اثارت زيارة البابا فرانسيس للعراق تساؤلات عديدة عن اطروحة الفكر الغربي المتصهين لترويج الابراهيمية الجديدة ، والتي جاءت بعد عدة اسابيع من تصريح السفير الاسرائيلي بالعاصمة الامارتية ابوظبي بشأن اطلاق اسم(ابراهام) علي اتفاق التطبيع الاسرائيلي /الاماراتي، مما اصبغ عليها الطابع السياسي وليس الديني لنشر تعاليم ومبادىء السلم والامن العالمي كما روج لها، ويري كاتب هذه السطور ان الزيارة تحمل في طياتها الاستعداد لنظام عالمي ما بعد جائحة كورونا.
وبهذه الزيارة التاريخية للعراق في ظل جائحة كورونا التي تجتاح العالم وتردي الاوضاع الأمنية في العراق وكان اخرها تلك التفجيرات الارهابية في بغداد وديالي، مما جعل من المراقبين والمحللين السياسيين يرون ان السبب المعلن للزيارة ليس مجرد رسالة سلام لأهل العراق من السنة والشيعة والازيدية والمسيحيين، بقدر ماهي الا ترويج لنشر افكار الدبلوماسية الروحية كنهج سياسية خارجية غربية جديدة لتعضيد ونشر افكار السلام المتصهين في الشرق الاوسط والادني بل وتجديد الافكار عن مسار الخليل ابراهيم لخدمة الهدف الصهيوني الأكبر منذ ان عقد تيودور هرتزل مؤتمره في مدينة بازل وهدف تحويل حركة شعبية يهودية الي حقيقة سياسية بعدها ب50 عام . فلا عجب ولا استغراب فمن قبل قد ابرأ البابا بنديكت السادس عشر اليهود من دم المسيح واعلن في كتابه”يسوع الناصري” 2012 أنهم غير مسئولين عن قتل وتعذيب المسيح ابن مريم.ومع المفارقة العجيبة ان البابا بنديكت الخامس عشر هو من رفض وعد بلفور واصدر الفاتيكان قراره بان لا سيادة لليهود علي الاراضي المقدسة ودعي المسيحيين الشرقيين للنضال من اجل المقدسات.
اذن ماهي الابراهمية الجديدة ؟
ويطلق عليها الاعلام الغربي متعمدا الديانة الابراهمية الجديدة،وروجت لها السياسات الخارجية للغرب بانها الدبلوماسية الروحية، ولسوء التقدير يقوم الاعلام العربي بترجمتها دون ادني مراجعة دقيقة لمعايير الدين والسياسة في العالم العربي الذي تنتشر فيه الاشاعات والخرافات والافكار الغريبة كالنار في الهشيم.وكذلك عدم تأهيل القارىء او المستمع لأن يفهم ويستوعب مدي وقع هذه العبارة عليه، فهذه العبارة قد يتشابه وقعها علي مسامع انصاف المتعلمين وغير المثقفين مثل عبارات علمية صارت بالوقت تاريخية ذات مضمون فكاهي وتناولها العلم والصحافة دون توضيحها مثل، نظرية النشوء والارتقاء او نظرية فرويد عن متعة الاخراج ؟
الابراهيمية هي فكرة او توجه سياسي غربي جديد اطلقوا عليه مسمي الدبلوماسية الروحية،منذ نهايات القرن ال20 والمقصود به الاشارة الي الديانات السماوية الثلاث والقاسم المشترك بينهم عن الخليل ابراهيم،ومحاولة رسم او تصور لمعتقد جديد يجمع بين الديانات الثلاث، ويهدف حسب المفاهيم الغربية الي طرح مفهوم او فكر قد يساعد علي تقليل حدة التوتر والصراعات الدينية، وقد لا يختلف اي من هذه الديانات علي رمزية ابراهيم في العقائد وانه اول الموحدين والداعي من خلال مسار رحلته الي عقيدة التوحيد.
بالأمس القريب دعي النظام العالمي الجديد لفكرة العولمة والتي اخذت الشكل الاقتصادي في اول الامر حتي وصلت الي المحطة النهائية وهي انتهاء العالم الي فوز العولمة والراسمالية الغربية وستكون نهاية التاريخ بحسب المفكر فوكوياما وان الثقافة الغربية هي اخر ما سيتوصل اليه العالم بحسب اقوال صامويل هنتنجتون في كتابه صدام الحضارات، ومن هنا نجد ان هذه الديانة الابراهيمية الجديدة تعد طرحا مخالفا ل هنتنجتون وفوكوياما، فهي تدعو الي شكل جديد من العلاقات الدولية اساسها التسامح العالمي والاخوة الانسانية والسلام العالمي وهكذا..
الابراهيمية تعد مبادرة حسبما ساقها لنا الديموقراطيون في المجتمع الاميركي كطرح جديد لتحقيق السلام العالمي من خلال تقارب الاديان السماوية، واعادة صياغة وتجميل ترجمة النص الديني لخلق نوعا من التقارب بين الاديان السماوية المتصارعة ، وهو ماعرفوه بالمسار الثاني من خلال المفاوضات غير الرسمية بين رجال الدين الثلاث ،لمساعدة رجال السياسة والدبلوماسية ،(ولاعطاء اصحاب الحق الاصلي الحق علي الخريطة ليكون مستقبل العالم) وهنا فليتوقف التاريخ، لان تصريح السياسيين هذا يعطي الغلبة لليهود بحسب الخريطة والاقدم تاريخيا بحسب نزول الرسالات ،ك احقية في ارث ابراهيم، وعودة الي مسائل الحقوق التاريخية لليهود ، عملا بان اليهود لا يؤمنون بالمسيحية او الاسلام، اذن هم الورثة للارض ولو علي الخريطة، وهذا قد يعد احد ابواب جهنم الجديدة علي النظام العالمي الجديد وخلق بؤر صراع قد تصل الي الداخل الغربي نفسه ومؤسساته.واري كباحاث من خلال تحليلي وبوصفي باحث سياسي ان البابا لم يتطرق مطلقا في صلاته او احاديثه مع المرجعيات الدينية من هذا المنطوق ولو لفظيا، ولكنه قد يكون رسول للديبلوماسية الروحانية الجديدة..
ومن اللافت للانظار ان زيارة البابا فرنسيس بدءت من بغداد ثم الي الجنوب والجنوب الشرقي للعراق حيث مدينة النجف الشيعيه والمدينة الروحيه أور بمحافظة ذي قار والتي يعتبرها الأحبار وبعض من المسيحيين والمسلمين انها تعد مسقط رأس الخليل ابراهيم وصولا لاقص الشمال العراقي لزيارة الموصل ،وقد ترأس البابا عدة صلوات في كنائس العراق ،تأبينا لارواح الشهداء العراقيين الذين قتلوا في مذابح داعشيه، ومن ثم أقام البابا فرانسيس (بابا الفاتيكان) وراس الكنيسة الكاثوليكية علي مستوي العالم، صلاة اطلق عليها الصلاة الابراهيمية اجتمع فيها رجال دين من كافة الاديان السماوية وبعض طوائفها.
فقد يكون الطرح الذي صاغه الاعلام عن صلاة ابراهيمية مجمعة موحدة قد اقيمت في في مدينة أور التاريخية والدينية هو شكل من تضليل العقل الجمعي للمواطن العربي،(فربما يكون مكان ما جمع كل رجال الدين لاداء صواتهم في مكان واحد بشكل مختلف كل حسب دينه) فلا صلاة طقسية موحدة علي وجه الارض تستطيع جمع الثلاث اديان السماوية بالاضافة الي طائفة المندائية والصابئه والازيدية، الا اذا كانت صلاوات بالدعاء المباركي،وهو ان يدعو الشخص بأية من دينه عن الصلاة والتسليم علي ابراهيم ،سواء واقفا او جالسا فهي مجرد دعاء كأن مثلا شخص مسلم يحضر قداس تأبين فيدعو للميت او يباركه، وليس صلاة اسلامية او قداس مسيحي بالمعني المفهوم، ولكنها كصلاة طقسية في مازالت مبهمة حتي وقتنا الحالي،ولكن التاريخ اثبت انها تبدء بفكرة.!
هل التبشير للابراهيمية الجديدة سيقضي علي الفقر والمجاعات؟
طرح الابراهيمية الجديدة او الترويج للدبلوماسية الروحية ليس المقصود به سياسة او عقيدة غربية جديدة بقدر ما هو الا توجه جديد يصوغه الغرب في غلاف ديني للشرق المتدين بصفة خاصة، فالغرب يعلم تماما اهمية الدين لدي الشرقيين فهو يعد محور حياتهم اليومية وبالتبعية لا يمكن فصل الدين عن السياسة ، فها هم صنعوا لهم عقيدة او دين يناسب ايدولوجية بعض العرب وهو المزج الازلي بين الدين والسياسة والدولة في صورة دبلوماسية روحية.
