وثيقة ملكية الدولة: الانتقال التدريجي من العام إلى الخاص

محمد صبري

 

الدولة تضع السياسات وتهيئ المناخ العام، والقطاع الخاص يستثمر. تلك هي الاستراتيجية التي بنيت عليها وثيقة ملكية الدولة التي جاءت واسعة في ملامحها ومتكاملة في أهدافها لتتوافق مع أهداف مصر 2030، وتسرع من وتيرة التحول نحو سوق أكثر حرية وأكثر كفاءة، وتترك المجال للجميع للمنافسة في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة بتحقيق أرباح جيدة للشركات، وتحقيق النمو الاقتصادي المرجو.

وثيقة الملكية

بدأت الدولة من المرحلة الأولى في استراتيجية تحديد ملكية الدولة في أصولها، حيث تعمل الدولة على زيادة دور القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية للدولة. وتهدف الدولة إلى رفع معدلات الاستثمار بقيم تتراوح بين ٢٥٪ و٣٠٪ بما يسهم في تحقيق معدل نمو اقتصادي يتراوح بين ٧٪ و٩٪، والذي بدوره يؤدي إلى توفير فرص عمل وتمكين القطاع الخاص من زيادة مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي والاستثمارات المنفذة. إذ عادة ما يخشى القطاع الخاص الدخول لبعض الأسواق نظرًا لظروف تتعلق بفشل آليات السوق أو لأي أسباب أخرى، لهذا كانت الدولة تحاول ملء ذلك الفراغ من خلال تكثيف استثماراتها في تلك المجالات، وتعزيز مشاركتها في تلك الأسواق. وحيث إن العديد من المفكرين الاقتصاديين في العالم يرون أن دور الدولة لا يجب أن يكون منافسًا للقطاع الخاص من خلال التحول إلى آلية تنفيذية والاستثمار بشكل مباشر في القطاعات المختلفة بالدولة، وأن دورها الأساسي يجب أن يقتصر على تهيئة المناخ العام المناسب الذي يخلق مساحة جيدة للقطاع الخاص للعمل أو لمشاركة القطاع العام في ممارسة الأعمال، وهو ما غير من توجه الدولة المصرية التي باتت الآن تسعى إلى تحسين هذه الأسواق، وتهيئة الأوضاع لدخول الاستثمارات الأجنبية وفق معايير محددة، مراعيًا التحول من إدارة مؤسسات الدولة إلى إدارة رأسمال الدولة.

تخارج وبقاء

حددت الدولة مجموعة من القطاعات التي رأت عدم ضرورة لوجود ملكية عامة بها، إذ إن القطاع الخاص أصبح أكثر نضجًا وقدرة على الوفاء باحتياجات البلاد من تلك المنتجات، وشملت تلك القطاعات ستة قطاعات أساسية هي: القطاع الزراعي، وقطاع النقل، وقطاع تحلية المياه، وأنشطة البرمجيات، والخدمات الإعلامية، والنشاط العمراني. حيث تستهدف الدولة التخارج من القطاع الزراعي بخلاف القمح، وتشمل عمليات التخارج صناعة تربية الأسماك، وتربية الحيوانات، والمحاصيل البستانية، وزراعة أشجار الغابات. أما عن قطاع النقل فقد حددت الدولة قطاع النقل النهري وإنشاء الأراضي الجافة والموانئ البرية. وقطاع تحلية المياه والشرب ومحطات التحلية، وأنشطة أخرى مثل أنشطة البرمجيات والخدمات الحاسوبية، والإعلامية، ونشاط العمران والبناء بمختلف شرائحه بخلاف الإسكان الاجتماعي.

أما عن الأنشطة التي لا تزال الدولة مستمرة بها فهي تتمثل في قطاع النقل، لكنها تستهدف تقليل استثماراتها بها (انسحاب بشكل جزئي وإتاحة المجال بشكل أوسع للمجال الخاص)، مثل تشغيل الحاويات وصيانتها، وإدارتها، وخدمات النقل باستخدام القطارات “قطارات الأنفاق” وأنشطة التعليم ما قبل المدرسة، وأنشطة إنتاج الألبان في القطاع الزراعي وقطاع المياه، تقرر الدولة الحفاظ على الاستثمارات في شبكات تجميع مياه الصرف الصحي ومحطات الرفع ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي وأنشطة جمع ومعالجة وإعادة تدوير النفايات والتعدين واستغلال المحاجر مثل استخراج الفحم، واستخراج النفط والغاز، واستخراج الخام، والخامات المعدنية، والأنشطة الخدمية المتعلقة بالتعدين. في قطاع الكهرباء، مثل محطات الطاقة وشبكات النقل والتوزيع والغاز والتكييف والأنشطة العقارية مثل ملكية العقارات والأنشطة المساعدة للوسطاء الماليين، في مجال الاتصالات، تحتفظ الدولة بملكية الإنترنت والهاتف المحمول خدمات الهاتف، وكذلك الخدمات البريدية.

تتجه الدولة إلى الانسحاب من معظم القطاعات الصناعية، حيث أعلنت الدولة عن خطتها للانسحاب من المعدات الهندسية، والصناعات الغذائية، وصناعة الجلود، والصناعات الكيماوية، والصناعات الدوائية، وصناعة مستحضرات التجميل، والمستلزمات الطبية، والطباعة، والتعبئة، والمعادن، والمنسوجات، والأخشاب، والأثاث، وصناعة السيارات، ومعدات النقل، والأجهزة الكهربائية، والكمبيوتر والمنتجات الإلكترونية، والمعدات الطبية، وصناعة الورق، ومواد الطباعة والتغليف، والإعلان والطباعة، وصناعة العطور ومستحضرات التجميل، وصناعة الأثاث، والمنتجات الجلدية ودباغة الجلود، ومتطلبات إنتاج الملابس، والأثاث، واستطالة الرصاص، والألياف الصناعية، وصناعة الزجاج، والأسمدة، والمطاط، والمنظفات الصناعية والمطهرات، والمسابك وصياغة الذهب، وسلاسل الوجبات الجاهزة، وصناعة الملح والثلج والزيت، وعصائر الفاكهة، وصناعة المشروبات والألبان، والخضروات والفواكه المجمدة والطازجة، وقطاع المسالخ وطباعة الكتب وتجليدها.

وتؤكد مسودة الوثيقة أنه من أجل ضمان التنفيذ السلس لسياسة الملكية، سيتم النظر في الخروج المرحلي والتدريجي، وسيتم توضيح طريقة المعاملة بعد الخروج لتجنب الآثار السلبية مثل التوظيف والدخل، الوثائق، والالتزام بأحكام الدستور التي تحكم الإنفاق الحكومي في قطاعات مثل التعليم والصحة، هذا فضلًا عن إشارة المسودة إلى مبادئ حوكمة الشركات المملوكة للدولة في الفصل الخامس، والتي تسترشد بالمبادئ التوجيهية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي تزود الحكومات بمرجع دولي في إدارة الأداء، والتأكد من قيامهم بعملهم بطريقة فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة.

الدولة مالكة مهنية، والشركات التي تمتلكها تعمل بكفاءة وشفافية ومساءلة مماثلة لممارسات الحوكمة الرشيدة لشركات القطاع الخاص اللاحقة، مع ضمان المنافسة العادلة مع شركات القطاع الخاص.

المبادئ التوجيهية

تمت صياغة الاستراتيجية لتغطي مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تغطي 7 مجالات تتمثل في إيجاد أساس منطقي لملكية الدولة للأصول، مثل: تعظيم القيمة الاجتماعية من خلال التخصيص الفعال للموارد، وإخضاع سياسات الملكية لعمليات المساءلة السياسية، ودور الدولة كمالك في توحيد الشكل القانوني لعمليات الشركات وضمان الاستقلال الإداري، وموقع الشركات المملوكة للدولة في السوق الذي يفصل وظيفة الدولة كمالك عن الوظائف الأخرى التي تؤثر على ظروف السوق، ويمنح أصحاب المصلحة، بما في ذلك الدائنون والمنافسون، الحقوق من خلال الإجراءات القانونية والتحكيم، والأنشطة الاقتصادية المملوكة للدولة. وثالثًا عدم إعفاء النشاط من أحكام القوانين الضريبية واللوائح المعمول بها، وتجنب الاستثناءات، والامتثال لمتطلبات الحصول على التمويل، وضمان المعاملة المتساوية للمساهمين والمستثمرين الآخرين، حيث يتم إدراج الشركات المملوكة للدولة في البورصات أو تضمين المستثمرين غير الحكوميين بين مالكيها، ووجوب احترام حقوق أصحاب المصلحة بموجب القانون، والكشف عن الضوابط الداخلية والأخلاقيات، وتجنب الاحتيال والفساد، وعدم استخدام المؤسسات المملوكة للدولة في تمويل الأنشطة السياسية، ووضع المبادئ المتعلقة بالإفصاح والشفافية، على أن تلتزم الشركات المملوكة للدولة بأعلى معايير الشفافية والالتزام بنفس معايير المحاسبة والإفصاح والتدقيق عالية الجودة مثل الشركات المدرجة في البورصات، حيث تصدر الشركة سَنَوِيًّا. البيانات المالية تخضع للتدقيق الخارجي، ولمجلس الإدارة كل الصلاحيات والسلطات اللازمتين لأداء عمله، ويتحمل مجلس الإدارة المسئولية النهائية عن نتائج تشغيل الشركة.

