الذهب الروسي في مرمى العقوبات الغربية

أحمد السيد

 

منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، تسارعت الدول الغربية لفرض عقوبات قاسية على موسكو، إلى أن تجاوزت هذه العقوبات تلك المفروضة من قِبل الدول الغربية على دول أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية، وباتت روسيا مؤخرًا الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات في العالم. ورغم انقسام الآراء الغربية حول مدى تأثير العقوبات على روسيا وسط تشاؤم أوروبي، فإن “أصدقاء كييف” يرون سياسة فرض العقوبات الطريقة الأفضل لوقف التمدد الروسي في أوكرانيا، فضلًا عن الاستمرار في مد “كييف” بالأسلحة.

وفي تصعيد جديد للعقوبات الغربية، يسعى الوزراء الأوروبيين إلى فرض عقوبات على روسيا تقضي بحظر مُشتريات الذهب الروسية، وتأتي تلك الخطوة متواكبة مع ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واليابان من فرض عقوبات على الذهب الروسي الشهر الماضي. على الصعيد المُقابل توعدت روسيا بـ “رد أليم” على فرض أي عقوبات غربية جديدة.

وفي الوقت الذي يفقد فيه الكثيرون الأمل في مدى جدوى العقوبات الغربية في وقف روسيا وعرقلة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، يؤكد الاتحاد الأوروبي أن ظهور نتائج العقوبات يحتاج إلى “صبر استراتيجي”. وتأتي مُقترحات فرض عقوبات على “الذهب الروسي” تزامنًا مع اجتماع عقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين 18 يوليو 2022، بهدف تشديد الضغط على موسكو، وأشارت تقارير أوروبية إلى أن موضوع فرض عقوبات على الذهب الروسي أحد الموضوعات التي نوقشت خلال الاجتماع، دون أن تخرج نتائج الاجتماع حتى الآن.

فما هي الأسباب الكامنة وراء سعى دول الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات تقضي بحظر مشتريات “الذهب الروسي”؟، وهل ستُثنى تلك العقوبات روسيا عن مساعيها إلى استمرار عملياتها العسكرية في أوكرانيا؟ وكيف سيكون الرد الروسي المُحتمل؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في السطور التالية.

الذهب.. سلاح روسيا اللامع

يمتلك البنك المركزي الروسي ما يقرب من 140 مليار دولار من الذهب، الأمر الذي يجعل من “الذهب” سلاحًا روسيًا قويًا ضد أي عقوبات غربية، ويُعد الذهب كذلك ثاني أكبر صادرات روسيا بعد الطاقة. وتكمن أهمية الذهب الروسي في صعوبة استهداف تعاملاته الدولية، أو السيطرة عليها، عكس النظام المصرفي العالمي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية.

هذا، وكشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن مكانة الذهب الفريدة في الصلة بين التمويلات العالية والأسواق السوداء. وقدمت مثالاً توضيحيًا مثاليًا لمزايا المعدن الثمين للحكومات التي تواجه ظروفًا صعبة، فضلًا عما يمكن أن يُقدمه هذا المعدن الثمين للدول التي تواجه عقوبات خارجية صارمة. في هذا السياق، يحتفظ العديد من البلدان باحتياطيات كبيرة من الذهب -ليس بالضرورة لأسباب مُحددة- بل يُنظر إلى الذهب على أنه وسيلة للبنوك المركزية لتنويع ممتلكاتها والحفاظ على مخزون ثروة أكثر استقرارًا مما يمكن أن توفره العملة الورقية.

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعد الدولة الأكثر استحواذًا لاحتياطيات الذهب في العالم، ولكن وبالنظر إلى هيمنة الدولار بوصفه العملة المفضلة لاحتياطيات النقد الأجنبي، فإن المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة -ومن بينهم روسيا- لديهم حافز إضافي للنظر في تخزين الذهب. وفي هذا السياق صرح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” من قبل أن “احتكار الدولار الأمريكي لا يمكن الاعتماد عليه بما فيه الكفاية؛ إذ إنه أمر خطير بالنسبة للكثير من الدول”.

وانطلاقًا من هذا، سعت روسيا مُنذ أكثر من عقد إلى بناء احتياطيات هائلة من الذهب، وفي عام 2019 تفوقت على الصين لتصبح خامس أكبر حائز للذهب في العالم. وكان الدافع وراء هذا التراكم هو الرغبة في التنويع بعيدًا عن الدولار والتحوط من احتمال حدوث انخفاض في أسعار النفط.

الاحتفاظ الروسي بالذهب

انطلقت الموجة الروسية لشراء الذهب ردًا على العقوبات الغربية التي أعقبت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014. وفي ذلك العام، قفزت النسبة المئوية لاحتياطيات روسيا من الذهب من 8.4% إلى 10.6%. وبحلول هذا العام، قبل حرب أوكرانيا بقليل بلغت نسبة احتياطي روسيا من الذهب ما يقرب من 20%.

ومع نشوب الحرب الروسية الأكرانية، اتضحت الأهمية الكبيرة لمعدن الذهب؛ فمع قيام الدول الغربية بفرض عقوبات صارمة على قطاعات الاقتصاد الروسي، مُنع البنك المركزي الروسي من الوصول إلى احتياطيات العملات الأجنبية الموجودة في البنوك الأمريكية والأوروبية، وفقدت روسيا الوصول إلى ما يقرب من نصف احتياطياتها النقدية. وتحتفظ بلدان كذلك باحتياطاتها من الذهب في البنوك الأجنبية لخفض تكاليف المعاملات والحفاظ على سهولة الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.

ويتم استخراج معظم إنتاج روسيا من الذهب من المناجم المحلية، لكن هناك تقارير تشير إلى وجود مصادر أخرى؛ ففي السنوات الأخيرة، وسعت الشركات الروسية عمليات التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى في إفريقيا، ويبدو أن هذه العمليات في بعض الأحيان مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بجهود روسيا لبناء نفوذ سياسي في الخارج.

ووفقًا لتقارير غربية، مُنحت شركة روسية يملكها الملياردير الروسي “يفغيني بريغوزين” (Yevgeny Prigozhin) المُقرب من دائرة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، عام 2017، امتيازات تعدين الذهب في السودان مقابل خدمات أمنية مقدمة للرئيس السوداني السابق “عمر البشير”، لمواجهة الاحتجاجات التي قامت ضد نظام حكمه.

وعلى الرغم من انهيار حكومة البشير في السودان، إلا أن التقارير الغربية أشارت إلى استمرار العلاقات بين الشركات الروسية والحكومات الجديدة في السودان. وفي حين أن صادرات الذهب الرسمية من السودان إلى روسيا تبدو ضئيلة، تشير التقارير إلى أن عدة عشرات من الأطنان يتم شحنها بين البلدين كل عام. وحصلت شركة أخرى مرتبطة “ببريغوزين” على امتيازات استخراج الماس والذهب في جمهورية إفريقيا الوسطى.

استهداف الذهب الروسي

في ظل المساعي الغربية إلى إثناء روسيا عن الاستمرار في حربها ضد أوكرانيا، اقترحت المفوضية الأوروبية إدراج واردات الذهب الروسي في حزمة جديدة من العقوبات بهدف شل الاقتصاد الروسي، لتكون هذه المرة على الذهب الروسي.

  • دوافع الاتحاد الأوروبي

أولًا: يسعى الاتحاد الأوروبي من خلال فرض حظر على واردات الذهب الروسي إلى مواءمة نفسه مع القرار الذي تم اتخاذه من قِبل شركائه الدوليين الشهر الماضي، عندما قررت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان خلال اجتماع مجموعة السبع في ألمانيا فرض عقوبات على الذهب الروسي.

ثانيًا: إلحاق ضرر كبير بالنخبة الروسية، حيث بات الذهب في الأشهر الأخيرة الملاذ الآمن لفئة “الأوليغارشية” الروس، في محاولة منهم لتخفيف حِدة تأثير العقوبات الغربية على موسكو.

ثالثًا: تهدف العقوبات المُقرر فرضها من الاتحاد الأوروبي على الذهب الروسي إلى سد ثغرات ما تم فرضه من عقوبات سابقة بالفعل على موسكو، مُنذ أن شنت موسكو الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي.

رابعًا: ووفقًا للمفوضية الأوربية للاتحاد الأوروبي، فإن الحزمة الجديدة من العقوبات ستُعزز عمليات تجميد الأصول الروسية في الاتحاد الأوروبي، وتوسيع قائمة الأفراد والكيانات الخاضعين للعقوبات، وتوضيح “النطاق الدقيق لبعض العقوبات المالية والاقتصادية، في محاولة لتقديم إرشادات أوضح لدول ثالثة حول ما استهدفته دول المفوضية.

ولكن ولكي تدخل هذه العقوبات حيز التنفيذ فإنها تحتاج إلى الموافقة بالإجماع من قِبل الدول الأعضاء في المفوضية الأوروبية. 

  • تأثير العقوبات الغربية 
A view of Krastsvetmet Precious Metals production facility in Krasnoyarsk, Russia on March 10, 2022

على الرغم من قسوة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، إلا أن آلة الكرملين الحربية تسير بخطى حثيثة في ساحة المعركة، لكن وبلا شك فإن العقوبات الغربية أضرت بالاقتصاد الروسي –كما يشير الكثير من البيانات-ومع سعي الدول الغربية إلى فرض عقوبات على واردات الذهب الروسي مثلما فعلت دول أخرى كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة واليابان؛ فإن تداعيات ذلك ستكون بمثابة “ضربة مُوجعة” للرئيس الروسي بوتين وحكومته؛ إذ يعني ذلك الحد من قدرة موسكو على تمويل عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

وردًا على الخطوات الأوروبية المزمعة، جاء الرد الروسي وفقًا لبيان صدر عن وزارة الخارجية الروسية أفاد بأن موسكو تحتفظ بالحق في اتخاذ ما تراه مناسبًا في هذا الصدد، وأضاف أن روسيا تدرس اتخاذ عدد من الخطوات في هذا الشأن لن يتم الإعلان عنها الآن ولكن -وفقًا للخارجية الروسية- فإن الإجراءات المُتخذة ستكون “مؤلمة” للغرب.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71524/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M