ترتيب المشهد: محاولات إيران لملء الفراغ الأمريكي داخل الشرق الأوسط

علي عاطف

 

يستعد الشرق الأوسط خلال المرحلة المقبلة للدخول في مرحلة جديدة من إعادة ترتيب المشهد الإقليمي بالتزامن مع الخروج التدريجي للقوات العسكرية الأمريكية من الكثير من مناطقه. ويعود هذا الخروج بالأساس إلى رغبة واشنطن وصنّاع القرار داخل البيت الأبيض في التركيز بشكل أعمق على إحداثيات الصراع مع القوى الكبرى (الصين وروسيا) في منطقة المحيط الهادئ، إضافة إلى ما أحدثته جائحة فيروس كورونا من أزمة اقتصادية يوجب علاجُها ترشيدَ النفقات وعلى رأسها التواجد العسكري في البلدان الخارجية.

ففي أفغانستان، أعلنت واشنطن إتمام خروجها الفعلي من هناك خلال شهر أغسطس الماضي، مما قاد سريعًا إلى وصول حركة “طالبان” للحكم في الشهر نفسه. وفي العراق، تم الاتفاق على انسحاب القوات الأمريكية من البلاد بنهاية العام الجاري 2021، بعد ما يقارب العقدين من التواجد مختلف النطاق والحجم.

ويبدو الأمر أقل وضوحًا عند الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا والبالغ تعدادها ما يقارب 900 جندي من قوات النخبة يتمركزون شمالي البلاد، علاوة على بعض القواعد الأخرى في الجنوب الشرقي أيضًا. إذ إن القوات الأمريكية لم تعلن عن انسحاب مجدول أو أفق واضح لخروجها من سوريا، وهو ما لا يبدو محتملًا في ظل تعقيدات المشهد السوري من تواجد القوات الروسية والإيرانية هناك.

أما فيما يتعلق بباقي مناطق الشرق الأوسط، فإنه وإن كان انسحاب القوات الأمريكية أمرًا مستبعدًا، إلا أن الانخراط السياسي الأمريكي في هذه المناطق يُتوقع أن يتضاءل في المستقبل، وهو ما كان واضحًا بشدة منذ مجيء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، للبيت الأبيض في 2017.

وانطلاقًا من قاعدة أن أي فراغ سياسي يجب أن تملأه قوى ولاعبون آخرون، فإن الانسحاب الأمريكي من إقليم الشرق الأوسط المحتمل سيتبعه حتمًا توسع دور وتحركات بعض القوى الإقليمية الأخرى في المنطقة، وعلى رأسها إيران وتركيا، علاوة على روسيا والصين.

خروج محسوب: هل تترك الولايات المتحدة المنطقة بشكل كامل؟ 

لا يُعد الخروج الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط انسحابًا كليًا من الإقليم، سواء على المستوى السياسي أو العسكري. فالقوات العسكرية للولايات المتحدة سوف تظل متمركزة في سوريا، كما تمت الإشارة آنفًا، كما يلوح في الأفق نية واشنطن إبقاء قوات لها داخل العراق بغرض التدريب والاستشارة، وذلك فيما بعد الانسحاب المُحتمل أواخر العام الجاري.

أما أفغانستان، فإن الولايات المتحدة لا تزال -وستظل- تستطيع توجيه أي نوعٍ من الضربات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية أو أية أهداف أخرى، حتى لو كانت ضد حركة “طالبان”. وعلاوة على هذا، تسعى واشنطن إلى إحلال وكيلٍ عنها يلعب نفسَ الدور في أفغانستان. وهنا، تبرز تركيا كبديل محتمل. وعلى الرغم من أن حركة “طالبان”، وبالتزامن مع سقوط العاصمة في يدها منتصف شهر أغسطس الماضي، كانت قد حذّرت تركيا من التواجد عسكريًا على الأراضي الأفغانية أو لعب دور الشرطي في مطار العاصمة الدولي؛ إلا أنها عادت وطلبت من أنقرة مطلع الأسبوع الجاري تقديم “المساعدة والاستثمار”، وذلك حسبما جاء في لقاء بين نائب رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة التي شكلتها حركة “طالبان” مؤخرًا والسفير التركي في كابل جهاد أرجيناي.

