د. سعيد عبيدي
ملخّص
لقد أثار المستشرقون العديد من الشبهات حول القرآن الكريم ولا سيّما ما يتعلّق بكون القرآن الكريم لم يكن مدوّنًا على عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد تأخّر جمعه في ديوان جامع بين الدفّتين، ومصحف تامّ كامل إلى زمن متأخّر بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ مفهوم النصّ المكتوب كان حاضرًا في أذهان المكّيين الأوائل الذين لم يتجاوز عددهم المئة، ولقد أمدّهم بذلك المفهوم ما كانوا يعرفون من التّوراة التي كانت بين أيدي المسيحيّين واليهود في المدينة، أو أناجيل نصارى نجران والحبشة الذين كانوا على علاقات تجاريّة بهم. ومع ذلك فإنّ أنصار محمّد -كما يقول المستشرقون- لم يشعروا مباشرة بضرورة تدوين الرسالة الجديدة، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه لم يعط أهميّة لكتابة النصّ القرآني في حياته، ولهذا بقي القرآن المكّي محفوظًا في ذاكرة المسلمين المكّيين، وفكرة التدوين «ربّما كانت تنشأ عن تحمّس شخصي لبعض نصوص تشتمل على أدعية أو أحكام شرعيّة كانوا يرونها مهمّة، ولقد شجّع النبي حماسة التّدوين هذه، ولكنّه لم يجعلها واجبة». مع أنّ علماء المسلمين يجمعون أنّ القرآن الكريم نقل إلينا بطريق التواتر؛ كتابة في المصاحف وحفظًا في الصدور، فقد نقله عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) جموع غفيرة يستحيل تواطؤهم على الكذب أو الوهم أو الخطأ، أبرزهم الإمام عليّ(عليه السلام) ومجموعة من الصحابة الأخيار، بالإضافة إلى مجموعة من العلماء والفقهاء، وصولًا إلى عصرنا حيث وصل إلينا مكتوبًا في المصاحف. وقد تضافرت واتّفقت كلمات كبار علماء المسلمين على مرّ التاريخ على هذه الحقيقة، ما يدحض الشبهات التي أثارها المستشرقون حول القرآن الكريم.
المحرِّر
مقدّمة
لقد أفنى المستشرقون أعمارهم في دراسة القرآن الكريم والنظر في جميع قضاياه، ليس بغرض تقريبه ممّن لا ينطقون العربيّة، أو بهدف التعريف بدين الإسلام، أو بغرض نشر ثقافة صحيحة عن هذا الدّين، وإنّما كانت جهودهم لغايات أخرى غالبًا ما يُتستر عليها بمصطلحات البحث العلمي، أو البحث الأكاديمي أو غيرها. فالقرآن الكريم كان وما يزال محطّ عنايتهم، إذ أقبلوا على دراسة آياته وسوَره، وطرق فهمه وتفسيره، وتحليل رواياته وأخباره، والنظر في رسمه وشكله ونقطه، إلى غير ذلك ممّا له اتّصال بالكتاب المبين والتّنزيل الحكيم، إذ لم يتركوا جانبًا من جوانبه إلّا وكان لهم فيه نظر أو رأي، أو قول أو شبهة، وكان من أكثر ما أثار اهتمامهم من مباحثه مسألة تاريخ جمعه ونقله، وظروف تدوينه وكتابته حتّى صار في كتاب جامع، ولقد أثاروا حول هذه القضيّة أكثر من علامة استفهام، وهو ما سنحاول بيانه في هذه الدّراسة وبيان القصد منه.
إنّ أوّل التّساؤلات التي أثارها المستشرقون حول جمع القرآن الكريم وتدوينه قولهم إنّ القرآن الكريم كان محفوظًا في الصّدور ولم يدوّن في عهد الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا القول قد يشدّ آذان السّامع له ويبهره لما فيه من أنّ القرآن كان محفوظًا في ذاكرة المسلمين، لكنّه قول أريد به باطل، والقصد منه لا يحتاج إلى عناء لمعرفته، فهناك مقدّمتان مطويّتان ثم نتيجة في هذا القول تردّدت وعزفت عليها أوتار المستشرقين؛ الأولى مفادها أنّه «مهما كانت المجهودات التي قام بها الصّحابة الأوائل لحفظ القرآن بشكل كامل، فإنّ ذاكرة الإنسان تبقى دائمًا عرضة للنقصان والسهو والخطأ إذا أخذنا بعين الاعتبار طول القرآن»[2]. والمقدّمة الثانية أنّه هناك أدلّة عديدة على أنّ القرآن كان غير مكتمل وقت تدوينه في مصحف واحد»[3]. والنّتيجة هي أنّه «لا يوجد أساس في التّاريخ أو الحقائق أو الأدلّة على الفرضيّة التي يعتزّ بها المسلمون وهي أنّ القرآن تمّ حفظه سليمًا وبشكل مطلق إلى آخر نقطة وحرف»[4].
أوّلًا: شبهات المستشرقين حول القرآن
يستند أغلب المستشرقين على مقولة أنَّ القرآن الكريم لم يكن مدوّنًا على عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّه تأخّر جمعه في ديوان جامع، ومصحف تامّ كامل إلى زمن متأخّر بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). فيذهب المستشرق غوستاف لوبون إلى أنَّ: «القرآن هو كتاب المسلمين المقدّس، ودستورهم الديني والمدني والسياسي الناظم لسيرهم، وهذا الكتاب المقدّس قليل الارتباط، مع أنّه أنزل وحيًا من الله على محمّد، وأسلوب هذا الكتاب -وإن كان جديرًا بالذكر أحيانًا- خال من الترتيب فاقد السياق كثيرًا، ويسهل تفسير هذا لدى النظر في كيفيّة تأليفه، فقد كُتب تبعًا لمقتضيات الزمن بالحقيقة، فإذا ما اعترضت محمّدًا معضلة أتاه جبريل بوحي جديد حلًّا لها، ودوَّن ذلك في القرآن، ولم يُجمع القرآن نهائيًّا إلّا بعد وفاة محمّد، وبيان الأمر أنَّ محمّدًا كان يتلقّى في حياته عدّة نصوص عن الأمر الواحد، فلمّا انقضت عدّة سنين على وفاته حمل خليفته الثالث على قبول نصٍّ نهائي مقابلًا بين ما جمعه أصحاب الرسول، والقرآن مؤلّف من مئة وأربع عشرة سورة وكلّ سورة مؤلّفة من آيات، ومحمّد هو الذي يتحدّث فيها باسم الله على الدوام»[5].
ويزكّي هذه النظريّة المستشرق الفرنسي بلاشير بقوله: «إنّ مفهوم النصّ المكتوب كان حاضرًا في أذهان المهتدين المكّيّين الأوائل الذين لم يتجاوز عددهم المئة إبّان الهجرة سنة 622م، ولقد أمدّهم بذلك المفهوم ما كانوا يعرفون من التّوراة التي كانت بين أيدي المسيحيّين واليهود في المدينة، أو أناجيل نصارى نجران والحبشة الذين كانوا على علاقات تجاريّة بهم. ومع ذلك فإنّ أنصار محمّد لم يشعروا مباشرة بضرورة تدوين الرسالة الجديدة، ولقد يزيد هذا الأمر غرابة أنّ تلك الرسالة هي الأولى المتلقّاة في اللّغة العربيّة، تعلن عن ذاتها أنّها آية من الله»[6].
ويشير بلاشير أيضًا إلى أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعط أهميّة لكتابة النصّ القرآني في حياته، وبقي القرآن المكّي محفوظًا في ذاكرة المسلمين المكّيين، وفكرة التّدوين «ربّما كانت تنشأ عن تحمّس شخصي لبعض نصوص تشتمل على أدعية أو أحكام شرعيّة كانوا يرونها هامّة، ولقد شجّع النبي حماسة التّدوين هذه، ولكنّه لم يجعلها واجبة»[7].
ويعتقد بلاشير أنَّ من أهم الأسباب التي وقفت أمام عدم كتابة القرآن في زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصًا في السنوات الأوائل من البعثة، هي عدم وجود الموارد الكافية لهذا الغرض، فيقول: «منَعَ عدم توفّر الوسائل الضروريّة للكتابة من تدوين الوحي، حيث كان ينزل القرآن على رسول الله، في مناسباتٍ وأوقاتٍ مختلفةٍ تتراوح بين الليل والنهار، والسفر والحضر، وحالة الصلاة وحالة الانشغال بغيرها من الأعمال والأنشطة…؛ ولذلك لم تتوفَّر خلال حياة النبي سوى مجموعاتٍ مدوَّنةٍ قليلةٍ تحتوي على بعض السوَر مرتَّبةً بحسب الطول. وتدلُّ بعض الروايات غير المؤكَّدة أنَّ أخت عمر كانت تملك نسخةً ناقصةً من المصحف تحتوي على سورة طه وكانت تقرأها بصوت عالٍ…، ومن مجموع الشواهد المتوفَّرة يُستفاد أنَّ العهد النبويّ لم يُنجز من القرآن المدوَّن سوى بضع مدوَّناتٍ غير مكتملةٍ، ولا تخلو من تصرَّفٍ واجتهاداتٍ شخصيّةٍ. بل كان الحفظ والمشافهة هو الوسيلة المتعارفة في ذلك العهد، بل إنَّ المصحف المدوَّن احتاج إلى الذاكرة والحفظ لتُضاف إليه علامات الإعراب والنقاط عندما دُوِّنَ في الصُحف في فترة لاحقة»[8].
وعلى نهج المستشرق الفرنسي بلاشير سار المستشرق الألماني بيتر هاينه والذي ذكر أنّ تدوين القرآن الكريم بدأ بالمدينة «بعدما هاجر الرسول إليها واستوطن بها، حيث تولّى الصّحابي زيد بن ثابت مهمّة توثيق ما يُوحى إلى النبي…، وكانت نصوص الوحي تكتب على الرّقاع، وأخرى على أغصان النّخيل أو ألواح الخشب، وما تيسّر من وسائل الكتابة في ذلك العصر»[9]، ما يعني «أنّ القسم المكّي من القرآن والذي يشكّل حوالي ثلثي المادّة القرآنيّة لم يدوّن مطلقًا، وعلى فرض أنّ محمّدًا كان قد دوّن بعض النصوص في مكّة، فإنّها فقدت، لأنّ الحوليّات التاريخيّة لا تذكر اصطحاب المسلمين لمدوّنات قرآنيّة أثناء ترحالهم للهجرة، إضافة إلى ذلك لا نجد في المصادر التّاريخيّة أيّ حديث عن كتبة القرآن في مكّة»[10].
أمّا المستشرق بروكلمان فقد ذكر أنّ ما تمّ تدوينه في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسيرًا في الوقت الذي كان فيه أغلب الوحي محفوظًا في الذاكرة، يقول: «لعلّ نجومًا متفرّقة من الوحي كانت قد كتبت في حياة الرسول، ولكنّ أكثر الوحي كان يُروى بلا ريب شفاهًا من الذّاكرة فحسب، فلمّا غاض بوفاة الرسول منبع الوحي الذي كان قيّمًا على حياة الأمّة، أجمع المسلمون كلمتهم على تسجيل كلّ ما كان ممكنًا جمعه بعد من القطع والأجزاء»[11]، وفي هذا إشارة إلى عدم جمعه كاملًا.
أمّا المستشرق غيرهارد بويرينغ فقد أكّد أنّ المسلمين بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) واجهوا ثلاث مهمّات أساسيّة: أن يجمعوا النصّ القرآني، وتأسيس هيكليّة نصّ من الحروف الساكنة، وإتمام العمل بنصّ مضبوظ بعلامات للحركات[12]، وقد «انبثق هذا السيناريو من افتراض أنّ محمّدًا لم يترك نصًّا مكتوبًا كاملًا للقرآن، وأنّ القرآن حفظ أساسًا بصيغة شفهيّة في ذاكرة عدد كبير من مستمعيه المباشرين، علاوة على صيغة كتابيّة من قبل الكتّاب خلال حياته»[13].
والقول بأنَّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك قرآنًا مجموعًا في كتاب واحد زكّاه من المستشرقين المعاصرين فرانسوا ديروش إذ ذكر «أنّه من المستبعد أن تكون نسخة مكتوبة كاملة قد رأت النور خلال حياة النبيّ وتحت إشرافه؛ إنّ الأدلّة التي قدّمت مؤخّرًا على وجود مثل هذا النصّ غير مقنعة، لأنّ عوامل كثيرة تفيد عكس ذلك. بالإضافة إلى ذلك، طالما أنّ النبي على قيد الحياة، كانت الرسالة القرآنيّة في تطوّر: ثمّة وحي مستمرّ، آيات سابقة تنسخ وتحلّ آيات أخرى محلّها، تتعايش دروس مختلف- وإن كان يجدر، في صدد المسألة الأخيرة، تفادي الارتماء في ماضي وقائع متأخّرة على نحو أبرز. إنّ ضرورة فسح مجال مفتوح لمسار الوحي كان لها بلا شكّ دور حال دون ضبط نسخة كاملة لها صورة كتاب تامّ-، وهذا لا يستبعد تمامًا الملاحظات المذكورة أعلاه. وفي هذا الصدد، يمكن القول إنّ ما ينقص الدعوة لكي تصير كتابًا هو أمر صريح حملته وفاة نبي الإسلام بشكل قاس جدًّا. ويهمّ قولنا بشكل مباشر أكثر موضوع القرآن منذ اللحظة التي أخذ فيها صورة كتاب»[14].
وعلى النّقيض من قول هؤلاء المستشرقين بأنّ القرآن الكريم كان محفوظًا في الصّدور ويتمّ تناقله شفاهةً نجد المستشرق لامنس (Lammens) لا يعترف بكون القرآن كان محفوظًا في الذاكرة والصدور أساسًا؛ لأنّه ينفي أصلًا ويشكّك بوجود حفظة وقرّاء للقرآن بهذا العدد، بل ويذهب أبعد من ذلك في بحثه في دائرة المعارف الإسلاميّة، تحت مادّة «بئر معونة» والحادثة المشهورة في مقتل سبعين رجلًا من قرّاء القرآن، إذ يرى أنّها من اختراع المسلمين لإثبات كثرة قرّاء القرآن الكريم فقال ما نصّه: «لم تكن هناك حاجة تتطلّب 70 قارئًا لتحفيظ القرآن، بل لا شكّ في أنّه لم يكن في المدينة حينئذ مثل هذا العدد، وكان النبي في مثل هذه الأحوال لا يرسل سوى قارئ أو اثنين فقط، وقد اخترع المحدّثون هذه القصّة لتغطية حملة خانها التوفيق، ولإثبات كثرة عدد القراء وشدّة إقدامهم ولإسباغ القداسة عليهم…، ومن المحتمل أن يكون أبو براء قد سأل النبي أن ينصره على منافسه عامر بن الطفيل؛ وكانت خطّة النبي تقتضي التّدخل في مثل هذه الأمور الدنيويّة؛ ولذلك فقد أنفذ سبعين فارسًا من الأنصار باغتهم بنو سليم قرب بئر معونة وأفنوهم»[15].
ثانيًا: مناقشة ونقد
لا بدّ أمام ما ذكره المستشرقون من بيان العديد من الأدلّة والحقائق التاريخيّة حول هذه القضايا المثارة من قبل المستشرقين، فإنّ أقوال المستشرقين هذه مردودة عليهم بأدلّة كثيرة تصبّ كلّها في أنّ القرآن الكريم كان محفوظًا بالصّدور كما كان محفوظًا بالكتابة، والدّليل على ذلك هو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد اتّخذ عددًا من الصّحابة كانوا يعرفون بكتّاب الوحي، مهمّتهم كتابة وتدوين ما كان يُوحى به إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في وقته…[16]. وكان من أبرزهم الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، إذ حظِيَ بكتابة الوحي من أوّل نزوله في مكّة إلى حين انقطاعه؛ برحيل الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): عن الإمام عليّ(عليه السلام): «فما نزلتْ على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها فكتبتُها بخطّي، وعلَّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَّها وعامَّها»[17]. وعنه(عليه السلام) -أيضًا-: «يا طلحة إنَّ كلَّ آية أنزلها الله على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) عندي بإملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّي بيدي وتأويل كلّ آية»[18].
وممّن كتب الوحي بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا، أُبي بن كعب الأنصاري: وهو أوّل من كتب له(صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي في المدينة، وقد عرض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عليه القرآن كاملًا، وكان ممّن حضر العرضة الأخيرة في من حضر، وتولّى الإشراف على الكَتَبَة في لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان، حيث كانوا يرجعون إليه عند الاختلاف[19]. وزيد بن ثابت: كان يسكن في المدينة بجوار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكتب له(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا غاب أُبَي بن كعب، حتى أصبح لاحقًا من الكتّاب الرسميين[20].
ولهذا فقد كان القرآن مؤلّفًا ضمن سوَر متفرّقة في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وغير مجموع في موضع واحد ولا مرتَّب السوَر، حيث رحل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن منثور على العُسُب، واللِخاف، والرقاع، والأديم[21]، وعِظام الأكتاف والأضلاع، والحرير والقراطيس، وفي صدور الرجال. ومع أنّ السوَر كانت مكتملة على عهده(صلى الله عليه وآله وسلم) مرتَّبة آياتها وأسماؤها، غير أنَّ جمعها بين دفَّتين لم يكن حاصلًا بعد؛ نظرًا لترقّب نزول قرآن في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). ولهذا، لم يُقدِم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على جمع القرآن ضمن دفّتين[22]، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ(عليه السلام): يا عليّ، القرآن خلف فِراشي في الصحُف والحرير والقراطيس، فخُذوه واجمَعوه ولا تضيِّعوه»[23].
وبما أنّ قضية جمع القرآن قضيّة تاريخيّة، فلا بدّ من البحث عن حقيقتها بين طيّات التاريخ، والشواهد التاريخيّة تثبت أنّ القرآن جُمِعَ على شكل مصحف بعد رحيل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هذه الشواهد:
– ما نقله ابن قتيبة الدينوري عن ابن عُيينة عن الزهري: قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن في العسب والقضم[24].
– ما نقله الزركشي عن أبي الحسين بن فارس في «المسائل الخمس»: جمع القرآن على ضربين: أحّدهما: تأليف السوَر، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين؛ فهذا الضرب هو الذي تولّته الصحابة، وأمّا الجمع الآخر -وهو جمع الآيات في السوَر- فهو توقيفي تولّاه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)[25].
– ما نقله الزركشي عن أبي عبد الله الحارث بن أسيد المحاسبي في كتاب «فهم السنن»: كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأمر بكتابته، ولكنّه كان مفرّقًا في الرّقاع والأكتاف والعسب. وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فأمر أبو بكر بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء[26]. ولتأكيد القول بأنّ القرآن الكريم كان محفوظًا بالكتابة أيضًا نذكّر المستشرقين ومن نهج طريقهم بقول زيد بن ثابت: «كنّا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نؤلّف القرآن من الرّقاع»[27]، وقول عثمان بن عفّان الذي صرّح بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا نزل عليه الشّيء يدعو بعض من كان يكتب له فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا[28]، فعلًا لم تكن أدوات الكتابة ميسّرة للصحابة في ذلك الوقت، لكنّهم كانوا يكتبونه على ما تناولته أيديهم من العسب واللخاف والرّقاع والأكتاف وغيرها، وكان كتّاب الوحي رضي الله عنهم يضعون كلّ ما يكتبون في بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وينسخون لأنفسهم منه نسخة[29].
وعليه فالقرآن الكريم إذن كان مكتوبًا في عهد الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن محفوظًا في الصّدور فقط كما زعم المستشرقون، لكنّه كان متفرّقًا في الرّقاع والأكتاف والعسب وغيرها، ولم يجمع في مصحف واحد في عهد النبي الأكرم لما كان يترقّبه(صلى الله عليه وآله وسلم) من ورود ناسخ لبعض أحكامه، أو تلاوته، فلمّا انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء ذلك وفاء بوعده الصّادق بضمان حفظه على هذه الأمّة[30].
والقول بشبهة حفظ القرآن الكريم في الذاكرة والصدور في المرحلة المكّية دون كتابته عند المستشرقين قادهم إلى القول بشبهة أخرى مفادُها أنّ جمعه لم يتجاوز جمع ما كان في صدور الحفّاظ فقط، وبذلك لم يكن لهذا الجمع ذلك التّأثير الحقيقي طالما كان في حدود ما قام به بعض الصّحابة بناء على مبادرتهم الشخصيّة، فقد ذكر بلاشير أنّ الخطوة الحاسمة التي اتّخذت في هذا الصّدد كان مرجعها إلى قيام الخليفة الثالث عثمان بجمع القرآن بطريقة منظّمة وعلميّة أكثر شمولًا واتّساعًا، إلّا أنّه نظرًا لغياب أدوات النّقط والرسم، فإنّه ما يزال اختلاف في قراءاته، وبالرّغم من اختراع طريقة الأحرف السبعة والقراءات السبع لوحدة النصّ القرآني، فإنّ هذه الطريقة أضافت وخلقت خلافات جديدة بين المسلمين، كما أنّ مشكلة وحدة النصّ القرآني زادت تعقيدًا بعد اغتيال الخليفة الرابع عليّ بن أبي طالب[31]، فأنصاره يؤكّدون -كما قال بلاشير- أنّ المقاطع التي تتعلّق به وبعائلته «قد حذفت بأمر عثمان، ويستندون في ذلك إلى عدم تلاحم بعض المقاطع، ويعتبرون أنّ النصّ الأصلي قد انتقل سرًّا من كلّ إمام إلى خلفه، وسيظهر في النهاية عند ظهور الإمام المختفي»[32].
هكذا إذًا نصل إلى أنَّ المستشرقين أمثال بلاشر ولامنس وغيرهما يرون أنّ التدوينَ الفعلي للقرآن الكريم لم يكن إلّا في الفترة المدنيّة بعد الهجرة المحمّدية، بينما يرى فريق آخر بأنّ» الآثار الإسلاميّة نفسها تدلّ على عدم تقييد الآيات القرآنيّة بالكتابة تحت رقابة النبي محمّد، ولا هو ضمّها ضمن مجموع كامل، بل اكتفى فقط قبيل وفاته بالإعلان عن نهاية الوحي، الذي امتدَّ على فترة سنوات طويلة، وتمّ تبليغه نجومًا حسب الاقتضاءات»[33].
ثالثًا: شبهة الزيادة والنقصان
يؤكّد المستشرقون بأقوالهم السابقة أنّ جمع القرآن وتدوينه لم يتم بطريقة علميّة صحيحة، ولهذا شابه النّقصان والزّيادة والاختلاف في بعض آياته، وهي شبهة أخرى أثارها المستشرقون، فهم يتّفقون على أنَّ هذا المصحف الذي وصل إلينا، ليس هو كلّ القرآن الذي أُنزل على محمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل إنَّ ما جمع في عهد أبي بكر الصّديق وعثمان بن عفّان قد سقطت منه أشياء، فضاعت من الوحي نصوصٌ كان من المفروض وجودها في المصحف الحالي، ومن بين هؤلاء المستشرقين القائلين بهذا الرأي، المستشرق الفرنسي هنري ماسيه الذي يقول صراحة: «إنّ القرآن كما وصل إلينا لا يتضمّن الوحي كلّه»[34].
أمّا المستشرق الألماني نولدكه فقد عنون بعض فقرات كتابه في تاريخ القرآن بهذا العنوان: «ما لا يتضمّنه القرآن ممّا أوحي إلى محمّد»، ويورد تحته جملة من الأخبار التي تفيد ما قد فهمه مسبَّقًا من ضياع جزء غير مقروء به من القرآن الكريم.[35]» وقد صرّح في كتابه هذا أنّ القرآن الكريم زيد فيه ما ليس منه؛ يقول: «إنّ فواتح السوَر ليست من القرآن، وإنّما هي رموز لمجموعات الصحف التي كانت عند المسلمين الأوّلين قبل أن يوجد المصحف العثماني، فمثلًا حرف الميم كان رمزًا لصحف المغيرة، والهاء لصحف أبي هريرة، والصّاد لصحف سعد بن أبي وقّاص، والنون لصحف عثمان، فهي إشارة لملكيّة الصحف وقد تركت في مواضعها سهوًا، ثم ألحقها طول الزمن بالقرآن فصارت قرآنًا».[36]
ويؤكّد المستشرق الفرنسي كازانوفا» أنّ مذهب محمّد الحقيقي إن لم يكن قد زيِّف فهو على الأقل ستر بأكبر العنايات، وأنّ الأسباب البسيطة التي سأشرحها فيما بعد هي التي حثّت أبا بكر أوّلًا ثمّ عثمان من بعده على أن يمدّا أيديهما إلى النصّ المقدّس، وهذا التغيّر قد حدث بمهارة بلغت حدًّا جعل الحصول على القرآن الأصلي يشبه أن يكون مستحيلًا»[37].
وأورد المستشرق الإنجليزي آرثر جفري في تحقيقه لكتاب المصاحف لابن أبي داود في القسم الثالث من التّحقيق، وهو القسم الإنجليزي آيات وسوَر مخالفة للقرآن الكريم ادّعى أنّه نقلها من كتب التفسير والقراءات دون أن يبيّن لنا كتابًا معيّنًا حتّى يمكن الرجوع إليه، وفيما يلي نموذج لما كتبه وألحقه في سورة البيّنة كذبًا وزورًا: «رسول الله عليهم يتلو صحفًا مطهّرة وفيها كتب قيّمة، ورأيت اليهوديّة والنصرانيّة، إنّ أقوم الدين الحنيفيّة مسلمة غير مشركة، ومن يعمل صالحًا فلن يكفره».[38]
وفي الجواب نقول: إنّه من المسلّم به بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن لا بالزيادة ولا بالنقيصة، وأنّ الموجود ما بين أيدينا هو جمع القرآن المنزل على الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد صرّح بذلك كثير من كبار أعلام المسلمين، منهم:
– الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق القمي (ت: 381هـ): «اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك… ومن نسب إلينا أنّا نقول: إنّه أكثر من ذلك؛ فهو كاذب»[39].
– السيد المرتضى علم الهدى (ت: 436هـ): «إنّ العلم بصحّة نقل القرآن؛ كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة؛ فإنّ العناية اشتدّت، والدواعي توافرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذكرناه؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينيّة. وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كلّ شيء اختُلِفَ فيه؛ من إعرابه، وقراءته، وحروفه، وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرًا أو منقوصًا، مع العناية الصادقة، والضبط الشديد؟»[40].
– الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت: 460هـ): «وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه (أي القرآن) فممّا لا يليق به أيضًا؛ لأنّ الزيادة فيه مُجمَع على بطلانها، والنقصان منه، فالظاهر أيضًا من مذهب المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا»[41].
– الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت: 548هـ): «الكلام في زيادة القرآن ونقصانه؛ فإنّه لا يليق بالتفسير. فأمّا الزيادة فيه: فمجمع على بطلانه. وأمّا النقصان منه: فقد روى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشويّة العامّة أنّ في القرآن تغييرًا أو نقصانًا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه»[42].
– السيّد عبد الحسين شرف الدين (ت: 1377هـ): «والقرآن الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنّما هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، لا يزيد حرفًا، ولا ينقص حرفًا، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة، ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل؛ تواترًا قطعيًا إلى عهد الوحي والنبوّة»[43].
– السيّد محمد حسين الطباطبائي (ت: 1402هـ): «من ضروريات التاريخ: أنّ النبي العربي محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) جاء قبل أربعة عشر قرنًا تقريبًا، وادّعى النبوة، وانتهض للدعوة، وآمن به أمّة من العرب وغيرهم، وأنّه جاء بكتاب يسمّيه القرآن، وينسبه إلى ربّه، متضمّن لجمل المعارف، وكلّيّات الشريعة التي كان يدعو إليها، وكان يتحدّى به، ويعدّه آية لنبوّته، وأنّ القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الذي جاء به وقرأه على الناس المعاصرين له في الجملة؛ بمعنى: أنّه لم يَضِعْ مِن أصله؛ بأن يُفقَد كلّه، ثمّ يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه أو لا يشابهه، وينسب إليه، ويشتهر بين الناس بأنّه القرآن النازل على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). فهذه أمور لا يَرتاب في شيء منها إلا مصاب في فهمه، ولا احتمل بعض ذلك أحّد من الباحثين في مسألة التحريف من المخالفين والمؤالفين»[44].
