إدارة الأزمة: كيف عكست موازنة 2022/2023 تداعيات الحرب الأوكرانية؟

بسنت جمال

 

تزامن توقيت إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2022/2023 مع أحداث وظروف استثنائية يعكسها المشهد الاقتصادي العالمي المضطرب الذي تتشابك تحدياته بين تداعيات جائحة كورونا ومحاولات التعافي منها، وبين اضطراب سلاسل التوريد العالمية، وبين موجة تضخمية غير مسبوقة تفاقمت شدتها في أعقاب الأزمة الروسية-الأوكرانية.

وحيث إن مصر تعتبر جزءًا لا يتجزأ من العالم، فقد امتدت آثار الحرب من الاقتصاد العالمي إلى الاقتصاد المصري وهو ما انعكس في الأخير على تقديرات الموازنة الجديدة التي جاءت لتركز على أربعة محاور أساسية؛ الاستمرار في دفع جهود الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين، التركيز على دفع أنشطة التنمية البشرية كالصحة والتعليم، الحفاظ على استدامة الانضباط المالي والمديونية الحكومية وتحقيق الاستقرار المالي، مساندة ودعم النشاط الاقتصادي خاصة القطاعات الصناعية والتصديرية.

السياق العالمي

تتسم الساحة الاقتصادية العالمية خلال الآونة الأخيرة بالاضطراب وعدم اليقين منذ بداية أزمة كورونا عام 2020 وما تبعها من إجراءات احترازية ترتب عليها توقف حركة التجارة العالمية وعجلة الإنتاج واضطراب سلاسل الإمدادات والتوريد وتراجع النشاط الاقتصادي بشكل عام. ولكن، مع عودة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى بحلول عام 2021، وانحسار موجات انتشار وباء كورونا وانتشار عمليات التلقيح على نطاق واسع، عاد الطلب إلى مستوياته المسجلة قبل الجائحة مع عدم قدرة العرض على الارتفاع بنفس الوتيرة، وهو ما نتج عنه ارتفاع شديد في أسعار المواد الخام والسلع الأساسية. ولم يكد العالم يستفيق من تلك الأزمات حتى جاءت الأزمة الروسية-الأوكرانية لتزيد من حدتها، وفيما يلي أبرز النقاط التي توضح السياق العالمي المتزامن مع وضع بنود الموازنة العامة الجديدة:

• تباطؤ النمو الاقتصادي: تُقدر خسائر الاقتصاد العالمي نحو 12.5 تريليون دولار حتى عام 2024 بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما يُعادل خمسة أمثال الناتج المحلي الإجمالي لقارة إفريقيا عام 2021، وقد خفضت المؤسسات الدولية معدلات النمو الاقتصادي المتوقع خلال عامي 2022 و2023. ففي يناير الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 4.4% خلال العام الجاري و3.8% بحلول العام المقبل، إلا أن تلك التوقعات تمت مراجعتها في أبريل المنصرم ليتم تقدير معدل النمو العالمي بنحو 3.6% خلال عامي 2022 و2023، وهو ما يعني تخفيضًا قدره 0.8% و0.2% على الترتيب عن التنبؤات السابقة، وهو ما يتبين من الرسم الآتي:

الشكل 1- نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي (%)

بالتوازي مع تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، ارتفعت توقعات معدل الفقر عالميًا؛ إذ يتوقع أن يعاني نحو 1.7 مليار شخص من أزمة الجوع والفقر نتيجة الأزمة التي أدت إلى تهديد الأمن الغذائي والأمن الطاقوي نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة. وأثرت الأزمة كذلك على ارتفاع مستويات الدين العام التي تقدر بنحو 303 تريليون دولار عالميًا لتبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2021 إلى نحو 351% وتستحوذ الاقتصاديات الناشئة على نحو 80% من حجم المديونية العالمية، كما يُبين الشكل أدناه:

الشكل 2- الدين العالمي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي

• موجة تضخمية عالمية: تجلت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الأحداث العالمية المتتالية في ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والطاقة مدفوعًا بمخاوف نقص الإمدادات القادمة من منطقة البحر الأسود التي تُعد منطقة حيوية في الأسواق العالمية بالتوازي مع ارتفاع مستويات الطلب، ولهذا عانت كافة دول العالم المتقدمة والصاعدة من ارتفاع المستوى العام للأسعار.

