تطورات مسيرة التحديث السياسي في الأردن

شادي محسن

 

بعد أحداث محاولة الانقلاب على نظام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أبريل 2021، ثم أحداث الناعور في يونيو 2021 بين قوات الأمن وأنصار النائب البرلماني المفصول “أسامة العجارمة”، وعد الملك عبد الله (في يونيو 2021) إدخال الأردن في مسيرة تحديث سياسي شاملة بعد تشكيل لجنة سياسية-ملكية سميت بـ “لجنة التحديث السياسي”. تناقش الورقة الإجابة على سؤال ما إذا كان الأردن يشهد استقرارًا سياسيًا؟ وماهي حدود هذا الاستقرار؟

سياقات الوضع الراهن

ينقسم الوضع السياسي الراهن في الأردن إلى مجموعة من التفاعلات الرئيسة، وهي:

أولًا: رفض شعبي لغلاء الأسعار وقانون الدفاع

طالما عانى الأردن من زيادة العجز في الموازنة؛ مما يدفع الحكومة إلى الاقتراض وزيادة نسبة الدين من إجمالي الناتج المحلي، والذي وصل إلى 38.2 مليار دولار أمريكي وهو إجمالي رصيد الدين الخارجي، في حين يصل الناتج المحلي إلى 44.5 مليار دولار (حسب بيانات البنك الدولي). وعليه تتسبب الظاهرة في ارتفاع طفيف في معدلات التضخم، وفي أسعار السلع. مع العلم أن معدل التضخم ومعدل الأسعار ما زال في مراحل بسيطة مقارنة بالسنوات الماضية.

ارتفاع إجمالي رصيد الدين الخارجي للمملكة الأردنية، أحدث قيمة هي 38.1 مليار دولار أمريكي (البنك الدولي 2020)

نسبة التضخم في الأردن على مدار السنوات الأخيرة، أحدث نسبة هي 1.6% في 2021، بينما كانت 0.33% في 2020، ووصلت إلى 4.46% في 2018. (البنك الدولي)

بينما تعاني فئة الشباب الأردني (من سن 15 إلى 24 عامًا) من نسبة عالية من البطالة تصل إلى 44% رغم تحصيلهم العلمي (22% من هذه الفئة العمرية حاصلة على درجة بكالوريوس فأعلى)، إذ تصل نسبة الأمية في الأردن إلى 2% فقط من إجمالي 11 مليون مواطن أردني. (حسب دائرة الإحصاء الأردنية 2022).

بعد تفشي جائحة كورونا، كانت الحكومة الأردنية برئاسة “بشر الخصاونة” قد أقرت قانونًا يقضي بحظر التجوال وغلق المحال التجارية الذي يبدأ من الساعة السابعة مساءً حتى السادسة صباحًا. وهو ما أثار استياء بعضًا من الشعب الأردني الذي لا يزال يواجه تداعيات أزمة كورونا السلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

يبرره ذلك طلب الأردن تمويلًا إضافيًا من البنك الدولي بقيمة 322 مليون دولار، لمشروع التحويلات النقدية الطارئة لأسر وعمّال تضرروا من جائحة فيروس كورونا في الأردن؛ مما يرفع إجمالي التمويل الخاص بالمشروع إلى 986 مليون دولار حال الموافقة على التمويل الجديد (المقدر له في فبراير 2022).

تفاعلًا مع هذا السياق، انتشرت مجموعة من الاحتجاجات الفئوية والمطلبية في أنحاء متفرقة من المملكة الأردنية، بداية من عام 2021، أخذت أعدادًا متواضعة تراوحت بين المئات والآلاف الأحادية فقط؛ استنكارا للوضع الاقتصادي ولأداء الحكومة إزاء أزمة كورونا. وصلت أصداء هذه الاحتجاجات إلى البرلمان الأردني؛ إذ تضامن النائب أسامة العجارمة مع هذه الاحتجاجات، وأخذ من منطقة لواء الناعور في يونيو 2021 منصة احتجاج لافتة ضد الحكومة، شملت هذه المنصة تضامنًا من بعض عشائر منطقة جنوب الأردن.

ثانيًا: محاولة انقلاب فاشلة

في 3 أبريل 2021، بدأت في العاصمة الأردنية عمّان حملة اعتقالات طالت شخصيات أردنية بارزة. جرت الاعتقالات على خلفية محاولة انقلاب فاشلة يقودها ولي العهد الأردني السابق الأمير حمزة بن الحسين للإطاحة بأخيه غير الشقيق الملك عبد الله الثاني بن الحسين، رغم تصريح السلطات الأردنية أن الأمير حمزة لم يكن من ضمن المعتقلين وأنه غير خاضع للإقامة المنزلية، إلا أن الأمير حمزة أكد بذاته أنه من ضمن الموقوفين والمقيدين تحت الإقامة الجبرية.

صدر بعد ساعات من بدء الحملة بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية طُلب فيه من الأمير حمزة على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي «التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره». ذكرت التحقيقات الرسمية التي كُشف عنها في وقت لاحق «أن الأمير حمزة بن الحسين كان في تواصل مع المعتقلين وأيضًا مع جهات خارجية».

ثالثًا: الحركة الشعبية للتغيير

في 27 أبريل 2021، (أي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة) كان أهم تمفصل للظاهرة “المتكررة نسبيًا في الأردن” -وهو تواتر الاحتجاجات المطلبية في الشارع الأردني التي ظل يشهدها الأردن طوال عقد: بداية من احتجاجات 2011-2012 تزامنًا مع الموجة الأولى للربيع العربي- هو تأسيس حركة سياسية تسمى “الحركة الشعبية للتغيير (تغيير)”.

ورغم تكرر ظاهرة التعديلات الدستورية في 2011 وفي 2016 على النسخة النهائية (نسخة 1952)، إلا أن الحركة طالبت بإجراء تعديلات جديدة بالدستور، وإقرار قانون انتخاب جديد، وتغيير النهج الحكومي السائد بالتعامل مع الأوضاع الاقتصادية والتطورات السياسية.

وأعلنت الحركة أهدافها في بيان صدر عنها عقب الإعلان الرسمي لتأسيسها، وتضم أساسًا شخصيات من الحراك الأردني الموحد وحزب “الشراكة والإنقاذ” ونقابات مستقلة وعدد من الرموز الأردنية والقوى السياسية يصل عددهم إلى حوالي 238 شخصًا، فيما أبقت الحركة الباب مفتوحًا لمن يريد الانضمام إلى صفوفها.

مخرجات المشروع السياسي

يعد المشروع السياسي الملكي هو أهم تفاعل سياسي ضمن مجموعة التطورات السياسية السالف ذكرها، يبدو أن هناك تحديات اقتصادية أردنية تتنامى مؤشرات ترديها وتأثيرها السلبي على الشعب على مدار فترة أزمة كورونا، يرافقها تحديات سياسية وأمنية أخرى تدخل في حسابات صانع القرار الأردني.

في 10 يونيو 2021، بادر الملك الأردني بتشكيل لجنة سياسية ملكية تعمل على صياغة مشروع تحديث سياسي للأردن يعمل على معالجة التطورات السياسية التي ظلت تلاحق الأردن منذ يونيو 2020؛ أي وقت اندلاع أزمة نقابة المعلمين.

يضم المشروع الملكي جملة من التحديثات على ستة محاور أساسية، هي: (1) قانون انتخابي جديد، (2) قانون أحزاب جديد يعمل على منع وصول الأيديولوجية إلى البرلمان ومن ثم تشكيل الحكومة (حسب الرواية الملكية)، (3) تعديلات دستورية تنظم صلاحيات الملك والسلطتين التشريعية والتنفيذية، (4) تحديث قوانين الإدارة المحلية، (5) توسيع قاعدة التشاركية في صناعة القرار، (6) النظر في قوانين أحوال المرأة. وحسب الرواية الملكية فإن المشروع السياسي يستهدف تحويل الأردن إلى مملكة ديمقراطية نيابية كاملة. ووافق البرلمان في 5 يناير 2022 على التعديلات الثلاثين التي قدمتها اللجنة الملكية، والستة الإضافية المقدمة من الحكومة.

تراوحت ردود الأفعال حول مخرجات المشروع السياسي التحديثي بين القبول والانتقاد، أما دوافع الانتقاد فتركزت حول بعض الاعتبارات كانت أهمها: (1) أن إنشاء مجلس وطني للأمن والسياسة الخارجية يترأسه الملك مباشرة هو توسيع لصلاحيات الملك على حساب صلاحيات السلطة التنفيذية. بموجب القرار سيكون من حق الملك احتكار إدارة الشؤون الأمنية والدفاعية والعسكرية والخارجية للأردن. سيترأس الملك المجلس، وسيضم رئيس الوزراء وقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية ووزيري الداخلية والخارجية وعضوين آخرين يعينهم الملك.

(2) تمنح التعديلات الملك وحده المسؤولية عن تعيين وقبول استقالة العديد من المناصب العليا في البلاد، من قائد الشرطة إلى رئيس القضاء، إلى المفتي، بخلاف رؤساء أجهزة الأمن، وولي العهد ونوابه. (3) إضافة كلمة “أردنيات” بجانب الأردنيين في المواد المتعلقة بحفظ الحقوق والحريات أثار استياء الأحزاب الإسلامية مثل حزب العمل (المحسوب على الإخوان المسلمين) كون الصفة ستفتح باب إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية ولوائح الميراث.

