العلاقات السعودية – الإيرانية: الدوافع والنتائج

محمد كريم الخاقاني

من سياق تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، يبدو أنها جاءت متوافقة ومتسارعة بشأن إمكانية حسم الخلافات السعودية – الإيرانية، حيث يدور الحديث حالياً حول إمكانية حدوث التقارب بين الدولتين في ظل تطورات أسهمت بشكل فاعل في تقريب وجهات النظر المختلفة بينهما طيلة الأعوام السابقة، إذ ترجع الخلافات الى حادثة إعدام الشيخ نمر النمر – وهو من الوجوه الشيعية المعارضة – ما أدى إلى إقتحام السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية طهران، وفاقم من حالة التدهور في علاقاتهما الثنائية.

لكن مع التطورات في معطيات المنطقة – ولا سيما بعد إنتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن على رأس الإدارة الأمريكية – نرى بأن السياسة الأمريكية قد إعتمدت اسلوب التهدئة على جميع الملفات في المنطقة وذات العلاقة المباشرة بتدهور العلاقات بين الجانبين السعودي والإيراني؛ فالرئيس بايدن يعتمد سياسة الحلول الدبلوماسية وتغليب لغة الحوار والتفاوض من أجل الخروج بنتائج إيجابية، كما أن لكل طرف من الأطراف دوافعه في تهدئة الوضع في المنطقة.

فالجانب الإيراني يسعى بكل جهده الى تقليل الآثار التي طبعت عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني ولا سيما بعد تطبيع بعض دول الخليج – ومنها مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً – وهذا ما يسهم في تقليل جهد المواجهة في منطقة الخليج، والعمل على تثبيت الدور الإيراني فيها. بينما يكمن الدافع السعودي في تهدئة الأوضاع إلى رغبته في تعزيز دوره ومكانته لا سيما بعد الحرب في اليمن ودور التحالف العربي بقيادتها وتجنيب المنطقة خطر التقاتل بينهما، إذ تبدو الرغبة السعودية متجاوبة مع إمكانات التقارب مع إيران لا سيما بعد وصول إدارة أمريكية جديدة – المتمثلة بالرئيس بايدن خلفاً للرئيس دونالد ترامب – إذ تخشى المملكة من توّصل الولايات المتحدة إلى إتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، بعد خروجها من جانب واحد العام 2018 في عهد الرئيس ترامب، فضلاً عن تداعيات جيو – إستراتيجية خلّفها الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد قرابة عقدين من الزمن؛ من هنا، نجد أمامنا فرصة لحدوث تقارب تاريخي بين الرياض وطهران في ظل تلك المعطيات والرغبة المتبادلة التي مثلّتها جولات التفاوض الثنائية التي تهدف بشكل اساسي إلى تهدئة “الحروب بالوكالة” بينهما في المنطقة عبر وكلائهما.

أما فيما يخص الجانب الأمريكي، فأيضاً له دوافعه من إتمام التهدئة المرتقبة بين الجانبين، حيث تسعى واشنطن إلى مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة لا سيما بعد مساعي بكين الجدية، التي تكللت بتوقيعها لإتفاق مع إيران لمدة 25 عاماً قادمة ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق” في مارس/آذار 2021، وهو ما يشكل – من وجهة النظر الأمريكية – تهديداً مباشراً لمصالحها في الخليج مع إقتراب الصين من مناطق نفوذها التقليدية.

هذا الوضع من الممكن أن يرتب تغييراً في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء منطقة الخليج وما تشهده من توترات مزمنة وصراعات مستدامة أدت إلى إستنزاف القوات الأمريكية وتواجدها في مناطق تلك النزاعات والصراعات بشكل دائم، مع الأخذ بنظر الإعتبار تنامي القوة الصينية في منطقة بحر الصين الجنوبي وهذا ما جعل الرؤية الأمريكية بأن تكون اقل حزماً إزاء التوتر الحاصل في المنطقة ونقل تركيزها وقوتها إلى منطقة النفوذ الجديدة في منطقة شرق آسيا لمواجهة التنامي المستمر لبكين ومحاولات فرض نفوذها في تلك المنطقة، وهو ما أسفر عن تكتيك جديد اتبعته واشنطن تمثّل في دعم الدول القريبة من الصين سواء عسكرياً أو إقتصادياً لتكون منافساً للصين في تلك المنطقة الحيوية والتي ستكون- حسب وجهة النظر الأمريكية – منطقة التوترات القادمة بينها وبين الصين، وهو ما أنسحب بدوره على تواجد القوات الأمريكية في أفغانستان وإتخاذ قرار الإنسحاب منها.

كل تلك الأمور بدورها إنسحبت على إمكانية تبدل الرؤى والتوجهات بشان تهدئة الأوضاع في منطقة الخليج بين المملكة العربية السعودية وإيران والتوصل إلى تفاهمات جديدة تعتمد المصلحة بالدرجة الأولى وتبادل الأدوار الإقليمية بين الطرفين؛ لذا، يبدو أنه من المرجح أن يكون حل الملفات العالقة ممكناً في حال توافر الإرادة لذلك، وهو ما يمكن تلمُّسه مؤخراً بعد جولات تفاوضية بين مسؤولي الدولتين.

 

.

رابط المصدر:

https://sitainstitute.com/?p=12880

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M