميّة بما فيها التلفزة الوطنيّة، وتحذير الرئيس كيتا بتقديم استقالته قيل الساعة الثانية بعد الظهر. وعند استيفاء المهلة تمّ القبض عليه في منزله بضاحية بماكو، حيث كان يقيم – بدل القصر الرئاسيّ – منذ توليه الحكم سنة 2013. هكذا تسارعت الأحداث فظنّ البعض أنّ الأمر مجرّد مسرحيّة رتّبها نظام كيتا لحفظ ماء الوجه، حين أدرك استحالة استمراريّته بعد مقتل متظاهرين.
أمّا طريقة القبض على الرئيس فكانت غير متوقّعة. لأنّ الامتيازات الماديّة والترقيات المثيرة للجدل التّي منحها للضباط جعلت الجيش دعمه الرئيسيّ إلى أن قال “إنّ بماكو لن تخاف من كاتي بعد اليوم”. يعني أنّ عصر الانقلاب قد ولّى، ولن نشهد بعد اليوم رتلا من الجيش يأتي من مدينة كاتي لقلب النظام في بماكو. ولذا في خطاب استقالته أبدى استغرابا من غدر الجيش. وبالتالي فإنّ دخول وحدات مختصّة في مقرّ كيتا والقبض عليه – دون تدخّل حرّاس ولا وحدات ثكنات أخرى – صحبة رئيس الوزراء بوبو سيسي المتواجد بالمقرّ وقتها وحملهما في مدرّعات مصفّحة إلى ثكنة كاتي حيث تلا خطاب استقالته بعد حلّ الحكومة والبرلمان في وقت متأخّر من اليوم، قد أثار تساؤلات حول مسرحيّة الوضع. كيف يتمّ انقلاب بمالي دون سفك دماء ولا معارضة من جهة عسكريّة ولا أمنيّة؟
ومن العناصر المفاجئة في هذا الانقلاب فشل محاولة ايكواس بدعم فرنسيّ في إرجاع كيتا إلى الحكم بعد استقالته. أضف إلى ذلك أنّ لقاء الانقلابيين بالسفير الروسيّ قبل الفرنسيّ اعتبر انعطافا خطيرا قد يدفع باريس إلى اتّخاذ مواقف معارضة لهم عبر المنظمات الإقليمية والدوليّة إذا تعذّر التدخّل المباشر بسبب ما يشهده مالي خاصّة ومنطقة غرب إفريقيا عموما من تنامي الكراهية تجاه السياسة الفرنسيّة. وقد لعبت إيكواس دورا محوريّا في ذلك حين فرضت حظرا كاملا على مالي دام شهرا ونصف شهر تقريبا، واشترطت لرفعها أمورا اعتبرت تدخّلا في الشّأن الدّاخليّ. ولتوضيح الأوضاع في مالي يمكن التطرّق إلى أسباب الأزمة التي أدّت إلى سقوط كيتا ونتائجها الحاصلة والمحتملة.
I- أسباب أزمة مالي السياسيّة في 2020:
ليست الأزمة السياسيّة الراهنة وليدة اللحظة. إذ لها جذور تمتدّ إلى 2013، حيت قدّم المرشّح للرئاسة إبراهيم بوبكر كيتا نفسه منقذا للبلاد من الإرهاب والفساد وقريبا من المسلمين. الأمر الذّي جعل رئيس المجلس الأعلى الإسلاميّ حينذاك الإمام السلفيّ محمود ديكو ينضمّ إلى مشجّعيه بل ويدعو المسلمين إلى انتخابه. وانخرط في شبكة دعمه عالم الدين المشهور بوييه حيدرا، المعروف بشريف مدينة انيورو، حفيد الشيخ التجاني حماه الله، الذي بفضل مكانته الدينيّة والاجتماعيّة يتمتّع بالإعفاء الضريبيّ لسلعه التي توزّع في مدينة انيورو والمناطق المجاورة منذ عقود.
فاز كيتا في الانتخابات ليصبح رئيس مالي الخامس، وناشد علماء الدين بتقويمه إذا اعوجّ. لكنّ فشله في حلّ المشاكل الأمنيّة في شمال البلاد ووسطه، واتهام البعض إيّاه بتزوير الانتخابات في 2018 من أجل البقاء في الحكم إضافة إلى تفاقم الفساد ومحاولة الحكومة برئاسة سماعيلو بوباي مايغا إدماج برنامج التسامح الجنسي في التعليم الأساسيّ الذي اعتبر محاولة تقنين للمثليّة، قد أدّى إلى نشوب صراع بين السلطة التنفيذيّة والمجلس الأعلى الإسلاميّ الذي كان الإمام محمود ديكو يديره منذ 11 سنة ولم يعد مترشّحا لولاية أخرى في 2019، تاركا المجال لانتخاب منافسه التاريخيّ الداعية الصوفيّ المشهور عثمان مدان حيدرا، الزعيم التاريخيّ لجمعيّة أنصار الدّين. وذلك دون أن يتخلّى عن العمل الجمعياتي إذ سيؤسّس في سبتمبر 2019 تنسيقيّة حركات وجمعيّات ومحبّي الإمام ديكو Coordination des mouvements, associations et sympathisants de l’imam Mahmoud Dicko (CMAS)،
لإضعاف شعبيّة شريف انيورو والإمام ديكو قطعت الحكومة الامتيازات الضريبيّة عن الأوّل وحاولت توريط الثّاني في الفساد عبر منحه عشرات ملايين فرنك سيفا كمساعدة في تنظيم اجتماع دعا إليه المسلمين من أجل الدعاء لحماية البلاد. رفض الإمام العطاء وطالب الطرفَ المانح بتوزيعه على النازحين المتضرّرين من فقدان الأمن في شمال البلاد ووسطه. بهذا الموقف ازدادت شعبيّة الإمام. وتبعا لقاعدة “عدوّ عدوّي صديقي” تحالف الإمام الوهابيّ مع الصوفيّ شريف انيورو لإطاحة رئيس الوزراء سماعيلو بوباي مايغا. فنجحا في ذلك، إذ استقلّ الأخير في18 أفريل 2019- ليتمّ تعويضه لاحقا بالسّيّد بوبو سيسي، القريب من الإمام – قبيل مظاهرات حاشدة، دعا إليها رجلا الدين بالتزامن مع عريضة برلمانيّة، تقدّم بها نواب من المعارضة وآخرون من الحزب الحاكم من أجل إقالة مايغا. ومن ثمّ أصبح ديكو رمز المعارضة الشعبيّة لنظام صديقه السابق إبراهيم بوبكر كيتا.
تجدّد الصراع بين الطّرفين في مارس 2020 عند الانتخابات التشريعيّة بسبب مشاكل عديدة أبرزها اختطاف زعيم المعارضة السياسيّة، سوماعيل سيسي في 25 مارس، بينما هو في حملته الانتخابيّة بمعقله الانتخابيّ “انيانفونكي Nianfounké” بولاية تمبكتوTombouctou، فاتُّهمَتْ الرئاسة بالتورّط في الأمر. وبالتالي تبيّن تزوير نتائج الانتخابات – الجارية في 29 مارس و19 أفريل – في محافظات عدّة لصالح الحزب الحاكم وحلفائها. ومع ذلك فإنّ المحكمة الدستوريّة لم تعالج شكاوى الأطراف المتضرّرة، فتتالت المظاهرات ضدّ النتائج والفساد وتصعّد سقف المطالب من حلّ البرلمان أو إعادة الانتخابات في المناطق التي تأكّد فيها التزوير إلى حلّ المحكمة الدستوريّة فإقالة الحكومة. وقد بلغ الاحتجاج ذروتها في 5 جون 2020 في مظاهرة ضخمة نظّمتها حركة الإمام ديكو (CMAS)والأحزاب المعارضة والمجتمع المدنيّ للمطالبة باستقالة رئيس الجمهوريّة. وتولّدت خلال هذه المظاهرة حركة جامعة باسم “حركة 5 جوان– حركة القوى الشعبيّة (M5RFP)”، التي شكّلت في صلبها لجنة إستراتيجية للتخطيط وتوجيه الحركة. فتدخّلت إيكواس للوساطة بين النظام والمعارضة. غير أنّ انحيازها إلى النظام جعل المعارضة ترفض مقترحاتها وتعتبرها دون المطلوب. بل ويصفها البعض بمنظمة رؤساء الدول بدل الشعوب. لأنّها جعلت استقالة الرئيس خطّا أحمر. واقترحت بدلا من ذلك توسيع الحكومة بوزراء من المعارضة مع إمكانية إعادة الانتخابات في المناطق المتَّهمة بالتزوير كحدّ أقصى. وتبعا لذلك تواصلت الاحتجاجات وانتهت بتدخّل الجيش عبر اللجنة الوطنيّة لإنقاذ الشعب (CNSP) بزعامة هاشمي غويتا إلى استقالة الرئيس.
وعليه يمكن القول إنّ الأحداث المضطربة في مالي ترجع إلى أسباب ملموسة بما فيها فشل الدولة في توفير الأمن، وتفشي الفساد وتزوير الانتخابات إضافة إلى رفض جماعيّ لمشاريع حكوميّة طموحة حول مجلة الأحوال الشخصيّة تعزّز حقوق المرأة وتفتح باب التسامح الجنسيّ بطريقة يرى البعض أنّها ستؤثّر سلبا في بنية المجتمع. وتشكّلت جراء ذلك حركات معارضة تضافرت فيها الدينيّة والسياسيّة والمدنيّة، وتدرّجت مطالبها من تسوية أوضاع جزئيّة إلى استقالة رئيس الجمهوريّة في 18 أوت 2020، وما ترتّب على ذلك من نتائج جعلت مصير البلاد مفتوحا على احتمالات.
II – نتائج الوضع واحتمالات المصير:
لئن نجحت المعارضة في إسقاط حكم كيتا رغم ما كان يحظى به من دعم إقليميّ ودوليّ، فإنّ المؤشّرات تدلّ على أنّ هذا الحدث لا يعني الحلقة الأخيرة في نضالها بقدر ما يعني عودا على بدء. وذلك لأمور ثلاثة:
أوّلا: تغيير الانقلابيين خطَّ النضال:
صحيح أنّ الانقلابيين صرّحوا بُعيْد الإطاحة بالرّئيس أنّ مهمّتهم تكملة لنضال الشارع وحماية البلاد من الفوضى، لكنّ خياراتهم للشخصيّات المساعدة والمستشارة لم يخرج من شبكة كيتا. بل أكثر من ذلك همّشوا زعماء المعارضة وتجاهلوا نضالهم. وإن التقوا بالإمام ديكو وسمعوا منه أنّ مهمّته قد انتهت وأنّه سيعود إلى الجامع دون أن يوقّع لهم على “شيك أبيض”، فإنّه كان لقاء رمزيّا فحسب. الأمر الذّي جعل المعارضة منقسمة إلى مؤيّدين لهم، أسّسوا حركة 4 سبتمبر (M4) ليبقى المتمسّكون بفلسفة حركة 5 جون (M5) متردّدين في أمر اللجنة الوطنيّة لإنقاذ الشعب (CNSP)، يدرسون كلّ خطواتهم معها بحذر. وهذا ما جعلها ضعيفة نوعا ما سواء داخليّا أو خارجيّا، وفتح وثيقة المرحلة الانتقاليّة (charte de transition)، المنبثقة من مؤتمر وطنيّ نظّمتها ببماكو بحضور ممثلي الأحزاب السياسيّة والمجتمع المدنيّ… خلال يومي 11 و12 سبتمر، على تعديلات متعدّدة لاحتواء الواقع الداخليّ حينا واستجابة لشروط إيكواس أحيانا أخرى.
ثانيا: تدخّل إيكواس:
سقط نظام كيتا فتجاوز بذلك الماليّون الخطّ الأحمر الذّي وضعته مجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس). ولذا فرضت الأخيرة حظرا كاملا على مالي، بما في ذلك غلق الحدود ومنع التبادل التجاري والتحويلات الماليّة وتعليق العضويّة… واشترطت رفع الحظر بالعودة إلى الدستور، وإطلاق سراح كيتا ومن معه والسماح له بالخروج للعلاج في دولة الإمارات… وبعد أن تمّ إطلاق سراح الرئيس المستقيل وخروجه إلى الإمارات، شرّطت إيكواس رفع الحظر بتعيين مدنيّين في رئاسة المرحلة الانتقاليّة ورئاسة الحكومة. وهو ما حصل باختيار الكولونيل المتقاعد باه انْداوُ رئيسا للدّولة مع اتّخاذ هاشمي غويتا – رئيس اللجنة الوطنيّة لإنقاذ الشعب – نائبا للرئيس، والدبلوماسيّ المحنّك وزير الخارجيّة السابق مختار وانْ رئيسا للوزراء. وبعد ذلك صعّدت إيكواس سقف مطالبها فدعت إلى استقالة نائب الرئيس وحلّ CNSP مع الإفراج عن موقوفي الانقلابيّين شرطا إضافيّا لرفع الحظر.
ثالثا: إعداد بديل لكيتا:
إنّ هذا الحراك الشعبيّ الذّي أدّى إلى سقوط كيتا مناهض للسياسة الفرنسيّة. فهو يرى أنّ أزمة مالي سببها باريس، التي زرعت مجموعة مسلّحة في شمال البلاد باسم الحركة الوطنيّة لتحرير أزواد (MNLA)، ودعمتها بالسلاح والدبلوماسيّة والإعلام. وسمحت لها بالتحالف مع الجهاديين من القاعدة في المغرب العربيّ وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا… من أجل السيطرة على ثلثي البلاد، فتضطرّ بماكو إلى الاستنجاد بباريس لطردهم. ويؤمن الحراك كذلك بأنّ التدخّل الفرنسيّ في مالي سنة 2013 كانت نقمة، حين توقّفت حملة التحرير عند مدخل ولاية كيدال فحظرت السلطات الفرنسيّة دخولها على الجيش المالي بل والإدارة الماليّة عموما لأنّ مجموعتها المسلّحة تقطنها. وعوّضت الجيش المالي بالتشادي ثمّ القبعات الزرق الأممّيّة دعما لوحداتها المتمركزة في المنطقة باسم “البرخان” قبل أن تنشئ مجموعة دول خمس الساحل الإفريقيّة وتهمل شقّها الاقتصاديّ مع التركيز على العسكريّ كقوّة خلفيّة لحملتها العسكريّة في المنطقة وحماية المناجم التي يقال إنّها تستغلّها بالتواطؤ مع نظام كيتا دون إعلام الشّعب بما يدور حول كيدال.
يعبّر الحراك باستمرار عن كون فرنسا من تخطّط لهجوم المسلّحين واختطاف الرهائن وإن كانوا فرنسيّين. وأنّ لها يدا في اختطاف سماعيل سيسي زعيم المعارضة، الذيّ يصرّ على أنّه الفائز الحقيقيّ في رئاسيّات 2018 لولا أنّ إيليزيه أسرعت إلى تهنئة كيتا قبل أن تعالج المحكمة الدستوريّة شكاوى المعارضة… ولذا منذ بداية الحراك الشعبيّ تحسّ باريس بحرج، فتتجنّب التصريحات وتختفي خلف إيكواس لتمرير رغباتها. ولحماية مصالحها تخشى صعود نشطاء الحراك الشعبيّ عند الانتخابات القادمة. الأمر الذّي يفرض عليها المصالحة مع زعيم المعارضة المختطف سماعيل سيسي. وهو ما من شأنه أن يسرّع بإطلاق سراح الأخير. وقد بدأت في 05 أكتوبر إجراءات تحرير الأخير صحبة فرنسيّة اختطفت في ولاية غاوو سنة 2016 مقابل الإفراج عن أكثر من 200 سجين من مسلّحي أنصار الدّين لـإياد أغالي،
تمّ هذا الإفراج المزدوج في 9 أكتوبر بعد حدثين هامّين. أوّلهما إعلان تشكيل الحكومة الانتقالية في 5 أكتوبر بـ25 وزيرا أغلبهم من العسكريّين. والثاني إعلان إيكوس رفع الحظر عن مالي في اليوم ذاته.
لئن كان تشكيل حكومة مختار وانْ متوقّعا منذ أيام، فإنّ بعض الأخبار تشير إلى أنّه مرّ بمخاض صعب، نظرا إلى أمرين. أوّله الشائعات التّي تقول إنّ السيّد وانْ، الذي دخل الدبلوماسيّة الماليّة منذ الثمانينات من القرن المنصرم واشتغل لسنوات مندوب مالي الدّائم في الأمم المتّحدة، عميل فرنسا. وإنّ باريس تدخّلت مرّات لفرضه على السلطات الماليّة وزيرا أو مندوبا في مؤسّسات اقليميّة أو دوليّة.
أمّا الأمر الثّاني فيعود إلى قائمة الأسماء التّي حاول زعيم الانقلابيّين هاشمي غويتا فرضها في التشكيل الوزاريّ. وكاد يحدث شرخا بين رئيس الدولة ونائبه من جهة ورئيس الوزراء المكلّف من جهة أخرى. حيث حاول الأخير تقديم استقالته قبل أن يتمّ احتواء الوضع. لو كانت الاستقالة قد حصلت لكانت النتيجة عودا على بدء، لا يستفيد منه العسكريّون لتراجع شعبيّتهم، ولا يسير في مصلحة إيكواس ولا فرنسا لاحتمال عودة الحرك الشعبيّ إلى الشّارع بزعامة حركة 5 جون المعارضة، التّي أكّدت بعد تشكيل الحكومة أنّها رسميّا ليست طرفا في تشكيلها.
خاتمة:
إنّ الحراك الشّعبيّ الذي أدّى إلى سقوط نظام إبراهيم بوبكار كيتا انطلق دينيّا وانتهى سياسيّا. فقد كان الدّين عنصر تحفيز والسياسة عامل تخطيط وتوجيه. وإن كان هذا الزواج لا يؤثّر في علمانيّة الدولة بصفة مباشرة، فإنّه بات معادلة ثابتة في ذاكرة شعب 95% منه مسلمون، وقوّة ستسعى أطراف داخليّة وخارجيّة إلى احتوائها. وتسارع وتيرة الأحداث والبحث عن الحلول يدلّ على أهميّة ما يحدث في مالي لإمكانيّة تصديره إلى البلدان المجاورة، التّي تتقاسم معها حدودًا بطول 7243 كيلومترًا. ومالي اليوم بين أمرين: إمّا الاستجابة لمطالب الشّعب فإعادة بناء الدّولة. وإمّا الرجوع إلى الممارسات السابقة فيترتّب عن ذلك انحلال داخليّ يصعب تداركه.
مؤدب دانيو (أكاديمي وباحث من مالي)- مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية