أ.د. محمد ياسر شرف
تشير أدبيات الشعوب التي وصلتنا منذ آلاف السنين إلى وجود مجموعة من الأعراف والتقاليد المتبعة في بعض المناسبات دون بعض، ولاسيما بالنسبة للعلاقات التي تنشأ بين سكان المناطق الجغرافية المختلفة، والأفراد المنتمين إلى منقولات ثقافية متنوعة، وذوي الممارسات السلوكية المصنفة في عدد من الفئات المتباينة، بدرجات متعددة.
ويبدو للباحث المقارن في البقايا التي وصلتنا من آثار الشعوب الغابرة أن أول المهمات التي اضطلعت بتأديتها التقاليد . التي كانت قوام التشريعات للجماعات . تمثلت في تنظيم العلاقات بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة، وخاصة الذكور والإناث، ثم أفراد كل جنس داخل المجموعة الواحدة، لكي تحول دون استمرار النزاعات والاعتداءات، وتحول دون تدهور أحوال الهدوء أو السلم. وقد حدا ذلك بعض الباحثين الأنثروبولوجيين إلى استنتاج أن الزواج بين ذكر وأنثى، ربما كان أهم إجراء کرسته التقاليد بغرض المحافظة على استمرار العلاقة الطيبة بين فردين غير مرتبطين برابطة الدم، ثم بين بقية الأفراد في مجموع السكان الذين يقطنون إقليما جغرافيا مشتركا أو يتبادلون مصالح اقتصادية وعسكرية معينة.
وتولد عن اتفاقية الزواج أو التعاهد بين امرئ وامرأة نوع من الترتيبات السلوكية يعود عمرها إلى أكثر من عشرة آلاف سنة قبل ابتداء التأريخ الميلادي، رغم ما تظهره الآثار من أن الجماعات الإنسانية الكثيرة قد ارتضت أن تقيم تشريعاتها المختلفة . بما في ذلك تشريعاتها الأخلاقية والدينية. على أسس من المنافع الاقتصادية والسياسية والعسكرية الصريحة، وعمدت إلى توفير ما يتصل بصورة أوثق بإرواء الغرائز الملحة كالأكل والشرب والسكن والتداوي، فالتمست ما يعزز اتجاهاتها نحو توفير الأغذية والأشربة والملابس ووسائط الحماية من القتل أو الأفتراس أو الأمراض القاتلة، وكل ما اعتبر. في فترات حضارية سالفة . عدوا خفية لا يمكن التنبؤ بخطوته الفاعلة التالية، أو لغزة سحرية لا مجال إلى الاطلاع على مكنونه.
وأبرمت العهود والمواثيق لمنع فرد أو جماعة من قتل فرد أو جماعة في الحاضر والمستقبل، وتولدت عمليات لإبرام الانضمام لهذه المعاهدات كلما استدعت ظروف القحط والوفرة ذلك، وحسب ما أعترض طريق كل مجموعة سكانية من صعاب الأمطار والزلازل والعواصف والقحط والجدب، فحال دون وصولها أو سهل حصولها على الأرزاق والأقوات القابلة للادخار، بغرض الاستفادة منها في حالات الضنك المتوقعة؛ وهي . جميعة . أمور وإجراءات تتطلب وجود وثيقة محسوسة تنظم للمجموعات المختلفة حقوقها في الامتلاك والحيازة، إضافة إلى حقوق الصيد والرعي ثم الزراعة وممارسة الأعمال اليدوية.
رابط المصدر: