بسنت جمال
تأثر التقدم المُحرَز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 بانتشار فيروس كورونا في نهاية 2019، ولا سيما هدفي 2.1 “القضاء على الجوع” و2.2 “القضاء على جميع أشكال سوء التغذية”، وذلك بسبب الانكماش الاقتصادي الناجم عن التدابير الاحترازية الهادفة لاحتواء الوباء التي أسهمت في ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الأجور والدخول مع تراجع القدرة على تحمل تكلفة الغذاء المرتفعة.
إضافة إلى ذلك، تضررت سلاسل الإمداد الغذائي من الجائحة، حيث أدت كلٌ من الاضطرابات غير المسبوقة في الخدمات اللوجستية ووسائل النقل المختلفة إلى تعطيل حركة المنتجات في سلاسل التوريد، واضطرابات صناعات تجهيز الأغذية التي تأثرت بقواعد التباعد الاجتماعي، ونقص العمالة، وتدابير الإغلاق؛ إذ تم تعطيل العمل بداخل العديد من المصانع أو تم إجبارها على العمل بقدرة منخفضة مقارنة بمستويات قبل الوباء.
وعلى الرغم من توجيه وباء كورونا واحدة من أكثر الضربات المدمرة للأمن الغذائي والتغذية السليمة في الآونة الأخيرة، إلا أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي أثرت سلبًا عليه كالنزاعات والصراعات السياسية والكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، فضلًا عن الحروب التجارية بين كبرى الدول.
اتجاهات عالمية
قفز الجوع العالمي إلى أعلى مستوى في 15 عامًا خلال 2020 بعدما أدت الجائحة إلى زيادة أسعار الغذاء وانكماش دخل الأسر. وبحسب أحدث تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، تضرر ما يتراوح بين 720 مليون شخص و811 مليون شخص من نقص الغذاء (بمتوسط 768 مليون فرد) في العام الماضي، وهو ما يُبينه الشكل الآتي:
الشكل (1): عدد الذين يعانون من نقص الغذاء (مليون شخص)
يتبين من الرسم السابق الارتفاع الملحوظ في عدد الأشخاص المتضررين من نقص الغذاء خلال عام كورونا؛ إذ سجل ارتفاعًا بنسبة 18.09% على أساس سنوي، وهي الوتيرة الأعلى في ست سنوات.
في حين لم يتمكن حوالي 2.4 مليار فرد من الحصول على التغذية السليمة بزيادة تبلغ 320 مليون شخص مقارنة بعام 2019، وتعادل هذه الزيادة إجمالي الزيادات التي شهدها العالم في السنوات الخمس الماضية. كما زاد معدل انتشار نقص التغذية بنحو 1.5% في عام واحد فقط مما يفاقم العقبات الموجودة أمام هدف القضاء على الجوع بحلول عام 2030، وهو ما يوضحه الشكل الآتي:
الشكل (2): معدل انتشار نقص التغذية في العالم
يوضح الشكل أن عام 2020 شهد أكبر زيادة سنوية في معدل انتشار نقص التغذية حول العالم عند 9.9% مقارنة باستقرار النسبة حول 8.28% في المتوسط خلال السنوات الخمس السابقة. أما عن تطور المعدل إقليميًا، فيُمكن الاستعانة بالشكل الآتي:
الشكل (3): معدل انتشار نقص التغذية إقليميًا
ويتضح من الشكل أن الجوع ونقص التغذية يؤثران على 21% من السكان في إفريقيا خلال 2020 مقارنة مع 18% خلال 2019، فيما تضرر 9% فقط من سكان آسيا و9.1% في أمريكا اللاتينية، وكان هذا على النقيض من النسب المحققة في أوروبا وأمريكا الشمالية التي سجلت مستويات أقل من 2.5% خلال الفترة محل الدراسة.
وقد بلغ عدد السكان المتأثرين بانعدام الأمن الغذائي بشكل متوسط وحاد حول العالم حوالي 3.29 مليارات شخص خلال العام الماضي، وهو ما يوضحه الشكل التالي:
الشكل (4): عدد المتأثرين بانعدام الأمن الغذائي حول العالم (مليون شخص)
يتبين من الشكل السابق أنه من بين 7.749 مليار شخص حول العالم، عانى 2.36 مليار شخص من انعدام الأمن الغذائي بشكل متوسط (ما يُمثل 30.5% من إجمالي السكان)، ونحو 928 مليون شخص بشكل حاد (ما يُعادل 11.9% من إجمالي السكان).
أسباب تدهور الأمن الغذائي
لا يُمكن أن يُعزَى تدهور حالة الأمن الغذائي الذي شهده العالم خلال العام الماضي إلى تداعيات كورونا فقط نظرًا إلى وجود العديد من العوامل الأخرى المؤثرة، ويُمكن تلخيص جميع العوامل المساهمة في ذلك على النحو الآتي:
- الانكماش الاقتصادي:
دفعت الإجراءات الطارئة التي تم اتخاذها لاحتواء الجائحة غالبية الدول إلى الركود الاقتصادي خلال 2020، وبالنسبة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل، تقلص نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في 117 دولة من إجمالي 129 دولة قامت بتوفير بيانات حساباتها القومية. ونتاجًا لهذا تراجعت قدرة الأفراد وخاصة الفئات الأكثر احتياجًا على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
- الصراع والنزاع السياسي:
يؤثر الصراع سلبًا على جميع جوانب النظم الغذائية تقريبًا، ابتداءً من الزراعة والحصاد والنقل والتمويل والتسويق وحتى بيع المنتجات واستهلاكها؛ إذ يؤدي الصراع إلى إبادة الأصول الزراعية (كالأراضي أو الماشية أو المحاصيل أو مخزون البذور أو البنية التحتية للري)، والاستيلاء القسري على الموارد الطبيعية، وتشريد الأسر وتدمير مناطق الصيد.
وارتفع عدد النزاعات التي تشمل عنفًا من جانب واحد سواء من الدولة أو التنظيمات الإرهابية بنحو 86% منذ عام 2010 لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، وقد نتج عن هذا ارتفاع عدد اللاجئين والمشردين نتاجًا للنزاعات من 40 مليونًا في عام 2010 إلى أكثر من 80 مليونًا في عام 2020.
- التغيرات المناخية:
يمثّل تغيُّر المناخ تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي العالمي حيث تؤثر حالات الجفاف الشديد، والأعاصير، والفيضانات الموسمية وغيرها من الظواهر الطبيعية على الإنتاج الزراعي، ونقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، والتأثير كذلك على الثروة الحيوانية.
وقد ظل عدد البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل المعرضة لظواهر المناخ المتطرفة في ارتفاع مطرد على مدار العشرين عامًا الماضية، من 76% من إجمالي البلدان خلال 2000-2004 إلى 98% خلال 2015-2020. كما تعرضت 52% من البلدان لثلاثة أو أربعة أبعاد من الظواهر المناخية المتطرفة خلال الخمس سنوات الأخيرة. ويُمكن الاستعانة بالرسم الآتي لتوضيح هذا الأمر:
يتبين من الشكل السابق ارتفاع نسبة الدول الإفريقية المعرضة لثلاث ظواهر من التغيرات المناخية على الأقل من 10% إلى 49% خلال 2015-2020 بنسبة زيادة تبلغ 39%، مقارنة مع نسبة ارتفاع تبلغ 46% في آسيا، و48% في أمريكا اللاتينية.
الشكل (5): نسبة الدول المعرضة لثلاثة أبعاد أو أكثر من التغيرات المناخية
- الفقر وعدم المساواة:
يُعد الفقر وعدم المساواة من العوامل الهيكلية الأساسية التي تزيد من التأثير السلبي للنزاع، والتغيرات المناخية، والتباطؤ الاقتصادي والانكماش.
وخلال عام 2020، ارتفع عدد الفقراء الجدد بما يتراوح بين 119 مليونًا و124 مليونًا شخص، كما زاد التفاوت في الدخل من حوالي 38% خلال 2019 إلى 41% في العام الماضي. وبحلول نهاية العام الجاري، من المقرر أن يرتفع هذا العدد بما يتراوح بين 143 مليونًا شخص حتى 163 مليونًا.
- ارتفاع أسعار السلع الغذائية:
ساهمت جميع العوامل المذكورة سلفًا في ارتفاع شديد في أسعار الغذاء فاقم في النهاية من مشكلة الأمن الغذائي، حيث قاربت الأسعار الذروة التي سجلتها في عام 2011، وهو ما يوضحه الشكل الآتي:
الشكل (6): مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء (سنويًا)
يتبين من الشكل ارتفاع مؤشر أسعار الغذاء خلال 2020 إلى 98 نقطة مقارنة مع 95 نقطة في 2019، بزيادة تقدر بنحو 3.15% على أساس سنوي. أما عن عام 2021، فيُمكن عرضها كما يلي:
الشكل (7) مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء (شهريًا)
يوضح الشكل أن أسعار السلع الغذائية العالمية تراجعت في يونيو للمرة الأولى في 12 شهرًا عند 124.6 نقطة، لكنه لا يزال أعلى من مستواه في نفس الفترة من العام الماضي عند 93.1 نقطة. ويُمكن تفسير هذا الارتفاع بما يلي:
- جاءت الزيادة في تضخم أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية قبل انتشار الوباء، حينما تعرضت الصين لتفشي حمى الخنازير الإفريقية في صيف عام 2018، مما أدى إلى ارتفاع أسعار لحوم الخنازير في الصين إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق بحلول منتصف عام 2019، مما أحدث تأثيرًا مضاعفًا على أسعار لحم الخنزير والبروتينات الحيوانية الأخرى في العديد من المناطق حول العالم.
- تفاقم الوضع بفرض رسوم الاستيراد الصينية على لحم الخنزير وفول الصويا في الولايات المتحدة خلال النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
- ساهمت الإجراءات الاحترازية في اتجاه الأفراد إلى تخزين المواد الغذائية والاستهلاكية الهامة مما أسفر عن ارتفاع الطلب، وتزامن ذلك مع تراجع العرض وانخفاض إنتاج الحبوب والبذور حيث تم تخفيض توقعات “الفاو” لإنتاج الحبوب العالمي في عام 2021 إلى 2817 مليون طن.
- ارتفاع أسعار الشحن البحري بحوالي 2-3 مرات في الاثني عشر شهرا الماضية، بينما أدى ارتفاع أسعار البنزين ونقص سائقي الشاحنات في بعض المناطق إلى ارتفاع تكلفة خدمات النقل البري.
- ارتفاع أسعار منتجي الأغذية العالمية لتصل إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، وقد قام بعض المنتجين بنقل هذه الزيادة إلى المستهلك.
حالة الأمن الغذائي في مصر
حققت مصر اكتفاءً ذاتيًا من الخضراوات والفاكهة بنسبة 100% وبإنتاج بلغ 20.5 مليون طن للخضراوات و10.7 ملايين طن للفاكهة، كما تم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز والبصل بنسبة 100% عقب إنتاج 6.5 ملايين طن و4 ملايين طن على الترتيب. وخلال عام 2020 وحده، تم تسويق 305 سلع زراعية مصرية بأسواق 160 دولة، كما تم فتح 11 سوقًا جديدًا أمام الصادرات المصرية وأهمها السوق الياباني.
ولهذا شهدت مصر تحسن في العديد من المؤشرات، انخفض انتشار نقص الغذاء بين إجمالي السكان إلى 5.4% خلال 2018-2020، مقارنة مع 6.4% في 2004-2006. وفي الوقت نفسه، تراجع معدل انتشار نقص الأمن الغذائي الحاد بين إجمالي السكان إلى 6.7% في 2018-2020، مقارنة مع 8.4% في 2014-2016.
ووفقًا لمؤشر الجوع العالمي، احتلت البلاد المرتبة 61 من بين 117 دولة واستقر خلال العام الماضي عند 11.9 نقطة تراجعًا من 15.3 نقطة خلال 2012. وهو ما يتضح من الشكل الآتي:
الشكل (7): مؤشر الجوع في مصر (نقطة)
ولتعزيز الأمن الغذائي، أطلقت الحكومة المصرية العديد من المشروعات القومية خلال السنوات القليلة الماضية كمشروع المليون ونصف فدان ومشروع ـ100 ألف صوبة زراعية ومشروعات الثروة الحيوانية والاستزراع السمكي وعودة تصدير الدواجن. وخلال الجائحة، سارعت مصر إلى التأكد من تدبير احتياطيات القمح الاستراتيجية لمدة ستة أشهر على الأقل، ورفعت التمويلات الموجهة لشراء السلع الاستراتيجية بصفة عامة لضمان تأمين الاحتياجات المحلية بأسعار جيدة، في ظل توجه الدول الأخرى لتخفيض التصدير لزيادة احتياطاتها هي الأخرى.
وخلاصة القول، ينبغي التأكيد على أن فيروس كورونا جاء ليكشف عن الخلل الحادث في منظومة الأمن الغذائي العالمي إلى جانب العديد من العوامل الأخرى التي أدت جميعها في الأخير إلى زيادة الأعباء المُلقاة على المواطنين والشعوب حول العالم.
.
رابط المصدر: