زيارة بايدن إلى إسرائيل: ما هي فرص تحقيق اختراق في القضية الفلسطينية؟

شادي محسن

 

تعترف الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن (فقط على مستوى التصريحات الرسمية) أن حل القضية الفلسطينية لا يمكن أن يستقر بدون مبدأ حل الدولتين. لذا يقفز السؤال بشأن الفرص المتاحة لتحقيق انفراج في القضية الفلسطينية بعد زيارة بايدن إلى إسرائيل في 13 يوليو، وترتيبه اللقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

طبيعة الزيارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط

اعترى العواصم العربية مع إسرائيل قلق حول مستقبل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط بعد خطط الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان والعراق. ولكن بعد مجموعة من السياقات الدولية والإقليمية التي صاغت تدهورًا أمنيًا في كثير من المناطق مثل التحدي الأمني الإيراني ووكلائها في المنطقة، أو الحرب الروسية في أوكرانيا؛ دفع الولايات المتحدة إلى بعث رسائل سياسية إلى دول الشرق الأوسط مفادها أن الولايات المتحدة ما زالت قوة مؤثرة في النظام الدولي، وما زالت حاضرة في المنطقة في مواجهة أي تهديد.

لا تنفصل هذه الرسائل الأمريكية عن التأكيد على كون إسرائيل قوة إقليمية محورية ضمن أي تشكيل أمني مستقبلي، تماشيًا مع المبدأ الاستراتيجي الأمريكي الأول في الشرق الأوسط وهو الحفاظ على أمن إسرائيل. ويقف خلف هذه الطبيعة الخاصة للزيارة الأمريكية مشهد اصطفاف منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية الخمسة أثناء استقبال طائرة الرئيس الأمريكي في مطار بن جوريون الإسرائيلي، وتعهد بايدن بصياغة وثيقة أمنية بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي تضمن فيه الولايات المتحدة تطوير دفاعات أمنية مع إسرائيل وحمايتها بالقوة المشتركة من التهديدات الأمنية.

متغيرات تعرقل الانفراجة

هناك مجموعة من الأحداث التي سبقت الزيارة الأمريكية إلى إسرائيل رسمت هامشًا ضيقًا لفرصة تحقيق انفراج في القضية الفلسطينية، أهم هذه الأحداث والمتغيرات هي:

أولًا: حل الكنيست الإسرائيلي: رغم حلول يائير لابيد في موقع رئيس الحكومة الإسرائيلية كونه من تيار الوسط في إسرائيل، إلا أن الحكومة الحالية لا تمتلك أية صلاحيات أو مقومات سيادية يمكن من خلالها الدخول في مفاوضات سياسية مع السلطة الفلسطينية.

فضلًا عن أنه حسب القراءات والتقديرات السياسية فإن فرص عودة نتنياهو مرة أخرى إلى الحياة السياسية في إسرائيل واعدة بقوة، يستدل على ذلك ترتيب الولايات المتحدة للقاء مع نتنياهو زعيم المعارضة الإسرائيلية حاليًا والمرشح بقوة بالفوز بالانتخابات القادمة في نوفمبر 2022. ويتزعم نتانياهو أكثر معسكرات اليمين تطرفًا في إسرائيل، والتي ترفض مبدأ الحلول السياسية للطرف الفلسطيني، والاكتفاء بحقوق اقتصادية غير مستقلة على غرار ما تقدم فيما يعرف بصفقة القرن أو خطة السلام الأمريكية في عهد ترامب.

ثانيًا: وعود أمريكية غير مكتملة: يظل تمسك الولايات المتحدة بمبدأ حل الدولتين هو في إطار الإشارات اللفظية (التصريحات) فقط، إذ كانت واشنطن قد وعدت منذ صعود الإدارة الأمريكية الجديدة تنفيذ خطوات حقيقية مثل: (1) رفع منظمة التحرير الفلسطينية عن قوائم الإرهاب، (2) فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، (3) استئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية، (4) فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. ولكن لا ترغب الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي الدفع بعملية سلام بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني تحت داعي عدم التدخل في الشؤون الإسرائيلية أو فرض حلول غير مقبولة إسرائيليًا.

ثالثًا: مراهنة حماس على المحور الإيراني: في الوقت الذي تكرس فيه إسرائيل للانقسام بين حركتي فتح وحماس لاستحالة وحدة الصف الفلسطيني في أي تسوية سياسية مستقبلًا، تقترب حماس أكثر من الصف الإيراني. إذ كثفت حركة حماس في الآونة الأخيرة زياراتها إلى بيروت للقاء تنظيم حزب الله اللبناني تمهيدًا لتعاون استخباراتي أمني وثيق وتمهيدًا لاستئناف العلاقات بين حماس والنظام السوري. تحصر حركة حماس قطاع غزة في مربع ردات الفعل المحتملة من الجانب الإيراني في إطار حروب الظل بين إسرائيل وإيران.

محددات الإدارة الإسرائيلية للصراع مع الفلسطينيين

تتحدد سياسات إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية وفق مجموعة من الاعتبارات، وهي:

طبيعة الإدارة الأمريكية: تتأرجح السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية بين التشدد تارة والتخفيف المحسوب تارة أخرى حسب نوع الإدارة الأمريكية. ففي عهد إدارة ترامب تمسك نتنياهو بأقسى السياسات الاستيطانية والأمنية تشددا تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

فيما حاولت حكومة نفتالي بينيت ومن بعده يائير لابيد أثناء إدارة جو بايدن تقديم تسهيلات اقتصادية وأمنية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تراوحت بين الموافقة على زيادة تصاريح العمل لمواطني غزة في السوق الإسرائيلية، وفتح أسواق فلسطينية في الضفة للتجارة الإسرائيلية، والموافقة على المقاصة الضريبية للسلطة الفلسطينية. وانعكس هذا المحدد في اللقاء الأخير الذي جمع وزير الدفاع الإسرائيلي برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قدمت خلالها إسرائيل وعودًا من بينها إزالة خطة استيطانية ببناء ألفي وحدة استيطانية.

اختزال القضية الفلسطينية في المربع الاقتصادي: رغم تمتع سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بالتخفيف المحسوب أثناء الإدارة الامريكية الديمقراطية إلا أنها تظل حبيسة الحسابات الاقتصادية فقط، أي أن إسرائيل لا تقدم سياسات توافقية للفلسطينيين في إطار سياسي. يستدل على ذلك رفض إسرائيل إجراء انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية في القدس الشرقية.

ختامًا، يمكن القول إن حضور القضية الفلسطينية على جدول الزيارة الأمريكية إلى الشرق الأوسط لا يخرج عن مجرد إشارات لفظية ووعود أمريكية غير مكتملة تظل حبيسة الاعتبارات الاقتصادية فقط؛ أي منح الفلسطينيين آفاقًا اقتصادية لا تقترب من الحلول السياسية الحقيقية. بجانب أن فرصة تحقيق اختراق جاد في القضية الفلسطينية تعرقله متغيرات إقليمية ودولية ذات طابع أمني حرج، وتعرقله كذلك متغيرات إسرائيلية جديدة مثل زيادة فرص صعود حكومة يمينية متطرفة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71352/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M