في قمة جدة التشاورية: مَن ينتظر ماذا؟!

هند كرم

 

بدت استعدادات مكثفة للقادة والزعماء الخليجيين والعرب للقمة التاريخية المرتقبة التي من المقرر أن تجمعهم في جدة وللمرة الأولى مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في ختام جولته الشرق أوسطية، عبر سلسلة من الزيارات المكوكية المحمومة المتبادلة والخاطفة حمل عنوانها العريض “التشاور وتوحيد الصف والموقف العربي”.

هذه التحركات أحدثت حالة من الإثارة والتساؤلات تمهيدًا للعرض الافتتاحي الكبير لموسمٍ “صيفي ساخن ” يبدو وأن المنطقة قد تشهد مع نهايته وقبل حلول الشتاء قرارات مصيرية إقليمية وعالمية، خاصة وأن العلاقات “الأمريكية – الخليجية -العربية” ليست في أفضل أحوالها كسابق عهدها.

ما رشح عن وسائل الإعلام والتقارير الإخبارية والدبلوماسية وتصريحات عدد من المسؤولين في هذا الخصوص هو أن قمة مجلس التعاون الخليجي التشاورية التي تستضيفها منتصف يوليو الجاري المملكة العربية السعودية ودعت إليها زعماء كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والعراق والأردن ستبحث في ملفات مهمة وتحديات بالغة الخطورة تواجهها المنطقة على رأسها: عدم استقرار أسواق النفط والطاقة، وتأثر الإمدادات العالمية للسلاسل الغذائية بسبب الأزمة الروسية – الأوكرانية، وتفاقم التهديدات الإيرانية مع فشل المفاوضات الامريكية الإيرانية برعاية قطر وبالتالي عدم الوصول الى محدد زمني للاتفاق النووي الإيراني، وما يعكسه ذلك من خطر محقق على دول الخليج العربي وأيضًا إسرائيل التي ترى نفسها خصمًا مباشرًا لطهران وهدفًا أصيلًا  لصواريخها وقنابلها النووية إن اكتمل تخصيبها. وهو ما يجعل مسؤولية الأمن القومي لإسرائيل وحلفائها الجدد في الخليج العربي “مسؤولية مشتركة ” لتوحد الخصم الإيراني وأذرعه الإرهابية في المنطقة متمثلًا في ميليشيا حزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن.

هذا بالطبع إلى جانب ما سوف تبحثه قمة جدة من ملفات حيوية أخرى مهمة ومفتوحة في كل من سوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان، وبالطبع لن تغفل بحث مستقبل القضية الفلسطينية على ضوء ما هو حاصل فعليًا على الأرض من توسع محموم للاستيطان وازدياد وتيرة العنف والاغتيالات والاعتقالات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وترقب جميع الأطراف بحذر تأهب الإسرائيليين لانتخابات برلمانية مبكرة في نوفمبر المقبل على انهيار الاتلاف الحاكم برئاسة “نفتالي بينيت” وحل الكنيست  وتولي شريكه “يائير لبيد” رئاسة الحكومة مطلع الشهر الجاري، إلى جانب احتفاظه بحقيبة الخارجية بشكل مؤقت حتى موعد إجراء الانتخابات .

المشهد قد يبدو مُربكًا ومعقدًا، وهو بالفعل كذلك وهذا ما يشير إليه المراقبون، خاصة وأن القمة تنعقد بعد أن حسمت دول الخليج العربي إضافة إلى ما يمكن أن تسميتها بدول الاعتدال العربي (مصر والأردن) مواقفها حيال الأزمة الروسية منذ بدايتها بالوقوف في منطقة الحياد الإيجابي المتزن، واتخاذ قرارات ومواقف تحقق مصالحها العليا وتحمي أمنها القومي والغذائي والاستراتيجي، دون الانزلاق في فخ العسكرة أو التحزب لصالح أي من الطرفين المتصارعين سواء الروسي أو الغربي على اعتبار أن (لا ناقة لها أو جمل فيما يدور)، الأمر الذي جعل هذه الدول في مرمى انزعاج الشريك والحليف الأمريكي الدائم الذي استشعر خطر “انسلاخٍ” تكتيكي نوعي من عباءة الهيمنة الأمريكية لصالح الصديق الروسي وشريكه الصيني ولو مؤقتًا بحسب التقديرات الأمريكية التي ترى أن من ليس معنا فهو ضدنا!

وسط كل هذا المخاض العسير الذي تموج به المنطقة، ماذا يتوقع القادة الخليجيون والعرب من زيارة بايدن التي تبدأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يقوم أولًا بزيارة تل أبيب ورام الله، ومن ثم تنتهي على ضفاف البحر الأحمر في مدينة جدة السعودية بقمة تشاورية استثنائية تَجمعُ رؤساء تسعِ دولٍ وهو عاشرهم؟

وفي هذا السياق، ماذا سيقدم الرئيس الأمريكي من أطروحات وحلول لكسر الجمود والسعي إلى التقارب مع الشركاء والحلفاء الدائمين لبلاده واستعادة ثقتهم بعد انصرافهم لتحقيق مصالحهم بمنهج عملي بحت بعيدًا عن لغة العقوبات والغضب والضغوط والتهديدات الأمريكية؟  إلى أي مدى يمكن مواجهة المطالب الأمريكية التي يحملها الرئيس بايدن معه بمطالب مُقابِلة نابعة من مواقف عربية موحدة واضحة وقاطعة تحتاجها بشدة المنطقة بشكل مُلّح أكثر من أي وقت مضى لمواجهة حالة الفوضى والغليان والعبث الذي يعج به الإقليم ويؤثر سلبًا على رفاه شعوبه واستشعار إنجازات عملية التنمية التي تقوم بها حكوماته؟

تلك الحزم من المواقف والسياسات المتناقضة سالفة الذكر لن يقف أمامها القادة كثيرًا في لقائهم المرتقب؛ فدوما للسياسة مآرب ومشارب ووجوه أخرى ليس بالضرورة أن تقوم أو تستوي بحسابات المنطق والمعقول والعادات والأعراف وما هو متوقع أو في طي الأمنيات، وفي السياسة لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل هناك مصالح دائمة كما قال رئيس الوزراء البريطاني الأبرز وينستون تشرشل قائد جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولذلك لن نتطرق إلى الشراكات والتعاون مع الولايات المتحدة في مجالات الاقتصاد والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والأمن والتعليم وغيره؛ لأنها قطاعات حيوية من الصعب أن تتأثر في إطار اتفاقيات وتفاهمات موقعة بين دولنا وأمريكا.

فهل يتحمل إقليمنا المثخن بالصراعات والحروب والمنكوب منذ الأزل الدخول في أتون حرب ثالثة تلوح بوادرها في الأفق؟ أم ستلعب الدبلوماسية والحوار ولغة المصالح دورًا محوريًا دون تدخل عوامل “تحفيزية” تشجع على الاقتتال وتعلي من صوت الآلة العسكرية لردع أي خطر قادم محتمل؟

هل ستكون شرارة الحرب من لبنان الغائب؟ وهو ما تعمل إسرائيل جاهدة على تحقيقه من خلال تصعيد مناوشاتها وعمليات القصف لمواقع ومناطق حدودية تستهدف ميليشيا حزب الله جنوب لبنان على خلفية الصراع البحري بين الطرفين على حقوق التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط ضمن منطقة متنازع عليها قبالة الشواطئ اللبنانية؟ هل ستؤخذ التهديدات الإسرائيلية بجهوزيتها للرد والردع المدمر محمل الجد وفي خانة البحث والحل؟

هل ستقدّم واشنطن لدول الخليج ضمانات مجانية بشأن تهديدات إيران وحزب الله ونزع فتيل الحرب التي تقودها إسرائيل؟ وعلى فرضية أنها ستكون ضمانات مدفوعة الأجر فما هو المقابل؟ كيف سيتم توظيف مخرجات الاجتماعات التنسيقية لمنتدى النقب السداسي (الإمارات، البحرين، المغرب، مصر، إسرائيل، أمريكا) في استخدام الدبلوماسية والقوى الناعمة في مجالات التعاون الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والصحي والتنمية المستدامة والبيئة والمناخ لجعل الإقليم أكثر أمنا وسلامًا بينما يعلن أحد أعضائه الأساسيين بإشعال المنطقة إذا لم تنته إيران وحزب الله عن أعمالهما العدائية؟!

ماذا ستقدم واشنطن للفلسطينيين من جديد محتمل في جعبة بايدن؟ وماهي وسائل الضغط وأدوات السيطرة هذه المرة لإعادة تشكيل شرق أوسط جديد أصبحت روسيا والصين لاعبيْن أساسيْن فيه تمهيدًا لإعادة إعادة تشكيل الإقليم للمرة الثانية وفقًا لقواعد ومعطيات جديدة كليًا أفرزتها وستستمر في إفرازها الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل أكثر وضوحًا في الفترة المقبلة؟

في هذه القمة مَن ينتظر ماذا من الآخر؟ هل سيستغل العرب الفرصة لصالحهم ويفرضون شروطهم ومطالبهم للحفاظ على أمن إقليمهم ومُقدراته، واستقراره، وفقًا لمصالحهم وحساباتهم؟

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71261/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M