سايمون هندرسون
يُعد القرار الأخير حول الإنتاج الذي اتخذه تحالف “أوبك بلس” بمثابة بيان واضح بأن السعودية والإمارات وشركاء تقليديون آخرون للولايات المتحدة لا يزالون على خلاف مع واشنطن.
بينما تستعر المعارك في أوكرانيا، تدور معركةٌ أخرى، وربما حتى حرب، في عالَم الطاقة. ففي الواحد والثلاثين من آذار/مارس اجتمع تحالف “أوبك بلس” واتفق على زيادة طفيفة في إنتاج النفط، بينما كان البيت الأبيض يسرّب مسبقاً الإعلان الذي أدلي به الرئيس بايدن بعد ظهر ذلك اليوم بشأن عملية إطلاق كميات إضافية من “احتياطي البترول الاستراتيجي”.
وتختصر الأرقام القصة بأكملها. فتحالف “أوبك بلس”، وهو اتحادٌ يضمّ المملكة العربية السعودية والدول التقليدية في منظمة “أوبك” بالإضافة إلى روسيا وبعض المنتجين الآخرين، يعتقد أنه بالإمكان تلبية الطلب العالمي المتنامي من خلال إنتاج 432000 برميل إضافي يومياً. أما الكمية التي تعتقد الولايات المتحدة أنها مناسبة فتتجاوز ضعف هذا الرقم وتبلغ مليون برميل في اليوم. ويبلغ إجمالي الطلب العالمي حوالي 100 مليون برميل يومياً.
وبصرف النظر عن أن قرار “أوبك بلس” يوجه ضربةً إلى تلك البلدان التي تريد مقاطعة روسيا بعد أن أثار غزو أوكرانيا حفيظتها، يشكل هذا القرار تصريحاً واضحاً بأن الحليفَين التقليديَين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – السعودية والإمارات العضوَين في منظمة “أوبك” – ما زالا على خلافٍ مع واشنطن، ويصطفان فعلياً مع موسكو. وفي التاسع والعشرين من آذار/مارس، لمّح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى هذه النتيجة بإعلانه في مؤتمر للطاقة عُقد في دبي عن قيام “الجميع بتنحية السياسة جانباً” عند عقد الاجتماعات. وقال نظيره الإماراتي سهيل المزروعي: “لدينا مهمة واحدة لا غير وهي استقرار السوق. … هدفنا هو تهدئة السوق”.
ولم تُشر التقارير الإخبارية ما إذا كان أي من الوزيرين قد سؤل عما إذا أراد توجيه رسالة إلى شعب أوكرانيا. وقد يشير البعض إلى أنه حان الوقت لكي يوجه الرئيس بايدن ملاحظة مرتجلة أخرى.
وفي الواقع، هناك حجة اقتصادية وسابقة تاريخية للموقفين السعودي والإماراتي. فعلى سبيل المثال، حضر كلٌ من إيران والعراق اجتماعات “أوبك” خلال حربهما بين عامي 1980 و 1988. لكن بالنسبة للدبلوماسية الأمريكية، يزيد ذلك من سوء العلاقات بين واشنطن والرياض وأبوظبي. فكلٌ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والزعيم الإماراتي الفعلي، ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، على خلافٍ مع الرئيس بايدن، وتفيد التقارير بأنهما يشعران أنه لم يعد باستطاعتهما الاعتماد على الولايات المتحدة في الشؤون الأمنية، هذا بالإضافة إلى وجود شكاوى متنوعة أخرى.
وفي الثلاثين من آذار/مارس، غرّد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قائلاً: “عقدتُ اجتماعاً ممتازاً اليوم مع الشيخ محمد بن زايد لإعادة التأكيد على قوة شراكتنا. وناقشنا السبل التي يمكننا من خلالها تعزيز الأمن في المنطقة وتعميق التعاون الإقليمي، فضلاً عن تعزيز علاقتنا الدفاعية“. وفي ملاحظاتٍ أدلى بها قبل الاجتماع، الذي عُقد في المغرب حيث يقضي الشيخ محمد بن زايد عطلته، ذكر بلينكن أيضاً “العدوان الروسي على أوكرانيا، والأثر المترتب عنه… حول العالَم… وأسعار المواد الغذائية، وأسعار الطاقة، وكل ذلك”. وفيما بعد، قال سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة لموقع “أكسيوس” (Axios) الإخباري إن الاجتماع ساعد في “إعادة العلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة إلى المسار الصحيح”. وثمة المزيد من العمل الذي يجب إنجازه على ضوء قرار “أوبك بلس”.
ولكن محادثات واشنطن وأبوظبي علنية على الأقل، في حين تبقى المحادثات الجارية مع الرياض أقل وضوحاً. فالسعودية تتمتع بقدرة احتياطية مهمة جداً على صعيد إنتاج النفط، لكنها غير كافية للحلول محل الصادرات الروسية. وتملك الإمارات كمية احتياط أقل حجماً لخوض غمار اللعبة، لكنها أظهرت في العام الماضي إحباطاً علنياً من حصتها في منظمة “أوبك” ومكائد المنظمة.
ويواجه الرئيس بايدن مسألة محيّرة. فعلى الصعيد الدولي، يريد الضغط على روسيا. وعلى الصعيد المحلي، يريد الضغط على سوق النفط لكي يواصل الديمقراطيون دعمهم للحلول البيئية في انتخابات منتصف الفترة التي ستجري في تشرين الأول/نوفمبر. وكما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”: “يواجه بايدن تصدياً سياسياً بسبب مساعيه العالمية في مجال النفط”. وسيعمل سوق النفط جاهداً على استيعاب التطورات الناتجة عن “أوبك بلس” واستخدام “احتياطي البترول الاستراتيجي”، لكن ليس من المستبعد أن تبقى الأسعار عند حوالي مائة دولار للبرميل الواحد، مع ما يترتب على ذلك من تجارب مؤلمة للمستهلكين، الذين هم أيضاً ناخبون. ويبدو أن أزمة أوكرانيا ستستمر خلال يوم الاقتراع، على الأقل على صعيد الطاقة.
.
رابط المصدر: