مسلم عباس
الانتخابات الاخيرة كانت اختبارا حقيقيا للثقة المتبادلة بين الشعب والمنظومة السياسية التقليدية الحاكمة، الشعب لا يثق بحكامه وقادته السياسيين، انه يبحث عن بديل، فقد تعددت طرق البحث عن البديل لكنه اثبتت شيئا واحدا، “غياب الثقة بين الشعب وحكامه”.
علامات غياب الثقة السياسية كانت في ثلاثة مسارات مختلفة لكنها تصب في نهر واحد اسمه معاقبة المنظومة السياسية الحالية.
المسار الاول: المقاطعة، فهي ممارسة ديمقراطية قانونية، اذ اكدت المشاركة الهزيلة في الانتخابات ان الناخبين المقاطعين يريدون سحب الشرعية السياسية من حكامهم واحراجهم امام المجتمع الدولي.
صحيح ان البعض قد يختلف مع المقاطعين ويقول بانهم تسببوا بفوز الاحزاب الحاكمة، لكن السقوط المدوي لاكبر الشخصيات والقوائم الانتخابية يؤكد انهم لا يفوزون دائما وان المعادلات تتغير عندما يقرر الشعب.
المسار الثاني: التصويت للمستقلين، فقد حصلت قوائم المستقلين على عدد كبير من الاصوات مقارنة بالدورات الانتخابية السابقة، وتراوحت اعدادهم بين 35 و50 نائبا جديدا ما يشكل وزنا سياسيا ضاغطا على الاحزاب والحركات التقليدية.
المسار الثالث: العقاب للقديم، اذ غابت وجوه معروفة في العملية السياسية، ولها وزن كبير، وسقطت سقوطا مدويا، ليس بعدد متقارب اصوات مع الفائزين بل بنتيجة شبه خاسرة، بينما صعد النواب الجدد الذين يراد لهم ان يمثلوا تجربة افضل.
فقد تبدل حوالي 265 نائبا في البرلمان الحالي بنواب جدد، بحسب احصائية لموقع “ناس”، وهو مؤشر على غياب الثقة بالوجوه البرلمانية التقليدية التي كانت تكرر نفسها، وتعيد نفس الخطاب ونفس السلوك السياسي السيء الذي ادى الى تدمير جسور الثقة بين المواطن والسياسي.
النواب الجدد لم يحصلوا على مقاعد في البرلمان فحسب، بل حصلوا على اعلى الاصوات، بينما فاز القدماء باصوات قليلة، ما يؤشر ضعف الدعم الشعبي الواسع للشخصيات القديمة.
هذه المعطيات تؤكد ان القوائم الانتخابية الفائزة لا تخرج من مشكلة (ازمة الثقة) وهي معنية اكثر من غيرها لانها امام مسؤولية اعادة الثقة بين المواطن والمسؤول، اما اذا عملت بمعزل عن الغضب الشعبي فسترى ما لا يحمد عقباه.
طريق الحلول
مهما كانت الثقة غائبة فان عودتها ممكنة، والشرط الوحيد لاستعادتها هو العمل الجدي من قبل السياسيين والابتعاد عن الاوهام ونظريات المؤامرة وخطابات الهروب الى الامام.
والمسؤولية الكبيرة تقع على طرفي البرلمان، النواب الجدد والقدماء، بهدف اعادة بناء الثقة لانهم اذا فشلوا في بنائها سوف يسقطون كما سقط من قبلهم.
فعملهم على اعادة الثقة بين الشعب وحكامه فيه منفعة سياسية للسياسيين لعلهم يفوزون مرة اخرى عبر اعادة انتخابهم في الدورة البرلمانية المقبلة.
كما ان مشروع اعادة الثقة له فائدة وطنية تؤدي الى الحفاظ على الوضع الراهن ومحاولة تحسينه وانتشال البلد من حالة الجمود السياسي املا في الوصول الى بر الاستقرار والهدوء السياسي.
الجانب الابرز الذي يجب ان ينتبه له كل نائب في هذه الدورة البرلمانية، انه يمثل صوت المواطنين الذين انتخبوه فعليا، ففي السابق كان النائب يصعد بقوة القائمة الانتخابية وباصوات زعيم القائمة.
اما الان فقد صعد النائب باصوات جمهوره، عبر حصد المراكز المؤهلة للحصول على مقعد برلماني، لذلك فهو يتحمل مسؤولية اخلاقية امام جمهوره الذي ينتظر منه الكثير لتغيير الواقع المتردي.
لا نريد من النائب في البرلمان ان يكون ملاكا ياتي بحل سحري، نحن نؤمن بالعمل الواقعي، نعرف التحديات التي تواجه النواب الجدد، ونعي حجم المهمة الملقاة على عاتقهم، لكن نقول لهم، ان أي برنامج سياسي يجب ان يتجه لبناء الثقة بين الشعب والحكام.
وكل برنامج لا يتخذ من بناء الثقة محورا لأهدافه العامة، مصيره الفشل، وهذه المرة سيكون الفشل كارثيا لان الامور لا تتحمل تجارب فشل جديدة، كل شيء مضغوط ومعرض للانفجار في أي لحظة.
.
رابط المصدر: