الأزمة اللبنانية الإسرائيلية ونتائج زيارة المبعوث الأمريكي

وصل الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين إلى بيروت بناء على دعوة من الحكومة اللبنانية، بعد اعتراضها على وصول سفينة تديرها شركة إنرجين ومقرها لندن إلى حقل غاز قبالة الساحل في ٥ يونيو الجاري لتطوير حقل غاز كاريش، وتلقى هوكشتاين مطالب من بعض المسؤولين اللبنانيين بالحصول على كامل المنطقة المتنازع عليها الواقعة شمال الخط رقم ٢٣، والبالغة مساحتها حوالي ٨٦٠ كيلو متر مربع، بالإضافة إلى حقل قانا للإنتاج الملاصق للرقعة البحرية اللبنانية رقم ٩ والتي لم تبدأ أعمال الاستكشاف فيها حتى الآن، رغم أنها ملزمة منذ أكثر من ٣ سنوات.

خطفت محادثات هوكشتاين الأضواء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مع المسؤولين اللبنانيين، والتي ظهر من خلالها الموقف اللبناني والذي يقوم على معادلة لا نفط هنا ولا نفط هناك وترسيم الحدود أولوية، ويشدد على حق لبنان في الخط رقم ٢٣ وما فوق بمساحة تتراوح ما بين ٣٠٠ و٤٠٠ كيلو متر مربع، ما يخلق خط جديد بين الخطين ٢٣ و٢٩، ومن وجهة النظر اللبنانية بأن الكرة باتت في ملعب الوسيط الأمريكي الذي غادر لبنان مساء أمس ، وكانت محادثات هوكشتاين قد تلاحقت وقائعها أمس بين القصر الجمهوري، وقصر رئاسة مجلس النواب، والسرايا الحكومية، ووزارة خارجية السفارة الفرنسية.

وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات عند انطلاقها على مساحة بحرية تقدر بنحو ٨٦٠ كيلومترًا مربعًا تُعرف حدودها بالخط رقم ٢٣، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام ٢٠١١ إلى الأمم المتحدة، ولكن لبنان اعتبر لاحقًا أن الخريطة استندت إلى تقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة حوالي ١٤٣٠ كيلومترًا مربعًا إضافية تشمل أجزاء من حقل كاريش وتُعرف بالخط رقم ٢٩.

ووفقًا لتصريحات الجانب اللبناني في هذا الصدد طرحنا زيادة المساحة البحرية من حوالي ٨٦٠ إلى نحو حوالي ١٢٠٠ كيلومترًا مربعًا، وذلك بما يشمل حقل قانا والذي يمر به الخط رقم ٢٣، ولكنها لا تتضمن حقل كاريش ونحن بالأساس نريد حقل قانا كاملًا، وهذا يؤدي إلى تعديل الخط رقم ٢٣، حيث نريد أولًا أن نضمن حقل قانا والخط رقم ٢٣ الذي ترفضه إسرائيل والباقي يأتي لاحقًا، ويقع حقل قانا في منطقة يتقاطع فيها الخط رقم ٢٣ مع الخط رقم ١، وهو الخط الذي أودعته إسرائيل الأمم المتحدة، ويمتد أبعد من الخط رقم ٢٣.

لقاء المبعوث الأمريكي مع الرئيس اللبناني ميشال عون 

استهل هوكشتاين جولته أمس، ترافقه السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيا، بلقاء الرئيس اللبناني ميشال عون، في لقاء لمدة حوالي ٤٠ دقيقة، وشدد خلاله عون على حقوق لبنان السيادية في المياه والثروات الطبيعية، وقدم للوسيط الأمريكي ردًا على المقترح الذي سبق له أن قدمه قبل أشهر، وعرض أيضًا خلال اللقاء مراحل الاتصالات لترسيم الحدود الجنوبية، وتطرق إلى المقترح الذي قدمه هوكشتاين في الزيارة الماضية، وأبلغه بأن لبنان متمسك بكامل حقوقه السيادية في المساحة المائية والثروات الطبيعية فيها، وقدم له رد على المقترح وشمل ملاحظات لبنان على المقترح الأمريكي، وطلب منه الاستمرار بوساطته لمعالجة موضوع الحدود البحرية.

وفي المقابل، قال هوكشتاين إنه سينقل الجواب إلى الجانب الإسرائيلي، وتمنى عون أن تكون الإجابة سريعة من قبل تل أبيب، وقال عون إن الطلب بالإسراع في الحصول على إجابة يعود إلى التطورات المتسارعة في المنطقة، وخصوصًا في الجنوب، وشكر هوكشتاين الرئيس عون على الجواب اللبناني، واعدًا بعرضه على الجانب الإسرائيلي في إطار الوساطة التي يقوم بها في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

لقاء المبعوث الأمريكي مع نبيه بري ونجيب ميقاتي

يُعد اللقاء الأطول في جولة آموس هوكشتاين كان مع رئيس البرلمان نبيه بري حيث امتدت الجلسة إلى ساعة، وأكد خلالها بري للموفد الأمريكي أن ما تبلغه من رئيس الجمهورية في موضوع الحدود البحرية وحقوق لبنان باستثمار ثرواته النفطية والطبيعية هو متفق عليه من اللبنانيين كافة ، وأشار بري، في بيان بعد اللقاء، إلى أن النقاش تمركز حول الشكل المتعلق بالجوهر، والذي هو موضوعه ترسيم الحدود البحرية، ولا سيما أن اتفاق الإطار يبقى الأساس والآلية الأصلح في التفاوض غير المباشر استنادًا إلى النصوص الواردة فيه، والتي تدعو إلى استمرارية اللقاءات، وصولًا إلى النتائج المرجوة.

وأوضح بري أن النتائج يجب أن تفضي إلى ترسيم الحدود دون المساس بحق لبنان بالحفر، ولا سيما أن البلوك رقم ٩ سبق أن لُزم، وهو رقعة بحرية على الحدود الجنوبية ولم يبدأ به الحفر حتى الآن، وشدد بري على أن ما يجري الآن هو مخالف للاتفاق من جهة ويحرم لبنان من حقوقه، في وقت يسمح لتل أبيب بالاستخراج والاعتداء، ما يعرض السلام في المنطقة ويفاقم من خطورة الأوضاع، ومشددًأ على أنه بموازاة حرص لبنان على استخراج ثرواته، هو أيضًا يحرص على الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة.

وخلال لقائه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تبلغ المبعوث الأمريكي الموقف اللبناني الموحد من مسألة ترسيم الحدود والحرص على استمرار الوساطة الأمريكية، كما تم التأكيد علي أن مصلحة لبنان العليا تقتضي البدء بعملية التنقيب عن النفط من دون التخلي عن حق لبنان بثرواته كافة، وفي نفس الإطار، جدد العماد جوزيف عون قائد الجيش خلال لقائه آموس هوكشتاين، موقف المؤسسة العسكرية الداعم لأي قرار تتّخذه السلطة السياسية في هذا الشأن، ومع أي خط تعتمده لما في ذلك من مصلحة للبنان، كما التقى هوكشتاين بعبد الله بو حبيب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ، وكان له لقاء آخر مع مجموعة من النواب المنتخبين الذين يمثلون المجتمع المدني.

تصريحات آموس هوكشتاين عن المفاوضات اللبنانية

من جانبه أكد المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكشتاين، أن المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم خلال زيارته إلى بيروت قدموا بعض الأفكار التي تشكل أسس مواصلة المفاوضات والتقدم بها، ورأى أن الرد اللبناني الذي يحمله إلى تل أبيب لعرضه على الجانب الإسرائيلي يدفع بالمفاوضات إلى الأمام، مضيفًا “سأتشارك هذه الأفكار مع الجانب الإسرائيلي، وما أن أحصل على رد واقتراح من الجانب الإسرائيلي، سأبلغه إلى الحكومة في لبنان” وذلك خلال لقائه بإحدى القنوات الأمريكية.

وقال هوكشتاين، في ختام زيارته إلى لبنان، إنه جاء للاستماع للمسؤولين في الحكومة اللبنانية والإصغاء لوجهات نظرهم وتلقي أفكارهم حول المسارات المحتملة للدفع قدمًا، وأعرب عن اعتقاده بأن ما سمعه أيضًا كان فهمًا واضحًا، مفاده أن الخيار الحقيقي لمستقبل لبنان، وهو الهم الأساسي للرؤساء والقادة الآخرين الذين التقيت بهم، هو إيجاد حل للأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان، والتي ترتبط بشكل وثيق بملفي النفط والغاز الطبيعي، وحل النزاع البحري يُشكل خطوة أساسية ومهمة من أجل إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، وللانطلاق بمسار الانتعاش والنمو، وأضاف “أعتقد أن ما جرى كان محاولة جدية تقضي بالنظر إلى الخيارات المتاحة للمضي قدمًا، من غير أن تغفل عن بالنا فكرة أن علينا أن نقدم تنازلات والتفكير بشكل بناء”.

وعما إذا كان قد قدم اقتراحات أو نقاطًا جديدة، نفى هوكشتاين ذلك، موضحًا أنه جاء إلى لبنان للاستماع إلى ردود الفعل حول الاقتراحات والنقاط التي أثارها من قبل، وقال إننا في مرحلة حساسة نحاول فيها أن نردم الهوة بين الجانبين كي نتمكن من التوصل إلى اتفاق بينهما، ولدى سؤاله عما إذا ناقش لبنان معه الخط رقم ٢٩ الذي كان هناك إصرارًا لبنانيًا عليه، قال هوكشتاين “إن أمتن الملفات الذي يفترض بالجانب اللبناني إعداده هو ما قد ينجح، والحل الناجح يقضي بالإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضية قانونية؟ وهل أنا في أفضل موقع لي؟ هل أريد أن أكون أنا المحق؟ لأنه أحيانًا عندما تكونين أنت المحقة، لا تستطيعين أن تثبتي ذلك”، وتابع “ثمة طرفان هنا، وعلى الجانبين بدل التركيز على ما هو حق لي مقابل الطرف الآخر الذي يرى ما هو حق له، يجب أن يكون التفكير قائمًا على الطاقة التي يفترض بذلها في التفكير، ما هي الأفكار الخلاقة التي يمكننا أن نتفق عليها، قد لا أحصل على كل ما أردته، لكنني حصلت على ما هو أكثر بكثير مما لدي الآن، وفي حالة لبنان، هو لا شيء”.

وعن موقفه من الفكرة التي طرحها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، لناحية فرض مبدأ كاريش مقابل قانا، قال هوكشتاين “أعتقد أن كثيرون كونوا أفكارًا حول ما يفترض أن تكون عليه المفاوضات، أعتقد أن الحكومة اللبنانية قد قامت بخطوة قوية جدًا إلى الأمام اليوم، عبر طرح مقاربة موحدة، والتفكير مليًا، لا أعتقد أن الأمر حكر على الشعارات، بل يقضي بالنظر إلى نوع التسوية التي يمكن التوصل إليها، ويوافق عليها الإسرائيليون من غير أن يشعروا أن في ذلك ما يتعارض مع مصالحهم، وذلك مع الحفاظ على أهم جزء من مصالح لبنان”.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70760/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M