فعلى صعيد السلع الغذائية، بلغ مؤشر أسعار الغذاء الشهري لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) نحو 158.5 نقطة خلال أبريل 2022 بانخفاض قدره 1.2 نقطة مقارنة بأعلى مستوياته المسجلة في مارس، ورغم هذا الانخفاض إلا أنه لا يزال أعلى بمقدار 36.4 نقطة مقارنة بقيمته في نفس الشهر من العام الماضي. وإلى جانب تداعيات الحرب وجائحة كورونا، لعبت العديد من الأسباب دورًا مهمًا في اجتياح الموجة التضخمية العالمية منها: التغيرات المُناخية المتمثلة في حالات الجفاف الشديد، والأعاصير، والفيضانات الموسمية وغيرها من الظواهر الطبيعية التي تؤثر على الإنتاج الزراعي، ونقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، فضلًا عن قرار بعض الدول بحظر تصدير السلع الاستراتيجية مثل القمح كالهند التي تعتبر أحدث دولة تنضم لهذا التوجه.

أما عن أسواق الطاقة، فقد شهدت أسعار النفط والغاز الطبيعي والفحم ارتفاعًا قياسيًا منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وما ترتب عليها من ضغط غير مسبوق على الإمدادات العالمية وسط عقوبات متبادلة بين الدول الغربية وروسيا، كان أبرزها قرار الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بوجوب بيع مصادر الطاقة الروسية مقابل الروبل بدلًا من الدولار واليورو.

• سياسات نقدية تشددية: دفعت العوامل السابقة الاقتصادات الكبرى إلى تبني سياسات تقييدية والتوجه نحو التشديد النقدي، حيث اتخذ الاحتياطي الفيدرالي قرارًا برفع أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي في مايو بنحو 50 نقطة أساس إلى نطاق يتراوح بين 0.75% إلى 1% بعد زيادة قدرها 25 نقطة أساس في مارس الماضي. ويأتي ذلك في ظل تصريحات “جيروم باول”، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بأنّ البنك المركزي سيواصل الدفع باتجاه تشديد السياسة النقدية حتى يبدأ التضخم في التراجع.

ويمثل قرار البنوك المركزية الكبرى برفع أسعار الفائدة مخاطرة بالنسبة للأسواق الأخرى ولا سيما الناشئة بسبب احتمالية تقويض جاذبية أدوات الدين المحلية التي تطرحها الدول، إذ يهرع المستثمرون إلى الاقتصادات المتقدمة مع بدء رفعها لأسعار الفائدة، مما يؤدي إلى نزوح استثمارات الأجانب من الأسواق النامية والصاعدة.

وفي هذا السياق، اتخذت المزيد من دول العالم إجراءات مماثلة، حيث أعلنت البنوك المركزية في بعض دول الخليج والهند وأستراليا، التي حافظت على خفض الفائدة لمدة تزيد عن عقد زمني، عن زيادة مفاجئة في سعر الفائدة الرئيسي من أجل السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة.

انعكاسات مؤكدة

بطبيعة الحال، انعكس السياق العالمي –المذكور سلفًا- على الموازنة العامة للدولة في مصر للعام المالي 2022-2023 فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات وقيمة مخصصات الدعم وخدمة الدين، وهو ما يتبين من النقاط الآتية:

• تطور الإيرادات والمصروفات: تتوقع وزارة المالية في موازنة 2022/2023 ارتفاعًا سنويًا في قيمة المصروفات والإيرادات بنحو 12.68% و11.13% على الترتيب لتبلغ الأولى نحو 2.07 تريليون جنيه والثانية حوالي 1.51 تريليون جنيه بقيمة عجز تبلغ 553 مليار جنيه، كما يُبين الرسم أدناه:

الشكل 3- الإيرادات والمصروفات في موازنة 2022-2023 (تريليون جنيه)

وتأتي زيادة الإيرادات من ارتفاع قيمة الإيرادات الضريبية بنسبة 18.8% لتصل إلى 1.168 تريليون جنيه مقابل 983 مليار جنيه في موازنة العام المالي السابق، لتتخطى بذلك حصيلة الضرائب قيمة تريليون جنيه لأول مرة، مستحوذة بذلك على النصيب الأكبر من الإيرادات المتوقع جمعها في موازنة العام المالي الجديد بنسبة 76.8% من إجمالي الإيرادات.

وتتوقع وزارة المالية أن يصل نسبة العجز الكلي إلى 6.1% خلال العام المالي المقبل مقابل 6% خلال العام المالي الجاري 2021 /2022، كما يتبين من الرسم الآتي:

الشكل 4- نسبة العجز النقدي إلى الناتج المحلي الإجمالي (%)

• مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية: خصصت موازنة 2022/2023 زيادة في مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية إلى نحو 356 مليار جنيه من أجل مساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، على نحو يُساعد في الحد من آثارها السلبية، وهو ما يوضحه الشكل الآتي:

الشكل 5- قيمة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية (مليار جنيه)

ويستحوذ دعم السلع التموينية على النصيب الأكبر من قيمة الدعم بنسبة 25.3% وبقيمة تبلغ نحو 90 مليار جنيه مقابل 87.22 مليار جنيه في الموازنة السابقة وبزيادة تبلغ 2.78 مليار جنيه، ويأتي ذلك في ظل تحديد الموازنة حوالي 330 دولارًا للطن الواحد من القمح. فيما بلغت قيمة دعم المواد البترولية عند 28.09 مليار جنيه خلال موازنة العام لمالي 2022- 2023، وحددت الوزارة متوسط سعر برميل خام برنت عند 80 دولارًا.

• الفوائد وخدمة الدين: سيشهد العام الجاري ارتفاعًا ملحـوظًا فـي فـاتورة مـدفوعات الفوائـد نظـرًا لتوقـع اسـتمرار السياسة النقديـة التقييديـة مـن قبـل البنـك المركـزي المصـري فـي ظـل ارتفـاع أسـعار التضـخم، وبالأخص أسعار السلع الأساسية والغذائية، فضـلًا عـن ارتفـاع تكلفـة الاقتراض لـوزارة الماليـة وأيضًا تأثيرات تغير سعر الصرف على قيمة الفوائد المسددة عن القروض بالعملة الأجنبية. وتُقدر الموازنة قيمة الفوائد المستحقة خلال العام الجاري عند 690 مليار جنيه بنسبة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نحو 7.6% مقابل نسبة قدرها 7.3% في العام المالي السابق، وهو ما يبينه الشكل التالي:

الشكل 6- مدفوعات الفوائد (مليار جنيه)

ومع تزايد التوقعات العالمية بارتفاع معدلات التضخم فمن المهم التأكيد على أن أي ارتفاع في أسعار الفائدة المحلية بنحو 100 نقطة أساس مقارنة بما هو مستهدف بمشروع الموازنة سيكون له تأثير سلبي على عجز الموازنة نتيجة زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو 28 مليار جنيه سنويًا.

وفي هذا الإطار، يهـدف مشـروع الموازنـة للعـام المـالي 2022/2023 إلى استكمال إجـراءات الضـبط المـالي للسيطرة على معدلات عجز الموازنة العامة ومعدلات الدين العـام كما تستهدف وزارة الماليــة تنويــع مصــادر تمويــل عجــز الموازنة بــين الأدوات والأســواق المحلية والخارجية، والتوسع في استبدال الاقتراض قصير الأجـل بـأدوات تمويليـة طويلـة ومتوسطة الأجل من السوق المحلي والخارجي بهدف زيادة عمر الدين والحد مـن مخـاطر إعادة تمويل المديونية القائمـة.

في الختام، تنبغي الإشارة إلى أن الموازنة العامة للدولة تعتبر انعكاسًا واضحًا للأزمات العالمية المتلاحقة التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى زيادة قيمة مخصصات الدعم وخدمة الدين العام مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية والمحلية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19540/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M