عزيز ملا هذال
لي زميل في الدراسة افترقنا عن مقاعد الدراسة قبل ما يقرب الخمسة عشر عاماً اي في السنة الاخيرة من المرحلة الاعدادية، هو فضل الالتحاق بكلية الشرطة وانا فضلت كلية التربية وكلانا نال على ما يريد، تخرجنا الاثنين وكل منا أصبح في وظيفة من صميم اختصاصه وبعد سنوات التقيته في مناسبة اجتماعية سألته عن وضعه الوظيفي اجابني “الحمد لله الامور مريحة في وظيفتي لكني لا ابحث عن البقاء بهذا المستوى وما اريده الوصول الى مركز القيادة”.
للوهلة الاولى رأيته طموحاً مشروعاً ان يدفع بنفسه الى ماهو أفضل لكن عند الاستمرار في الحديث معه لدقائق تبين لي ان الامر يرهقه نفسياً فهو يبحث عن اقصر الطرق للوصل الى النقطة التي يبحث عنها وكان القلق بادياً عليه وهو يحدثني عن الطرق التي ربما توصله الى القيادة او تسنم مناصب عليا، حينها ادركت انه مصاب بأحد انواع القلق وهو (قلق الوصول) او (قلق الرياسة) او (قلق السعي الى المكانة).
تناولت الكثير من مراكز الدراسات والابحاث والمقالات العلمية جميع جوانب الانسان وتحركاته وسكناته، وقد اوغل النفسيون والاجتماعيون بذلك وكل ذلك يصب في فهم المشاعر الانسانية التي هي من أعقد الأشياء على هذه الأرض فالإنسان يحتاج الى الغوص العميق في دواخله لكشف اسراره ومكنوناته ولهذا الامر نحتاج الى جهد عظيم.
وبالرغم من الأبحاث والدراسات اليومية حول طريقة الدماغ والعقل وطرق التفكير والتفاعلات الجسدية التي تؤثر على قراراتنا، فإن كل تلك المباحث لا تزال غير كافية لتحديد مدى تأثير المشاعر على قراراتنا اليومية التي تخص الجوانب العملية الخاصة بحياتنا، ناهيك عن التعقيدات البالغة في علاقتنا الإنسانية التي تربطنا بمن هم حولنا، لذا رأينا ان موضوع البحث في موضوعة قلق السعي إلى المكانة أصبح من الضروريات لدينا، ونتمنى ان نوفق في هذا الجهد.
الفيلسوف البريطاني (آلان دو بوتون) ناقش القلق باعتباره أكثر شعور إنساني مؤرق، حيث تناول في كتابه (قلق السعي الى المكانة) قلق الأشخاص على مكانتهم في مجتمعاتهم الخاصة بشكل عام وفي محيط أسرهم ومعارفهم بشكل خاص، وعرج ايضاً على طلاب المناصب والرياسات يجهدون أنفسهم في سبيل الوصول الى هذا المبتغى النفسي.
الشعور بالقلق بصورة عامة هو الاكثر شيوعاً على مر العصور وهو العامل المشترك بين جميع الناس باختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية والدينية وباختلاف مكانتهم الاجتماعية، لكن تختلف انواعه بحسب الدوافع من وراءه ولعل قلق الانسان الذي ينتابه في سبيل الحصول على مكانة او منصب هو ليس جديداً بل ان موضوعه دراسته وتفصيله جاءت متأخرة نتيجة لاتساع نطاقه مما جعله يصبح ظاهرة مجتمعية مؤذية لإفراد المجتمع وللشخص المهوس بالسلطة او الرياسة ذاته.
ما الاسباب التي تؤدي الى السعي الى المكانة؟
جملة من الاسباب التي تدفع الانسان الى اللهاث وراء المكانة ومن اهمها: افتقار الانسان الى الوعي الكاف الذي يرشده الى حقيقة ان مكانة الانسان ليست بالمنصب ولا بمواكب السيارات لا الحمايات وكل هذه المظاهر هي اشياء سخيفة مقابل قيمة الانسان الحقيقية، ثاني الاسباب هي الحرمان الذي يتعرض الانسان في فترات مبكرة من عمره تجعله يبحث عن التعويض والتطلع لبلوغ مكانة اجتماعية أفضل للارتقاء في درجات السلم الاجتماعي.
ثالث الاسباب سيما في العراق اصبحت المكانة السياسية والنفوذ هي التي تسير الحياة بدون عناء، كما ان اصحاب يسعون عبر مناصبهم للحصول على الثروات التي تعد الوجه الثاني للسلطة اذا اصبح تقييم الناس لذوي الثروات أو الأشخاص أصحاب المقامات العالية في المجتمع بناءً على ثرواتهم.
في الخلاصة نقول: ان مكانة الانسان الحقيقية في علمه وفي انسانيته وليس في مناصب ورياسات فارغة لا تحمي اصحباها فبعد ان يستبعد من المنصب تنهال عليهم التهم من جميع الجهات ويصل به المثول امام القضاء لأثبات براءتهم ان وجدت، ومن المهم الاشارة الى ان طبقة الفقراء هم الذي يسيرون الحياة العامة وليس الاغنياء او اصحاب المقامات الفارغة فبدنوهم لا يمكن قيام المجتمع لانهم اعمدته فمنهم النجار وعامل البناء والبقال وعامل النظافة والفلاح والى غير ذلك من اصحاب المهن والاعمال، فهل من احد يستطيع التخلي عن خدماتهم؟
.
رابط المصدر: