ماذا بعد حل مجلس الأمة للمرة العاشرة؟: نظرة على النظام السياسي الكويتي

نرمين سعيد

 

في خطوة على غرار سابقاتها، أعلن ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 22 يونيو الماضي حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة نيابة عن أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح -وذلك بالاحتكام لأحكام الدستور الذي يمنح أمير البلاد الحق في حل البرلمان- وقد جاء القرار مدفوعًا بوضوح الأزمة السياسية في الكويت، مما يستدعي تصفير الجولة وإعادة رمي الكرة في ملعب الشارع الكويتي.

ووفقًا للمادة 107 من الدستور، فإنه إذا حُل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورًا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد.

ولعل ذلك يفسر لماذا لم يصدر الأمير مرسومًا بقرار الحل؛ لأنه إذا صدر المرسوم وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل.. في حين أكد خطاب الشيخ مشعل أن الأشهر القادمة ستحمل مرسوم الحل والدعوة إلى الانتخابات بانتظار الترتيبات اللازمة لتجنب الإشكالية الدستورية وفي نفس الوقت ضمان توفر الوقت اللازم لضمان خلق توازنات جديدة في الانتخابات القادمة، خصوصًا أن عدم ائتلاف قوى المعارضة الآن على قلب رجل واحد سيعيد إنتاج مجلس نواب يشبه في تركيبته إلى حد كبير المجلس الحالي والذي هو لُب الأزمة.

خلفيات القرار

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها حل مجلس الأمة الكويتي -وإنما السابقات كثر- وغالبًا ما كان يتم حله سواء سابقًا أو الآن بسبب التوترات وتشابك الأمور بين السلطتين التشريعية ممثلة في مجلس الأمة والتنفيذية ممثلة في الحكومة الكويتية أو مجلس الوزراء. فمنذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في الكويت بتاريخ الخامس من ديسمبر 2020 تقدمت الحكومة باستقالتها ثلاث مرات، مع الأخذ بالحسبان أن الحكومة الأخيرة لم تكمل في مقاعدها أربعة أشهر، ولا شك أن هذا الأمر معيق لأي فرص في التنمية لأن به تعطيلًا لسلطة الدولة التنفيذية وذلك بعد وصول كل المبادرات الأميرية إلى أفق مسدود بما فيها مبادرة الحوار الوطني التي أطلقها الأمير في سبتمبر الماضي لتوحيد الرؤى، وقد انتهت بإصدار عفو عن نواب البرلمان من المعارضة والمتورطين في اقتحام مجلس الأمة.

ولذلك فإنه مع استمرار تعطل جلسات البرلمان وعدم تشكيل حكومة جديدة، أعلن نواب المعارضة عن اعتصام مفتوح في مقر البرلمان، وكان الاعتصام فعال التأثير خصوصًا أن المعارضة الكويتية كانت قد نجحت في تعزيز مواقعها البرلمانية خلال الانتخابات الأخيرة إلى الحد الذي اتفقوا فيه على عدم إعادة ترشيح رئيس البرلمان الحالي مرزوق الغانم بسبب قربه من الحكومة والذهاب إلى مرشح آخر، وطالبوا بإدراج قانون للعفو الشامل عن المحكومين في قضايا سياسية.

وبالإضافة إلى ذلك، صاغ النواب المعتصمون مطالبهم في ضرورة عودة جلسات البرلمان إلى الانعقاد الطبيعي، مع عدم السماح بفض دور الانعقاد دون تعويض الجلسات التي لم يدع لها المجلس. وطالب النواب في الاعتصام كذلك بتحقيق تشكيل حكومي، والعودة إلى الحياة السياسية الطبيعية، مع الدعوة إلى عدم تعطيل العمل بأحكام الدستور والاحتكام إلى خيارات مواده.

لكن على أي حال باءت خطط المعارضة بالفشل، وفي أول جلسة برلمانية أعقبت الانتخابات النيابية الأخيرة تم التجديد لمرزوق الغانم كرئيس لمجلس الأمة، وكان ذلك بمثابة صفعة للمعارضة. وفي هجمة مرتدة، دعا ثلاثة من نواب المعارضة إلى استجواب رئيس الحكومة وقد لاقى طلب الإحاطة موافقة 36 نائبًا، الأمر الذي دعا الحكومة الكويتية إلى تقديم استقالتها للأمير، فقبلها.

وحسب مواد الدستور، تعلق اجتماعات البرلمان لمدة شهر لتهدئة حدة التوتر السياسي في البلاد، إلا أن تعليق جلسات البرلمان استمر بسبب مخالفة المعارضة للأعراف البرلمانية حيث رفعت المعارضة شعار رحيل الرئيسين والمقصود رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، واصفين الإفراج عن بعض المحكومين من المعارضة بأنها مناورة ابتزاز سياسي. وهو ما آل بالأمور وحسب وصف كتاب كويتيين إلى حالة من الفراغ السياسي المستمر على مدى شهرين وهي سابقة أولى من نوعها منذ إعلان الاستقلال؛ فللمرة الأولى لا تمارس السلطة التنفيذية مهامها وكذا السلطة التشريعية.

وعلى الرغم من تعدد الدوافع وراء قرار حل البرلمان الكويتي، إلا أن الدافع الأكثر بروزًا هو خلق نظام الصوت الواحد والذي صدر في عام 2012 موصوفًا بأنه نظام مشوه ولا يمثل الناخبين الكويتيين، ويمكن تفسير ذلك بأن نظام الصوت الواحد أفرز نتائج تمثل أقلية في الدوائر الانتخابية، وأدى إلى تفتت الفئات التي كانت تمثل تكتلات، مفسحًا المجال بشكل كبير أمام الصوت الفردي للنائب على حساب العمل الجماعي لتحقيق دور المجلس في تقويم الأداء الحكومي. ووفقًا لمعارضي هذا النظام فقد أنتج مفهوم الصوت الواحد تغيرًا في طبيعة أعضاء مجلس الأمة وسلوكهم السياسي؛ فبعد إقرار النظام، قل بشكل ملفت وجود الكتل البرلمانية التنسيقية، وزادت الممارسات النيابية الفردية على حساب الأهداف المشتركة بين الأعضاء بسبب الطبيعة الفردية للحملات الانتخابية.

قراءة في النظام السياسي الكويتي

منذ بدء عمل البرلمان الكويتي، تم حله والدعوة إلى انتخابات مبكرة تسع مرات حتى عام 2016، ويعد قرار الحل الحالي هو العاشر من نوعه، مما يلفت النظر إلى طبيعة النظام السياسي في الكويت ودوافع تكرار المضي في هذا القرار كحل لحالة الانسداد السياسي- وينقسم النظام السياسي في الكويت إلى ثلاث سلطات كالتالي:

1 – السلطة التشريعية: تتمثل في مجلس الأمة، وهي المسؤولة عن تشريع القوانين التي تدير شؤون البلد وتؤثر بشكل كبير على حياة المواطن، وكذلك مراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومحاولة تقويم مسارها، والتصويت على تعيين أمير البلاد. ولتقسيم الدوائر الانتخابية كبير الأثر على وصول الشرائح المجتمعية وتنوعها، وفي هذه النقطة تحديدًا تظهر مشكلة سياسية كبيرة متعلقة بطريقة تقسيم الدوائر التي تتحكم فيها السلطة التنفيذية، وبالتالي تضمن وصول الشرائح والفئات التي ترغب فيها.

2 – السلطة التنفيذية: تتمثل في مجلس الوزراء، وهي السلطة المسؤولة عن تنفيذ القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، وفي بعض الديمقراطيات تكون هذه السلطة منتخبة بالكامل. أما في الكويت فالسلطة التنفيذية معينة، وجزء منها من أعضاء مجلس الأمة المنتخبين. وتختص السلطة التنفيذية بإصدار قرارات وزارية تتراوح أهميتها من منح الجنسية الكويتية وسحبها إلى ما دون ذلك. علاوة على أن السلطة التنفيذية مسؤولة بشكل تام عن صرف ميزانية الدولة، وتعيين القياديين المدنيين والعسكريين، ووضع خطة عمل واضحة لتراقبها السلطة التشريعية على أساسها.

3 – السلطة القضائية: بخلاف الدور الطبيعي المنوط بها، فإن دورها السياسي يتمثل في المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية، إلا أنها عادة تكون محايدة في الأمور السياسية، ولا تتدخل إلا حول الخلافات القانونية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. يتركز دور المحكمة الدستورية في تفسير نصوص الدستور التي تختلف عليها السلطتان، وتحديد دستورية بعض القوانين التي ينشأ عنها خلاف حاد بين المشرع والمنفذ. ويرأس السلطات الثلاث أمير الكويت حيث يمارس مهامه من خلال وزرائه.

عمومًا يمكن إجمال الحالة الكويتية في استمرار المواجهات المفتوحة بين البرلمان والحكومة والتي تصل في أغلب الأوقات إلى طريق مسدود يصبح فيه اللجوء إلى حل البرلمان بالاحتكام للدستور والدعوة إلى انتخابات مبكرة هو المخرج الوحيد للفكاك من حالة الفراغ السياسي. ولكن حتى هذا الحل يبقى حلًا مؤقتًا لأن الأزمة السياسية تعيد إنتاج نفسها، خصوصًا مع عدم التناغم بين رئيس الحكومة ووزرائه من جهة مع التغيرات الشعبية بممثليها وهو ما جرى تكراره في انتخابات 2020 عندما تحدث نواب المعارضة عن عدم توافق الحكومة مع التغير الشعبي في البرلمان.

ومما زاد من تنامي هذا الاتجاه نظام الصوت الواحد الذي تم تخليقه في عام 2012، خصوصًا أن الخريطة الانتخابية في الكويت تقوم على أسس قبلية بشكل كبير تلعب دورًا مهمًا في تشكيل مجلس الأمة؛ نظرًا إلى كونها النواة الأكثر تقاربًا وانتشارًا. وعلى الرغم من كون هذه الحالة طبيعية في كل الأنظمة الديمقراطية وشبه الديمقراطية إلا أن هذه الممارسات عند زيادة وتيرتها تشكل عائقًا أمام ممارسة السلطات لمهامها، وتدخل بالبلاد في حالة من الجمود السياسي.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71138/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M