إسرائيل تأمل في تحوّل سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران من الدبلوماسية إلى الردع

زوهار بالتي

مسؤول أمني واستخباراتي إسرائيلي محنّك يشرح سبب وجوب قيام إدارة بايدن بإعادة تنشيط العقوبات النفطية على إيران وإظهار التزامها بالعمل عسكرياً.

مع انشغال الإسرائيليين بالفعل بحملة انتخابية جديدة، سترحب مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية – الرجال والنساء المسؤولون عن مواجهة التهديدات التي تتعرض لها الدولة اليهودية – بزيارة الرئيس بايدن بمزيج من الأمل والخوف. فهم يأملون أن يعرض الرئيس الأمريكي مقاربة مختلفة تماماً تجاه التحدي النووي الإيراني. لكنهم يخشون من أن يستمر الرئيس بايدن في اتباع سياسة ربما كانت منطقية عند توليه منصبه قبل 18 شهراً، لكنها لم تعد مناسبة بأي شكل من الأشكال منذ ذلك الحين.

ويشكل ذلك تغييراً مهماً لخبراء الدفاع والأمن الإسرائيليين. فمنذ بداية إدارة بايدن، اعترفت المؤسسات الأمنية الإسرائيلية بالأساس المنطقي الذي يوجه رغبة واشنطن في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني – «خطة العمل الشاملة المشتركة» – وفقاً لتفاهم “الامتثال لشروط الامتثال” مع طهران. ولا يعزى ذلك لأن المتخصصين اعتقدوا أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» كانت إنجازاً دبلوماسياً رائعاً. على العكس من ذلك، فقد أدركوا العيوب الكبيرة والخطيرة في الاتفاق. وبالأحرى، أَوْلوا أهمية كبيرة للوقت الذي قد توفره اتفاقية متجددة لإسرائيل – سواء بشكل مستقل أو مع حلفائها – لكي تستعد بشكل أفضل لحسابات محتملة مع إيران العازمة على تحقيق قدرة نووية عسكرية.

لكن منتصف عام 2022 يختلف كثيراً عن أوائل عام 2021. فعلى مدار العام والنصف الماضيين، تقاعست إيران عن ممارسة الدبلوماسية، ورفضت حتى الاجتماع وجهاً لوجه مع الأمريكيين، بينما كانت تتقدم رويداً رويداً في برنامجها النووي. واليوم، مع امتلاك الإيرانيين أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدماً من تلك التي كانت لديهم عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي خلال إدارة أوباما، فيقومون بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60 في المائة – البعيدة كل البعد عن الحد البالغ 3.75 في المائة الذي وافقوا عليه في «خطة العمل الشاملة المشتركة». وهذه خطوة للأمام تجاه التوصل إلى تخصيب بنسبة 90 في المائة، وهو المستوى الذي ينتج عنه مواد انشطارية يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية. ولإخفاء أنشطتهم، أعلن الإيرانيون مؤخراً عن إزالة كاميرات ومعدات مراقبة أساسية كانت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قد قامت بتركيبها في منشآتهم الرئيسية، مما يترك العالم دون أي معرفة بشأن تقدمهم النووي الفعلي.

وتمتد جرأة إيران إلى ما يتخطى المجال النووي لتشمل استراتيجيتها الإقليمية. فمن لبنان إلى سوريا إلى اليمن، استثمر الإيرانيون بكثافة في بناء شبكة من الجماعات الإرهابية والميليشيات الوكيلة، وقاموا بتزويدها بقدرات عسكرية متقدمة، مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة بدقة. وإذا ما نظرت إسرائيل إلى ما وراء الحدود، ترى أن «حزب الله» يمتلك أكثر من 100,000 صاروخ وقذيفة في مخزونه. وفي منطقة الخليج عانت الدول هناك أساساً من هجمات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز على أهداف مدنية، شملت مطارات ومنشآت نفطية.

وبغض النظر عن تفاصيل الاتفاق بحد ذاته، لماذا وافقت إيران على «خطة العمل الشاملة المشتركة» الأصلية في عام 2015 لكنها رفضت عرض بايدن بالعودة إلى الاتفاق؟ الجواب بسيط: لم تعد إيران اليوم تحت الضغط الذي كانت معرضة له قبل سبع سنوات. وفي الواقع، يُعتبر سجل الدبلوماسية مع إيران واضحاً: من دون ممارسة ضغط على الإيرانيين، لا يوافقون على أي شيء.

واليوم، لا تشعر إيران بضغط كبير لتقديم تنازلات. فمع ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة عالية جداً، وجدت إيران مشترين لنفطها الخاضع للعقوبات – والذي حتى مع التخفيضات – أنتج مكاسب غير متوقعة للمؤسسة الوحيدة المهمة فعلياً في البلاد، وهي «الحرس الثوري الإسلامي»، الذي يشرف على تجارة النفط السرية. وفي غضون ذلك، أرجأت إدارة بايدن معاقبة متلقي الصادرات الإيرانية غير القانونية خوفاً من تفاقم أزمة الطاقة التي دفعت أساساً أسعار البنزين إلى مستويات غير مسبوقة.

ولا تشعر إيران بضغوط كبيرة على برنامجها النووي أيضاً. فقد انتهكت التزاماً تلو الآخر بشأن التخصيب وتطوير أجهزة الطرد المركزي وإنتاج معادن اليورانيوم، دون أي تداعيات من المجتمع الدولي.

وفيما يتعلق بنشاطها العسكري في المنطقة، تعمل إيران من دون رادع. وكان الرد الوحيد على الهجمات الإيرانية على السعودية والإمارات هو التحديث الدفاعي في القدرات المضادة للصواريخ والطائرات بدون طيار للبلدين المستهدفين. ولم تتكبد إيران بحد ذاتها أي تكلفة مباشرة من جراء هجماتها غير المبررة.

وفي ضوء كل ما تقدم، تَبلور تقييم في أذهان معظم خبراء الأمن الإسرائيليين مفاده أن النهج الأمريكي الحالي ربما لن ينجح. وخلصوا إلى أن ممارسة ضغط إضافي هائل على إيران هي وحدها كفيلة بإقناع الملالي بتقديم تنازلات.

وتُعتبر ممارسة الضغط أمراً يجيده الغرب. فأثناء إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، عندما نشرت الولايات المتحدة عدداً كبيراً من القوات في العراق المجاور، علق الإيرانيون برنامج التسليح النووي الخاص بهم خشية غزو عسكري أمريكي. كما أن ممارسة ضغط اقتصادي هائل من قبل الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين خلال السنوات الأولى لإدارة أوباما هو ما أجبر الملالي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفي نهاية المطاف الموافقة على «خطة العمل الشاملة المشتركة» الأصلية.

ويعتقد خبراء الأمن الإسرائيليون أن الوقت قد حان للعودة إلى سياسة الضغط. فالقادة الإيرانيون لن يكونوا مستعدين للتوصل إلى حل وسط إلا إذا اعتقدوا فعلياً أن هناك أمراً أكثر أهمية معرضاً للخطر من البرنامج النووي – أي استقرار النظام ذاته.

ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا استطاعت أمريكا غرس الشعور بالخوف في نفوس الإيرانيين. ويتطلب ذلك تخطيطاً للطوارئ وعمليات تدريب عسكري أمريكية لإقناع إيران بأن التزام الولايات المتحدة باتخاذ تدابير عسكرية لمنع تقدمها النووي هو التزام حقيقي.

وفي الوقت نفسه، ستتضمن سياسة الضغط إعادة تفعيل العقوبات، لا سيما في مجالي الطاقة والتمويل. يجب أن يشمل ذلك الاستعداد لاستهداف مشتريات الصين من النفط الإيراني، الأمر الذي قد يتعارض مع الرغبة قصيرة المدى في خفض أسعار البنزين، لكنه ضروري لإقناع إيران بأنه لن يتم قبول تكلفة سياسة حافة الهاوية النووية الخاصة بها.

وستتطلب سياسة الضغط تنسيقاً مكثفاً – سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً – مع مجموعة واسعة من البلدان. ومن الضروري أن تشمل هذه الدول الحلفاء والشركاء التقليديين في أوروبا والشرق الأوسط بالإضافة إلى حلقة الدول المحيطة بإيران – تركيا والعراق وأذربيجان وتركمانستان وباكستان وحتى أفغانستان – التي تتحكم في الجسور البرية للجمهورية الإسلامية والتي يمكن أن تُحدث مساعدتها في فرض عقوبات فرقاً كبيراً.

من المسلّم به أن هذه مهمة صعبة. فسياسة الضغط على إيران تختلف اختلافاً جذرياً عن تلك التي اعتمدتها حتى الآن إدارة بايدن، التي كانت تأمل في أن تؤدي الدبلوماسية الحميدة إلى إرجاء المشكلة الإيرانية. وفي الوقت الذي يركز فيه العالم على حرب روسيا ضد أوكرانيا، ويتزايد القلق بشأن الطموحات الصينية في المحيط الهادئ، ويتعمق الخوف من الركود العالمي، سيكون من الصعب إقناع البيت الأبيض باستثمار الوقت والموارد والطاقة لتنظيم هذه المبادرة المعقدة والمحفوفة بالمخاطر.

لكن الأمر الوحيد الذي يصب في مصلحة مناصري سياسة الضغط هو أن الاستمرار في المسار – السماح لإيران بالمضي قدماً في مسارها الحالي – من شأنه أن يكون أسوأ بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. وإذا لم تتورط أمريكا الآن بإعادة الردع إلى علاقتها مع إيران، فقد تقرر قيادة طهران المضي قدماً في التخصيب لبلوغ نسبة 90 في المائة، وهي النقطة التي تصبح فيها إيران دولة على حافة العتبة النووية. وبدون تحرك أمريكي قبل ذلك الحين، ستشعر إسرائيل بالعزلة والوحدة وتضطر إلى التفكير في اتخاذ إجراءات لمنع ما قد تعتبره كارثة استراتيجية، وهي إجراءات لا يمكن لأحد أن يتنبأ بتداعياتها بثقة. يأمل كل الإسرائيليين، بغض النظر عن سياستهم، أن تقود أمريكا العالم في منع المشكلة النووية الإيرانية من تجاوز هذا الخط الخطير.

زوهار بالتي، “الزميل الدولي” في معهد واشنطن، شغل سابقاً منصب رئيس “المكتب السياسي العسكري” في وزارة الدفاع الإسرائيلية ومدير “استخبارات الموساد”. وقد نُشر هذا المقال في الأصل على موقع “تايمز أوف إسرائيل”.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/asrayyl-taml-fy-thwwl-syast-alwlayat-almthdt-tjah-ayran-mn-aldblwmasyt-aly-alrd

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M