ما تكشفه مذكرات عبد القدير خان عن سعي باكستان لصنع قنبلة نووية

 سايمون هندرسون

 

كان العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان فخوراً بلقبه “أبو القنبلة الباكستانية” أو “أبو القنبلة الإسلامية”، إلا أنه كان غاضباً من إلقاء اللوم عليه على خلفية مشاركته للأسرار النووية. وكان يدّعي أنه لم يتصرف قط إلا بأمر أو تحريك من الحكومة الباكستانية. فما الذي ستكشف مذكراته بعد وفاته؟

توفي الدكتور عبد القدير خان، العالم الباكستاني الذي أعطى أسراراً نووية لإيران وليبيا وكوريا الشمالية، في منزله بالعاصمة إسلام آباد، يوم الأحد العاشر من تشرين الأول/أكتوبر بعد إصابته بمرض فيروس كورونا (“كوفيد-19”) عن عمر يناهز 85 عاماً. ولكن وفاته لا تشكل نهاية قصته. فقد أصبح بإمكاني الآن الكتابة عما تعلمته عندما قرأت أكثر من 40 عاماً من مذكراته التي كان يدونها يومياً منذ أن بدأ العمل على المشروع الباكستاني للأسلحة النووية في عام 1976.

تُعد المذكرات، المكتوبة باللغة الإنكليزية وأحياناً في خربشة سريعة، كنزاً فريداً من نوعه. وعلى الرغم من أن المذكرات تكشف أموراً جديدة لمعظمنا، إلا أنني أشك فيما إذا كانت تكشف عن أي شيء لا يعرفه أساساً مجتمع الاستخبارات الأمريكية والوكالات الأجنبية الحليفة. أظن أن الحاجة إلى حلول الوسط، والتي غالباً ما تشكل جوهر صياغة السياسة الخارجية، قد أعاقت الكشف عن الصورة الكاملة. وبطبيعة الحال، سهلت باكستان هزيمة القوات السوفيتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي وكانت شريكاً أساسياً، في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، في التعامل مع تنظيم «القاعدة»، وحتى اليوم من الضروري التعامل معها بحذر بعد أن سيطرت “طالبان” مجدداً على كابول.

يُعتبر غرور خان أمر بالغ الأهمية لفهم هذا الرجل. فقد كان فخوراً بلقبه “أبو القنبلة الباكستانية” أو “أبو القنبلة الإسلامية”، إلا أنه كان غاضباً من إلقاء اللوم عليه على خلفية مشاركته للأسرار النووية. وكان يدّعي أنه لم يتصرف قط إلا بأمر أو تحريك من الحكومة الباكستانية. ما الذي كان صحيحاً؟ استنتجتُ أنه في بعض الأحيان كان لديه تفويض وأحياناً أخرى لم يكن لديه. وعندما لم يملك تفويضاً، كانت السلطات الباكستانية – أي الجيش الذي يمثل القوة الحقيقية في البلاد – على علم عادةً بما كان يفعله، وسمحت له، لسبب أو لآخر، بأن ينجو بفعلته.

يضم مجلد عام 1980 في صفحاته مثاليْن واضحيْن على ذلك. في إحدى الأمسيات، جاء عقيد وزوجته لزيارته. كتب خان: “أثناء الحديث سألني ]أنا] بدقة ولكن بشكل عفوي إذا كانت أي دولة في الشرق الأوسط مهتمة بمشروعنا”. وكان خان قبل ذلك بخمسة أيام قد قام بزيارة خاصة إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى بوزير الدفاع اللواء مصطفى طلاس والجنرال حكمت الشهابي، رئيس أركان الجيش. وكتب: “أجرينا مناقشة صريحة ومفتوحة”. وبعد ستة أشهر، كتب خان أن الرئيس محمد ضياء الحق، الديكتاتور العسكري الباكستاني، قال له: “يجب أن نتوخى الحذر فيما يتعلق بالرسومات. فهي كانت ثروتنا الوحيدة”.

وعلى الرغم من إلحاق العار به رسمياً ووضعه تحت الإقامة الجبرية لعدة سنوات بعد انتشار أخبار عن أنشطته المتعلقة بالانتشار النووي في أواخر عام 2003، فقد دُفِن خان يوم الأحد بمراسم عسكرية رسمية، شملت التحية بنيران البنادق. وتُظهر مقاطع الفيديو أن أول أكاليل الزهور التي وُضعت على قبره كانت من “رئيس هيئة الأركان المشتركة” و “رئيس أركان الجيش”. وغرد رئيس الوزراء عمران خان، الذي أمر وزرائه بحضور الجنازة، قائلاً: “لقد أحبّته أمتنا [بفضل] مساهمته الحاسمة في جعلنا دولة نووية. بالنسبة لشعب باكستان، كان رمزاً وطنياً”.

لقد كتبتُ عن باكستان والأسلحة النووية منذ أن كنتُ فيها مراسل لقناة “بي بي سي” في عاميْ 1977 و 1978. وفي ذلك الوقت، كانت جهود باكستان للحصول على البلوتونيوم لاستخدامه في صنع قنبلة نووية هي القصة. وعِدتُ إلى تلك البلاد في عام 1979، إثر تعرض زميلي، الذي عمل في صحيفة “فاينانشيال تايمز” والذي حل محلي، للضرب عندما حاول مقابلة خان، الذي كان دوره في توفير الوصول إلى مسارات اليورانيوم العالي التخصيب قد ظهر للتو إلى العلن.

كتبتُ لاحقاً قصصاً متعددة لصحيفة “فاينانشيال تايمز” حول محاولات باكستان شراء التكنولوجيا النووية وتجنب الرقابة على الصادرات من خلال إرسالها عبر دول الخليج مثل دبي. وفي إحدى المرات، عندما فاز خان قضية استئناف في حكم غيابي بالسجن في هولندا، اتصلتُ به وطلبت الحصول على تعليقاته. ويبدو أن واقع اقتباسي له بدقة أثار إعجابه. لم أسأله مطلقاً بشكل مباشر، ولكنه كان يعتقد على ما يبدو أنني كنتُ أفهم باكستان وكان يقدر فهمي للتكنولوجيا النووية.

ومنذ سنوات أخبرني بأنه يحتفظ بمذكرات. وفي الآونة الأخيرة، عندما طلبت منه الاطلاع على مذكراته، قال: “فقط بعد موتي”. أجبته أن نعي الآخرين له سيحدد آنذاك تاريخ حياته. وقبل بضع سنوات، قرر أنه مستعد لمشاركتي نسخاً إلكترونية من مذكراته، ولكنه صرح: “أتمنى ألا ينشر سايمون هندرسون أي شيء من المذكرات إلا بعد وفاتي، ما لم تصدر تعليمات بخلاف ذلك من قبلي أو من قبل عائلتي”.

واختتم رسالة “لمن يهمه الأمر” التي كتبها من منزله في إسلام آباد بالجملة التالية: “بعد وفاتي، أتمنى أن تتم مشاركة النسخ الإلكترونية من مذكراتي مع إحدى الجامعات، حيث يجب أن تكون متاحة لعلماء البحث”.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/ma-tkshfh-mdhkrat-bd-alqdyr-khan-n-sy-bakstan-lsn-qnblt-nwwyt

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M