د. أحمد عدنان الميالي
يقصد بحل البرلمان إنهاء المدة الزمنية لعمله قبل انتهاء المدة النيابية التشريعية المقررة له دستوريا، يستتبع ذلك الدعوة إلى انتخابات مبكرة جديدة، تختلف وفقا لذلك سلطة الحل في الأنظمة الديمقراطية من نظام سياسي إلى آخر، ففي النظام البرلماني المبني على التوازن بين السلطات يكون هذا الحق من صلاحية الحكومة عبر رئيسها ورئيس الجمهورية أو أحدهما، أما في النظام الرئاسي ونظام حكم الجمعية فلا يحق لها ذلك باعتبار أن النظام البرلماني قائم على فكرة التوازن بين السلطات، كما أنه يحق في النظام البرلماني منح الحكومة حق طلب حل البرلمان مثلما أن للبرلمان حق سحب الثقة من الحكومة، وهذا هو الأمر الذي يؤدي إلى الدعوة لانتخابات جديدة يختار فيها الشعب نوابهم مرة أخرى بحثا عن تشكيل حكومة جديدة. وهنالك عدة مسالك لحل مجلس النواب في النظام البرلماني:
1- الحل الرئاسي: يحق لرئيس الدولة وحسب موقعه وصلاحياته الدستورية، أن يمارس هذا النوع من الحل، سواء كان رئيس جمهورية أو كان ملكا، و يحق للرئيس أن يقوم بهذا القرار منفردا بحجة أن سلطة الرئيس في حل البرلمان تعد وسيلة للدفاع عن آراءه و حقوقه التي يعتقد بأن الشعب يؤيده فيها، وعادة يلجأ رئيس الدولة إلى حل البرلمان في حالة قيام البرلمان بسحب الثقة من الحكومة أو إقالة وزارة تتمتع بثقة الأغلبية البرلمانية.
2- الحل الوزاري: إن هذا النوع من الحل يكون بناء على رغبة الحكومة، لأن هذا الحل يمثل سلطة تمتلكها الحكومة تمكنها من مواجهة البرلمان، ففي حالة حدوث خلافات ما بين البرلمان والحكومة، وترى الأخيرة أنها على حق، وأن البرلمان قد عرقل عمل الحكومة أو تمادى في صلاحياته، فتطلب الحكومة من رئيس الدولة حل البرلمان ففي حالة قبول الرئيس طلب الحكومة فيعد هذا الحل وزاريا لأنه تم على رغبة وطلب الحكومة.
إن أساس سلطة الحل الوزاري هو أن الحكومة المنبثقة من البرلمان يمكنها أن تلتمس مناشدة الشعب عندما لا تتوافق الأغلبية في البرلمان معها أو ينفرط عقد الأغلبية التي كانت تمتلكها، من خلال حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، يمكن أن يحاول من خلالها تحقيق أغلبية جديدة.
٣- الحل الذاتي: ويقصد به حل البرلمان لنفسه، باعتبار أن البرلمان يملك جزء من السيادة فيحق له التنازل عن هذه السيادة طالما أن هذا الحل لا يؤثر فقط على المجلس نفسه، وهذه الحالة لا تعد أساس في الأنظمة البرلمانية لكنها تطورت في بعض دساتير الدول والولايات الفيدرالية بحيث صار حل الذات حالة إضافية متقدمة لحل البرلمان، وأصبحت أمر معترف به اليوم وكأنه القاعدة الأساسية لسلطة الحل.
٤- الحل الشعبي: ويقصد به أن حل البرلمان يرتبط بإرادة الناخبين ويكون من خلال إجراء استفتاء، يسبقه تقديم طلب إلى البرلمان بالحل والدعوة لانتخابات جديدة، ويكون هذا الحل على نوعين الأول: يتقدم به غالبية الناخبين أو عدد منهم (حسب ما يرسمه الدستور) بالتصويت على الحل.
والثاني: يمثل من خلال وجود اختلال وعدم توازن بين السلطات بسبب الخلافات بين السلطة التنفيذية والتشريعية حول تشريع أو سن أو اقتراح مشاريع قوانين، يتم حسم ذلك عبر عرض هذه الخلافات على الشعب ليكون هو الحكم، وتأتي النتيجة ليس لمعرفة طبيعة القوانين ورغبة الشعب فيها بل أين تكمن ميوله إزاء هذا الصراع مع الحكومة أو مع البرلمان؟، فتكون النتيجة أما بحل البرلمان أو استقالة الحكومة، وهذا حصل على سبيل المثال في المملكة المتحدة فيما يخص الموقف من الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست).
سلطة الحل هذه تنبع من مبادرة شعبية لحل البرلمان، وهي طريقة معترف بها اليوم ولها منطلقات فرعية على سبيل المثال من حق مجموعة من الناخبين سحب الثقة من ممثلهم في الدائرة الانتخابية إذا اخل بالتزاماته أو واجباته اتجاههم قبل انتهاء الدورة البرلمانية وهذا الحال موجود في المملكة المتحدة، وهكذا ينسحب على البرلمان.
٥- حالات حل خاصة: وتأتي عن طريق الغرفة الثانية في السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشيوخ أو اللوردات حسب التسمية المعروفة وهذه حالات استثنائية وغريبة عبر موافقة مجلس الشيوخ أو من قبل لجنة خاصة وهذه حالات لم تعد موجودة الآن ووجدت سابقا على سبيل المثال في الدستور الروسي.
أما في الحالة العراقية فقد حل البرلمان نفسه قبل أيام وحدد نطاق زمني لذلك مرتبط بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ويستمر بأعماله لغاية ثلاثة أيام قبل إجراءها، وهذا القرار منسجم مع الدستور العراقي النافذ للعام ٢٠٠٥ وفق المادة ٦٤ منه، وجاء منبع الحل بشكل يتطابق ومطالب الشعب ورغبته وليس لصراع مع الحكومة أو عدم اتفاق الأغلبية النيابية معها، لكن في تفسير الجزء الثاني من سلطة الحل في الدستور العراقي التي أناطت بحق رئيس الحكومة والجمهورية فهنالك اتجاهان في تفسير هذه المادة: الأولى تحتاج إلى تصويت البرلمان نفسه أي الحل الذاتي بناءً على طلب السلطة التنفيذية، وهذا حقيقة خارج قاعدة سلطة الحل في النظام البرلماني، لأن الثابت أن للسلطة التنفيذية سلطة الحل دون تصويت البرلمان عبر السماح لإرادة الشعب لاتخاذ القرار في معارضة الأغلبية البرلمانية أو استجابة لمطالب شعبية إذا لم يتضمن الدستور حق الحل الشعبي، وهذا الحال يمكن أن يمارسه البرلمان ذاتيا كذلك في حال عدم النص أيضا على الحل الشعبي.
في المنظور والطابع الديمقراطي فإن سلطة حل البرلمان في النظام البرلماني تتمحور في الحل الوزاري أو النابع من رئيس الحكومة والجمهورية، وهذا الحق ليس باعتباره سلاحا موجها ضد البرلمان إنما لإعادة ضبط التوازن بين السلطتين وعادة ما تفترض ممارسة سلطة الحل وجود نزاع وصراع بينهما يحسمه الخيار الشعبي بانتخابات مبكرة جديدة.
رابط المصدر: