مصر وقبرص.. علاقات اقتصادية وتجارية غير مسبوقة

أسماء فهمي

 

ترجع العلاقات المصرية القبرصية إلى عام 1960 منذ حصول قبرص على استقلالها، إلا أن العلاقات بين البلدين اتخذت شكلًا جديدًا منذ عام 2014، وذلك اتساقًا مع توجه الدولة المصرية لتقوية علاقاتها بجيرانها. ويرجع الهدف الرئيسي جراء تحركات الدولة المصرية نحو توطيد العلاقات بين البلدين، إلى زيادة وتعزيز الروابط على جميع الأصعدة بين قبرص ومصر، وبشكل خاص تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية وتسهيل الاستثمار المتبادل. وانطلاقًا من أن تنمية العلاقات الثنائية لها تأثير إيجابي يتجاوز الاقتصاد، وبما يعمق التعاون الدولي ويعزز الاستقرار الإقليمي، فقد تُوِّجت تلك الخطوات بافتتاح اللجنة العليا المشتركة في سبتمبر الماضي وفي وقت حيوي، والذي سيكون له مردود إيجابي على مجمل العلاقات بين البلدين، فضلًا عن الاجتماعات المتتالية التي أُقيمت لتعزيز إطار التعاون التقليدي بينهما ليشمل مجالات جديدة، وليثبت ذلك عمق العلاقة وأواصر الصداقة التاريخية بين البلدين. وفيما يلي تُسلِّط الورقة الضوء على عدد من النقاط المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والمشاريع المشتركة خاصة في مجالات الطاقة والربط الكهربائي بين مصر وقبرص:

أولًا- تطور العلاقات الاقتصادية بين قبرص ومصر:

عززت مصر في السنوات الأخيرة من علاقاتها الاقتصادية والتجارية بقبرص وهو الأمر الذي ساهم في تحقيق معدلات إيجابية، سواء فيما يتعلق بقيمة التبادل التجاري بين البلدين والتي تحسنت عام 2020 مقارنة بالعام السابق 2019، أو من خلال الاستثمارات بين البلدين ومجالات التعاون المختلفة.

  • فمن حيث معدلات التبادل التجاري: فقد أصبح هناك تنوع في المنتجات المتبادلة بين الدولتين، ووفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالتجارة الدولية بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى قبرص 113.09 مليون دولار أمريكي، أما قيمة الواردات المصرية من قبرص فقد بلغت 10.6 ملايين دولار أمريكي وذلك خلال عام 2020، ويُبين الشكل التالي تطور قيمة التبادل التجاري بين البلدين:

شكل رقم (1): تطور حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة 2016-2020

القيمة: ألف دولار أمريكي

المصدر: بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالتجارة الدولية.

نلاحظ من الشكل السابق ارتفاع حجم الصادرات المصرية لقبرص من 49.5 مليون دولار عام 2019 لتصل إلى 113.9 مليون دولار عام 2020، أما الواردات من المنتجات القبرصية لمصر فقد تراجعت من 46.7 مليون دولار عام 2019 لتبلغ 10.6 ملايين دولار عام 2020. وتُعد الصادرات المصرية من الوقود والمنتجات النفطية والمعادن الثمينة والحديد والصلب والورق والورق المقوى من أهم المنتجات المصرية المصدرة لقبرص خلال عام 2020، ويوضح الشكل التالي قيمة تلك المنتجات:

شكل رقم (2): أهم الصادرات المصرية إلى قبرص خلال عام 2020

القيمة: بالمليون دولار

المصدر: بيانات الأمم المتحدة الخاصة بالتجارة الدولية.

  • وأما فيما يتعلق بالاستثمارات: فانطلاقًا من رؤية مصر المنفتحة على جذب الاستثمارات القبرصية لمصر، قام الطرفان عام 2017 بتوقيع عدة مذكرات تفاهم لتعزيز الاستثمارات الثنائية فيما بينهما، وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات بلغ عدد المشروعات الاستثمارية القبرصية في مصر 104 مشروعات متمثلة في عددٍ من القطاعات الإنتاجية والخدمية وذلك عام 2014، لتحقق تلك المشروعات ارتفاعًا وتصل إلى 224 شركة قبرصية في مصر عام 2020 موزعة ما بين شركات عاملة في قطاع السياحة والطاقة والصناعة وغيرها. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد بلغت قيمة الاستثمارات القبرصية في مصر 57.5 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2020/2021 مقارنةً بما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي 9.2 ملايين دولار وبنسبة ارتفاع قدرها 525%.

ثانيًا- مشاريع الربط الكهربائي ونقل الغاز بين البلدين:

وضعت مصر خطة وطنية بعيدة المدى تهدف إلى تحسين كفاءة قطاع الطاقة الكهربائية من ناحية وتوسيع اكتشافات الغاز الطبيعي، مما مكنها من تحقيق إنجازات ملموسة من تعزيز الإنتاج ورفع كفاءة القطاع الكهربائي من جانب، ومن جانب آخر تحقيق زيادة في إجمالي احتياطيات الغاز الطبيعي بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، ومن ثم سد الاحتياجات المحلية وتعظيم الاستفادة من الطاقة الكهربائية الفائضة والغاز الطبيعي من خلال إقامة مشاريع ربط كهربائي مع قبرص ومنها إلى أوروبا.

  • مشاريع الربط الكهربائي بين مصر وقبرص: نلاحظ ارتفاع إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والتي بلغت نسبة زيادتها 16.4% خلال شهر مايو 2021 مقارنة بشهر إبريل 2021، وذلك بحسب تقرير صادر عن البنك المركزي المصري، وتسجيل الطاقة الكهربائية المشتراة من المشروعات الاستثمارية المنتجة للطاقة معدل ارتفاع بلغ 9.7% في الفترة نفسها، مما ساهم في قدرة مصر على التخطيط لإقامة مشاريع ربط كهربائي مع الدول المجاورة وبشكل خاص مع “قبرص”. ويمكن متابعة إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة وإجمالي الاستخدامات من الكهرباء من خلال الشكل التالي:

شكل رقم (3): إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة والمشتراة وإجمالي الاستخدامات من الكهرباء خلال شهر يناير 2021 – مايو 2021

القيمة: مليون كيلوواط/ساعة

المصدر: البنك المركزي المصري.

وانطلاقًا من ذلك، ففي يونيو 2018، سلطت الدولة المصرية الضوء على تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية للكهرباء الرئيسية والتي تعزز الموقع الجغرافي لمصر، وتحول البلاد إلى مركز مهم لنقل الكهرباء والطاقة، سواء بين إفريقيا والدول العربية، وكمزود رئيسي للكهرباء عبر قبرص واليونان ومنه لأوروبا.

وعلى إثر ذلك، تم توقيع اتفاقية تعاون عام 2019 كجزء من مشروع أُطلق عليه “يورو أفريكا” وبحجم استثمارات تُقدر بـ4 مليارات دولار، ونصت الاتفاقية على تطوير مشاريع الربط الكهربائي باستخدام كابلات التيار المباشر عالية الجهد تحت سطح البحر ويبلغ طوله الإجمالي 1670 كم، مع قدرة لنقل 2000 ميجاوات، ونصت الاتفاقية على استكمال الربط البيني على مرحلتين؛ الأولى تتعلق بقدرة النقل البالغة 1000 ميجاوات والتي سيتم تنفيذها ضمن الأطر الزمنية المحددة، تتبعها مرحلة ثانية لتصل القدرة إلى 2000 ميجاوات.

وفي أكتوبر 2021، وقّعت مصر وقبرص مذكرة تفاهم لدراسة إقامة المشروع بين البلدين والذي يوفر الربط المباشر لتبادل الكهرباء بينهما، وذلك تمهيدًا لبدء تنفيذ المشروع، حيث تم التخطيط بأن يبدأ تشغيل المشروع في ديسمبر 2022، لتصبح قبرص مركزًا رئيسيًا لنقل الكهرباء من إفريقيا إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه استطاعت مصر أن تثبت نفسها كمركز إقليمي للطاقة.

  • مشاريع الغاز الطبيعي بين البلدين: بعد إعلان شركات قبرصية عن وجود كميات من الغاز الطبيعي، والذي أعقبه إعلان مصر عن إقامة تحالف ثلاثي شمل مصر وقبرص واليونان عام 2014، مثَّل ذلك نواة للعلاقات بين الدول الثلاث، حيث وقعت مصر على عدد من الاتفاقيات مع قبرص واليونان. وعلى خلفية إعلان مصر عن كيان أطلق عليه “منتدى غاز شرق البحر المتوسط” عام 2019، والذي يهدف إلى التنسيق بين الدول في المنطقة، وبالتالي إنشاء سوق غاز إقليمية تأمن العرض والطلب بين الدول الأعضاء، وضم عددًا من دول المنطقة ومنها مصر وقبرص، وهو ضمن استراتيجية الدولة المصرية لتوفير سوق لصادراتها من الغاز الطبيعي وتعزيز التكامل الإقليمي في الوقت نفسه، خاصة مع تمكّن مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وتغطية الطلب المحلي، ومن ثم تتمكن من تصدير الفائض للخارج، وهو ما أظهرته بيانات وزارة البترول والثروة المعدنية.

فنجد أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بلغ 47.4 مليون طن خلال عام 2019/2020، وبمتابعة تطور إنتاج الغاز سنجد أنه شهد قفزة هائلة، حيث بلغ الإنتاج 39.2 مليون طن عام 2013/2014 ليصل إلى 47.4 مليون طن عام 2019/2020. وفي المقابل، تراجع الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي خلال عام 2019/2020 ليصل إلى 44.8 مليون طن مقارنة بنحو 46.5 مليون طن عام 2018/2019، وبذلك غطى إنتاج مصر من الغاز الطبيعي الاستهلاك المحلي لتحقق فائض إنتاج بلغ 2.6 مليون طن عام 2019/2020.

وفي سبتمبر عام 2018، قامت مصر بتوقيع اتفاقية مع قبرص تتضمن إقامة خط بحري بغرض نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطتي الإسالة المصريتيّن بدمياط وإدكو، وذلك لتسهيل إسالته في مصر ومن ثم إعادة تصديره من مصر.

وانطلاقًا من إدراك مصر لأهمية توطيد علاقاتها بدول شرق المتوسط، سعت مصر وفقًا لما سبق لتعزيز علاقاتها مع قبرص ليس فقط الاقتصادية والتجارية، وإنما أيضًا تم التنسيق على جميع المستويات، مما يساهم في توطيد العلاقات الثنائية والتنسيق حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلًا عن الوصول بالعلاقات فيما بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق وبما يخدم مصالح الدولتين.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18346/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M