وخلاصة القول إنّ شبهة تعرض القرآن الكريم للتحريف سلعة رائجة في أوساط المستشرقين، فقد ادّعى هؤلاء أنّ المسلمين في القرن الأوّل حذفوا من القرآن وأضافوا إليه وغيّروا فيه، ولكي يلبسوا هذا الاتّهام رداء الحقيقة العلميّة عوّلوا على بعض الآثار الضعيفة، والروايات الموضوعة، ولم يرجعوا إلى المصادر الأصليّة، والأقوال الصحيحة. فالمستشرق الفرنسي كازانوفا مثلًا المشار إليه سابقاً يذهب في كتابه «محمّد ونهاية العالم» إلى أنّ هناك آيتين يشكّ في صحّة نسبتهما إلى الوحي الإلهي، يرجّح أن يكون أبو بكر هو الذي أضافهما غداة وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهما قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [45]، وقوله جلّ وعلا: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[46]. فكازانوفا بما قاله يعبّر عن جهله بالسيرة النبويّة، وبمعرفة أسباب النزول؛ فالآية الأولى استشهد بها أبو بكر الصدّيق حينما رأى الناس قد ألمّ بهم الحزن الشديد بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أمّا نزولها فكان بسبب محنة المسلمين يوم أحد، وما أشيع من أنّ الرسول قد قتل، فاختلف المسلمون هل يواصلون القتال أو لا يواصلون، فأنزل الله الآية لتبيّن أنّ محمّدًا(صلى الله عليه وآله وسلم) سيموت كغيره من الرسل، فإذا مات أو قتل تخلّيتم عمّا جاءكم به ودعاكم إليه، ومن فعل ذلك فإنَّ عاقبة أمره خسرانًا مبينًا. أمّا الآية الثانية فقد نزلت بالمدينة لتؤكّد أنّ كلّ نفس ذائقة الموت[47].
وللردّ على هذه الأقوال التي ذهب أصحابها إلى وجود تحريف أو زيادة أو نقصان في نصوص القرآن الكريم عند جمعه وتدوينه نورد قول المستشرق لوبلوا (Lebloit) صاحب كتاب القرآن والتوراة (Le Cran et La Bible Hébraïque) الذي قال: «إنّ المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتّى وصل إلينا بدون تحريفٍ، وقد حُفِظ بعنايةٍ شديدةٍ بحيث لم يطرأ عليه أيّ تغييرٍ يُذكَر، بل نستطيع القول أنّه لم يطرأ عليه أيّ تغييرٍ على الإطلاق في النُّسخ التي لا حصر لها والمتداولة في البلاد الإسلاميّة الواسعة… فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلاميّة المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النصّ المقبول من الجميع حتّى اليوم يعدّ أكبر حجّة ودليل على صحّة النصّ المنزّل الموجود معنا، والذي يرجع إلى الخليفة المنكوب عثمان الذي مات مقتولًا»[48].
واستحالة تحريف القرآن بالزيادة أو النقصان أثناء جمعه هو الأمر الذي بذل موريس بوكاي طاقته العلميّة من أجل إثباته، ليخلص في نهاية المطاف إلى القول بأنّ «النصّ القرآني لم يتعرّض لأيّ تعديل أو تغيير أو تحريف من يوم أنْ أنزله الله على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى يومنا هذا»[49]، ويرجع سبب ذلك إلى أنّه «فور تنزيل نصوص القرآن الكريم، أوّلًا بأوّل، كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان المسلمون حوله يتلونه ويحفظونه في ذاكرتهم عن ظهر قلب، وكان الكتبة من صحابته يسجّلونه كتابيًّا. وهكذا كانت نصوص القرآن الكريم تتمتّع وتمتاز بهذين العنصرين دائمًا من المصداقيّة وتوافرها على امتداد الزمان، وهما الحفظ في الذاكرة والحفظ كتابةً لنصوص القرآن الكريم في حياة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهما العنصران اللّذان تفتقر إليهما نصوص الأناجيل»[50].
فالزّيادة في القرآن الكريم كما ذكر الطبرسي من علماء الشيعة «مجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشويّة العامّة، أنّ في القرآن تغييرًا ونقصانًا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدّس الله روحه، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيّات، وذكر في مواضع أنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه فيما ذكرناه، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعيّة والأحكام الدينيّة، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرًا منقوصًا، مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟»[51].
فالتحريف أثناء التدوين والجمع ينافي كون القرآن المعجزة الكبرى الباقية أبد الدهر، يقول العلاّمة الحلّي: «الحقّ أنّه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه وأنّه لم يزد ولم ينقص، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك، فإنّه يوجب التطرّق إلى معجزة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، المنقولة بالتواتر»[52]. وذلك لفوات المعنى بالتحريف، ولأنّ مدار الإعجاز هو الفصاحة والبلاغة الدائرتان مدار المعنى، وبالنتيجة لا إعجاز حينما يوجد التحريف، فاحتمال الزيادة أو التبديل باطل، لأنّه يستدعي أن يكون باستطاعة البشر إتيان ما يماثل القرآن، وهو مناقض لقوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 23] ولغيرها من آيات التحدّي. وكذلك احتمال النقصان بإسقاط كلمة أو كلمات ضمن جملة واحدة منتظمة في أسلوب بديع، فإنّ حذف كلمات منها سوف يؤدّي إلى إخلال في نظمها، ويذهب بروعتها الأولى، ولا يدع مجالًا للتحدّي بها[53].
وقال الشيخ جعفر الجناجي في معرض تفنيد شبهة الزيادة أو النقصان في القرآن الكريم: «لا زيادة فيه من سورة، ولا آية من بسملة وغيرها، لا كلمة ولا حرف. وجميع ما بين الدفّتين ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين، وإجماع المسلمين، وأخبار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم القرآن … لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر»[54].
فلا شكّ في أنّ القرآن الكريم المصدر الأوّل للشريعة المقدّسة، وهو الحجّة القاطعة بيننا وبين الله تعالى، التي لا شكّ ولا ريب فيها، كلام الله الذي أنزله على عبده ورسوله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يراجعه مع أمين الوحي في كلّ شهر من شهور رمضان للتأكّد من سلامته مبنى ومعنى([55])، وقد بلَّغ نبيُّ الإسلام القرآن الكريم تبليغاً كاملًا باتّفاق المسلمين، وأمر بحفظه وكتابته وجمعه حال حياته، وأنّ ما بين الدفّتين والمتداول بين المسلمين منذ عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزد فيه ولم ينقص منه، وكما يقول العلامة حسن زاده آملي «واعلم أنّ الحقَّ المحقّق المبرهن بالبراهين القطعيّة من العقليّة والنقليّة أنّ ما في أيدي الناس من القرآن الكريم هو جميع ما أنزل الله تعالى على رسوله خاتم النبيين محمّد بن عبد الله، وما تطرّق إليه زيادة ونقصان أصلًا»([56]) ومن المتفّق عليه أنّ هذا القرآن لم ينزل على الرسول دفعة واحدة في ليلة القدر، بل إنه تنزّل عليه منجَّمًا في حوالي ثلاث وعشرين سنة، فاقتضت حكمة الله تعالى ألّا ينزل القرآن على رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) جملة واحدة كما نزلت الكتب السماوية الأخرى السابقة، وإنما نزل متدرِّجًا ومفرَّقًا حسب الحوادث والوقائع ومقتضيات التشريع بعد نزوله على قلب النبي مرّة واحدة، ولهذا الأمر فلسفة خاصة ليس هنا محلُّ بحثها.
ومن الشبهات التي أثارها المستشرقون والمتعلّقة بجمع وتدوين القرآن الكريم قولهم إنّ هذه العملية التي قام بها أبو بكر إنمّا أتاحت له اختيار ما يتناسب مع أهوائه من الآيات؛ فقد ذكر المستشرق جلكريست أنّ «المصحف جاء كنتيجة لمبادرة من الخليفة أبي بكر؛ حيث حاول بإخلاص أن يجمع نصًّا أقرب ما يكون للكمال على قدر مستطاعه، تاركاً لنفسه حرّية اختيار ما وجب إدخاله وما وجب إسقاطه»[57].
وفي السّياق نفسه ذهب هذا المستشرق إلى أنّ عثمان رضي الله عنه كان هدفه من جمع القرآن الكريم هدفًا سياسيًّا؛ «فالغاية الحقيقيّة من فرض مصحف زيد هو القضاء على السلطة السياسيّة التي كان يتمتّع بها بعض قرّاء القرآن في الأمصار التي كان عثمان يفتقد فيها شيئًا من مصداقيّته بسبب السياسة التي كان ينهجها حيث إنّه كان يعيّن أقرباءه كعمّال من بني أميّة أعداء محمّد على حساب الصّحابة الذين ظلّوا أوفياء لمحمّد طيلة حياتهم، يمكننا أن نستنتج ممّا سبق أنّ مصحف زيد لم يتمّ اختياره؛ لأنّه كان يتميّز على المصاحف الأخرى من حيث الكمال، ولكن لأنّه كان يخدم الأهداف السياسيّة التي كان يبتغيها عثمان من توحيد نصّ القرآن»[58] .
وقول هذا المستشرق وغيره ممّن سلكوا طريقه مردود؛ لأنّه بلا دليل «فلا أحّد يدري من أين جاءت هذه السلطة السياسيّة التي ينسبها لقرّاء القرآن؟ وفي الوقت ذاته لا أحّد ينكر المكانة الرفيعة والوجاهة المعروفة لهم، لكن لم تصل إلى حدّ ما أسماه بالسلطة السياسيّة»[59].
فعثمان بن عفّان لمّا اتّسعت الفتوح الإسلاميّة خاف من اختلاف صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وتفرّقهم، فأمر بجمع القرآن الكريم معتمدًا على ما كان عند حفصة أمّ المؤمنين من رقاع وغيرها، وبذلك لم يسوّغ لنفسه الزّيادة أو النّقصان في القرآن الكريم كما زعم المستشرقون، فقد روى البخاري في صحيحه «أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصّحف ننسخها في المصاحف، ثم نردّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزّبير، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرّهط القرشيّين الثلاث: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ففعلوا، حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق»[60].
خاتمة
لقد طرح المستشرقون لمّا بحثوا في تاريخ تشكُّل المصحف الشريف تدوينًا وجمعًا، سيلًا جارفًا من الشّبهات والشّكوك بين يدي ذلك، كان من مقاصدهم زعزعة ثقة المسلمين بالكتاب الذي ظلّ يحكم حياتهم منذ أن نزل على قلب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والتشكيك في كون مصدره من عند الله جلَّ وعلا، ولقد تشبثّوا في سبيل الوصول إلى هذا الغرض بكلّ ما هو ضعيف أو موضوع أو متروك أو مشبوه، متغافلين عن قوله تعالى: (نَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[61].
علمًا بأنّ القرآن الكريم لم يزل بحسب حكمة الوحي والتشريع والمصالح والمقتضيات المتجدّدة آنًا فآنًا يتدرّج في نزوله نجومًا؛ الآية، والآيتان، والأكثر، والسورة. وكلّما نزل شيء هفّت إليه قلوب المسلمين، وانشرحت له صدورهم، وهبّوا إلى حفظه؛ بأحسن الرغبة والشوق، وأكمل الإقبال، وأشدّ الارتياح. فتلقّوه بالابتهاج، وتلقّوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ الصادع بأمر اللَّه، والمسارع إلى التبليغ والدعوة إلى اللَّه وقرآنه. وتناوله حفظهم؛ بما امتازت به العرب، وعُرِفُوا به من قوّة الحافظة الفطريّة، وأثبتوه في قلوبهم؛ كالنقش في الحجر. وكان شعار الإسلام وسمة المسلم حينئذ؛ هو التجمّل والتكمّل بحفظ ما ينزل من القرآن الكريم؛ لكي يتبصّر بحججه، ويتنوّر بمعارفه وشرائعه وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز. فاتّخذ المسلمون تلاوته لهم حجّة الدعوة، ومعجز البلاغة، ولسان العبادة للَّه، ولهجة ذكره، وترجمان مناجاته، وأنيس الخلوة، وترويح النفس، ودرسًا للكمال، وتمرينًا في التهذيب، وسلّمًا للترقّي، وتدرّبًا في التمدّن، وآية الموعظة، وشعار الإسلام، ووسام الإيمان والتقدّم في الفضيلة. واستمرّ المسلمون على ذلك؛ حتّى صاروا في زمان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يُعدّون بالألوف وعشراتها ومئاتها. وكلّهم من حملة القرآن وحفاظه، وإن تفاوتوا في ذلك بحسب السابقة والفضيلة… هذا ولمّا كان وحيه لا ينقطع في حياة رسول اللَّه(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن كلّه مجموعًا في مصحف واحد، وإن كان ما أُوحِيَ منه مجموعًا في قلوب المسلمين وكتاباتهم له… ولمّا اختار اللَّه لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) دار الكرامة، وانقطع الوحي بذلك؛ فلا يرجى للقرآن نزول تتمّة؛ رأى المسلمون أن يسجّلوه في مصحف جامع، فجمعوا مادّته على حين إشراف الألوف من حفّاظه، ورقابة مكتوباته الموجودة عند الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وكتّاب الوحي وسائر المسلمين؛ جملة وأبعاضًا وسورًا. نعم، لم يترتّب على ترتيب نزوله، ولم يقدّم منسوخه على ناسخه، فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفال العظيم بين المسلمين جيلًا بعد جيل، ترى له في كلّ آنٍ ألوفًا مؤلّفة من المصاحف، وألوفًا من الحفّاظ، وما تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض، والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض، ويسمع بعضهم من بعض؛ تكون ألوف المصاحف رقيبة على الحفّاظ، وألوف الحفّاظ رقباء على المصاحف، وتكون الألوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدّد منهما. نقول الألوف، ولكنّها مئات الألوف، وألوف الألوف. فلم يتّفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء، مثل ما اتّفق للقرآن الكريم[62]؛ كما وعد اللَّه جلّت آلاؤه بقوله في سورة الحجر: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَه لَحافِظُونَ)[63]، وقوله في سورة القيامة: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَه وقُرْآنَه)[64].
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم.
2- ابن القيّم الجوزيّة، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1324هـ، ج1.
3- ابن سعد، محمّد: الطبقات الكبرى، لاط، بيروت، دار صادر، لات، ج2.
4- أبو بكر كافي، مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه: عرض ونقد، ضمن أعمال ندوة «القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقيّة» المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنوّرة، 2006.
5- آرثر جفري، المصاحف لابن داود (الملحق الإنجليزي)، مكتبة المثنى، بغداد ابن بابويه، محمّد بن علي بن الحسين (الصدوق): الاعتقادات في دين الإماميّة، تحقيق عصام عبد السيّد، ط2، بيروت، دار المفيد، 1414هـ.ق/ 1993م.
6- البخاري، محمّد إسماعيل، صحيح البخاري، ج6، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي.
7- البلاغي، محمد جواد: آلاء الرحمن في تفسير القرآن، لاط، صيدا، مطبعة العرفان، 1352هـ.ق/ 1933م، ج1.
8- الدينوري، ابن قتيبة: غريب الحديث، تحقيق عبد الله الجبوري، ط1، قم المقدّسة، دار الكتب العلميّة، 1408هـ.ق، ج2، حديث الزهري…، ح1.
9- العسقلاني، أحمد بن علي (ابن حجر): الإصابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود؛ علي محمد معوّض، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ.ق.
10- الهلالي، سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، إيران، نشر دليل ما؛ مطبعة نگارش، 1422هـ.ق/ 1380هـ.ش.
11- آملي، حسن زاده، رسالة في فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب من مجموعة رسائل عربيّة.
12- بيتر هاينة، الإسلام، ترجمة: أسامة الشحماني، شرق غرب للنشر والتوزيع، 2011.
13- جعفر بن خضر الحلّي الجناحي، كشف الغطاء عن خلفيّات مبهمات شريعة الغرّاء، مؤسّسة بوستان كتاب، الطبعة الثانية، ج.2، نقلًا عن الشيخ علي الكوراني العاملي، تدوين القرآن.
14- جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مطبعة حجازي، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1941، ج1.
15- ديموميين موريس، النظم الإسلاميّة، ترجمة: صالح الشماع وفيصل السامر، مطبعة الزهراء، بغداد، 1952.
16- رباح صعصع عنان الشميري، جمع القرآن الكريم عند المستشرقين: جون جلكريست أنموذجاً، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2014.
17- ريجيس بلاشير، القرآن: نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1973.
18- ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقيّة وأثرها على الدراسات الإسلاميّة، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، الطبعة الأولى، 1991 .
19- غيرهارد بويرينغ، البحث الأحدث حول بناء القرآن، ضمن كتاب القرآن في محيطه التاريخي، إعداد جبرئيل سعيد رينولدز، منشورات الجمل، 2012.
20- فرانسوا ديروش، استعمالات القرآن بوصفه كتابًا مخطوطًا، ترجمة: سعيد البوسكلاوي، مجلّة ألباب، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، العدد 6، صيف 2015 .
21- كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1968، ج1.
22- أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2005، ج1.
23- أحمد نصري، آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم: دراسة نقديّة، دار الكلام، المغرب، الطبعة الأولى.
24- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين في الحديث، مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد، 1336هـ، ج2.
25- تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسّسة كونراد أدناور، بيروت، الطبعة الأولى، 2004.
26- جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلّامة الحلّي، أجوبة المسائل المهناويّة، مطبعة الخيّام قم، 1401هـ.
27- شرف الدين، عبد الحسين: الفصول المهمّة في تأليف الأئمّة، ط1، لام، نشر قسم الإعلام الخارجي لمؤسّسة البعثة، لات.
28- علي موسى الكعبي، سلامة القرآن من التحريف، سلسلة المعارف الإسلاميّة، مركز الرسالة.
29- غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسّسة هنداوي للتعليم والنشر والثقافة، طبعة 2013.
30- فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1992.
31- حمد الدسوقي، الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1995.
32- محمّد أمين حسن محمد بني عامر، المستشرقون والقرآن الكريم، دار الأمل، الأردن، الطبعة الأولى، 1004.
33- محمد جواد إسكندرلو، جمع القرآن من وجهة نظر بلاشير، مجلة دراسات استشراقيّة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، العدد الثامن عشر، ربيع 2019 .
34- محمد عبد الله دراز، مدخل إلى القرآن الكريم، ترجمة: محمد عبد العظيم علي، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، 1990.
35- موريس بوكاي، التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، ترجمة: علي الجوهري، مكتبة القرآن، القاهرة، طبعة 1999.
36- هنري لامنس، دائرة المعارف الإسلاميّة، ترجمة وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد، أحمد الشنتناوي، عبد الحميد يونس، دار الشعب، القاهرة، 1969، ج8.
المواقع الإلكترونيّة
معضلة القرآن، كتاب على موقع:
www.christian-dogma.com/vb/showthreat.php
المراجع بالأجنبيّة
1- John Gilchrit; JAM’ AL-QUR’AN; publisher: jesus to the muslims; republic of south Africa- benoni; printers in : industrial press; 1989.
[1][*]- باحث، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الفكر الإسلامي ومقارنة الأديان، من جامعة سيدي محمّد بن عبد الله بفاس، عضو مختبر الدّراسات الدينيّة والعلوم المعرفيّة والاجتماعيّة، المغرب.
[2]– John Gilchrit; JAM› AL-QUR’AN; publisher: jesus to the muslims; republic of south Africa- benoni; printers in: industrial press; 1989; P :27.
[3]– Ibid; P: 26.
[4]– John Gilchrit; JAM’ AL-QUR’AN; P :138.
[5]– غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، مؤسّسة هنداوي للتعليم والنشر والثقافة، طبعة 2013، ص121.
[6]-ريجيس بلاشير، القرآن: نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1973، ص28.
[7]– ريجيس بلاشير، القرآن: نزوله، تدوينه، ترجمته وتأثيره، ترجمة: رضا سعادة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الأولى، 1973، ص29.
[8]– انظر: محمّد جواد إسكندرلو، جمع القرآن من وجهة نظر بلاشير، مجلّة دراسات استشراقيّة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة، العدد الثامن عشر، ربيع 2019، ص131.
[9]– بيتر هاينة، الإسلام، ترجمة: أسامة الشحماني، شرق غرب للنشر والتوزيع، 2011، ص78-79.
[10]– معضلة القرآن، ص31. كتاب على موقع: www.christian-dogma.com/vb/showthreat.php
[11]– كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة: عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة، 1968، ج1، ص139.
[12]– انظر: غيرهارد بويرينغ، البحث الأحدث حول بناء القرآن، ضمن كتاب القرآن في محيطه التاريخي، إعداد جبرئيل سعيد رينولدز، منشورات الجمل، 2012، ص121.
[13]– غيرهارد بويرينغ، البحث الأحدث حول بناء القرآن، ضمن كتاب القرآن في محيطه التاريخي، إعداد جبرئيل سعيد رينولدز، منشورات الجمل، 2012، ص121، وينظر كذلك: ديموميين موريس، النظم الإسلاميّة، ترجمة: صالح الشمّاع وفيصل السامر، مطبعة الزهراء، بغداد، 1952، ص85.
[14]– فرانسوا ديروش، استعمالات القرآن بوصفه كتابًا مخطوطاً، ترجمة: سعيد البوسكلاوي، مجلّة ألباب، مؤسّسة مؤمنون بلا حدود، العدد 6، صيف 2015، ص54.
[15]– هنري لامنس، دائرة المعارف الإسلاميّة، ترجمة وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد، أحمد الشنتناوي، عبد الحميد يونس، دار الشعب، القاهرة، 1969، ج8، ص564.
[16]– انظر: ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1324هـ، ج1، ص29.
[17]الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب العقل والجهل، باب اختلاف الحديث، ح1، ص64.
[18]الهلالي، سليم بن قيس: كتاب سليم بن قيس، تحقيق محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، إيران، نشر دليل ما؛ مطبعة نگارش، 1422هـ.ق/ 1380هـ.ش، ص211.
[19]انظر: ابن سعد، محمّد: الطبقات الكبرى، لاط، بيروت، دار صادر، لات، ج2، ص340-341؛ العسقلاني، أحمد بن علي (ابن حجر): الإصابة، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود؛ علي محمّد معوّض، ط1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415هـ.ق، ص180-182.
[20]انظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، م.س، ج2، ص358-362؛ ابن حجر، الإصابة، م.س، ج2، ص490-493.
[21] العُسُب: جمع عسيب؛ وهو جريد النخل، حيث كانوا يكشفون الخوص ويكتبون في الطرف العريض. واللخاف: جمع لخف؛ وهي الحجارة الرقيقة (صفائح الحجارة). والرقاع: جمع رقعة؛ وهي من الجلد أو الورق أو غيرهما. والأديم: الجلد المدبوغ. انظر: الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص202.
[22]انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص170-172؛ الزرقاني، مناهل العرفان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص203-204؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص120؛ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، م.س، ج1، ص285.
[23]القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، تفسير سورة الناس، ص451.
[24]انظر: الدينوري، ابن قتيبة: غريب الحديث، تحقيق عبد الله الجبوري، ط1، قم المقدّسة، دار الكتب العلميّة، 1408هـ.ق، ج2، حديث الزهري…، ح1، ص304.
[25]انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص237.
[26]انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن، م.س، ج1، ص238.
[27]– الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين في الحديث، مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد، 1336هـ، ج2، ص229.
[28]– نفسه، ص221.
[29]– انظر: فهد الرومي، دراسات في علوم القرآن، مؤسّسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1992، ص85. وانظر جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مطبعة حجازي، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1941، ج1، ص75.
[30]– جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مطبعة حجازي، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1941، ج1، ص75.
[31]– ساسي سالم الحاج، الظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلاميّة، مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا، الطبعة الأولى، 1991، ص375-376.
[32]– أحمد نصري، آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم: دراسة نقديّة، دار الكلام، المغرب، الطبعة الأولى، ص79.
[33]– أبو بكر كافي، مواقف المستشرقين من جمع القرآن الكريم ورسمه وترتيبه: عرض ونقد، ضمن أعمال ندوة «القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقيّة» المنعقدة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 2006، ص9.
[34]– أحمد نصري، آراء المستشرقين الفرنسيين في القرآن الكريم: دراسة نقديّة، دار الكلام، المغرب، الطبعة الأولى، ص236.
[35]– انظر: تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسّسة كونراد أدناور، بيروت، الطبعة الأولى، 2004، ص210-232.
[36]– انظر: تيودور نولدكه، تاريخ القرآن، ترجمة: جورج تامر، مؤسّسة كونراد أدناور، بيروت، الطبعة الأولى، 2004، ص303.
[37]– محمد أمين حسن محمد بني عامر، المستشرقون والقرآن الكريم، دار الأمل، الأردن، الطبعة الأولى، 1004، ص273.
[38]– آرثر جفري، المصاحف لابن داود (الملحق الإنجليزي)، مكتبة المثنى، بغداد، ص32.
[39]ابن بابويه، محمّد بن علي بن الحسين (الصدوق): الاعتقادات في دين الإماميّة، تحقيق عصام عبد السيّد، ط2، بيروت، دار المفيد، 1414هـ.ق/ 1993م، ص84.
[40]الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص43.
[41]الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص3.
[42]الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص42-43.
[43]شرف الدين، عبد الحسين: الفصول المهمّة في تأليف الأئمّة، ط1، لام، نشر قسم الإعلام الخارجي لمؤسّسة البعثة، لات، ص175.
[44]الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص104.
[45] سورة آل عمران، الآية 144.
[46] سورة الزمر، الآية31.
[47]– انظر: محمد الدسوقي، الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الأولى، 1995، ص101-102.
[48]– محمّد عبد الله دراز، مدخل إلى القرآن الكريم، ترجمة: محمد عبد العظيم علي، دار المعرفة الجامعيّة، الإسكندريّة، 1990، ص40.
[49]– موريس بوكاي، التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، ترجمة: علي الجوهري، مكتبة القرآن، القاهرة، طبعة 1999، ص174.
[50]– موريس بوكاي، التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث، ترجمة: علي الجوهري، مكتبة القرآن، القاهرة، طبعة 1999، ص174- 175.
[51]– أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2005، ج1، ص14.
[52]– جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلّامة الحلّي، أجوبة المسائل المهناويّة، مطبعة الخيّام قم، 1401هـ، ص121.
[53]– علي موسى الكعبي، سلامة القرآن من التحريف، سلسلة المعارف الإسلاميّة، مركز الرسالة، ص18.
[54]– جعفر بن خضر الحلّي الجناحي، كشف الغطاء عن خلفيات مبهمات شريعة الغرّاء، مؤسّسة بوستان كتاب، الطبعة الثانية، ج2، ص298. نقلًا عن الشيخ علي الكوراني العاملي، تدوين القرآن، ص43.
[55]– يراجع البخاري، محمّد إسماعيل، صحيح البخاري، ج6، باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي.
[56]– آملي، حسن زاده، رسالة في فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب من مجموعة رسائل عربيّة ص1.
[57]– John Gilchrist; JAM AL-QURAN; P: 46.
[58]– John Gilchrist; JAM AL-QURAN; P :45-46.
[59]– رباح صعصع عنان الشميري، جمع القرآن الكريم عند المستشرقين: جون جلكريست أنموذجًا، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2014، ص264.
[60]– أخرجه البخاري في صحيحه، ج6، ص99. وانظر كذلك: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مطبعة حجازي، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1941، ج1، ص102.
[61] سورة الحجر، الآية9.
[62]انظر: البلاغي، محمد جواد: آلاء الرحمن في تفسير القرآن، لاط، صيدا، مطبعة العرفان، 1352هـ.ق/ 1933م، ج1، ص17-18.
[63]سورة الحجر: الآية9.
[64]سورة القيامة: الآية17.
.
رابط المصدر: