هل يستطيع العراق تعويض أوروبا عن النفط الروسي؟

د. أحمد سلطان

 

قبل أكثر من ٦٠عامًا، كانت العاصمة العراقية بغداد شاهدة على تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وذلك بمشاركة 5 دول هي العراق والسعودية والكويت وإيران وفنزويلا، وليكون العراق ثاني أكبر منتج للنفط بين الدول الأعضاء في المنظمة والبالغ عددهم حاليًا 13 دولة. وتاريخيًا، استفادت بغداد بشكل ملموس وكبير من عوائد الثروة النفطية الضخمة، ولكنها انخرطت في نزاعات سياسية وحروب أثرت بالسلب على حقول النفط الخام، وهو ما انعكس على الإيرادات المحققة من هذا القطاع.

وبعد أكثر من أربعة أشهر، وفي ظل تفاقم الأزمة الروسية الأوكرانية، ومع اضطراب أسواق النفط العالمية، بدأ الجميع ينقب عن موارد جديدة من أجل سد الفراغ الروسي المتوقع خلال الأشهر القليلة المقبلة، وبدأت أنظار الدول المستهلكة للنفط تتجه نحو دول الشرق الأوسط ومن بينها العراق؛ وذلك في محاولة لتعويض نقص الإمدادات النفطية العالمية. وكل الطرق والمؤشرات الحالية تؤكد أن دول الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد على موعد خاص مع شتاء قارس وبارد، وذلك ليس بسبب درجات الحرارة المنخفضة فقط، بل يبدو أن موسكو سترد الدين لدول التكتل من خلال سلاح الطاقة.

وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي بشكل رئيس على الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربائية وتوفير طاقة لوسائل التدفئة، وذلك بمتوسط واردات سنوية يبلغ نحو ١٥٥ مليار متر مكعب من موسكو وحدها، تُمثل نسبتها نحو ٤٠٪ من إجمالي استهلاكها، حتى قطعت موسكو إمدادات الغاز الطبيعي عن أكثر من ٦ دول أوروبية هي: بولندا، وفرنسا، وفنلندا، والدنمارك، وبلغاريا، وهولندا، وفى طريقها لمعاقبة دول أخرى من التكتل الأوروبي، بينما فرض الاتحاد الأوروبي ٦ حزم من العقوبات، والتي بكل تأكيد أثرت سلبًا على الدولة الأقوى في صناعة الطاقة العالمية.

النفط والغاز الطبيعي في العراق

تسبب الحظر الأوروبي الجزئي للنفط الروسي في ارتفاع أسعار النفط وتأثر إمدادات الطاقة في العالم، خصوصًا أن روسيا تنتج نحو ١٠ مليون برميل يوميًا من النفط، وأكثر من ١٥٪ من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي. وفي هذا السياق، حذرت وكالة الطاقة الدولية، في بداية الحرب الروسية الأوكرانية، من خطورة تعرض إمدادات النفط العالمية لصدمة في حالة حدوث اضطرابات في معدلات إنتاج النفط الروسي.

وقد عززت كل تلك التطورات والمؤشرات السابقة من فرضية أن يتحرك العراق صوب الأسواق العالمية لتبادل الأدوار مع موسكو؛ من أجل تغطية النقص في إمدادات النفط العالمي، مع الطلب المتزايد. خاصة وأن الأراضي العراقية تحتوي على ثروات نفطية هائلة، فيحتل العراق المركز الخامس عالميًا في احتياطي النفط الذي يُشكل المحرك الأساس للاقتصاد العراقي، مع توافر بنية تحتية ضخمة من آبار ومصافٍ وخطوط وأنابيب نقل.

ويُقدر الاحتياطي العراقي المؤكد من النفط بنحو ١٤٨ مليارًا و٨٠٠ ألف برميل، وبمتوسط معدل إنتاج يبلغ حوالي ٤ مليون برميل يوميًا من النفط في ظروف الإنتاج الطبيعية، وتعتمد بغداد على إيراداته لتمويل ما يصل إلى نحو ٩٧٪ من نفقات الدولة، وتخطط للوصول إلى معدلات إنتاج حوالي ٨ ملايين برميل يوميًا خلال السنوات المقبلة.

وتتركز حقول النفط المنتجة في محافظتي البصرة وكركوك، وتأتي بعدها في الأهمية حقول محافظات ميسان وبغداد وصلاح الدين وديالى ونينوى، ومن أشهر حقول النفط في العراق، حقل الرميلة الواقع بالقرب من حدود الكويت، إذ يُعد ثالث أكبر حقل مُنتج في العالم، وهو ما يوفر ما يقرب من ثلث إجمالي إمدادات النفط في بغداد بنحو حوالي ١٬٥ مليون برميل يوميًا. ويُعد حقل كركوك، والذي اكتُشف في عام ١٩٢٧ مهد صناعة النفط العراقية، فيما تُعد حقول الأحدب والزبير ونهر بن عمر وباي حسن من أشهر الحقول العراقية، وبالنسبة إلى الغاز الطبيعي، فإن معظم الإنتاج يكون غازًا مصاحبًا، وبالأخص من الحقول الجنوبية، وتوجد حقول لإنتاج الغاز غير المصاحب مثل حقل عكاس والسبية، والمنصورية.

ويمتلك العراق احتياطيات نفطية مؤكدة تُقدر بنحو ١٤٥ مليار برميل وذلك حتى بداية عام ٢٠٢١، ولم يختلف حجم الاحتياطيات النفطية في العراق كثيرًا في السنوات القليلة السابقة، ولكنه تجاوز حاجز ١٤٨ مليار برميل وذلك في عام ٢٠١٦، وذلك يُمثل أعلى مستوى منذ عام ١٩٨٠ عندما كان الاحتياطي لدى بغداد يقف عند مستويات ٣٠ مليار برميل من النفط، وتُشكل هذه الاحتياطيات من النفط حصة بنحو ١٢٪ من إجمالي احتياطيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

وتتركز مصافي النفط العراقية في عدة مدن عراقية، من بينها بغداد وكربلاء والنجف وأربيل، وكركوك، ويبلغ عددها أكثر من حوالي ١٥ مصفاة يشرف عليها عدد من الشركات، من بينها شركة مصافي بيجي والتي تأسست في عام ١٩٨٠ ولهذه الشركة ٤ مصافٍ عملاقة من أكبر مصافي الشرق الأوسط، وهي مصفاة صلاح الدين رقم ١، والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية حوالي ٧٠ ألف برميل يوميًا، ومصفاة صلاح الدين رقم ٢، ولها نفس حجم الطاقة الإنتاجية، ومصفاة الشمال والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية حوالي ١٥٠ ألف برميل يوميًا، ومصفاة الدهون والتي تبلغ طاقتها حوالي ٢٥٠ ألف برميل يوميًا.

وأخذت معدلات إنتاج النفط العراقي اتجاهًا صعوديًا في السنوات القليلة الماضية، إذ شهدت مستويات الإنتاج زيادة تُقدر ب ٢ مليون برميل يوميًا وذلك في غضون عقد تقريبًا، وكانت بغداد تضخ نحو حوالي ٢٬٤ مليون برميل يوميًا من النفط وذلك في عام ٢٠٠٩، ولكن واصلت معدلات الإنتاج في الصعود حتى تجاوزت سقف ٣ مليون برميل يوميًا وذلك في عام ٢٠١٣، قبل أن تكسر مستويات إنتاج قياسية بلغت ٤ مليون برميل يوميًا في غضون ٣ سنوات فقط.

ووصل إنتاج العراق من النفط الخام إلى ٤٬٦ مليون برميل يوميًا وذلك في عام ٢٠١٩، وذلك قبل أن يتراجع عن هذه المستويات في عام ٢٠٢٠ عند مستوى ٤ مليون برميل يوميًا وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا على أسواق النفط العالمية، وتأتي حاليًا بغداد ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة أوبك، وذلك بعد المملكة العربية السعودية والتي يتراوح إنتاجها من النفط حول مستويات حوالي ١٠ مليون برميل يوميًا.

وتمتلك بغداد ٣٬٥ تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة وذلك طبقًا للبيانات المعلنة في بداية عام ٢٠٢١، وتوجد ثلاثة أرباع الاحتياطيات في حقول النفط العراقية. وبلغ إنتاج العراق من الغاز الطبيعي نحو ١٠٬٥ مليار متر مكعب عام ٢٠٢٠، ارتفاعًا من حوالي ٠٬٧ مليار متر مكعب وذلك في عام ١٩٧٠. وفي عام ٢٠٢٠، ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في السوق المحلية العراقية إلى حوالي ٢٠٬٨ مليار متر مكعب، مما يعني أن بغداد تضطر إلى استيراد الغاز لتلبية احتياجاتها المحلية، حيث بدأت بغداد في استيراد الغاز الطبيعي من إيران منذ يونيو من عام ٢٠١٧، لتزويد محطات الطاقة الكهربائية الواقعة بالقرب من بغداد، بما في ذلك محطات القدس والبسمية والصدر والمنصورية والصدر، وذلك قبل أن تقع خلافات بين الطرفين على خلفية عدم التزام الأخيرة بسداد الديون.

ويسعى العراق حاليًا إلى تطوير حقول الغاز الطبيعي غير المصاحبة، إذ منح مربعين للتنقيب في محافظة ديالى إلى شركة نفط الهلال، وذلك مع استهداف خطة لزيادة معدلات إنتاج الغاز الطبيعي بمقدار ٨٠٠ مليون قدم مكعبة يوميًا في غضون السنوات القادمة، ووفقًا للبيانات الصادرة من البنك الدولي، حرقت بغداد حوالي ٦٣٢ مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وذلك في عام ٢٠١٩، ما جعله ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المحترق في العالم بعد موسكو، ويتجه العراق إلى حرق الغاز الطبيعي، وذلك بسبب عدم كفاية سعة خطوط الأنابيب والبنية التحتية الأخرى لنقله من مناطق الإنتاج.

الصادرات والإيرادات

ارتفعت إيرادات صادرات النفط العراقي بما يقرب من مليار دولار، خلال مايو من العام الحالي ، مقارنة بشهر أبريل، وذلك بدعم من ارتفاع أسعار النفط العالمية، حيث أعلنت وزارة النفط الإحصائية الأولية للكميات المصدرة من النفط الخام والإيرادات المُحققة، والتي أشارت إلي أن معدل الصادرات بلغ حوالي ٣٬٣ مليون برميل يوميًا بانخفاض حوالي ٨٠ ألف برميل مقارنة بشهر أبريل، والذي سجل حوالي ٣٬٣٨٠ مليون برميل يوميًا.

وبلغت إيرادات صادرات النفط العراقي، الشهر الماضي ١١٬٤ مليار دولار، وذلك بارتفاع حوالي ٨٨٦ مليون دولار عن شهر أبريل، والذي سجل حوالي ١٠٬٥ مليار دولار، وذلك كنتيجة من ارتفاع سعر برميل النفط من حوالي ١٠٤ دولارًا في أبريل إلى حوالي ١١٢ دولارًا خلال الشهر الماضي.

وسجلت إيرادات النفط العراقي قفزة هائلة وذلك في بداية عام ٢٠٢٢ إذ ارتفعت نحو ٨٢٪، على أساس سنوي، وذلك بدعم قوي من ارتفاع أسعار النفط في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، وحققت بغداد إيرادات ٣٨٬٥ مليار دولار من صادرات النفط خلال الفترة ما بين يناير حتى بداية شهر مايو وذلك مقابل ٢١ مليار دولار خلال المدة نفسها من عام ٢٠٢١.

وبناء على ذلك، يسعى العراق إلى زيادة صادراته النفطية في المستقبل القريب، ولكن وفق محددات ولوائح أوبك، ولن يؤثر الحظر النفطي على موسكو على حجم الصادرات النفطية العراقية وسحب العملاء في الأسواق الآسيوية، خصوصًا أن النفط العراقي مطلوب في أغلب الدول الأوروبية والولايات المتحدة وغيرها وذلك لجودته العالية، وظهر ذلك واضحًا خلال المفاوضات الفرنسية العراقية بداية الشهر الحالي وتصريح رئيس شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، بأنه بحث مع الجانب الفرنسي إمكانية تزويد السوق الأوروبية بالنفط العراقي خلال الفترة القادمة.

المعوقات والتحديات أمام النفط العراقي كخيار أوروبي

يوجد العديد من التحديات التي تقف حائلًا أمام زيادة سقف مستويات النفط العراقي لكي يطرح نفسه بديلًا استراتيجيًا للنفط الروسي ومنها:

1 – التوغل الصيني وسعي بكين المستمر في زيادة حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة العراقي، حيث ساعدت العلاقات القوية بين بكين وطهران على وضع الصين في العراق بشكل أكثر قوة بسبب النفوذ السياسي والعسكري لطهران هناك.

2 – أن بغداد لم تستطع الوصول إلى مستويات ومعدلات الإنتاج المسموح له من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وطبقًا للاتفاق الأخير والمحدد لها بنحو حوالي ٤٤١٦ برميل يوميًا، وبالتالي فإن تحرك القارة الأوربية نحو بغداد مرتبط بالقدرة الإنتاجية ومدي الاستطاعة.

3 – أن الأمر ليس متعلقًا بالتزام بغداد بمحددات أوبك ومستوى الإنتاج من النفط الخام، وإنما متعلق بالقدرات الفنية واللوجيستية. وحتى يتحرك العراق لتعويض نقص الإمدادات النفطية العالمية والمتوقعة بعد الحظر الأوروبي والأمريكي الأخير للنفط الروسي يجب أولًا أن تكون هناك بنى تحتية مهيأة على مستوى القدرة التخزينية والتصديرية.

4 – ما زال حجم ومعدلات الاستثمارات وعمليات التطوير في قطاع الغاز الطبيعي العراقي فقيرًا ولا يرتقي إلى حجم الحاجة ومعدلات الطلب العالمي على الغاز الطبيعي.

5 – سعي بغداد نحو زيادة حجم صادراتها النفطية من الخام وزيادة مستويات الإنتاج وذلك تماشيًا مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط، سيتطلب ضرورة حرق المزيد من الغاز المصاحب لاستخراج النفط الخام، مما سيسهم في خسائر العراق إلى ١٠ مليون دولار سنويًا.

6 – ما تزال معاناة إنتاج المزيد من النفط العراقي تتزايد بعد أن بدت مشكلات المياه في الحقول الجنوبية العملاقة بمثابة عائق جديد أمام قدرة بغداد على ضخ المزيد من النفط الخام من هذه المنطقة الرئيسة.

7 – العجز المحلي من المنتجات والمشتقات البترولية؛ فبغداد ما زالت تستورد من الخارج لتلبية الطلب المحلي.

مجمل القول، إن الحرب الروسية الأوكرانية قد تؤدي إلى توقف ٣ مليون برميل يوميًا من صادرات النفط الخام والمشتقات البترولية الروسية المنقولة بحرًا. وإذا استمر ذلك الوضع لنهاية عام ٢٠٢٢، فسيكون هذا خامس أكبر اضطراب منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد حظر النفط العربي عام ١٩٧٣، والثورة الإيرانية في عام ١٩٧٨، والحرب الإيرانية العراقية في عام ١٩٨٠، والحرب العراقية الكويتية في عام ١٩٩٠. وفي الأخير، إذا أرادت بغداد أن تطرح نفسها بديلًا عن النفط الروسي، فإن ذلك يتطلب منها وبقوة ضرورة التحرك نحو زيادة معدلات الإنتاج والذي يجب أن يترافق مع تطوير المنشآت النفطية والتي تعزز الاستفادة من خامات البترول المستخرج على مستوى المصانع التحويلية ومعامل التكرار.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71135/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M