ويعني هذا أن الحضور الأمريكي على الأراضي الأفغانية لم ينتهِ ولن ينتهي، فما حدث كان انسحابًا عسكريًا وليس انسحابًا من المشهد.

وفي منطقة الخليج العربي، فإن التعاون العسكري الأمريكي سيظل قائمًا، ولا خطط لتوقف ذلك، هذا فضلًا عن العلاقات السياسية والتجارية الجيدة بين الطرفين. وإن كان هذا لا يعني عزم الولايات المتحدة التراجع نسبيًا عن الانخراط السياسي في قضايا وملفات منطقة الخليج. ولم تكن نية واشنطن الأخيرة وليدة العام الجاري، بل إنها تعود لأيام إدارة الرئيس السابق ترامب نفسه، ولا يُعد أمرًا جديدًا مطروحًا على الطاولة السياسية للإدارة الحالية في البيت الأبيض بزعامة الرئيس جو بايدن.

ولكن كل هذا لا يعني نفي وجود انسحاب أمريكي تدريجي ميداني من المنطقة، كان من أبرز دلائله ومؤشراته الخروج من أفغانستان وعقد العزم على الانسحاب من العراق أواخر العام الجاري. ولذا، فإن الانخراط الأمريكي داخل المنطقة قد بدأ يتضاءل في الوقت نفسه، وسيشهد أيضًا تراجعًا “نسبيًا وبشكل ملحوظ” فيما يتعلق بمختلف ملفات الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، ولكنه على أي حال يُعد انسحابًا محسوبًا وخروجًا غير كامل. ويعني هذا بوجه عام أن قوى أخرى داخل إقليم الشرق الأوسط سوف تحاول، وبعضها يحاول بالفعل، ملء هذا الفراغ المنتظر و”النسبي”، ومن بينها إيران.

هل تملأ إيران الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط؟ 

بالنظر إلى هُوية المناطق التي يُحتمل، أو قد حدث بالفعل، أن تشهد فراغًا، سواء كان أمنيًا أو سياسيًا أو عسكريًا أو جميعها، بعد الانسحاب الأمريكي من الإقليم، سنجد أنها تشمل أفغانستان والعراق والخليج العربي وسوريا، علاوة على منطقة آسيا الوسطى برمتها التي تمثل الحديقة الخلفية لروسيا، وتشتمل بدورها على دول مثل طاجيكستان وأوزبكستان اللتين لا تملك الولايات المتحدة قواعد عسكرية داخلهما. وتنضم إلى تلك الدول أيضًا باكستان التي أعلن وزير خارجيتها، شاه محمود قريشي، منتصف العام الجاري أنها رفضت التعاون مع الولايات المتحدة فيما يخص إقامة قواعد عسكرية. وعند النظر إلى كل دولة أو منطقة على حدة من المُشار إليهم، سنجد ما يلي:

1- أفغانستان وتعقيدات القومية والتاريخ: 

قبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في وقت سابق من العام الجاري وحتى بُعيد هذا الخروج، بدا أن إيران سوف تصبح البديل الأمريكي واللاعب الأول داخل الساحة الأفغانية. ولكن، ومع تطورات الأحداث، من الصعود المباشر لحركة “طالبان” إلى السلطة وتعقيدات علاقاتها الإقليمية إلى ظهور وتوسع عمليات تنظيم “داعش-خراسان” الإرهابي داخل الأراضي الأفغانية شرقًا من إيران، واستهدافه المسلمين الشيعة في أفغانستان، ومع عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بحدوث استقرار أمني شامل أو دائم في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي؛ أصبح الملف الأفغاني يمثل عبئًا وتهديدًا للجارة إيران أكثر من كونه ساحة جديدة لمد النفوذ الاستراتيجي، كما هي الحالة في العراق بعد رحيل نظام الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003.

ولذا، فلقد بات الملف الأفغاني اليوم يؤرق الساسة الإيرانيين أكثر مما أسرّهم رحيلُ الأمريكيين عن كابل في أواخر أغسطس 2021. حتى إن أحد أهم المكاسب التي حصدها الإيرانيون من رحيل الأمريكيين من كابل، والممثلة في ابتعاد القوات العسكرية الأمريكية عن الحدود الإيرانية، لا يُعد أمرًا قيّمًا عند الأخذ في الحسبان انتشار القواعد الأمريكية في عددٍ آخر من دول الإقليم القريبة للغاية من إيران.

أما إذا نظرنا إلى إمكان أن تحل إيران محل الولايات المتحدة أو أن يتوسع نفوذُها بشكل أكثر وضوحًا وعمقًا في الوقت نفسه خلال المرحلة المقبلة داخل افغانستان، سنجد أن الأمر ليس بهذه الصورة أو على هذا النحو المباشر؛ إذ إن الحالة الأفغانية تُعد معقدة للغاية ومتشابكة من جوانبَ عدة بالنسبة لطهران، على النقيض من دورها في العراق أو سوريا أو لبنان.

فمثلما تشكل التشابكاتُ العرقية والتداخلات المذهبية والتاريخية والثقافية الأفغانية ورقة رابحة لإيران داخل التراب الأفغاني؛ إلا أنها تمثل في الوقت نفسه مانعًا قويًا لها، على الأقل في الوقت الحالي وعلى هذه الصورة الراهنة، من الانخراط بوضوح في المشهد الأفغاني. حيث تدرك إيران جيدًا أن هذه التشابكات يُمكن أن تجتمع معًا لتُدخلها في أتون حرب عرقية ومذهبية قاسية هي في غنى عنها على الأقل في الوقت الحالي. كما لا تستطيع طهران تحمّل تبعات مثل هذه الحرب؛ خاصة في ظل عزم حكومة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي تحقيق الأمن الاقتصادي الداخلي ومعدلات نمو محلية بعد سنواتٍ من العقوبات الأمريكية القاسية؛ منعًا أيضًا لتحول الموقف إلى أزمة سياسية قد تنفجر في وجهها.

ولذا، تُحاول إيران الابتعاد عن انخراط ميداني عملي واسع داخل أفغانستان حاليًا؛ قد يكون لعدم وضوح الرؤية في ذلك البلد، كما تمت الإشارة إليه مسبقًا. ويمكن القول إلى جانب هذا إن حيثيات وتعقيدات وتطورات المشهد الأفغاني الحالية لا تُمثل تربة خصبة لنظام ولاية الفقيه في أن يعزز من نفوذه داخل كابل الآن.

وليست التعقيدات المجتمعية المُشار إليها هي فقط المانع أمام النظام الإيراني في أن يمد من مجال نفوذه في أفغانستان، إذ إن القضية تتعلق أيضًا بمنافسين إقليميين يرغبون في حصد ثمار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وعلى رأسهم باكستان وتركيا. فمن ناحية، لا تشوب العلاقاتِ الباكستانية “الطالبانية” الأفغانية خلافاتٌ واضحة، بل إن أكثر الدول التي تتمتع بعلاقات غير سيئة مع “طالبان” أفغانستان وتستطيع المناورة معها هي باكستان؛ وذلك للعديد من العوامل، من أبرزها العلاقة الوثيقة بين قبائل “البشتون” العرقية التي تنحدر منها عناصر حركة “طالبان” في أفغانستان ونظرائهم في باكستان، حيث تتمركز هذه القبائل على الحدود بين البلدين.

ويمثل البشتون أكبر عرقية قومية في أفغانستان، بينما يشكلون ثاني أكبر عرقية من حيث العدد في باكستان بعد البنجاب.

أما تركيا، فإن المؤشرات تذهب إلى احتمالية أن تلعب دورًا مستقبليًا داخل أفغانستان بعدما طالبت “طالبان” الأفغانية أنقرة بـ”المساعدة والاستثمار”، كما سبقت الإشارة إليه. وقد يتمحور الدور التركي في مستقبل أفغانستان حول حماية مطار العاصمة الدولي، وهو دور يُمثل جزءًا كبيرًا مما كانت تقوم به القوات الأمريكية في عموم أفغانستان قبل رحيلها.

وعليه، يُتوقع أن تلعب باكستان وتركيا أدوارًا في مستقبل أفغانستان أكثرَ بروزًا من الدور الإيراني، وهذا شريطة عدم اندلاع حرب أهلية شاملة في أفغانستان تقود إيران إلى إيجاد دورٍ أكثر امتدادًا لها داخل الأراضي الأفغانية؛ إذ إنها في هذه الحالة سوف تكون مضطرة على الأقل للدفاع عن أمنها القومي الذي أصبح مهددًا بشكل أكثر حدة.

2-  العراق.. التربة الخصبة:

لعل أهم الدول التي يمكن أن يُشكل انسحابُ الأمريكيين منها مكسبًا مهمًا لإيران هو العراق. فالأخير وعلى الرغم من حجم النفوذ العسكري والسياسي الإيراني الواسع بداخله، إلا أن انسحاب القوات الأمريكية منه، كما هو مخطط له أن يحدث بحلول نهاية العام، سيعني أن إيران، القوة الأبرز المتحركة والنشطة داخل العراق في الوقت الراهن، باتت من دون منافس ميداني واضح كان ممثلًا في القوات الأمريكية التي لا تزال حتى الآن قيدًا أمام طهران في “الاستيلاء على كامل العراق”.

ولكن لن يخلو المشهد العراقي أيضًا من لاعبين آخرين بارزين إقليميين، حال تحقق انسحاب الولايات المتحدة، من بينهم على سبيل المثال الدول العربية الراغبة في عودة العراق إلى حاضنته العربية. فهذا التوجه العربي سوف يكون منافسًا قويًا لإيران في عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي، خاصة وأنه سيكون مدعومًا برغبة طوائف كثيرة من المواطنين العراقيين أنفسهم.

وإلى جانب ذلك، سوف تمثل تركيا منافسًا آخر لإيران داخل عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي المحتمل. ففي الوقت الحالي، يتمركز نفوذ أنقرة شمالي العراق، خاصة في محافظتي الموصل وكركوك ذات الأغلبية الكردية، كما تقوم تركيا بشكل دوري بشن هجمات في هذه المناطق ضد الأكراد.

وعلى صعيد آخر، تستخدم تركيا نسبيًا ذريعة مشابهة لإيران من أجل التدخل في الشأن التركي، ألا وهو ما تسميه الدفاع عن قومية التركمان المقربة منها. وعلى نمط تأسيس إيران لـ”الحشد الشعبي” في العراق الذي تتكون أغلبيته من الشيعة، أسست أنقرة ما يُمسى بـ”حشد نينوى” أو “حرس نينوى” في الشمال والذي يتشكل من السنة العراقيين، وهو ما أعطاها نفوذًا عسكريًا على أرض الواقع.

وعليه، فإن المنافسين المستقبليين لإيران داخل الساحة العراقية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي سيمثلهم “التوجهُ العربي لتحجيم نفوذ إيران في العراق”، الذي تدرج تحته أكثر من دولة عربية كبرى، علاوة على الدور التركي.

ج- سوريا والمنافس الروسي القوي: 

لا يلوح في الأفق رحيلٌ أمريكيٌّ من سوريا قريبًا؛ نظرًا للعديد من العوامل وعلى رأسها تنافس واشنطن مع روسيا داخل الساحة السورية استراتيجيًا. ولكن، وعلى أي حال، فإذا ما سحبت واشنطن قواتها من سوريا خلال الفترة المقبلة، فإن العديد من القوى الأكثر تأثيرًا من إيران سوف تشكل أبرز اللاعبين داخل سوريا، ومن أبرزهم روسيا وتركيا.

وستحصد روسيا في الغالب ثمار هذا الانسحاب بشكل أكبر من إيران، وإن كان هذا لا يعني أن إيران لن تحاول ملء هذا الفراغ الأمريكي في سوريا، حيث يتمركز حضور واشنطن الآن شمال شرقي سوريا قربًا من الحدود العراقية التي تنشط بها الفصائل الأخرى الموالية لإيران، مما يرجح أن إيران سوف تسعى للسيطرة على مثل هذه المنطقة الحيوية بالنسبة لها.

