التمدد في مقابل الانكماش: مصير جماعات الإرهاب والعنف المسلح بعد الانسحاب الأمريكي

تقى النجار

 

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستُنهي “مهمتها القتالية” بنهاية عام 2021 في العراق لتنتقل إلى مرحلة جديدة من التعاون العسكري مع الأخيرة قوامها المهام الاستشارية والتدريبية. وعلى الرغم من قرار الانسحاب من العراق، فإن ثمة انقسامًا أمريكيًا داخليًا حوله، إذ يؤيد البيت الأبيض ووزارة الخارجية سحب جميع القوات الأمريكية من العراق، بينما ترى وزارة الدفاع الإبقاء على عددٍ مناسب من القوات من أجل مواجهة التهديدات الإرهابية. ومن ثم تثير هذه المعطيات عددًا من التساؤلات المتعلقة بملامح النشاط الإرهابي في سوريا والعراق، والتداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكي على ذلك النشاط، ولا سيما مع تصاعد النشاط الداعشي في أفغانستان في أعقاب الانسحاب الأمريكي منها.

ملامح النشاط الإرهابي في العراق وسوريا

على الرغم من تراجع عمليات التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الاوسط، إلا أن هذا لا يعني انتفاء التهديد الإرهابي هناك، فبالنسبة لنشاط تنظيم “داعش”، نجد أنه نفذ حوالي (1066) عملية في العراق خلال الفترة من 1 يناير 2021 إلى 30 نوفمبر 2021، تركز معظمها في محافظة كركوك التي شهدت حوالي (289) عملية، تلتها محافظة ديالى التي شهدت حوالي (273) عملية، ثم محافظة صلاح الدين التي شهدت حوالي (142) عملية. وذلك مقارنة بـ(1336) عملية في الفترة ذاتها لعام 2020، حيث تركز معظمها في محافظة ديالى التي شهدت حوالي (463) عملية، تلتها محافظة كركوك التي شهدت حوالي (219) عملية، ثم محافظة الأنبار التي شهدت حوالي (162) عملية. وبصفة عامة، استهدف معظم العمليات خلال عامي 2020 و2021 قوات الجيش العراقي، والحشد الشعبي، والحشد العشائري، بجانب استهداف عدد من المسئولين الحكوميين.

أما في سوريا فقد نفّذ تنظيم “داعش” حوالي (335) عملية خلال الفترة من 1 يناير 2021 إلى 30 نوفمبر 2021، تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (182) عملية، ثم محافظة الرقة التي شهدت حوالي (54) عملية، ومحافظة حمص التي شهدت حوالي (42) عملية، وذلك مقارنة بـ(538) عملية في الفترة ذاتها من عام 2020، حيث تركز معظمها في محافظة دير الزور التي شهدت حوالي (353) عملية، ثم محافظة الرقة التي شهدت حوالي (51) عملية، ومحافظة الحسكة التي شهدت حوالي (36) عملية، واستهدف معظم العمليات خلال عامي 2020 و2021 قوات سوريا الديمقراطية، وقوات النظام السوري، بجانب استهداف عدد من المدنيين المتعاونين مع القوات الأمنية.

وبالنظر إلى نشاط تنظيم “القاعدة” في سوريا، نجد أن تنظيم “حراس الدين” التابع له هناك عانى خلال عامي 2020 و2021 من ضغط أمني وعسكري في أماكن تواجده في الشمال السوري من قبل “هيئة تحرير الشام” من ناحية، ومن قبل الطيران الأمريكي من ناحية أخرى، عبر تصفية واعتقال عدد من عناصره وقياداته، مما أسفر عن تحوله إلى خلايا متخفية، وتخليه عن أماكن ارتكازه، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على نشاطه وساهم بدرجة كبيرة في تراجع عملياته.

ومن ثم يعكس المشهد سالف الذكر تراجعًا في نشاط التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. فعلى الرغم من العمليات التي شهدها العراق على يد تنظيم “داعش” خلال عام 2021، إلا أنه بمقارنتها بعمليات عام 2020 فهي تعكس تراجع نشاط التنظيم هناك. ولم يختلف وضع التنظيم في سوريا عن وضعه في العراق، فعند مقارنة عدد العمليات التي نفذها على الأراضي السورية خلال عام 2021 بمثيلتها عام 2020 فقد تثبت تراجع نشاطه وانحسار نفوذه. إضافة إلى ما يُعاني منه تنظيم “حراس الدين” التابع لتنظيم “القاعدة” من ضغط أمني وعسكري. وعلى الرغم من هذه المعطيات التي تشير إلى تراجع نشاط التنظيمات الإرهابية، إلا أن هذا لا ينفي احتمالية تعزيز نفوذها عند توافر سياقات حاضنة ومحفزات محتملة قد تساعدها في إعادة التموضع مرة أخرى.

تداعيات أساسية

في ضوء ما تقدّم من معطيات، هناك جُملة من التداعيات الأساسية التي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1. تعزيز النشاط الإرهابي: من المحتمل أن ينتج عن الانسحاب الأمريكي فراغ أمني يتم استغلاله من قبل التنظيمات الإرهابية، ولا سيما تنظيم “داعش” الذي لا يزال يمتلك مساحات للمناورة والحركة خاصة في العراق، مما ينعكس على تعزيز نشاطه وإتاحة حرية الحركة له لتوسيع نفوذه مره أخرى. وفي هذا السياق، تجدُرُ الإشارة إلى أنه في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بلغت عمليات تنظيم “داعش” هناك حوالي (333) عملية خلال الفترة من 1 يناير 2021 إلى 30 نوفمبر 2021 مقارنة بـ(71) في الفترة ذاتها لعام 2020، مما يمثل زيادة بحوالي (4) أضعاف عملياته خلال عام واحد.

2. رفع الروح المعنوية للمتطرفين: يمثّل الانسحاب الأمريكي محفزاً لرفع الروح المعنوية للمتطرفين، على اعتبار أن هذا المشهد يُعد انتصاراً لهم، لا سيما أنه يتزامن مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ونجاح حركة “طالبان” في الصعود إلى الحكم. كما يتزامن مع عدم الاستقرار الفرنسي على استراتيجية واضحة في منطقة الساحل. وفي ضوء تلك المعطيات يُساهم ارتباك الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب في تخفيف الضغط الأمني والعسكري على التنظيمات الإرهابية، ورفح الروح المعنوية لعناصرها المتطرفة. ويمكن القول إن رفع المعنوية للمتطرفين لا تنعكس آثاره على العراق وسوريا وأفغانستان فقط، بل يمكن أن تتمدد إلى مختلف مناطق الصراع.

3. إعادة تكرار سيناريو 2011: جادلت بعض التحليلات بأن قرار الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2021 ما هو إلا تكرار لسيناريو الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011، وما ترتب عليه من خلق فراغ استراتيجي أسفر عن صعود تنظيم “داعش” وتدشينه خلافته المزعومة، وتهديده الأمن والسلم الدولي والإقليمي، وبالتالي هناك احتمالية لإتاحة الفرصة للتنظيمات الإرهابية مرة أخرى من أجل تعزيز نفوذها ومد نطاقها الجغرافي خارج حدود العراق، لا سيما وأن تنظيم “داعش” لا يزال يحتفظ بعددٍ من الخلايا النائمة داخل الأراضي السورية.

4. التعويل على الجيوش الوطنية: ربما ينعكس المشهد سالف الذكر على التوسع في الاعتماد على الجيوش الوطنية في مكافحة الإرهاب، وذلك في ضوء عاملين يتعلق أولهما بالتحولات التي تشهدها استراتيجيات الدول الغربية والمتعلقة بتقليص تواجدها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وينصرف ثانيهما إلى عجز التدخلات الخارجية عن تحقيق نجاحات فعلية ضد التنظيمات الإرهابية. ومن ثم تمثل تلك المعطيات مؤشرات هامة نحو احتمالية تعزيز المقاربات الداخلية من أجل تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية. ومن ثم هناك حاجة ماسة إلى رفع كفاءة الجيوش الوطنية من خلال توفير الدعم والتدريب لها، وتأهيلها للعمل مع تكتيكات “حروب العصابات” التي دائمًا ما تلجأ لها التنظيمات الإرهابية.

ختامًا، يُمثّل الانسحاب الأمريكي فرصةً لتصاعد التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، ولا سيما في ضوء محاولات الأولى لتأكيد نفوذها في معاقلها التقليدية؛ إلا أن هذا الطرح لا يعني العودة إلى واقع التنظيمات في مرحلة عام 2014، حيث التحول لتهديد استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. ويمكن القول إن تصاعد النشاط الإرهابي المحتمل في العراق وسوريا في أعقاب الانسحاب الأمريكي مرتبط بجملة من العوامل؛ يتعلق أولها بمدى قوة التنظيمات الإرهابية وتماسكها داخلي داخل الأراضي العراقية والسورية، وينصرف ثانيها إلى توافر السياقات والبيئات الحاضنة لنشاط التنظيمات الإرهابية، ويتصل ثالثها بقدرة الدولة على تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18320/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M