الاختيار المرّ: هل تُضطر أوروبا للعودة إلى عصر الفحم نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية؟

د. أحمد سلطان

 

مقدمة

تلجأ دول القارة الأوروبية إلى السيناريو الأسوأ في تاريخها، وهو عودتها للعصور القديمة التي كان الاعتماد فيها على الفحم كمصدر أساسي للطاقة، وذلك بعد تعرض بعض دول القارة لأزمة حقيقية نتيجة نقص إمدادات الغاز الروسي كأبرز تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يُشكل الغاز الطبيعي الروسي واحدة من أهم أوراق الضغط السياسية التي يمتلكها بوتين والتي يناور بها في الكثير من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية ويأتي في مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية.

في نوفمبر الماضي، أمضى الدبلوماسيون ساعات طويلة في الجدل حول ما إذا كان البيان الختامي لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP26 الذي عُقد في غلاسكو سيتبنى الوقف الكامل أو خفض نسبة الفحم. وتحت ضغط من قطبي شرق آسيا الهند والصين، ساد الخيار الثاني المخفف، ومع ذلك كان من الجيد بما يكفي أن تُعلن الأمم المتحدة أن أسوأ أنواع الوقود قد يُصبح من التاريخ، ولكن لا شيء أبعد من هذا الكلام عن أرض الواقع، فالفحم لم يتوقف أو ينخفض، وأفضل الكلمات التي قد تُستخدم لوصف سوق الفحم اليوم قد قِيلت من إيفان غلاسنبيرج الرئيس السابق لشركة السلع العملاقة غلينكور وذلك في نهاية عام ٢٠٢١، وفي ذلك الوقت صرح بأن الجميع يتوقون للفحم بعد عقدين من الزمن، في عالم أكثر صحة من الناحية السياسية، يمكن للمرء ببساطة أن يقول إن صناعة الفحم تزدهر، وفي هذا السياق وبعد أيام قليلة من خفض موسكو لمعدلات تدفق الغاز الروسي إلى عدد من الدول الأوروبية، بما في ذلك سلوفاكيا وإيطاليا إيطاليا، مما أثار قلق القادة بشأن احتياطيات الطاقة قبل حلول فصل الشتاء، مما جعل بعض الدول، ومنها ألمانيا والنمسا وهولندا وإيطاليا، تسارع للإعلان عن خطط عاجلة للاستعداد لإحياء محطات الفحم القديمة مع تضاؤل ​​إمدادات الغاز الطبيعي الروسي.

أسعار الطاقة الأوروبية تقفز إلى أعلى مستوى منذ ديسمبر الماضي

قفزت أسعار الطاقة في القارة الأوروبية إلى أعلى مستوياتها وذلك منذ شهر ديسمبر الماضي، أي منذ ٦ أشهر، تزامنًا مع اقتراب ألمانيا من تقنين إمدادات الغاز الطبيعي ووسط خفض معدلات التدفقات من موسكو، مما انعكس على ارتفاع أسعار الغاز وأدى إلى ارتفاع تكلفة الكهرباء في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وبالتبعية زيادة حجم ومعدلات التضخم وزيادة العبء الاقتصادي على الشركات والأسر التي لا تزال تتعافى من وباء وجائحة كورونا.

تراجع صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى القارة الأوروبية

تاريخيًا، كان إعطاء دول القارة الأوروبية الأولوية للدوافع البيئية على الاعتبارات الاستراتيجية والأمنية كارثيًا، فلقد استغنت عن الفحم عبر الاعتماد على الغاز الطبيعي الروسي، حيث تراجعت صادرات الغاز الروسي مؤخرًا إلى القارة الأوروبية بشكل كبير منذ بدء العقوبات ضد موسكو، وقد أوقفت غازبروم تسليم الغاز للعديد من الزبائن الأوروبيين الذين رفضوا الدفع بالروبل، وكان لهذا القرار تأثير حاد على العديد من الدول الأوروبية، وبالأخص فرنسا وإيطاليا وألمانيا، حيث ما زالت برلين تستورد أكثر من ٣٥٪ من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من موسكو، وذلك في مقابل ٥٥٪ قبل بداية الحرب.

الفحم أقدم أنواع الوقود الأحفوري

الفحم هو أكثر مصادر الوقود الأحفوري وفرة في الطبيعة ويعود استخدامه وقودًا للتدفئة إلى العصر الحجري، كما أظهرت بعض الدلائل أن الرومان استخدموه في إنجلترا في الأعوام ما بين ١٠٠ إلى ٢٠٠ بعد الميلاد. ومن بين أنواع الوقود الأحفوري الثلاثة، التي تشمل النفط والغاز الطبيعي، يُعد الفحم أكبر ملوث مناخي، وذلك نظرًا إلى أنه يعتبر المسئول عن نحو حوالي أكثر من ٢٠٪ من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ يُسهم حرق الفحم في زيادة التأثيرات البيئية بما في ذلك تلوث الهواء، ونتيجة احتدام الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل أزمة الطاقة التي تواجهها القارة الأوروبية، يعود توليد الكهرباء بالفحم إلى الانتعاش رغم ضغط الحكومات، حيث إن إيقاف تشغيل محطات توليد الكهرباء بالفحم كان سابقًا لأوانه، وأشارت بعض التقارير العالمية إلى أن المحطات في القارة الأوروبية استهلكت حوالي أكثر من ٥١٪ من الفحم للكهرباء في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي وذلك مقارنة بالعام السابق في الفترة نفسها، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والاعتماد على الغاز الروسي.

الاستغناء عن الفحم

منذ اتفاقية باريس في عام ٢٠١٥، حددت العديد من دول العالم أهدافًا عديدة من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني، والذي تتطلب عادةً التخلص التدريجي من محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم غير المزودة بتكنولوجيا باهظة الثمن مصممة لاحتجاز الانبعاثات، وقد أغلقت النمسا وبلجيكا والسويد آخر محطات الفحم لديها، وتخطط بريطانيا لإغلاق محطات توليد الكهرباء بالفحم بحلول عام ٢٠٢٤، في حين لم تتعهد الولايات المتحدة بذلك حتى الآن. وتُعد الصين أكبر مستهلك للفحم في العالم، تليها الهند والولايات المتحدة. ويُنظر إلى الفحم على أنه أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة، إذ يظل هو أكبر مصدر لانبعاثات الكربون الضارة، وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن حوالي أكثر من ٧٨٪ من انبعاثات الكربون من قطاع توليد الكهرباء عالميًا مصدرها الفحم وهي ما يعادل نحو حوالي ١٠ جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.

قائمة العشرة الكبار إنتاجًا للكهرباء بواسطة الفحم

تتصدر الصين قائمة العشرة الكبار من حيث الأكثر إنتاجًا للكهرباء عبر استخدام الفحم، تليها الهند والولايات المتحدة واليابان على التوالي، بحسب المراجعة الإحصائية لشركة (بي بي) البريطانية، ووفقًا للبيانات العالمية فإن هذه الدول الأربع مسئولة عن أكثر من ثلاثة أرباع الكهرباء المولدة عبر الفحم عالميًا (أي ما يُعادل حوالي أكثر من ٧٦٪ أو ٦٦٢٦ تيراواط)، وتضم القائمة دولًا أخرى مثل روسيا وأستراليا وتايوان وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وألمانيا. وهنا يجب الإشارة إلى أن الصين وحدها كانت مسئولة عن أكثر من نصف الكهرباء المولدة باستخدام الفحم عالميًا، وذلك في عام ٢٠٢٠، وما تزال العديد من الدول في أنحاء العالم كافة تعتمد على الفحم كونه مصدرًا رئيسيًا في توليد الكهرباء، رغم أن إنتاج الكهرباء عن طريق الفحم تراجع بصورة كبيرة في عام ٢٠٢١، حيث بلغ حوالي ٤٪ (أي ما يُشكل ٣٤٦ تيراواط). وبصفة عامة فإن أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثًا للبيئة يظل المصدر الأكبر في التوليد، إذ يُنتج حوالي أكثر من ٣٤٪ من الكهرباء عالميًا.

ألمانيا تتراجع عن الطاقة النظيفة وتزيد اعتمادها على الفحم

وفي قرار شكل انقلابًا على اتفاق المناخ، اتخذت ألمانيا إجراءات منتصف شهر يونيو الحالي، حيث أعلنت الحكومة الألمانية زيادة الاعتماد على الفحم لتأمين إمداداتها من الغاز الطبيعي ومواجهة انخفاض معدلات التدفقات الروسية. ويُعد الفحم أحد أكثر مصادر الطاقة تلوثًا. وفي هذا السياق، صرح روبرت هابيك وزير الاقتصاد والمناخ في بيان بأنه أمر مرير، لكنه ضروري من أجل خفض استهلاك الغاز، ومشيرًا إلى أن قانونًا بهذا الصدد يجب أن يصدر، وأكد في الوقت نفسه أن اللجوء إلى الفحم لتوليد الطاقة هو إجراء مؤقت في مواجهة تدهور الوضع في سوق الغاز الطبيعي، وبالتالي سيتعين استخدام محطات الطاقة العاملة بالفحم بشكل أكبر. واختتم حديثه قائلًا يجب ألا تكون لدينا أوهام، فنحن في مواجهة مع بوتين. ويُشكل هذا القرار تحولًا كبيرًا في مسار الحكومة الائتلافية التي تضم عددًا كبيرًا من المدافعين عن البيئة، والتي تعهدت بالتخلص التدريجي من الفحم بحلول عام ٢٠٣٠، وتشمل حزمة الإجراءات التي أعلنتها نظام مزاد لبيع الغاز للصناعيين، مما سيسمح، وفقًا لتصريحات برلين، بخفض معدلات الاستهلاك في قطاع التصنيع الألماني، وتأتي هذه الخطوة كرد من الحكومة الألمانية على إعلانات شركة غازبروم الروسية عن خفض شحنات الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم، وذلك على خلفية المواجهة بين الدول الغربية وموسكو في سياق الحرب الروسية الأوكرانية، وبصفة خاصة تمتلك ألمانيا ما يقرب من حوالي ٦ غيغاواط من المرافق التي تُعد حاليًا جزءًا من الاحتياطيات الوطنية، وكان من المفترض أن يُغلق الكثير منها في إطار خطة التخلص التدريجي من الفحم، إذ تمتلك حاليًا حوالي ٤٬٣ غيغاواط من محطات الفحم، وحوالي ١٬٦ غيغاواط من منشآت النفط في الاحتياطيات الوطنية، ولا يحدث هذا الطلب لتوليد كهرباء إضافية تعمل بالفحم إلا عندما يكون هناك نقص في الغاز، أو إذا كان هناك تهديد بنقص الغاز، ويجب تقليل استهلاك الغاز في توليد الكهرباء، وفقًا للقانون المقترح.

تبعات القرار على الشأن الألماني الداخلي

الحكومة الألمانية رأت أنه يجب إعطاء الأولوية للغاز الذي شكل حوالي ١٥٪ من مدخلات إنتاج الكهرباء في عام ٢٠٢١ بالنسبة للصناعة وتدفئة المنازل إذا نشأ اختناق، مما يجعل من الضروري الاعتماد على قدرة الفحم المعطلة لسد الفجوات. وطبقًا لهذه الإجراءات، سيُمكن ما يُعادل حوالي ٨٬٥ غيغاواط من قدرة التوليد التي تعمل بالفحم البني والصلب، وكمية صغيرة من تلك التي تعمل بالنفط، من قبل مشغليها لتوفير الكهرباء عند الطلب، وستكون المشاركة في الخطة طوعية، وسيُعوض المشغلون من الأموال العامة لتجهيز المواد الأولية وتقديم المساعدة التقنية اللازمة، ولا يعني الحفاظ على طاقة الفحم في حالة استعداد أن المحطات تصدر منها انبعاثات كربونية إضافية، إذ إن الخطة لن تعرقل هدف ألمانيا الإجمالي المتمثل في وقف استخدام الفحم لتوليد الكهرباء، وذلك بحلول عام ٢٠٣٠، كما أن الخطة لن ترفع أسعار الكهرباء، لأن توليد الكهرباء باستخدام الفحم أرخص نسبيًا من استخدام الغاز الطبيعي.

وبالإضافة للمؤشرات والبيانات السابقة، فألمانيا تعيد تشغيل بعض محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم، وفي هذا السياق تقوم أيضًا الحكومة النمساوية بتجهيز مصنع قائم لاستخدام الفحم، بينما رفعت السلطات الهولندية سقف الإنتاج في المحطات التي تعمل بالفحم.

تبعات القرار على أسعار الفحم العالمية

واصلت أسعار الفحم العالمية الارتفاع والوصول إلى مستويات قياسية، بعد أن تضاعفت في عام ٢٠٢١ مع عودة الدول الصناعية الكبرى والدول الصاعدة وذلك للاعتماد عليه في توليد الطاقة الكهربائية، على الرغم من التعهدات بوقف محطات الطاقة بالفحم ضمن أهداف المناخ باعتباره أكثر تلويثًا للبيئة لزيادة الانبعاثات الكربونية منه بكثير عن النفط والغاز، وحتى الآن، ارتفعت أسعار عقود الفحم الآجلة في القارة الأوروبية بنسبة حوالي ١٣٧٪، ليصل سعر الطن المتري من هذا الأسبوع إلى ٣٢٣٬٥ دولارًا، أما سعر الطن المتري في منطقة المحيط الهادي فارتفع بنسبة حوالي أكثر من ١٤٠٪ في بداية عام ٢٠٢٢، كما يُتداول الفحم المستخدم في صناعة الصلب ما يسمى بالفحم المعدني والفحم الحجري أيضًا عند مستوى قياسي حوالي أكثر من ٤٠٠ دولار للطن.

مؤشرات النمو العالمي للفحم وفقًا للتوجه الحالي

لم تكن الفجوة أوسع مما هي عليه الآن بين الطموح العالمي للتخلص من الفحم الحجري وواقع نظام الطاقة العالمي، حيث تُشكل دولة كالصين سببًا رئيسيًا وراء ارتفاع الطلب كثيرًا في عام ٢٠٢١، وتلعب نفس الدور في العام الحالي. وفي مواجهة نقص الكهرباء، أمرت بكين شركات الفحم المملوكة للدولة في أواخر العام الماضي ببذل المزيد من الجهود بهدف تجنب انقطاع التيار الكهربائي، مما انعكس على استخرج كميات كبيرة من الفحم من أي وقت مضى، حيث إن معدلات النمو تندرج تحت ٣ سيناريوهات متوقعة:

  • الأول وهو أن كل هذه المؤشرات تنعكس على نمو الطلب العالمي على الفحم بنسبة حوالي أكثر من ٣٪ تقريبًا من عام ٢٠٢٠ إلى عام ٢٠٢٤، وليصل إلى أعلى مستوى له عند حوالي ٨٬٠٣١ ​​مليون طن.
  • الثاني هو أن الطلب سيظل ثابتًا تقريبًا من عام ٢٠٢٠ إلى عام ٢٠٢٤.
  • الثالث وهو انخفاض الاستهلاك، وسوف يحتاج العالم إلى خفض الطلب على الفحم بأكثر من حوالي ٢٠٪ وذلك في الفترة نفسها، ليكون في مسار توافقي التوجه العالمي ومع هدف الوكالة الدولية للطاقة والمتمثل في صافي صفري بحلول عام ٢٠٥٠، ولكن ما يحدث في الوقت الحالي أن العالم يسير في الاتجاه المعاكس.

واردات الفحم الروسي

أكدت المرافق الألمانية أنها تستطيع إتاحة المحطات إذا لزم الأمر، إذ قالت شركة يونيبر الألمانية، إنها يمكن أن ترسل حوالي ما يصل إلى ٣ غيغاواط من توليد الكهرباء بالفحم لتعزيز أمن الإمداد، بينما قالت شركة RWE، إنها تراجع محطات الكهرباء التي يمكن إعادة تشغيلها، ولكن طبقًا للوضع العالمي في صناعة الفحم، نجد أنه ليس من السهولة الحفاظ على إمدادات الطاقة في أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي الروسي في القارة الأوروبية أمرًا سهلًا، إذ تعتمد القارة الأوروبية أيضًا على موسكو في الغالبية العظمى من الفحم الحراري الذي تستورده لتشغيل محطات الكهرباء، حيث تشتري أوروبا نوعين من الفحم من روسيا:

  • الفحم المعدني الذي يُستخدم في صناعة الصلب.
  • الفحم الحراري الذي يُحرق بوساطة محطات توليد الكهرباء.

وتبلغ حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من الفحم الحراري حوالي أكثر من ٧٠٪، حيث تُعد ألمانيا من أهم مستوردي الفحم الحراري الروسي بالإضافة إلى بولندا، ومن هنا نستنتج أن الكميات الأكبر من وقود القارة الأوروبية تأتي من موسكو، مما سيتعين على المرافق الأوروبية ضرورة دفع المزيد للحصول على الفحم من أماكن مثل أستراليا وجنوب أفريقيا.

مصادر بديلة للفحم الروسي

في حال تعطل واردات الفحم من روسيا، فإن جنوب أفريقيا وكولومبيا ستكونان أبرز المصادر البديلة. ففي جنوب أفريقيا ورغم تراجع الصادرات إلى أقل مستوى منذ عقود طويلة عند ٦٠ مليون طن في عام ٢٠٢١، فإن الصادرات السنوية قد ترتفع لتتراوح بين حوالي ٧٠ إلى ٧٥ مليون طن، حال إصلاح شبكة السكك الحديدية في جنوب أفريقيا، والتي كانت سببًا أساسيًا في تراجع الصادرات، وذلك بعد سرقة الكابلات النحاسية. وبالنسبة إلى كولومبيا فإن إنتاج الفحم تعافى إلى حوالي أكثر من ٦٠ مليون طن في عام ٢٠٢١، وذلك ارتفاعًا من حوالي ٤٩ مليون طن في عام ٢٠٢٠، ولكنه لا يزال أقل بحوالي أكثر من ٨٠ مليون طن الذروة المسجلة سابقًا. بينما ارتفع إنتاج الفحم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد سنوات طويلة، مدعومًا بالطلب والأسعار المرتفعة، إذ بلغت صادرات الفحم الحراري في العام الماضي ما يقرب من حوالي ٣٦ مليون طن، أي بزيادة قدرها حوالي ٣٠٪ عن عام ٢٠٢٠، ومن بين تلك الصادرات، صدرت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ٥ ملايين طن فقط إلى دول القارة الأوروبية، ولكنّ تراجع حجم الاستثمارات وإغلاق الكثير من المناجم الأمريكية في السنوات الماضية سيعوقان القدرة على تزويد القارة الأوروبية بالمزيد من كميات الفحم.

عودة أوروبا إلى عصر الفحم خطوة عكس التوجه الأوروبي

إن الخطوة الألمانية والنمساوية والإيطالية بالعودة إلى الاعتماد على الفحم، خطوة تبدو وكأنها إجراء نتيجة إرباك موسكو للأوضاع داخل القارة الأوروبية، إذ تأتي عكس التوجه الأوروبي بالتحول إلى الطاقة البديلة والنظيفة وتحقيق هدف الحياد الكربوني وذلك بحلول عام ٢٠٥٠، وذلك عن طريق أهداف رئيسية محددة هي:

  • التخلص من محطات الفحم، بوصفه الوقود الأكثر تلويثًا في العالم.
  • الاعتماد على الطاقة المتجددة.

فخلال قمتي مجموعة العشرين وقمة المناخ COP26، اللتين انعقدتا في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين على التوالي، أعلنت دول القارة الأوروبية التزامها بترشيد استهلاك الوقود الأحفوري والتخلي عنه تدريجيًا بحلول ٢٠٢٥، والحد من توليد الكهرباء من محطات الفحم. وأعلنت الدول الأعضاء في مجموعة العشرين تعهدها بالتوقف عن تمويل محطات الفحم خارج البلاد، نهاية عام ٢٠٢١، كما أعلنت دول الاتحاد الأوروبي في قمة المناخ التزامها بالتخلص من محطات الفحم. ولكن يُشكل هذا الاتجاه الذي أرادت الحكومات التحرك فيه واللجوء له، لأن العودة إلى الفحم من شأنها أن تخالف سياسة المناخ المعمول بها بالفعل في أمستردام وبرلين وروما، وفي وقت يشعر فيه بعض المسئولين بالقلق الشديد من التهديد طويل المدى الذي ربما تمثله مثل هذه الخطوة لجهود مكافحة تغير المناخ في القارة الأوروبية.

مجمل القول، اعتمدت القارة الأوروبية على الفحم كمصدر للطاقة لقرون طويلة، وخيمت أبخرته السوداء على سماوات جميع العواصم الأوروبية، متسببة بموت الملايين، فلقد أدت عقود من سياسات الطاقة والبنية التحتية السيئة إلى نقطة تحول دفعت فيها حكومات دول الاتحاد الأوروبي إلى النظر في العودة إلى العصور القديمة أو عصر عميد الوقود الأحفوري وهو الفحم، الوقود المسئول عن ملايين الوفيات، ولكن تلك المادة السوداء هي أيضًا التي حولت القارة إلى أكثر مناطق العالم تقدمًا وزودتها بالطاقة اللازمة لصُنع السفن والمدافع والتي احتلت بها دول العالم الأخرى لتنهب مواردها وثرواتها قديمًا، وفي الأخير طبقًا للمؤشرات السابقة والمتغيرات العالمية وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، جاء على القارة الأوروبية الوقت للاختيار ما بين الحفاظ على البيئة أو الموت بردًا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19961/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M