فهناك بعض مناطق صراع في العالم في أسيا وافريقيا بالاضافه لأميركا اللاتينية تعاني الفقر والمجاعات ويستغلها المبشرون لاي ديانات جديدة اعتمادا علي حاجة الفرد الي غذاء وملبس وامن، فلو توافرت كل تلك المقومات سيتبعها ملايين في وقت قياسي في مناطق الفقر والعوز للحاجات الاساسية واشباع الغرائز الخمس وصولا لعقل جمعي تنصهر فيه كل الاديان وتكون جاهزة لصراع ديني جديد قد يكون اطول بكثير من صراع الحضارات والاديان في عالمنا الماضي والحاضر.
ولو كان الثمن للتبشير للابراهيمية الجديدة حرية التنمية الاقتصادية وزيادة الدخول الفردية وتقليص نسب البطالة وارتفاع الدخل سواء الدخل الفردي او القومي كما يروجوا لها منذ ان اعلنت هيلاري كلينتون عن تشكيل بعض اللجان للدبلوماسية الروحية وعقد العديد من المؤتمرات عن تقارب الاديان والتسامح الديني، ،فالرؤيه الغربيه تري ان مع زيادة نسب الرفاهية الاقتصادية فالاتباع المؤمنون سيتكاثرون حتما في نظام عالمي جديد تحكمه الراسمالية العرجاء.
ومن دواعي الاستهجان ان يسوق الغرب لهذه الديانة او المعتقد الجديد، وهو الذي غرق في اتون الحرب الدينية لسنوات طويلة في العصور الوسطي، وبعد ان جردت وخربت الحرب امارات وممالك اوروبية كاملة بل واسقطتها من خريطة العالم، فالتجربة كانت مريرة ونجدهم وقد نجحوا بعد دمار كيناتهم في فصل الدين(الكنيسة) عن السياسة بمقتضي معاهدة ويستفاليا 1648،بعدما ارهقت الحرب الدينية اوروبا ووسط اوروبا تحديدا، وقد راح ضحية هذه الحرب مايقرب من 8 مليون شخص ولذلك فهذه الحرب الدينية تعد من اخطر الحروب التي واجهت الانسانية بشكل عام.
فاصبح دور الكنيسة في الغرب المتقدم مجتمعي توعوي ،خدمي. وعليه فقدت معه الكنيسة اي دور لها في توجيه سياسي للدولة عما كانت عليه في عصور الظلام الاوروبية، فمجرد اختراع هذا المسمي الجديد والذي اطلق عليه الدبلوماسية الروحية هو بمثابة عودة للوراء والترويج لامتزاج جديد بين الدين والسياسة ولكن بخلطة سحرية قد تجذب بعض المنتفعين لعقود حتي يظهر لها نبي كما حدث مع بعض الطوائف المسيحية والاسلامية علي مر العصور.
التبشير بالابراهيمية الجديدة كمعتقد ديني مسيس ليس المقصود به الشرق المتدين،بقدر ما هو مقصود به دمج الافكار المتطرفة في مناحي الشرق الاوسط والادني وبؤر الصراع الدينية تحت راية واحدة،فهل من عاقل يستطيع الوثوق بالوقح والشرس!فلماذا الكل يعتقد انه الطيب؟ فالغرب وما يمثله من اوروبا واميركا الشمالية قد سبقونا كدول نامية بمئات السنين في نهج سياسي متفرد وهو فصل الدين عن الدولة والسياسة كما اشرت سابقا، وظهرت ابحاث وكتب ومؤلفين غربيين بعد حركات وثورات التحرر من الاستعمار الاوروبي من خمسينيات القرن المنصرم، يحدثون الشرق المتعصب دينيا واثنيا والفقير اقتصاديا عن جنة التنمية السياسية ونشر مبادىء الديموقراطية والعولمة واخرها الدعاوي العالمية لتمكين المجتمع المدني للسيطرة علي السياسات العامة للدول وقد ظهر ذلك جليا مع ثورات الوطن العلابي منذ2011..فالتبشير لتلك العقيدة السياسية قد تكون اقصر الطرق لحرب كونية.
ولكن سيظهر لاحقا منعطفا جديدا من الصراعات الدينية، فلو افترضنا نجاح التجربه بشكل ما، فما هو التصور لشكل صراع ديني اخر بين الابراهمية / البوذية ، الهندوسي والسيخ؟؟
وعلي جانب اخر طالما ان الابراهيمية كفكر وعقيدة تعبرعن دبلوماسية روحية تعترف بالاديان السماوية، فلماذا لا تؤمنون برسالة الاسلام؟ ولكنه كلام الغرف المغلقة ،انما الواقعية السياسية هي ميكافيلية المبدء.
عفوا انتم لاتؤمنون اصلا بالاسلام ولا بمقدساته..فكيف نأتمن لكم..
للحديث بقية.
رابط المصدر: