مشروعات الربط الكهربائي المصري مع أوروبا.. ضرورة مُلحة في ظل الأزمة الأوكرانية

مصطفى عبد اللاه

 

ما إن انتهت الزيارة الخاطفة التي أجرتها رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلين” لمصر أمس، للتباحث مع القيادة السياسية المصرية حول عدد من الملفات المتعلقة بتغير المناخ وأمن إمدادات الطاقة إلى أوروبا والتحول الأخضر، إلا وأعلنت مصر والاتحاد الأوروبي البيان الختامي المشترك، الذي أوضحت تفصيلاته عددًا من نقاط الأساس الاستراتيجية التي توافق عليها الطرفان خلال المرحلة القادمة.

كان من بين تلك النقاط استمرار التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر في توسيع حجم الاستثمارات الخاصة بمصادر الطاقة المتجددة، والعمل على كفاءة إنتاج وتصدير الطاقة بناء على الإمكانيات المميزة التي تمتلكها مصر في مجالات توليد وإنتاج الطاقات الجديدة والمتجددة، وإنتاج الوقود النظيف وخاصة الهيدروجين بشكل ذي جدوى اقتصادية، والبناء على الدعم المكثف من قبل الاتحاد الأوروبي لهذه القطاعات على مدار سنوات.

أزمات سابقة واجهتها إمدادات الطاقة الأوروبية

لم تكن الأزمة الأوكرانية الراهنة أولى الأزمات التي يواجها قطاع الطاقة الأوروبي، فلقد أظهرت أحد التقارير الإحصائية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي في الأول من شهر أكتوبر لعام 2021م، أن نسبة التضخم في أسعار الطاقة قفزت إلى مستوى 17.5%، وهو ما زاد عن متوسط التضخم الأوروبي العام في حينها بمقدار 14% – انظر الشكل التالي رقم 1 – حيث سجل سعر الميجاوات/ساعة من الغاز الطبيعي 79 يورو في بداية شهر أكتوبر، مسجلًا بنسبة ارتفاع تفوق 250% عن أسعار شهر يناير من ذات العام 2021م.

المصدر: إحصاءات الاتحاد الأوروبي

وأرجع سبب هذا التضخم إلى عدة العوامل، كان في مقدمتها انخفاض الإمدادات الروسية من الغاز إلى دول أوروبا الغربية، حيث اعتمدت دول أوروبا المتقدمة على الغاز الروسي في سد احتياجاتها بنسبة تفوق 40%، لكن التدفقات الروسية المارة من خلال شبكة أنابيب التوصيل السطحية كخط Yamal- Europe،  والتي تعبر على عدد من دول أوروبا الشرقية مثل أوكرانيا وبلاروسيا وغيرها، واجهت خلال السنوات الماضية انحسارًا ملحوظًا في كميات الغاز الواردة،  فبين عامي 2018 و2020م تراجع إجمالي الغاز الواصل إلى غرب أوروبا بمقدار 2.93 مليار متر مكعب – انظر الشكل التالي رقم 2 -.

من جانبها تذرعت روسيا بأن سبب تراجع واردات الغاز الطبيعي كان لعدة عوامل خارجة عن إرادتها، مثل أزمة فيروس كورونا، وسرقة الغاز الروسي المار بالخطوط السطحية من قبل بعض الدول الأوروبية الشرقية التي يعبر عبر أراضيها الخط -ومنها أوكرانيا-. لكن العديد من المحللين أرجعوا السبب وراء انخفاض كميات الغاز التي تم ضخها لدول أوروبا الغربية، إلى رغبة روسيا في استغلال الغاز كأداة للضغط على القرار الأوروبي في العديد من القضايا السياسية والاقتصادية.

المصدر: إحصاءات شركة غاز بروم الروسية 

في المقابل، لم تكن تكفي كميات الغاز الطبيعي المنتجة داخل الاتحاد الأوروبي إلا لسد ما يقل 30% من حاجة القارة، وأغلب هذا الإنتاج يأتي من دولة النرويج، أما باقي نسبة الإنتاج فيتم استيرادها من دول شمال أفريقيا مثل مصر والجزائر وليبيا، ليتم تحويل جزء منها لاحقًا إلى كهرباء مستخدمة في المنازل.

أزمة أوروبية طارئة

ما إن بدأت العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية أواخر شهر فبراير الماضي، إلا وأعلن عدد كبير من دول الغرب عن نيتهم مقاطعة الواردات النفطية الروسية، وتجلى ذلك التوجه في إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية في مارس الماضي أن الاتحاد اجتمع على تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي حتى عام 2030م، فروسيا أصبحت على حد قولها مُورِدًا يهدد أمن عملائه “أي دول الاتحاد الأوربي”.

مقاطعة النفط والغاز المنتجين من روسيا، نظر إليه على أنه أداة عقاب قاسية يمكن أن توجه لروسيا الاتحادية، حيث تصدر الأخيرة إلى أوروبا أكثر من ثلاثة أرباع الغاز المنتج داخل أراضيها، بالإضافة إلى نصف النفط المنتج من أبارها، وعوضًا عن مصادر الطاقة الروسية بدأت أوروبا السعي إلى محاولة استيراد مصادر الطاقة من موردين آخرين في أمريكا والشرق الأوسط وحتى من الدول الإسكندنافية الواقعة في شمال القارة.

الارتباك العالمي الذي أحدثته العملية العسكرية الروسية، أدى إلى حدوث قفزات متتالية في أسعار مختلف المواد الطبيعية ومن بينها المحروقات، فسعر الغاز الطبيعي قفز خلال الفترة من 24 فبراير إلى 31 مايو بنسبة تقارب 45%، فيما ارتفع سعر برميل النفط خلال ذات الفترة بنسبة تجاوز 20%، حيث وصل البرميل إلى سعر 123 دولارًا وذلك بعد أن كان سعره 99 دولارًا فقط يوم انطلاق العملية على ساحة أوكرانيا.

أقر الاتحاد الأوروبي خلال الأيام المائة من عمر العمليات الروسية في أوكرانيا، أن الحل لمشكلة الطاقة الأوروبية يكمن في تنويع مصادر الطاقة الواردة إلى دول الاتحاد، لذلك فكر قادة السياسية الأوروبية في ضرورة إيجاد مصادر بديلة للمحروقات الروسية وأيضًا للكهرباء، باعتبار أنها أحد أكبر المجالات المستهلكة للطاقة الحرارية، ولقد حرصت أوروبا ف هذا الإطار على اتباع استكمال خططها السابقة التي تقضي بضرورة اعتماد جزء من مستهلكات الكهرباء الأوروبية على مصادر الطاقة النظيفة.

توجه أوروبي للاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة

أقرت دول الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2019، ما سمي بالصفقة الخضراء الأوروبية، وهي خطة استراتيجية شاملة هدفها تقليص مشاركة الدول الأوروبية في وزن الانبعاثات والملوثات الكربونية والغازية التي تضر بالمناخ العالمي، والتي تؤدي بدورها إلى حدوث الاحتباس الحراري، وذلك عن طريق تنفيذ مجموعة من المبادرات الهادفة إلى تطوير قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة وغيرها، لتتحول هذه القطاعات الاقتصادية بحلول 2050م إلى قطاعات صديقة للبيئة ومستدامة.

ولقد كان متوقعًا أن تساهم تلك الصفقة في الحفاظ على رأس المال الطبيعي في القارة الأوروبية، وهو ما سينعكس على رفاهية المواطنين الأوربيين وسيحمي صحتهم من المخاطر المترتبة على تدهور حالة البيئة والمناخ، لكن لتنفيذ تلك الطموحات وضع الاتحاد مجموعة من الأهداف المرحلية، التي ستكون بمثابة المعايير لقياس تقدم المجهودات الأوروبية في ملف الاستدامة والحفاظ على السلامة البيئية. أهم تلك المعايير هي خفض إجمالي الانبعاثات الأوروبية بنسبة 60% بحلول 2050م.

كما وضع الاتحاد معيارًا آخر وهو المتعلق بتوفير الطاقة النظيفة المنتجة من مصادر آمنة، حيث لا يزال الاتحاد يعتمد على موارد الطاقة النمطية من فحم وبترول وغاز، وهو ما لا يزال يتسبب في إطلاق الملايين من أطنان غاز ثاني أوكسيد الكربون، كما يتوجس الاتحاد من استمرارية استخدام الطاقة النووية، وذلك لما لها من أخطار طويلة المدى حال وقوع الحوادث النووية، لذلك يتوجه الاتحاد للاعتماد على الطاقة المتجددة والمستدامة مثل إنتاج الكهرباء المنتجة من الشمس والرياح.

كما يتوجه الاتحاد أيضًا إلى إحداث نقلة نوعية في شكل الطاقة المستخدمة في وسائل النقل داخل أوروبا، حيث تسعى الدول الأوروبية الآن إلى خفض الانبعاثات الناتجة عن وسائل النقل بنسبة 90% بحلول 2050م، وذلك عن طريق تصنيع وسائل نقل تعتمد على أنواع وقود وطاقة عديمة التلوث أو منخفضة الأثر الكربوني، كما تعتزم أوروبا تكوين شبكة متكاملة من البنية التحية الخادمة لهذا النوع من المركبات الحديثة، وذلك لتشجيع المواطنين والمؤسسات على المشاركة في هذا التحول البيئي المنتظر.

إمكانات محلية تتلاقى مع التوجهات الأوروبية

منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لسُدة الحكم عملت مصر على تقوية الحالة العامة لمنظومة الكهرباء، وذلك من خلال إنشاء محطات توليد جديدة، وتشييد العشرات من المحولات، وتجديد وتوسعة شبكات التوصيل، الهدف الأساسي كان في وقتها هو حل مشكلة انقطاع الكهرباء المزمنة والتي عانت من وطأتها قبل 2014م، وكان من أهم أسبابها تقادم أكثر من 30% من وحدات إنتاج الكهرباء.

مجهودات الدولة ساعدت على حل إمدادات الكهرباء على المستوى الداخلي، حيث قفز معدل الإنتاج المخصص لاستخدام الداخل إلى 45.000 ميجاوات، مما فتح المجال أمام استخدام الفائض الكهربائي المقدر بـ 15.000 ميجاوات للتصدير الخارجي، ليصل إلى عدد من الأقاليم المجاورة في مقدمتها دول قارة أوروبا، والتي بدأت أخيرًا الاشتراط على أي مُورد للكهرباء، بأن يعتمد على طاقة نظيفة غير ملوثة للبيئة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية.

واستطاعت مصر أن تلبي هذا الشرط من خلال مشروعاتها التي بنيت للاستثمار في الطاقة المتجددة، فخلال الفترة من 2015 وحتى 2020، شيدت الدولة 3 محطات لإنتاج الطاقة الشمسية في أسوان والجيزة، بالإضافة إلى محطتين لإنتاج طاقة الرياح في البحر الأحمر، وطورت محطة أخرى قائمة منذ أكثر من عقد، وهو ما ساعد على إنتاج ما يزيد على 2900 ميجاوات / ساعة من الكهرباء المنتجة.

هذا ما دفع بدولتي اليونان وقبرص إلى توقيع مذكرتي تفاهم مع الحكومة المصرية في 14 و16 من شهر أكتوبر الماضي، وذلك لدراسة إنشاء كابل بحري للربط الكهربائي المباشر بين مصر وكلتا البلدين. ولقد وصف المشروع حينها بأنه استراتيجي الطابع وذلك وفق التصريحات الرسمية الصادرة عن ممثلي الدول الثلاث، لكونه أول محاولة يجري تنفيذها للربط الكهربي بين قارتي أفريقيا وأوروبا.

وتم التعويل على هذا المشروع في أن يكون أحد دعائم أمن واستمرارية توفر الطاقة على الساحة الأوروبية، كما يُنتظر أن يساهم في تحقيق أحد مستهدفات التنمية الأوروبية في 2030م والتي تسعى لرفع نسبة استهلاك الطاقة الكهربائية المنتجة من مصادر آمنة ومتجددة وصديقة للبيئة إلى 27% من إجمالي مزيج الطاقة المنتج بالاتحاد الأوروبي، كما ينتظر أن يساهم هذا المشروع في تخفيف الضغط المتوقع على إمدادات الكهرباء التي ستواجهها أوروبا خلال السنوات القادمة جراء انخفاض المحروقات الروسية الواردة.

وتسعى السلطات المصرية الآن إلى استكمال خطواتها الرامية إلى توصيل الكهرباء المصرية إلى أوروبا من خلال مد كابل كهربائي بحري أسفل البحر المتوسط بطول 1650كم، ليمر بقبرص ويصل بعدها إلى اليونان – أنظر الخريطة التالية رقم 3، ومن المتوقع أن يتم ربط هذا الخط مستقبلًا مع الشبكة الأوروبية انطلاقا من اليونان، ليخدم أغلب دول غرب أوروبا التي تسعى حاليًا إلى تنويع مزيج الطاقة النظيفة المتوفر لديها، تبعًا لأهداف الصفقة الخضراء الأوروبية.

شكل رقم 3: خريطة خط الربط الكهربي المزمع تشييده بين مصر وكل من قبرص واليونان

المصدر: Eurafrica-interconnector

من المتوقع أن يتمكن الخط المصري من توصيل 1000 ميجاوات من الكهرباء المنتجة في المرحلة الأولى من تشييده والتي ستصل إلى قبرص، ثم ستتضاعف تلك الكمية لتصل إلى 2000 ميجاوات مع انتهاء المرحلة الثانية والتي سيتم تدشين أعمالها في اليونان أواخر 2023م، ومن المقدر أن يتكلف المشروع أكثر من 2 مليار يورو ستدفعها أوروبا نظير تشييد الخط البحري والمرافق التابعة له.

ختاما، تعول أوروبا على مصر لتكون إحدى دعائم أمن الطاقة الأوروبية خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك إلى جانب عدد من الدول الإقليمية، كما يُنتظر أن تكون مصر أهم مُورد أفريقي للكهرباء المصدرة إلى أوروبا، وهو ما سيتيح فرصًا تصديرية واعدة أمام قطاع الكهرباء المصري، لذلك لابد لمصر الآن أن تستمر على  خططها الموضوعة في مجال تشييد محطات إنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة، سواء الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وحتى الطاقة الهيدروكهربائية المولدة من سدود وقناطر المياه، كما يجب على  الدولة المصرية أن تستكمل مشروعاتها لتقوية شبكات توصيل الكهرباء التي ستكون بمثابة الجسر الذي سيعبر بالكهرباء المصرية إلى الأراضي الأوروبية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70753/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M