تناولت المسودة تحسين وظيفة التنافس ووقف الممارسات الاحتكارية داخل اتخاذ خطوات استباقية لتأطير والتي ستكون عقبات دخول الأسواق، وتقليل التدخل الحكومي غير الضروري داخل الأسواق، إذ يوفر التطبيق صلاحيات كبيرة في إنفاذ قوانين التنافس وطريقة جيدة للنظر في الشكاوى المناهضة للمنافسة. منظومة أخرى تم استحداثها للمتابعة والتقييم إثر تطبيق سياسة ملكية أصول الدولة، لتكون مسئولة عن متابعة التنفيذ وتقييم القرارات التي تم اتخاذها، وقياس أثرها على السياسات البيئية ومؤشرات الربحية ومقارنتها بمثيلاتها من القطاع الخاص لتوفير مقياس مقارنة موضوعي للحكم على كفاءة تطبيق تلك السياسات خلال الفترات الزمنية المختلفة أو عبر القطاعات الاقتصادية المختلفة.

أدوار أخرى

سردت وثيقة ملكية الدولة أهمية دور الصندوق السيادي في قدرته على جذب المستثمرين المحليين والأجانب في المشروعات المستهدفة، وخاصة مجالات البنية الأساسية بصفة عامة، وتعزيز الأصول المملوكة للدولة بصفة خاصة دون مزاحمة القطاع الخاص، ويلعب الصندوق السيادي بسياسته دورًا مهمًا في توفير مصادر تمويلية كبيرة، وتخفيض تكلفة تأسيس المشروعات في ظل التنافس بين المستثمرين، ويخلق فرصًا لتوطين عدد من الصناعات، وتنفيذ العديد من مشروعات البنية الأساسية الداعمة للنمو الاقتصادي في الأجلين المتوسط والطويل. ويتمثل دور الصندوق السيادي في كونه الجهة التي سيتم إسناد الأصول التي ترغب الدولة في الانسحاب منها، ومن ثم يتولى الصندوق عملية إدارة تلك الأصول من خلال إصلاح منظومة الحوكمة بها لتتناسب مع المعايير العالمية في ذلك المجال، ثم البدء في أعمال الترويج للحصص المطروحة للشراكة من جانب القطاع الخاص، سواء بشكل مباشر بعد نقل ملكيتها بشكل مباشر إليه أو بعد إجراء عمليات إعادة الهيكلة الإدارية لتحسين منظومة الإدارة بها، ثم الطرح للشراكة من جانب القطاع الخاص.

النتائج المرجوّة

جاءت التقديرات الأولية بوجود فرص لزيادة مكاسب الاقتصاد المصري حال تبني تقنيات التصنيع باستخدام آليات الثورة الصناعية الرابعة تقدر بنحو 43 مليار دولار عام 2030، بما يوازي 7.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، هذا فضلًا عن وجود آلية لإقامة شراكات تجارية بين القطاعين العام والخاص في إطار برنامج تحسين كفاءة أصول الدولة، تأتي تلك الشراكات في مختلف القطاعات وتشمل قطاع النقل الذكي، والمركبات ذاتية القيادة، والأمن الرقمي، والأمن المستقبلي للمياه والغذاء، والزراعة الذكية وأنظمة الري، ومستقبل الطاقة، وتعزيز قدرات تخزين الطاقة والتصدير، والمؤسسات الأكاديمية ومراكز التميز لتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، والجيل الخامس والسادس توليد الحوسبة السحابية، واللوجستيات وسلسلة التوريد الذكي، والتكنولوجيا المالية الحديثة، والبيانات الضخمة، والطب الجيني، والنظام الطبي الذكي، والهندسة الحيوية، وتكنولوجيا النانو، ونظام الدفاع الذكي والصناعة، والمدينة الذكية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19954/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M