الفشل في أفغانستان.. تجربة “الناتو”: التقييم والتداعيات

أحمد مولانا

تأسس حلف “الناتو” عام 1949 بعد توقيع الولايات المتحدة الأميركية وكندا وعشر دول أوروبية على معاهدة حلف شمال الأطلسي بهدف حماية دول أوروبا الغربية من التهديدات السوفيتية آنذاك. ومع تفكك الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن العشرين، اعتمد “الناتو”استراتيجية للتوسع تقوم على أن تنامي عدد أعضاء الحلف سيزيد من فعاليته وقدرته على حماية الأمن الأوروبي. كما تبنَّى “الناتو” مفهومًا موسعًا للأمن يعتبر أن عدم الاستقرار خارج حدوده يمكن أن يهدد بشكل مباشر أمن الدول الأعضاء بالحلف، ومن ثم بدأ “الناتو” ينخرط في مواجهة التهديدات الجديدة غير التقليدية الناشئة خارج القارة الأوروبية مثل الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب فضلًا عن عمليات حفظ السلام.

يُعد انخراط “الناتو” في أفغانستان (2001-2021) أول عملية انتشار ينفذها خارج أوروبا، وأطول حرب خاضها في تاريخه حيث انتهت بإنهاء “الناتو” مهمته القتالية بأفغانستان، في ديسمبر/كانون الأول عام 2014، ليكتفي ببعثة تدريب سحبها لاحقًا في عام 2021. وتهدف الورقة البحثية المرفقة لتحليل عوامل إخفاق “الناتو” في مهمته بأفغانستان، وتأثير ذلك على استعداد الحلف للانخراط مجددًا في مهام قتالية خارج أوروبا.

أحداث سبتمبر/أيلول وبداية انخراط “الناتو” في أفغانستان (2001-2003)

في ظل رفض حركة طالبان تسليم زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، عقب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، إلى واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، بدء شن غارات جوية على أفغانستان ضمن عملية عسكرية تُدعى “الحرية الدائمة” بهدف (منع استخدام أفغانستان كمنطلق لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة، وتدمير القدرة العسكرية لحركة طالبان)(1).

وفي ديسمبر/كانون الأول 2001، انعقد اجتماع دولي في بون بألمانيا تحت رعاية الأمم المتحدة وبحضور ممثلين عن الفصائل الأفغانية المعارضة لطالبان، ووقَّع المجتمعون على اتفاقية “بون” التي نصَّت على اعتماد فترة انتقالية تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات تنتهي بعقد انتخابات يختار من خلالها الأفغان الحكومة التي تمثلهم. وبالفعل، تأسست السلطة الأفغانية المؤقتة، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2001، برئاسة حامد كرزاي.

بموجب اتفاقية بون، أصدر مجلس الأمن، في ديسمبر/كانون الأول 2001، القرار رقم 1386 الذي يقضي بتأسيس قوة دولية للمساعدة الأمنية لمدة 6 شهور تختص بمساعدة السلطة الأفغانية المؤقتة على حفظ الأمن في العاصمة، كابل ، والمناطق المحيطة بها. وقد وافقت 17 دولة أخرى على الاشتراك في تلك القوة التي اشتهرت باسم “إيساف”، وانتشرت طلائع إيساف داخل أفغانستان، مطلع يناير/كانون الثاني 2002، تحت قيادة اللواء البريطاني، جون ماكول، وبلغ عددها 4800 جندي(2).

وفي ظل أن تحقيق الاستقرار في أية دولة يتطلب وجود قوات حكومية موحدة لديها القدرة على فرض الأمن ضمن إطار قانوني يعترف السكان بشرعيته، عملت قوات التحالف الدولي على تأسيس قوات حكومية أفغانية تشمل الجيش والشرطة وحرس الحدود والاستخبارات. وفي 1 ديسمبر/كانون الأول 2002، أصدر الرئيس الأفغاني، كرزاي، مرسومًا نصَّ على وضع أسس الجيش الأفغاني الجديد، والمستهدف أن يبلغ حجمه 70 ألف جندي موزعين على خمسة فيالق(3)، وحل جميع المجموعات المسلحة، وهو ما يتطلب تسريح قرابة 100 ألف مسلح بحيث يقتصر وجود السلاح على القوات الحكومية الجاري تأسيسها. وقد واجهت تلك الخطة عدة تحديات من قبيل:

  • عدم وجود بنية هيكلية سابقة لجيش أفغاني موحد؛ إذ انهار الجيش الأفغاني خلال حقبة الغزو السوفيتي.
  • وضع معايير ملائمة للتجنيد تراعي أن نسبة الأمية بأفغانستان بلغت آنذاك لدى الرجال نحو 73%(4)، وتراعي أيضًا التنوع العرقي كي لا يتسبب الجيش الجديد في حدوث نزاعات عرقية، وبالأخص مع اعتماد قوات التحالف الدولي بشكل أساسي على حلفاء محليين من الطاجيك والأوزبك في حين أن طالبان تشكَّلت في معظمها من البشتون الذين يمثلون العرقية الأكبر في أفغانستان.
  • توفير التمويل اللازم لبناء القوات المسلحة الأفغانية سواء لدفع رواتب الأفراد أو لتمويل عمليات التدريب وبناء المقرات والقواعد العسكرية والتسليح.
  • صعوبة تفكيك الميليشيات والمجموعات المسلحة القائمة في ضوء تدهور الوضع الأمني بالبلاد.
  • وجود مجموعات مسلحة مناهضة للحكومة الجديدة تمتلك خبرة قتالية ونفوذًا مجتمعيًّا، مثل حركة طالبان، وعناصر الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار.

الناتج الأولي لبرامج التدريب كان مخيبًا للآمال، فأول ثلاث كتائب جديدة تخرجت في الدورات التدريبية عانت من نقص عدد المجندين إذ تواجد نصف العدد المطلوب فقط في كل كتيبة، كما واجهت نقصًا في التسليح، وصعوبات في العثور على ثكنات مناسبة تلبِّي المهام المطلوب تحقيقها من تلك الكتائب(5).

وفي مواجهة تلك التحديات، بدأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2002، بنشر فرق إعادة إعمار في الولايات الأفغانية لمساعدة حكومة كابل على بسط سيطرتها على أنحاء البلاد وبناء هياكل حكومية، لكن لم تعمل تلك الفرق ضمن رؤية شاملة في ظل تبعية كل فريق لدولة معينة، ومواجهته لظروف مختلفة في مكان عمله، فشمال أفغانستان كان هادئًا مقارنة بالشرق والجنوب. وفي تلك الآونة ارتفع معدل الهجمات ضد القوات الموالية للحكومة ليصل إلى هجومين اثنين يوميًّا بدلًا من هجوم واحد شهريًّا خلال الفترات السابقة(6).

ومع مواجهة الجيش الأميركي حربًا غير نظامية عقب غزوه للعراق، في مارس/آذار 2003، اقتصدت واشنطن في التزاماتها تجاه أفغانستان لمعالجة الوضع المتدهور في العراق كما سعت الدول الأوروبية التي عارضت غزو العراق مثل فرنسا وألمانيا لامتصاص التوتر مع واشنطن وتقديم يد العون لها في حرب أخرى، فجرى التوافق في 16 أبريل/نيسان 2003 على أن يتولى “الناتو” قيادة إيساف بداية من أغسطس/آب 2003. وكانت هذه أول عملية انتشار للناتو منذ تأسيسه خارج أوروبا.

أحداث سبتمبر/أيلول وبداية انخراط “الناتو” في أفغانستان (2001-2003)

أسهم انخراط طالبان وتنظيمات أخرى في شنِّ هجمات مسلحة شرق وجنوب أفغانستان ضد القوات الدولية والحكومية في دفع مجلس الأمن، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2003، لإصدار قرار يقضي بتوسيع مهام إيساف إلى خارج كابل للمساعدة في توطيد سلطة الحكومة الأفغانية الوليدة، وتأسيس هياكل ومؤسسات حكومية مستقرة. وحدثت أول عملية انتشار لإيساف خارج كابل عبر نشر فريق إعادة إعمار ألماني في قندز بشمال أفغانستان، في يناير/كانون الثاني 2004(7).

وفي ظل هدوء الأوضاع نسبيًّا في غرب أفغانستان أسست إيساف القيادة الإقليمية للمنطقة الغربية، في مايو/أيار 2005، تحت قيادة إيطاليا، لتصبح القيادة الإقليمية الأولى لها بأفغانستان، ثم في يوليو/تموز 2006، تسلَّمت إيساف زمام القيادة الإقليمية في جنوب أفغانستان من الولايات المتحدة، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2006، تولَّت إيساف قيادة القوات الدولية في شرق أفغانستان، لتصبح إيساف مسؤولة عن الأمن في كافة أنحاء أفغانستان، فيما ظلت قوات التحالف الدولي العاملة ضمن عملية الحرية الدائمة تختص بمهام مكافحة الإرهاب.

“الناتو” أعدَّ قواته للانخراط في أفغانستان في مهام حفظ السلام والمساعدة في تأهيل القوات الأفغانية الحكومية، ولم يكن مستعدًّا لخوض حرب مكافحة تمرد مطولة مثل تلك التي تعرض لها على يد مقاتلي طالبان، فهجمات طالبان بدأت تأخذ منحى تصاعديًّا بداية من عام 2005.

العام

2006

2007

2008

2009

متوسط عدد الهجمات الشهرية

425

566

741

960

متوسط عدد الهجمات الشهرية بأفغانستان حسب البيانات الواردة في تقارير (الحالة في أفغانستان وأثرها على السلم والأمن الدوليين) الصادرة عن الأمم المتحدة.

في ظل تلك الأجواء، عزَّزت إيساف قواتها ليصبح لديها بنهاية عام 2008 عدد 51350 جنديًّا من 26 بلدًا عضوًا في حلف شمال الأطلسي و15 بلدًا من غير الأعضاء في الحلف(8)، فيما بلغ عدد القوات العاملة في إطار عملية الحرية الدائمة قرابة 12000 جندي.

اتسمت سلسلة القيادة العسكرية لإيساف بالتشظي؛ إذ كان لكل دولة مشاركة بقواتها ممثل عسكري موجود في كابل  يمكنه الاعتراض على القرارات الصادرة من قائد “الناتو” في أفغانستان إلى القوات التابعة لبلاده(9). وبالتالي، برزت قيود عملياتية متعددة، فعلى سبيل المثال لم يكن باستطاعة قائد “الناتو” الميداني أن يأمر القوات الإيطالية المنتشرة في غرب أفغانستان بتحريك مروحيات أو جنود لدعم القوات البريطانية المنتشرة في الجنوب حال خوضها لاشتباكات. وكذلك اتسمت قواعد الاشتباك لدى إيساف بالاختلاف من دولة إلى أخرى، فالقوات الهولندية عملت وفق نمط حفظ السلام لا مكافحة التمرد مما جعلها مقيدة بإطلاق النار في حال تعرض عناصرها للهجوم، وامتنعت عن تنفيذ غارات ومداهمات ضد عناصر طالبان مما انعكس على تحجيم قدرة قوات الناتو العاملة ضمن مناطق المسؤولية الهولندية على القيام بعمليات هجومية.

وللتغلب على تعدد جهات القيادة العسكرية، تولى قائد قوات إيساف، الجنرال الأميركي ديفيد ماكيرنان، قيادة القوات الأميركية غير التابعة لإيساف في أفغانستان، في سبتمبر/أيلول 2008(10). لكن في ظل تداعيات الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008 وما فرضته من تخفيض في الإنفاق العسكري بالتزامن مع تواصل نزيف الخسائر البشرية في صفوف إيساف بدأ التفكير في نقل المهام الأمنية إلى القوات الأفغانية بشكل متدرج.

وقبيل اتخاذ قرار بالانسحاب، عزَّزت إيساف قواتها لدعم قوات الأمن الأفغانية بهدف تحقيق إنجازات ميدانية تعرقل تمدد طالبان، ووصل حجم قوة إيساف بنهاية عام 2010 إلى 130930 جنديًّا من 48 دولة(11). وقد اتفق وزراء خارجية الدول الأعضاء بالناتو، في أبريل/نيسان 2010، على نقل المسؤوليات الأمنية تدريجيًّا من إيساف إلى قوات الأمن الوطنية الأفغانية بحيث يتولى الأفغان كافة المسئوليات الأمنية بحلول عام 2014، وهو ما أقرَّته أيضًا قمة “الناتو” المنعقدة بلشبونة في عام 2010، وأرسل قرار الانسحاب رسالة بأن “الناتو” لم تعد لديه إرادة لمواصلة الحرب في أفغانستان.

بعثة الدعم الحازم (2015-2021)

اعتمدت قمة “الناتو” المنعقدة بويلز، في عام 2014، تأسيس بعثة تدريب في أفغانستان للمساعدة في دعم قدرات المؤسسات الأمنية الأفغانية، ووقَّعت الحكومة الأفغانية في اليوم التالي لتسلُّم أشرف غني للرئاسة، في 30 سبتمبر/أيلول 2014، على اتفاق أمني ثنائي مع أميركا فضلًا عن اتفاق آخر مع “الناتو” يوفر إطارًا قانونيًّا لاستمرار المساعدة العسكرية الدولية عبر “بعثة الدعم الحازم” التابعة لحلف “الناتو”. وانتهت بحلول نهاية عام 2014 مهمة إيساف القتالية رغم أن العام المذكور شهد 22051 هجومًا ضد القوات الموالية للحكومة(12).

بداية من عام 2015، شرع “الناتو” في مهمته الجديدة التي تهدف إلى توفير التدريب والمشورة والدعم لقوات الأمن الأفغانية، وبلغ عدد القوات المساهمة في بعثة الدعم الحازم آنذاك 13199 جنديًّا من 42 دولة(13). وميدانيًّا، بدأ تخفيض عدد القوات الأميركية وقوات “الناتو” بالتدريج، وهو ما وظَّفته طالبان في تصعيد هجماتها ضد القوات الحكومية خلال السنوات التالية.

العام

2014

2015

2016

2017

2018

عدد الهجمات سنويًّا

22051

22634

23712

23744

22478

عدد الهجمات بأفغانستان سنويًّا حسب البيانات الواردة في تقارير (الحالة في أفغانستان وأثرها على السلم والأمن الدوليين)

حاولت القوات الدولية والأفغانية تفعيل عدد من التكتيكات لمواجهة تمدد طالبان، فبحلول عام 2017 قررت الحكومة الأفغانية تركيز مواردها في الدفاع عن المراكز السكانية ومنع سيطرة طالبان على المناطق الاستراتيجية فيما أعلنت الدول المساهمة في بعثة الدعم الحازم، في يوليو/تموز 2018، أنها ستواصل الدعم المالي للحكومة الأفغانية والقوات الأمنية حتى عام 2024. لكن مع توصل الولايات المتحدة لاتفاق سلام مع طالبان، في فبراير/شباط 2020، أعلن الرئيس الأميركي، ترامب، موعدًا نهائيًّا للانسحاب الكامل من أفغانستان، في مايو/أيار 2021، ثم أجَّله إلى سبتمبر/أيلول 2021 دون ربط الانسحاب بأي تقدم في عملية التفاوض لبناء نظام سياسي جديد، ورافق تلك الخطوات مزيد من التخفيض في عدد القوات الدولية مما نقل رسالة للحلفاء الأفغان بأن واشنطن و”الناتو” تخلَّيا عنهم، وهو ما أفقدهم إرادة القتال. وفي النهاية، قرر وزراء خارجية ودفاع دول الحلف خلال اجتماعهم، في أبريل/نيسان 2021، بدء سحب قواتهم من أفغانستان في 1 مايو/أيار، ومع سقوط كابل بيد طالبان في أغسطس/آب 2021 وانهيار الحكومة الأفغانية، سحب “الناتو” بحلول سبتمبر/أيلول بقية قواته لينهي أطول حرب خاضها عبر تاريخه.

عوامل فشل “الناتو” في أفغانستان

ارتكب “الناتو” العديد من الأخطاء في حرب أفغانستان مما أثَّر على قدرته على تحقيق الأهداف المرجوة من انخراطه في الحرب، ومن أبرز تلك الأخطاء:

1- تبنِّي أهداف فضفاضة غير قابلة للقياس للحرب في أفغانستان مثل بناء دولة أفغانية ذات اقتصاد مزدهر، وعدم إعداد وتدريب قوات إيساف لتنفيذ عمليات مكافحة تمرد تعتمد على كسب قلوب السكان وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، فبدلًا من ذلك نفَّذ “الناتو” غارات جوية وعمليات قتالية ألحقت خسائر كبيرة بالمدنيين مما جعل الأفغان ينظرون له بشكل عدائي.

2- لم يتمكن “الناتو” من فهم ثقافة المجتمع الأفغاني، فعلى سبيل المثال ركز البرنامج التدريبي الألماني على تدريب عناصر الشرطة الأفغان وفق النمط الأوروبي الذي يدور حول سيادة القانون في حين نظر أغلب أفراد الشرطة إلى عملهم باعتباره وسيلة لفرض الإتاوات وتلقي الرشاوى. وكذلك برزت المحسوبية والمحاباة في تعيين الأفراد بالمناصب الحكومية، فشغلت أفغانستان المركز رقم 179 من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2009(14)، وهو ما أسهم في إظهار القوات الدولية في أعين الأفغان على أنها داعمة للفاسدين.

3- عمل “الناتو” في أفغانستان وفق استراتيجية تُدعى (الدولة القائدة)، وجرى تقسيم المهام إلى ملفات، فتولت القوات الأميركية ملف إعادة بناء الجيش الأفغاني، بينما تولت القوات البريطانية ملف مكافحة المخدرات، وتولَّت ألمانيا ملف تأهيل الشرطة الأفغانية، وتولى الإيطاليون تأهيل قطاع القضاء والعدل. وقد فشلت استراتيجية الدولة القائدة في تحقيق الأهداف المرجوة في ظل تفاوت الموارد التي وفرتها كل دولة لتحقيق المهام الموكلة إليها، وغياب كيان موحد يتحمل المسؤولية ويخصص الموارد وينسق الجهود. ومع إدراك واشنطن لحجم الفشل كان من الصعب عليها إعادة توزيع المهام نظرًا لحساسية كل دولة من سحب الملف الذي تشرف عليه.

6- التقديرات الرسمية للولايات المتحدة و”الناتو” للحكومة الأفغانية اتصفت بالمبالغة في تقدير قدراتها وتماسكها بينما على أرض الواقع اتسم أغلب أفراد القوات الأفغانية بانعدام الكفاءة وعدم القدرة على القتال بمعزل عن الدعم الاستخباري والجوي الدولي. وهيمن على التقارير الرسمية المنشورة الافتراض الضمني بأن خيارات طالبان الدينية جعلتها لا تحظى بشعبية في حين أن الحكومة الأفغانية نُظر إليها على أنها القوة التي تحظى بالدعم الشعبي الأكبر بينما واقعيًّا ازدادت عزلة الحكومة بمرور الوقت وأصبحت أقل فعالية(15).

خلاصة  
لقد كشفت الحرب في أفغانستان حدود قدرات “الناتو”، وأظهرت أنه انخرط في الحرب تبعًا للولايات المتحدة دون تبني أهداف محددة يمكن قياسها، كما سيطر الخوف من تكبد خسائر بشرية على القادة السياسيين للعديد من الدول أعضاء “الناتو” مما انعكس على رفضهم نشر قواتهم في المناطق الساخنة بأفغانستان، وهو ما أثار قضية عدم التوازن في تقاسم الأعباء والمخاطر بين أعضاء الحلف، وأوضح أن تنوع القوات المشاركة في إيساف كان عبئًا أكثر منه إضافة.

وفي المحصلة، تمثل تجربة “الناتو” في أفغانستان أول حالة فشل واضحة للحلف، ويُرجَّح أنها ستؤثر على الإرادة السياسية للدول الأعضاء بالحلف، وسيجعلها أكثر تريثًا في خوض عمليات عسكرية بعيدًا عن قواعدها في أوروبا، وسيدفعها لإعادة تقييم قدرة “الناتو” على النزوع نحو العالمية، كما سيزداد حضور النظرة التقليدية للناتو باعتباره حلفًا دفاعيًّا لا يبحث عن المشاكل في الخارج لحلها.

مراجع

1- President George W. Bush’s full address announcing first U.S. strikes in Afghanistan, PBS News Hour YouTube, 7 October 2001, (access, 14 January 2022): https://cutt.us/woDqx

2- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين، S/2002/278، 18 مارس­/آذار 2002، ص(11-12)، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022): https://undocs.org/ar/S/2002/278

3- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين، S/2004/925، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ص: 9، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022):   https://undocs.org/ar/S/2004/925

4- Afghanistan: Low literacy rates static for 20 years, Relief web, 7 Jun 2001. (access, 14 January 2022): https://cutt.us/dEPtI

5- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين، S/2002/1173، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2002، ص:6، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022): https://undocs.org/ar/S/2002/1173

6- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين،S/2003/1212  ، 30 ديسمبر/كانون الأول 2003، ص: 2، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022):  https://undocs.org/ar/S/2003/1212

7- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين،S/2003/1212 ، 3 ديسمبر/كانون الأول 2003، ص: 13، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022):  https://undocs.org/ar/A/58/616

8- ISAF Key Fact and Figures Placemat, NATO, 1 December 2008, p:2. (access, 14 January 2022): https://cutt.us/T3eDZ

9- مايكل والتز، المحارب الدبلوماسي: القبعات الخضر من واشنطن إلى أفغانستان، ط1 (أبوظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2009)، ص237.

10- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين،S/2008/617 ، 23 سبتمبر/أيلول 2008، ص: 10، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022):  https://undocs.org/ar/S/2008/617

11- ISAF Key Fact and Figures Placemat, NATO, 15 November 2010, p:3, (access, 14 January 2022): https://cutt.us/tSwxv

12- الأمم المتحدة، الحالة في أفغانستان وآثارها على السلم والأمن الدوليين،S/2015/151 ، 27 فبراير/شباط 2015، ص: 5، (تاريخ الدخول: 14 يناير/كانون الثاني 2022):  https://undocs.org/ar/S/2015/151

13- Resolute Support Mission (RSM): Key Facts and Figures, NATO, May 2015. (access, 14 January 2022): https://cutt.us/0BdtP.

14- Transparency International, Corruption perceptions index 2009, (access, 14 January 2022)

https://files.transparencycdn.org/images/2009_CPI_SourcesByCountry.pdf.

15- Anthony H. Cordesman, The Reasons for the Collapse of Afghan Forces, Center for Strategic and International Studies “CSIS”, 17 August 2021. (access, 14 January 2022): https://cutt.us/jF9au.

 

.

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5253

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M