لعنة “تشرشل” تلحق بـ “جونسون”: ماذا وراء استقالة رئيس الوزراء البريطاني؟

الشيماء عرفات

 

في السابع من يوليو الجاري، تم الإعلان عن خبر قاومه صاحبه كثيرًا؛ ألا وهو إعلان رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” استقالته من رئاسة حزب المحافظين، مع بقائه في منصبه لحين انتخاب خليفة له، وفق جدول زمني سيتم تحديده الأسبوع القادم. ويأتي هذا الإعلان على خلفية موجة استقالات عاصفة بدأها وزيرا المالية والصحة، ثم استقالات متنوعة لوزراء ومسؤولين من الحكومة البريطانية وصلت إلى 54 استقالة خلال يومين. وعليه، سيتم التعرف على الإرهاصات التي أدت إلى الوضع الحالي، ومآلاته.

تسلسل الأحداث المؤدية إلى الموقف الحالي

بدأت رحلة رئيس الوزراء بفقد الثقة منذ انتشار التقارير الخاصة بانتهاكاته وموظفيه بمقر الحكومة ب “10دوانينيج ستريت” للقواعد الخاصة بالإغلاق اثناء فترة جائحة فيروس كورونا المستجد، والتي سُميت “ببارتي جيت” منذ أواخر العام الماضي. والتي انتهت يوم 25 مايو الماضي بتحميل رئيس الوزراء مسؤولية إشرافه وتساهله مع ثقافة عمل، أقيمت على إثرها حفلات خرقت قواعد الإغلاق الرامية إلى مكافحة كوفيد، وتخلل أحدها عراك بين موظفين ثملين، وفق التحقيق. وكان “جونسون” من بين عشرات الأشخاص في داونينج ستريت الذين فرضت الشرطة غرامات عليهم لخرقهم قواعد كوفيد منذ عام 2020 و2021.

ويكمن أثر هذا التجاوز في مخالفة “جونسون” للأعراف البريطانية، التي يُعد احترام القانون ركنًا رئيسًا منها. وأسهم ظهور تقرير في أول يوليو الجاري يوضح معرفة “جونسون” بوجود اتهامات سابقة بالاعتداء الجنسي من قبل النائب “كريس بينشر”، وبالرغم من ذلك عينه مسؤولًا عن مراقبة الانضباط البرلماني لأعضاء الحزب؛ بترسيخ النظرة لجونسون كشخص غير مبالٍ ولا يحترم القواعد القانونية ولا يهتم بسلوك مرؤوسيه.

وكانت تلك الانتهاكات السبب وراء الدعوة إلى حجب الثقة عن رئيس الوزراء مرتين. حيث نجا من أول محاولة بسبب بدء الحرب الروسية على أوكرانيا ودوره المحوري في دعم أوكرانيا، والتي سبقها تحذيره المنفرد مع الرئيس الأمريكي من قيام روسيا بغزو أوكرانيا، مخالفين لكل القادة الغربيين. ولهذا عند قيام الحرب، كان دوره رئيسًا في تشكيل ودعم الاصطفاف الغربي لمواجهة روسيا.

وحينها تراجع عدد من النواب والسياسيين المحافظين الذين دعوا سابقًا إلى إجراء سحب الثقة، ولكن الضغوط الاقتصادية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية التي فاقمت الأوضاع الاقتصادية المتردية بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، لم تساعده على النجاة من الدعوة لحجب الثقة الثاني في 7 يونيو الماضي، والذي نجا منه بمشقة، بعد أن دعم 211 من نواب حزب المحافظين بقاء “جونسون”، مقابل 148 نائبًا طالبوا بتنحيه.

وقد عكست الخسارة المدوية لحزب المحافظين في الانتخابات المحلية والتي جرت أول مايو الماضي هذا التراجع لشعبية “جونسون” وحزبه، وفقد ثقة الشعب البريطاني في قيادتهم؛ فخسر حزب المحافظين نحو 500 مقعد، مع فقد الأغلبية في 11 مجلسًا محليًا في البلاد. ذلك مع أداء ضعيف للحزب في لندن، حيث فقد السيطرة على عدة مجالس مهمة، بما في ذلك بمنطقة “ويستمنستر” التي تقع فيها مقرات رئيس الوزراء والوزارات الأساسية، والتي لم يخسر فيها الحزب منذ 1964. وتعد المجالس المحلية مقياسًا على حجم الرضا عن الأداء الداخلي للحزب الحاكم.

الكلمة الفصل: الأوضاع الاقتصادية للبريطانيين

تسارع التضخم السنوي في المملكة المتحدة ليصل إلى 9%، وهو أعلى معدل منذ 40 عامًا؛ إذ يقّدر “بنك إنجلترا” أن التضخم سيتجاوز 10% بنهاية العام الحالي. وهو ما انعكس على مستوى الدخول، فوفقًا لصحيفة “ديلى تليجراف” البريطانية، صرّح محافظ بنك إنجلترا حول الأوضاع الاقتصادية أمام لجنة الخزانة في مجلس العموم بمايو الماضي بأن “الأسعار ترتفع بأسرع وتيرة لها منذ 30 سنة، مما يتسبب في صدمات كبيرة للدخل، ويُتوقع أن تزداد حدتها في الأشهر القليلة المقبلة”. وأصدر مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية ومقره لندن كذلك تقريرًا في وقت سابق حذر من أن البلاد تخاطر بمواجهة أكبر انخفاض في مستويات المعيشة منذ الخمسينيات.

وقد انعكست تلك الأزمة بشكل مباشر على شعبية “جونسون”. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد “سافانتا كوريس” ونشرت نتائجه الأربعاء أن 72% من البريطانيين يرون أن على رئيس الوزراء الاستقالة. وأسهمت تلك الأزمة الاقتصادية المتزايدة في مشاركة عشرات الآلاف في مسيرة احتجاجية وسط العاصمة البريطانية لندن، في أواخر يونيو الماضي.

تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية هي التي كانت وراء هزيمة حزب المحافظين الذي رأسه “ونستون تشرشل” في الانتخابات العامة، ما منح الفرصة لحزب العمال؛ لكي يحقق الأغلبية لأول مرة في تاريخ انتخابات المملكة المتحدة بزعامة “كليمنت أتلي”، وذلك في 26 يوليو عام 1945 ب 393 مقعدًا؛ الأمر الذي منح حزب العمال أغلبية مهيمنة، بالرغم من أن ” تشرشل” كان أحد الأسباب الرئيسة لفوز الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

ولطالما قارن “جونسون” قيادته لرئاسة الوزراء ب “تشرشل”، وعدّه قدوته، حتى أنه كتب سيرته الذاتية. ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه مع “جونسون”؛ فقد حقق” جونسون” النتائج الأعلى لحزب المحافظين منذ عقود، واستطاع تحقيق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بعد شهور قليلة من توليه الحكم، هذا الأمر الذي سبّب جمودًا وكان عاصفًا بالحياة السياسية البريطانية. وقاد حملة هي الأسرع في التسليم الفعال والسريع للقاحات في أوروبا؛ فقد تلقى ما يقرب من 92 %من السكان الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا أو أكثر جرعتهم الأولى بحلول مارس 2022.

وأتى موقفه من الحرب في أوكرانيا ليعيد المملكة المتحدة لواجهة النظام الدولي، بعد قيادته لحملة شرسة ضد روسيا، في حربها ضد أوكرانيا التي تُعد التهديد الأكبر للقارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ووضع بلاده كأكبر داعم عسكري لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة. إلا أن تلك النجاحات الكبرى، لم تشفع له عند الشعب البريطاني، بسبب ضعف استجاباته للأزمات الداخلية.

ما بعد الاستقالة

تُعد السيناريوهات المطروحة ما بعد تقديم رئيس الوزراء لاستقالته من رئاسة حزبه الحاكم محدودة إلى حد كبير؛ فوفقًا لما تم إعلانه، فإن رئيس الوزراء سيظل في منصبه لحين انتخاب خليفة له يقود الحزب والحكومة حتى الانتخابات التشريعية القادمة في 2024، نظرًا إلى أن حزب المحافظين هو المستحوذ على الأغلبية البرلمانية. وبموجب القواعد الموضوعة في عام 1997 لتنظيم اختيار رئيس الحزب، فإن المرحلة الأولى من الاختيار تتمثل في تقليص عدد المرشحين للمنصب من خلال تصويت نواب حزب المحافظين بمجلس العموم، وبعد ذلك يتم التصويت بين مرشحين اثنين من قبل أعضاء الحزب عن طريق البريد.

إلا أن هذا لا يعني أن رئيس الوزراء، لا يستطع أن يدعو إلى انتخابات مبكرة؛ فقد تم إلغاء قانون البرلمانات محددة المدة، ونتيجة لذلك يمكن أن يطلب رئيس الوزراء إجراء انتخابات في أي وقت. ولكن السعي إلى إجراء انتخابات دون موافقة الأغلبية من نواب البرلمان سيكون أمرًا غير معتاد من الناحية الدستورية، وسيُقاوم بشدة. بالإضافة أنه وبموجب اتفاقية دستورية تُعرف باسم ” Lascelles principle” يمكن للملكة رفض طلب إجراء انتخابات مبكرة لأسباب تشمل تسبّب هذه الانتخابات في أضرار اقتصادية أو عدم وجود بديل موثوق به لرئيس الوزراء، وبهذا فقد تلجأ الملكة إلى ذلك لتجنب إحداث انقسام بالبرلمان.

وعليه فإن الفترة القادمة ستشهد منافسة شديدة بين أعضاء الحزب وبخاصة ممن كانوا في حكومة “بوريس جونسون” للترشح لرئاسة الحزب، وأبرز تلك الترشيحات هي التالية:
وزير الخزانة المستقيل “ريشي سوناك”؛ إذ تضعه استقالته في صفوف المرشحين الأوفر حظًا لخلافة جونسون بعد أن تراجعت شعبيته بسبب ثروته والترتيبات الضريبية لزوجته الثرية التي أثارت استياءً في خضم أزمة القدرة الشرائية. ولكن يظل عدم موافقة الكثيرين على قراراته بخصوص السيطرة على الأسعار كعامل مؤثر على اختياره.

وزير الصحة المستقيل “ساجد جاويد”، والتي ساهمت استقالته بجانب “سوناك” في حملة الاستقالات الأخيرة. يليهم وزير الدفاع ” بن والاس” الذي أصبح أكثر شعبية من أي وقت مضى وسط الغزو الروسي لأوكرانيا بسبب دوره في تلك الحرب.

ومن المرشحين أيضًا وزيرة الدولة للتجارة الخارجية ” بيني موردونت” والتي زادت شعبيتها مؤخرًا بين المحافظين. ومن الأسماء المطروحة كذلك، وزيرة الخارجية ” ليز تروس”، ووزير الخزانة الجديد ” ناظم الزهاوي” الذي يحظى باحترام كبير بين البريطانيين بعد نجاح حملة التلقيح ضد وباء كوفيد التي أشرف عليها. بالإضافة إلى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم “توم توجندهات”، الذي كان أول من أعلن أنه ينوي الترشح في حال استقالة “جونسون”.

في الختام، بالرغم من أن القواعد التشريعية تقتضي استمرار الحكم حتى الانتخابات التشريعية القادمة في يد المحافظين، إلا أن الضغوط الاقتصادية الخانقة، والتي يتم ربطها بسياسات التقشف الذي يتبعها حزب المحافظين منذ سيطرته على الحكم من 12 عامًا قد تُسهم في خلق موجة احتجاجات شعبية مطالبة بالذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة. وحينها يوجد احتمال كبير أن نجد أنفسنا أمام حكومة “عمالية” تتخذ من تعزيز برامج الرفاه الاجتماعية سبيًلا، كحكومة “أتلي” التي قامت بتأميم حوالي 20٪ من الاقتصاد البريطاني، والتي أطلقت خدمات هيئة الصحة الوطنية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71303/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M