لماذا هي معالجة سياسية؟

رغم أن ظاهر الأمر هو دخول الأردن في تحديات اقتصادية واجتماعية جراء أزمة كورونا، وهو ما انعكس على ثقة الأردنيين في أداء حكومتهم التي وصلت إلى 67% وهو انخفاض مستمر، بينما وصلت إلى 27% فقط في أداء الأحزاب، وفي أداء البرلمان بنسبة 37% فق (حسب استطلاع المعهد الجمهوري الدولي 2021) وهي نسب متراجعة عن استطلاعات سابقة؛ إلا أن التفاعلات الأردنية ذهبت إلى تبني معالجات سياسية.

ذلك سواء من الشارع الأردني الذي سارع إلى تشكيل جبهة سياسية “تغيير”، أو من جانب الملك الذي طغت تصريحاته المؤكدة على طموحه بتحويل الأردن إلى ملكية دستورية (وليست نيابية ملكية)، وانعكاس الأمر على تشكيل لجنة سياسية أيضًا لتحديث المنظومة السياسية، وكان مشروعها الأول هو تعديل الدستور.

بالنظر إلى التحديات الرئيسة التي يواجهها الأردن وتنسحب تأثيراتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يتبين أن الأردن قد يكون مهتمًا بصياغة منظومة علاقات خارجية وأمنية تسهم في معالجة تحديات الداخل الأردني، عبر التالي:

  1. انخفاض ملحوظ في نسب تحويلات المغتربين: تعتمد ميزانية الأردن بشكل مؤثر على السياحة المتوقفة جراء أزمة كورونا، ثم تعتمد بنسبة 10% على تحويلات الأردنيين بالخارج التي انخفضت بنسبة 10% ووصلت إلى 2.3 مليار دولار في 2020 بدلًا من 3.24.

وبالنظر إلى التوزيع الجغرافي للعاملين الأردنيين في الخارج، يتبين أن الأغلبية تعمل في دول الخليج التي تميل إلى اتباع سياسات عمالية جديدة تمنح فرصًا وميزات أكبر لأبنائها على حساب العمالة الأجنبية. وعليه قد يبدأ الأردن في الدخول في مفاوضات جدية مع دول الخليج لبحث استقرار العمالة الأردنية في الخارج؛ بهدف استقرار نسب التحويلات الخارجية.

  1. نسب اللاجئين من مجموع المواطنين: يحتل الأردن المرتبة الثانية في نسبة اللاجئين أمام إجمالي المواطنين. بين أكثر من 600 ألف سوري، و60 ألف عراقي، علاوة على لاجئي اليمن والسودان و52 دولة أخرى. وهو ما يتسبب في عدة أمور: (أ) زيادة نسبة اللاجئين قد يؤثر بالسلب على التماسك المجتمعي للأردن عبر انزواء اللاجئين في أحياء سكنية بمعزل عن التفاعل المجتمعي العام للأردن. (ب) توفير العمل للاجئين قد يهضم نصيب المرأة الأردنية في التوظيف وتقييد نسب البطالة المرتفعة بينهن.  وعليه قد يبدأ الأردن في التفاوض مع دول الصراع في المنطقة على إعادة لاجئيها مرة أخرى في حال ثبت استقرارهم المعيشي، وهو ما ينجح فيه الأردن بالفعل على إثر عودة 5000 لاجئ إلى سوريا الشهر الماضي.
  2. تحديات الطاقة: رغم أن هناك عوامل داخلية تعمل على تكبيل مشاريع الطاقة وخاصة المتجددة في الأردن تتعلق باللوائح التنظيمية والتراخيص. إلا أن هناك جهدًا خارجيًا ملحوظًا لتيسير استراتيجية وضع الأردن على خريطة الطاقة المتجددة عالميا.  وهو ما يبرر تصريح السفير الصيني في الأردن الداعم لفكرة التعاون بين البلدين في مجال الطاقة وبالتحديد الطاقة الشمسية المتجددة.

ختاما، يمكن القول إن أحد دوافع الملك لترؤس مجلس الأمن والخارجية الوطني هو معالجة تحديات الداخل عبر السياسة الخارجية. وستسهم في تسريع عملية وضع الأردن ضمن خريطة إقليمية أوسع يجري هندستها؛ إذ رحبت الصين على سبيل المثال بوضع الأردن ضمن خريطة الحزام والطريق والبدء في إقامة البنية التحتية اللازمة لذلك.

لا يزال الأردن يستمر في إنهاء مشروعه السياسي في أولى مراحله وهو التعديل الدستوري، وتتبقى عدة مراحل أخرى لتحديث المنظومة السياسية، يبدو أن الملك يرسخ صلاحياته دستوريًا لعدة أهداف، منها: ترسيخ حكم ولي عهده بمقادير سياسية محددة تعمل على تسهيل مهامه المستقبلية. حتى الآن يشهد الأردن صراعًا سياسيًا سلميًا يرتسم في مجموعة من الدعوات بترميم قضايا الداخل، ولم يتطور الأمر بعد إلى استخدام عنف.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/66579/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M