“النفط” عنوان رئيس على طاولة مباحثات بايدن في السعودية

د. أحمد سلطان

 

بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن جولته الأولى في الشرق الأوسط منذ توليه منصبه خلال الفترة من ١٣ إلى ١٦ يوليو، زار خلالها إسرائيل والضفة الغربية وتوجه اليوم للمملكة العربية السعودية، وهي زيارة من أجل مواجهة موسكو وبكين ومن أجل سعي واشنطن لزيادة إنتاج النفط الخام من الدول العربية، وأشار بايدن، في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست في ٩ يوليو إلى أن موارد الطاقة في الشرق الأوسط حيوية في التخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية، وأن بلاده بحاجة لمواجهة العدوان الروسي، والتأكد من أنها في وضع أفضل للفوز في المنافسة مع الصين، وبحسب قوله فإن الولايات المتحدة بحاجة للتفاعل مع عدد من الدول بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

مدخل

إحياء وتعزيز العلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، عناوين عامة تصدرت المشهد والصحف العالمية خلال الفترة الماضية، ولكن زيارة بايدن للملكة العربية السعودية تأتي بعدما فقدت الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على سوق النفط العالمي وفشلت ومحاولاتها المستمرة لتقويض أوبك، يريد الرئيس بايدن من السعودية أن تقود تحالف منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، نحو زيادة ضخمة وواضحة في معدلات إنتاج النفط العالمي، تعويض نقص إمدادات النفط العالمية نتيجة خطة الاتحاد الأوروبي في عزل النفط الروسي عن الأسواق العالمية من جهة، وخفض الأسعار في الأسواق من جهة أخرى.

الشأن الداخلي الأمريكي

ليس هناك من ينكر أن النفط والطاقة أحد أهم العوامل الرئيسة الدافعة لرغبة الرئيس الأمريكي جو بايدن في إعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، لا سيما وسط الوضع العالمي للنفط وأسعاره العالمية، بعد أن حاولت العديد من دول العالم قطع صادرات النفط الروسية إلى بقية العالم، لذلك من الواضح أن هذه أولوية رئيسة لإدارة جو بايدن، ويعي متخذو القرار الأمريكي جيدًا بأن الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط العالمية، يُعد أحد أهم وأبرز الأسباب التي تؤدي بشكل قاطع إلى ارتفاع معدلات التضخم، والذي تحول إلى خطر واضح للاقتصادات العالمية الكبرى، وبكل تأكيد يأتي في المقدمة الاقتصاد الأمريكي، وبالأخص بعد تخطي متوسط سعر الوقود داخل الولايات المتحدة الأمريكية سقف ٥ دولارات للجالون وذلك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة.

ومن جانب آخر، ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة الأمريكية الشهر الماضي أسرع من المتوقع، حيث دفع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء معدلات التضخم إلى أعلى معدل لها وذلك منذ عام ١٩٨٠، حيث وصل معدل التضخم السنوي إلى حوالي ٨٬٦٪ في مايو الماضي، بعد أن تراجع في بداية أبريل، كما فرض ارتفاع تكلفة المعيشة أعباء ضخمة على كاهل الأسر الأمريكية وضغوط كبيرة على صناع السياسات للسيطرة على الوضع والشأن الداخلي الأمريكي.

لماذا أرتفع الوقود الأمريكي؟

تعود المستويات المرتفعة لأسعار الوقود في الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب كثيرة لا تتعلق جميعها بأهداف زيارة بايدن للمملكة العربية السعودية، ولكنها قد تتطلب حلول جذرية على أرض الواقع محليًا، فمنذ بدء التعافي من تداعيات جائحة كورونا، قفزت أسعار البنزين إلى حوالي ٣ دولارات للجالون الواحد وذلك في مايو من العام الماضي، وتخطت حاجز ٤ دولارات في يونيو من نفس العام، غير أنها ارتفعت إلى ما يزيد على حوالي ٥ دولارات، وذلك كرد فعل للحرب الروسية الأوكرانية، فيما تخطت حاجز ٦٬٤ دولارًا بولاية كاليفورنيا، وتبلورت أسباب ارتفاع أسعار البنزين في الشأن الداخلي الأمريكي حول بعض من النقاط:

  • انخفاض قدرة محطات التكرير الأمريكية منذ نهاية عام ٢٠١٩ بمعدل حوالي أكثر من ٩٠٠ ألف برميل يوميًا.
  • الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها على أسعار النفط العالمي واضطراب سلاسل الإمداد العالمية.
  • استغلال شركات النفط الأمريكية للأزمة للضغط على الأسعار.
  • السحب الأمريكي المتكرر من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي.

ورغم طرح الجمهوريون لمقترح سيعمل على دعم زيادة إنتاج النفط على الصعيد المحلي، عن طريق منح تصاريح حفر لأراضٍ فيدرالية وبحرية، وتعديل موقف الإدارة الأمريكية حيال خط أنابيب النفط الكندي كيستون إكس إل، وتعزيز تلك المقترحات للأسعار المحلية بعيدًا عن زيارة بايدن للسعودية، فإنها لاقت رفضًا بيئيًا من قبل نشطاء المناخ في الولايات المتحدة الأمريكية.

التداعيات الاقتصادية والحرب الروسية

بصفة عامة، هناك العديد من التداعيات الاقتصادية الصعبة التي ترتبت على الحرب الروسية الأوكرانية وعجلت إلى تغيير في بوصلة الولايات المتحدة الأمريكية نحو المملكة، وتأتي هذه الزيارة ضمن مساعي بايدن إلى احتواء بكين، وضرورة التعامل مع التداعيات التي نتجت عن فرض القارة الأوروبية عقوبات اقتصادية على موسكو وذلك بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، والتي شملت قطاع النفط والطاقة، وهو ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعارها وتخطت حاجز ١٠٠ دولار لبرميل النفط.

مما انعكس على زيادة أزمة التضخم الاقتصادي عالميًا الذي لم يتعاف بعد من آثار جائحة كورونا، إذ وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا سابقًا، وهي النسبة الأعلى خلال الأربعين عامًا الأخيرة، وبالتالي ارتفاع حاد في أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وتلك المؤشرات من الممكن أن تزيد من خطورة الوضع الداخلي وهو ما قد يدفع ثمنه الديمقراطيين في الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل.

ومن هنا نستخلص أسباب إصرار الإدارة الأمريكية الحالية بضرورة وضع الطاقة والنفط على مائدة الزيارة وهي:

  • محاولة بايدن كسب ود المملكة والتأثير على منظمة الدول المصدرة للنفط بزيادة معدلات الإنتاج وبالتالي كبح جماح أسعار النفط العالمية.
  • تأثير أسعار النفط العالمية على أسعار الوقود العالمية وبالأخص داخل المجتمع الأمريكي الذي أصبح يعاني بشدة من الزيادة التاريخية في أسعار الوقود. وبالتالي الارتفاع الحاد والتاريخي في معدلات التضخم.
  • زيادة الضغط الأمريكي على موسكو عن طريق إشباع الأسواق العالمية بمزيد من إمدادات النفط وفرض المزيد من السيطرة على النفط الروسي.
  • تواجه أسوق النفط العالمية العديد من الإشكالات المتغيرة، ومنها ما يتعلق بسلاسل الإمداد العالمية، وكميات النفط المعروضة، ووجود مشاكل في بعض الدول المنتجة مثل إيران وفنزويلا وحتى ليبيا، فضلاً عن التوقعات بعودة الطلب النشط من الصين بعد عودة فتح الاقتصاد.

تلك الأسباب السابقة جعلت من زيارة بايدن أمرًا ضروريًا بالنسبة لواشنطن، ومن هنا يحاول الرئيس الأمريكي تخفيف وطأة هذه الأسباب والتداعيات، من خلال إيجاد بدائل وحلول تقتضي في المقام الأول ضرورة تقارب واشنطن مع دول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية والتي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من النفط الخام عالميًا، بالإضافة إلى أهمية ووزن المملكة في المنطقة وفي سوق النفط العالمي حيث تُعد المملكة أكبر مصدر للنفط الخام بحصة سوقية بلغت حوالي ١٧٪، إلا أنها صاحبة المركز الثاني من حيث حجم احتياطي النفط العالمي بحوالي أكثر من ٢٩٨ مليار برميل من النفط الخام، حيث تتصدر فنزويلا الترتيب العالمي من حيث احتياطات النفط التي تصل إلى حوالي ٣٠٤ مليارات برميل، وكذلك سعي واشنطن إلى التفاوض مع رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، الذي لا تعترف به رئيسًا لتخفيف العقوبات على قطاعها النفطي.

ومن ضمن خطوات التقارب أشادت الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، في مطلع يونيو الماضي بإعلان مجموعة أوبك بلس، والتي تقودها المملكة العربية السعودية، رفع إنتاجها من النفط في يوليو وأغسطس، بنحو حوالي ٢٥٠ ألف برميل، إضافة إلى حوالي ٤٠٠ ألف برميل المنصوص عليها في اتفاق رفع الإنتاج التدريجي، ولذلك يأتي الجانب الاقتصادي ضمن الملفات الاستراتيجية التي ستتضمنها نقاشات الزيارة، إذ إن الهدف الحقيقي من تقارب واشنطن مع الرياض هو حاجتها إلى النفط الخليجي، وذلك نظراً لقدرتها على التأثير في أسواق الطاقة.

حيث يمكن للمملكة العربية السعودية التي  تُعد أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة التي تُعد ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك، وأيضًا العراق التي تنتج حوالي أكثر من ٤ ملايين برميل يوميًا، يمكنهم ضخ المزيد من إمدادات النفط، ومن هنا المساهمة في إيجاد حل لإشكالية خفض الاعتماد على النفط الروسي وزيادة معدلات الإنتاج النفطي وذلك دون التسبب في ارتفاع في مستويات أسعار الطاقة.

ختامًا، من الممكن أن تُسهم التوافقات الاقتصادية المتعلقة بملف النفط والطاقة في تقريب وجهات النظر في باقي الملفات الأخرى المعلنة للزيارة، ولكن هذا التوافق النفطي بين واشنطن والرياض وموافقة الرياض على رفع سقف مستويات الإنتاج لن يفيد كثيرًا في كبح جماح الأسعار، وذلك حال فرض عقوبات موسعة على موسكو، لأن أسعار النفط في اتجاه متصاعد وغير مستقر، ولن تتراجع معدلات الأسعار بصورة كبيرة في ظل عدم وجود عوامل قوية قد تساعد على خفضها، وبالأخص في ظل الأوضاع الحالية، وفي الأخير تعول الولايات المتحدة الأمريكية على زيارة بايدن للمملكة ودول الشرق الأوسط، لإيجاد حل جذري لأزمة الوقود التي تعاني منها على الصعيد المحلي منذ أواخر العام الماضي وحتى الآن.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71390/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M