التصعيد الحوثي.. بين محاولات الحد من الخسائر الميدانية ومساعي الإبقاء على التأثير

محمود قاسم

 

شنت ميليشيا الحوثي (17 يناير) هجومًا على مواقع حيوية وحساسة في الداخل الإماراتي، حيث أعلن المتحدث العسكري للحوثيين عن استهداف مطار دبي وأبو ظبي بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، مشيرًا لإمكانية توسيع بنك الأهداف تجاه الإمارات خلال الفترة المقبلة، وعلى الرغم من ضعف تأثيرات الهجوم وعدم قدرته على إلحاق أضرار جسيمة، إلا أنه يعتبر تطورًا لافتا ينقل الصراع اليمني لمربع جديد، خاصة أن الهجوم يأتي في سياق مغاير للهجمات الخارجية التي اعتادت ميليشيا الحوثي على القيام بها، والتي استهدفت بشكل أساسي المملكة العربية السعودية، من خلال ما يقرب من 78 هجومًا شهريًا خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر 2021.

تفسيرات عديدة 

أعلنت شرطة أبو ظبي أن الهجوم تسبب في انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، علاوة على حريق بسيط في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبو ظبي، ونجم عن تلك الهجمات مقتل باكستاني وهنديين وإصابة ستة آخرين، وفي هذا الصدد، يمكننا الوقوف على توقيت الهجمات، وأسبابها، والتداعيات المحتملة وذلك فيما يلي:

أولًا) الخسائر العسكرية والتراجع الميداني، استهدفت ميليشيا الحوثي من وراء الهجوم الضغط على الإمارات والتحالف العربي، بهدف تشتيت الانتباه والحد من الخسائر العسكرية التي تعرضت لها الميليشيا مؤخرًا، خاصة بعدما نجحت ألوية العمالقة بجانب القوات الحكومية اليمنية في إحكام السيطرة على محافظة شبوة بعد نحو عشرة أيام من المعارك مع الحوثيين، ويعتبر تحرير شبوة تحولًا نوعيًا وميدانيًا كبيرًا لعدد من الأسباب، في مقدمتها أن حسم المعركة خلال أيام أظهر إمكانية محاصرة الحوثي في مناطق نفوذه أو داخل المناطق المتنازع عليها بين طرفي الصراع، ومن ناحية أخرى، يحمل حسم معركة شبوة دلالات رمزية واستراتيجية، خاصة أنها تتوسط محافظات الجنوب والشمال اليمني، علاوة على أنها متاخمة لعدد من المحافظات الاستراتيجية، كما أن استعادة شبوة من أيدي الحوثيين قد أفقد الميليشيا موردًا اقتصاديًا مهمًا كان من الممكن تطويعه في تمويل العمليات العسكرية، خاصة أن المحافظة تعد من المحافظات النفطية في البلاد، والتي تنتج وفقًا لعدد من التقديرات نحو 50 ألف برميل يوميًا، وعليه يمكن أن القول أن السيطرة علي شبوة قد تمثل نقطة فاصلة في ميزان القوة العسكرية في اليمن، ما يفسر تصعيد الحوثيين تجاه الإمارات والذي قد يتوسع في الفترات القادمة وفقًا للمتحدث الرسمي للميلشيا.

ثانيًا) الإبقاء على أدوات التأثير، تعمل ميليشيا الحوثي، على إيصال رسالة فحواها أنه رغم الخسائر التي مُنيت بها في الداخل اليمني، إلا أنها لا تزال تمتلك الأدوات التي يمكن أن تستخدمها في الضغط على عناصر التحالف العربي، والتأثير على معادلة الأمن الإقليمي بشكل عام، وهو ما يمكن قراءته من خلال قيام الميليشيا باحتجاز السفينة الإماراتية “روابي” في تهديد واضح لحركة الملاحة البحرية، كما أن الهجوم على الإمارات يشير لامتلاك الحوثي قدرات صاروخية وهجومية بعيدة المدى، خاصة أن الهجوم يُعد الأول من نوعه تجاه الإمارات، حيث نفت الإمارات ما أعلن عنه الحوثيين  خلال عامي 2017 و 2018 بشن هجمات على مطار أبو ظبي ومشروع محطة “براكة” للطاقة النووية، وعليه يشير دخول الإمارات بنك أهداف ميليشيا الحوثي للرغبة في الإبقاء على أدوات التأثير والتلويح بالقدرة على شن هجمات لمسافات بعيدة، تتجاوز المملكة العربية السعودية التي تتشارك الحدود مع اليمن، لتصل لمسافات أبعد من ذلك، خاصة أن المسافة بين اليمن وأبوظبي تقدر بنحو 1500 إلى 1600 كيلو، الأمر الذي يؤكد على القدرة النوعية لدى الحوثيين، والتي يمكن أن توظفها في زعزعة الاستقرار في الإقليم.

ثالثًا) المقايضة ومحاولة خلط الأوراق، يمكن قراءة الهجوم في سياق قيام طهران بتحريك أذرعها في المنطقة بهدف ممارسة الضغط على القوى الدولية لتسريع التوصل لاتفاق بشأن الملف النووي، بحيث يضمن رفع العقوبات عن إيران وتحريرها من القيود المفروضة عليها، فضلًا عن الحصول على التزامات تضمن عدم الانقلاب على الاتفاق في حالة حدوث أية تغيير في الإدارة الأمريكية، ومن هنا تعمل إيران على المقايضة بين أوراق فيينا واليمن، بحيث تجعل التهدئة في اليمن والضغط على الحوثيين لوقف التصعيد وتهديد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية مرهونًا بحدوث اختراق وتقدم ملحوظ في الاتفاق النووي، وعلى الرغم من وجود عدد من التقديرات التي تستبعد ضلوع إيران في الهجوم، إلا أن لقاء  “محمد عبدالسلام” رئيس وفد صنعاء المفاوض بكل من الرئيس الإيراني وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بعد ساعات من وقوع الهجوم قد يشير إلى الموافقة الضمنية والمباركة الإيرانية للتصعيد الحوثي تجاه الإمارات.

تداعيات محتملة

ثمة تداعيات يمكن أن تنجم عن التصعيد الحوثي، بعضها يرتبط بالداخل اليمني ومسار الأزمة خاصة على الصعيد العسكري، وتدور الأخرى حول التأثير المحتمل على التفاعلات الإقليمية ومواقف الأطراف من مجمل الأزمة، وهو ما يمكن تحديده فيما يلي:

أولًا) الاتجاه نحو العسكرة، يٌرجح أن تطغى الأداة العسكرية ويزداد منسوب التصعيد العسكري في الساحة اليمنية خلال الفترات القادمة، حيث سيعمل التحالف العربي على تكثيف هجماته الجوية تجاه تمركزات ميليشيا الحوثي، ومخازن السلاح ومراكز التدريب التابعة للجماعة، بالإضافة لمنصات إطلاق الصواريخ، بهدف إفقاد الحوثي القدرة على توجيه ضرباته تجاه أهداف حيوية في دول الخليج، من ناحية أخرى ستدفع الانتصارات الميدانية خاصة التي تحققت في محافظة شبوة القوات اليمنية وعناصر ألوية العمالقة التقدم تجاه محافظة مأرب وبعض المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

من ناحية أخرى، قد تكثف ميليشيا الحوثي هجماتها العابرة للحدود تجاه المملكة العربية السعودية والإمارات، خاصة في ظل التهديدات المعلنة من قبل قيادات الحوثيين بتوسيع بنك الأهداف، كما سيعمل الحوثيين على منع التحالف العربي من حسم معركة مأرب، خاصة أن خسارة مأرب ستضعف الحوثيين بشكل كبير ومن ثم قد تُحد من أدواتهم، كل هذه الأمور تشير لأن المشهد يتجه تحو تصعيد وتصعيد مضاد، حيث يعمل كل طرف على الحفاظ على ما تحقق من مكاسب ومحاولة توسيع نطاق السيطرة الجغرافية كمحدد مهم في أية ترتيبات مستقبلية.

ثانيًا) عودة التصعيد للحديدة، في أعقاب احتجاز الحوثيين للسفينة الإماراتية “روابي” هدد التحالف العربي بالهجوم على ميناء الحديدة والصليف مالم يتم تحرير السفينة، حيث وظفت الميليشيا الميناءين لتحقيق أغراض عسكرية، بحيث بات الميناء بمثابة قاعدة للأسلحة والصواريخ القادمة من إيران، علاوة على أن التقارير تفيد بأن التخطيط للاستيلاء على السفينة تم في ميناء الحديدة، وعليه يمكن أن يدفع الهجوم على الإمارات عناصر التحالف لتكثيف هجماتها تجاه الحديدة، ما يعني انهيار اتفاق ستوكهولم وعودة الحديدة لما قبل ديسمبر 2018، ومن ثم اشتعال الاقتتال مرة أخرى، ورغم صعوبة هذا الاحتمال على الأقل في الوقت الراهن، نظرًا لتفرغ التحالف والقوات الحكومية لمعركة مأرب، إلا أن استمرار تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة البحرية ومواصلة الضربات الخارجية قد تجبر التحالف على تنفيذ تهديده.

ثالثًا) إعادة التموضع الإماراتي في اليمن، توعدت الإمارات بالرد على هجمات الحوثيين، وفقًا لما جاء في بيان الخارجية الإماراتية حيث أكدت على أن الهجوم لن يمر دون عقاب، وعليه طرح البعض احتمالية قيام الإمارات بإعادة الانتشار والانخراط في اليمن بعدما أعلنت تخفيض قواتها وفقًا لخطة إعادة الانتشار التي أعلنتها عام 2019، ويظل عودة الإمارات للانخراط كليًا في الأزمة اليمنية محل شك، بل قد يكون مستبعدًا، ويمكن أن تعمل الامارات على تعزيز الانخراط عبر عناصر التحالف من خلال تكثيف هجماتها ضد معاقل وتمركزات الحوثيين، دون العودة لمرحلة ما قبل إعلان الانسحاب من اليمن.

رابعًا) النظر في المقاربة الأمريكية، يبدو أن تقديرات إدارة “بايدن” للتعاطي مع الملف اليمني لم تنجح في تسوية الصراع، وأن الرهان الأمريكي على احتواء الحوثيين لم يحقق أهدافها، خاصة أن ميليشيا الحوثي بدأت في التصعيد بشكل غير مسبوق سواء في الداخل اليمني أو تجاه السعودية بمجرد رفعها من قائمة الإرهاب، وفي اعقاب الهجوم تزايدت المطالب بالحاجة للبحث عن مقاربة أمريكية تُعيد إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب مرة أخرى، وقد يكون الهجوم الأخير وما سبقه من تصعيد دافعًا لتبني موقف أمريكي أكثر صرامة وحدة تجاه الحوثيين، إذا ما أراد “بايدن” الوفاء بوعده بشأن إنهاء الأزمة اليمنية.

خامسًا) عرقلة مساعي التهدئة الإقليمية، في حال استمرار الهجمات الحوثية تجاه دول الخليج، يمكن أن يؤثر ذلك بشكل مباشر على محاولات التقارب بين إيران ودول الخليج، سواء تلك المرتبطة بالمباحثات الاستكشافية بين الرياض وطهران أو المهادنة التي بدت مؤخرًا بين أبو ظبي وطهران والتي ترجمتها زيارة ” طحنون بن زايد” مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات لطهران (ديسمبر 2021) ولقائه بالرئيس الإيراني، ومن هنا في حال التصعيد المحتمل من قبل الحوثيين، فقد يؤدي ذلك إلى تجميد أية محاولات للتقارب، على الرغم من أن ما حدث من مباحثات يظل في مربع اختبار النوايا، إلا أن عدم توقف الحوثيين عن الهجمات ومواصلة التصعيد قد يقوض أية تفاهمات مقبلة ما يعيد المشهد بين إيران ودول للخليج لما كان عليه منذ قطع العلاقات عام 2016.

في الأخير، تدخل الأزمة اليمنية مرحلة فارقة وتشهد تحولًا نوعيًا سواء فيما يتعلق بالتصعيد الداخلي والتحولات الميدانية أو عبر الضربات الخارجية المستمرة، ولعل الهجوم على الإمارات قد يؤدي إلى خلق واقع جديدة في الأزمة اليمنية يمكن أن يدفع نحو مزيد من التصعيد، وقد يخلق حالة من الزخم الدولي في ظل التنديد والرفض الكبير للتصعيد الحوثي ما يمكن أن يقود لبحث جهود التسوية والتهدئة.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M