د- منطقة الخليج العربي والتحول في إطار مسار آخر:

على الرغم من استمرارية التعاون العسكري الأمريكي مع الخليج، فإنه من الواضح أن هناك حالة انسحاب “سياسية” أمريكية تدريجية من هذه المنطقة. ويعود هذا في الواقع لأسباب عدة من بينها:

  • الرغبة في التركيز على الصراع مع الصين وروسيا.
  • تحقيق الولايات المتحدة اكتفاءً ذاتيًا من إنتاج النفط.
  • اعتقادها بأنه مع هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، فإن دورها يجب أن يتضاءل في المنطقة.

وإدراكًا من ضفتي الخليج العربي (إيران والدول العربية الخليجية) لهذه التطورات وطبيعة الانسحاب السياسي الأمريكي، فقد سارعتا إلى محاولة بدء حوارٍ سياسي من أجل تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة من الإقليم. وعليه، فبالنظر إلى سياسة الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، المعلنة والرامية إلى التقارب مع الشرق والتي بدأها بالفعل من خلال المحادثات التي أعلنت عنها إيران مع بعض دول الخليج، بالإضافة إلى أن أول زيارة لإبراهيم رئيسي كانت إلى طاجيكستان شرقي إيران؛ يُتوقع أن يختلف النهج الإيراني إزاء دول الخليج العربية مستقبلًا عنه مع الدول الأخرى التي تم تناولها هنا، كأفغانستان والعراق وسوريا، ليكون نهجًا سياسيًا وليس صداميًا أو عسكريًا.

بعد استعراض احتمالات ملء إيران الفراغَ الأمريكي في المنطقة في ظل انسحاب واشنطن التدريجي منها، يمكن تقسيم مستقبل التوجه الإيراني للتعامل مع مختلف دول هذه المنطقة، حال الخروج الأمريكي، إلى محورين:

  • الأول: الإقليم الواقع شرقي الحدود الإيرانية:

وتمثله على وجه التحديد أفغانستان. وكما اتضح، يُرجّح أن تكون باكستان وتركيا أبرز اللاعبين داخل ذلك البلد وليس إيران، حيث ستصبح باكستان لاعبًا إقليميًا قويًا داخله، أما تركيا فإنها ستلعب دورًا بالوكالة عن الولايات المتحدة. أي لن تستطيع طهران أن تحل محل الولايات المتحدة هناك.

  • الثاني: الإقليم الواقع غرب الحدود الإيرانية: 

وفيه سوف تتمتع إيران بقدر أكبر من الحركة والنفوذ، خاصة داخل الأراضي العراقية، تليها سوريا، ثم يتبعها نهج إيراني مختلف إزاء دول الخليج العربية يتمحور حول تعزيز العلاقات والتفاهم السياسي، ومحاولة إيجاد حالة من الاستقرار الأمني.

وعليه، فإن الحالة الاقتصادية داخل إيران وما تستلزمه من اتباع طهران نهجًا سياسيًا أكثر اتزانًا خلال الفترة المقبلة، وتحرك لاعبين إقليميين آخرين باتجاه ملء الفراغ الأمريكي، مثل بعض الدول العربية وتركيا إلى جانب باكستان ودورها التقليدي في أفغانستان، سوف يقيد هذا كُله من إمكانية أن تملأ أو تحل إيران محل الولايات المتحدة في البلدان المُشار إليها. هذا على الرغم من أن الانسحاب سوف يخدمها في بعض المناطق “نسبيًا”.

ختامًا، أثبتت الأحداث والتحولات أن الانسحاب الأمريكي من المنطقة لا يخدم “بشكل كلي” إيران أو سياستها في المنطقة، كما اتضح في أفغانستان. حيث إنه يمكن أن يشكل تهديداتٍ مستقبلية لطهران. وكمثال آخر على ذلك التهديد، ينبغي القول إن الخروج الأمريكي الكامل من العراق سيطرح احتمالات قوية بعودة تنظيم “داعش” الإرهابي مرة أخرى على الساحة، أو انزلاق العراق إلى حرب أهلية شاملة لن تكون في صالح إيران بالطبع. كما أن الانسحاب الكامل أيضًا من سوريا سيعني دخول التنافس بين طهران وموسكو مرحلة متطورة من الصراع التي قد ترقى إلى صِدام مباشر قوي بين الوكلاء الإيرانيين والقوات الروسية هناك.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/17677/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M