ماذا بعد رفع الفائدة الأمريكية؟

 أسماء رفعت

 

يواجه الاقتصاد العالمي ضغوطًا كبيرة على آثر أزمتي الصراع الروسي الأوكراني واستمرار تداعيات جائحة كورونا، ولمواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية المترتبة على كلتا الأزمتين، جاء قرار البنك الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس بنسبة 0.75 % للمرة الثالثة خلال العام الجاري، فما دوافع وتداعيات ذلك القرار على الاقتصاد العالمي والأمريكي والمصري؟

الأوضاع الاقتصادية العالمية الدافعة لرفع الفائدة الأمريكية

قبل الحديث عن دوافع وآثار قرار البنك الفيدرالي الأخير بشأن رفع أسعار الفائدة بالولايات المتحدة الأمريكية، ينبغي العودة إلى الأوضاع الاقتصادية التي شهدتها كافة دول العالم خلال فترة جائحة كورونا، والتي اتسمت بصفة أساسية في إجراءات التيسير النقدي من قبل البنوك المركزية حول العالم، بجانب السياسات المالية التوسعية الرامية إلى تخفيف عبء الجائحة على القطاعات الإنتاجية والمواطنين. وبجانب السياسات النقدية والمالية المتخذة داخل الدول المختلفة، قدمت المؤسسات المالية العالمية حزمًا مالية لتمويل الاحتياجات التمويلية لدعم التعافي في عدد من البلدان النامية.

ومع بدء التعافي من آثر جائحة كورونا، واجه الاقتصاد العالمي ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الطلب بمعدلات تفوق قدرة الطاقات الإنتاجية للتوازن مع معدلات الطلب المكبوت، مما أدى إلى اضطراب في سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار عدد كبير من السلع خاصة السلع الأولية ومنتجات الطاقة، ودخول الاقتصاد العالمي في مرحلة الدورة الفائقة، وارتفعت معدلات التضخم العالمي مسجلة 4.7% عام 2021، كما شهد النمو الاقتصادي العالمي ارتفاع من -3.1% عام 2020 إلى 6.1% عام 2021.

معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي العالمي

معدل التضخم العالمي والامريكي (متوسط العام)

وأثناء محاولة إعادة استقرار الاقتصاد العالمي والسيطرة على انعكاسات تلك الأوضاع الاقتصادية العالمية على الاقتصاديات المختلفة، واجه العالم أزمة الصراع الروسي الأوكراني التي كان لها هي الأخرى عدد من التداعيات الاقتصادية العالمية الخطيرة؛ إذ ساهمت في زيادة حدة أزمة اضطراب سلاسل الإمداد، ونقص المعروض من عدد من السلع الاستراتيجية المهمة كالقمح والذرة والزيوت والأسمدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى اضطراب أسواق الطاقة وارتفاع أسعارها بصورة كبيرة. وفي تلك الأثناء عانى الاقتصاد الصيني من استمرار انتشار فيروس كورونا، مما أدى إلى إعادة غلق الاقتصاد الصيني وتوقف حركة الإنتاج وتفاقم اضطرابات سلاسل التوريد، وترتب على ذلك نقص المعروض من عدد آخر من السلع الواردة من الصين.

انعكاسات الأوضاع الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الأمريكي

ترتب على أزمتي جائحة كورونا والصراع الروسي الأوكراني، موجات تضخمية عالمية ألقت بظلالها على مختلف دول العالم. وبالتركيز على الاقتصاد الأمريكي يلاحظ ارتفاع معدل التضخم من 1.2% عام 2020 إلى 4.7% عام 2021، عقب التعافي من جائحة كورونا وقبل الصراع في أوكرانيا، وتشير التقديرات إلى تراوح معدل التضخم الأمريكي خلال العام الحالي بين 7.7% إلى 8.5%، في حين يبلغ المعدل المستهدف وفقًا للبنك الفيدرالي الأمريكي 2%، وبقراءة مؤشرات الاقتصاد الأمريكي يلاحظ ارتفاع معدلات التوظيف وتراجع معدلات البطالة، وانتعاش النشاط الاقتصادي، مما يعني ضرورة اتخاذ القرارات التي من شأنها تخفيض معدل السيولة المالية المتداولة في الأسواق وجذب أموال المودعين للجهاز المصرفي للتحكم في معدلات التضخم.

وبالفعل أدت تلك الأوضاع إلى تبني البنك الفيدرالي الأمريكي سياسات نقدية انكماشية، فارتفعت أسعار الفائدة خلال الثلاثة اجتماعات الأخيرة؛ إذ ارتفعت الفائدة بمعدل 0.25% في مارس وبمقدار 0.5% في مايو، ثم جاء الاجتماع الأخير بمعدل ارتفاع 0.75%، مع إشارة البنك الفيدرالي إلى توقع أن يكون قراره التالي في اجتماعه خلال يومي 26 و27 يوليو القادم هو زيادة للفائدة بين 50 و75 نقطة أساس.

التداعيات الاقتصادية المترتبة على رفع الفائدة الأمريكية عالميًا ومحليًا

انعكس قرار الفيدرالي الأمريكي بشكل فوري على قرارات البنوك المركزية في عدد من الدول، التي تقوم بربط عملتها بالدولار الأمريكي، لترفع هي الأخرى أسعار الفائدة بها، فجاء قرار البنوك المركزية في الكويت وقطر والسعودية والإمارات والبحرين بنسب رفع تتراوح بين 0.25% و0.75%.

كما تنعكس تداعيات قرار البنك الفيدرالي على الأسواق الناشئة بصورة مباشرة، فمع كل ارتفاع لأسعار الفائدة الأمريكية تندفع رؤوس الأموال الساخنة في اتجاه أسعار الفائدة الأعلى متجهة من الأسواق الناشئة، الأمر الذي يدفع البنوك المركزية في تلك الاقتصاديات، إلى رفع أسعار الفائدة بها في محاولة لإعادة جذب الاستثمارات غير المباشرة للداخل مرة أخرى. وعلى الرغم من الارتباط المباشر بين تغيرات أسعار الفائدة وحركة الأموال الساخنة، إلا إنه يلاحظ أنه في ظل سلسلة الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة الأمريكية تتراجع تدريجيًا حدة خروج الأموال الساخنة من الاقتصادية الناشئة، نتيجة خروج معظمها بالفعل أثناء الحلقات الأولى في سلسلة الارتفاعات.

أما عن التداعيات على صعيد أسواق المال، فيلاحظ أن ارتفاع أسعار الفائدة يمثل حافزًا لخروج الاستثمارات من أسواق المال إلى الجهاز المصرفي، بما يؤدي إلى زيادة عمليات البيع مما يزيد من حدة تراجع مؤشرات البورصات العالمية، وبالفعل فقد سبقت مؤشرات البورصات الأمريكية قرار الفيدرالي بتسجيل تراجع بلغ نحو 9% خلال الأسبوع الماضي.

ومن جهة أخرى، يُلاحظ أن تشديد الأوضاع السياسة النقدية العالمية يزيد من حدة مخاطر الركود التضخمي العالمي، وتباطؤ الإنفاق الرأسمالي العالمي، مما أدى إلى تخفيض المعدلات المتوقعة للنمو الاقتصادي العالمي من 4% عام 2023 و 3.5% عام 2024 إلى 3.1% خلال العامين القادمين. فضلًا عن تأثير ذلك على ارتفاع قوة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، وزيادة حدة أزمة المديونية نتيجة ارتفاع تكلفة الاقتراض وقوة العملة الدائنة، بالإضافة إلى توقع استقرار أسعار الذهب عالميًا.

وعلى مستوى الاقتصاد المصري، فلا يخفي أن قرار البنك الفيدرالي الأمريكي له تأثره المباشر على عدد من المؤشرات الاقتصادية المحلية والمتمثلة في ارتفاع تكلفة الدين الأجنبي، وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي، وتراجع معدل الاستثمار المباشر وغير المباشر، وارتفاع فاتورة الواردات الأمريكية.

ويترقب الاقتصاد المصري اجتماع لجنة السياسة النقدية المقرر عقده في 23 يونيو الجاري، وينطوي قرار البنك المركزي على عدد من التوازنات؛ إذ يترتب على رفع أسعار الفائدة المحلية جذب رؤوس الأموال الساخنة وتخفيض معدلات السيولة المحلية، بما يؤدي إلى تخفيض معدلات التضخم، إلا إنه يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الدين المحلي، وارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، فضلا عن ارتفاع تكلفة الاستثمار المباشر وتراجع معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة.

ومن جهة أخرى، يترتب على تثبت أسعار الفائدة استقرار تكاليف الاستثمار المباشر بما يساهم في دفع معدلات العرض الكلي من السلع والخدمات ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تثبيت تكلفة الاقتراض العام واستقرار معدلات عجز الموازنة، إلا إنه يؤدي إلى خروج الأموال الساخنة وتراجع تدفقات النقد الأجنبي.

وفي هذا السياق، فإنه تجدر الإشارة إلى ضرورة الموازنة بين هدفي السيطرة على معدلات التضخم المستورد، ورفع معدلات التشغيل والنمو الاقتصادي المحلي، وذلك من خلال تحفيز جانب العرض الكلي؛ إذ يؤدي زيادة العرض الكلي إلى رفع معدلات النمو والتشغيل من جهة، وتخفيض معدلات التضخم من جهة أخرى. وبالفعل فقد اتخذت الدولة المصرية عددًا من القرارات لتشجيع القطاع الخاص من بينها تأجيل ارتفاع أسعار الكهرباء، وتخفيض التعريفة الجمركية على عدد من مدخلات الإنتاج، وإعلان وثيقة ملكية الدولة التي تهدف إلى تخارج الدولة من عدد من القطاعات وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70743/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M