زيارة بايدن إلى السعودية: التحولات والمآلات

 د.وفاء صندي

 

جاءت زيارة بايدن إلى السعودية وسط مخاوف من حدوث تغيير في النظام السياسي العالمي؛ بسبب الحرب الأوكرانية. وأصبحت هذه الأخيرة، تشكل، بشكل متزايد، تحديًا سياسيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا دوليًا بما في ذلك لأمريكا. من ناحية أخرى، تشكل هذه الزيارة تحولًا مثيرًا للجدل في سياسة بايدن الخارجية؛ فخلال حملته الرئاسية، قال الرئيس الأمريكي إنه يجب معاملة السعودية كـمنبوذة بسبب سجلها الحقوقي ومقتل الصحفي جمال خاشقجي.

ومع تأخر زيارته إلى الشرق الأوسط، بدا أن هناك تحولًا استراتيجيًا تبتعد بمقتضاه واشنطن عن المنطقة من أجل التركيز على التحديات الأكبر، وأبرزها الصين. لكن مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية، تغيرت الأولويات والتحديات، وتراجعت أولوية قضايا حقوق الإنسان حينما تعلق الأمر بالمصالح العليا الأمريكية. أدت الحرب وتبعات العقوبات التي فرضتها أمريكا والدول الغربية على روسيا، التي تعد من أهم منتجي النفط والغاز، إلى حدوث أزمة في سوق الطاقة العالمية، وارتفاع كبير في أسعار النفط. لم يبق أمام إدارة بايدن سوى التحرك باتجاه منتجي النفط الكبار في العالم، وعلى رأسهم السعودية، مطالبة إياهم بزيادة الإنتاج لتعويض أي نقص ناتج عن انخفاض الصادرات الروسية.

ربما تردد الرئيس الأمريكي في زيارته إلى المملكة بسبب مواقفه السابقة، لكنه اضطر في النهاية إلى القيام بهذه الزيارة رغم الانتقادات الواسعة التي تعرض لها، مركزًا في إجاباته على ما وجهته له وسائل الإعلام بخصوص السعودية أن زيارته تستهدف لقاء مجموعة من قادة الشرق الأوسط لا قادة السعودية فقط لتفادى أن تشهد المنطقة فراغًا تستفيد منه روسيا والصين كما حدث في مناطق أخرى من العالم، وصولًا إلى حماية الأمن القومي الأمريكي وما أسماه مقدرات العالم الحر.

لكن اختيار السعودية مكانًا لعقد القمة المذكورة يعد في حد ذاته ترسيخًا لمكانة المملكة إقليميًا ودوليًا. في أثناء لقائه بالملك سلمان وبولي العهد محمد بن سلمان، طلب الرئيس الأمريكي من السعودية وباقي دول الخليج زيادة إنتاجها من النفط من أجل تخفيض أسعار النفط المرتفعة في أمريكا، والتي تهدد فرص فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل؛ فارتفاع أسعار الطاقة يعد هدية للحزب الجمهوري الأمريكي.

في المقابل، يعلم بايدن جيدًا أن زيارته إلى الشرق الأوسط لن تثمر عن مكاسب فورية؛ فمثلما يحاول الدفاع عن مصالح بلده، تسعى دول المنطقة، التي رفضت الوقوف مع الغرب في مواجهة روسيا في الأزمة الأوكرانية، كذلك إلى الحصول على التزام قوى وواضح من أمريكا بالعلاقات الاستراتيجية معها، لا سيما أن هذه العلاقات عرفت فتورًا في الفترة السابقة، إلى الحد الذي بات هناك إحساس عام في المنطقة العربية بأن أمريكا لم تعد حليفًا يمكن الاعتماد عليه.

منذ انسحاب أمريكا من العراق، وخفض مشاركتها في الأزمة السورية، تراجع ثقلها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. الفراغ الذي تركته في المنطقة تحاول روسيا ملأه بدرجات متفاوتة من النجاح. أولًا، دعمت روسيا النظام السوري، وأظهرت بشكل كبير أنها لا تتخلى عن حلفائها مثلما تفعل أمريكا. أيضًا، هناك حديث عن تعاون تقني يجمع موسكو والرياض، تدعم روسيا من خلاله السعودية. صحيح، من وجهة نظر الرياض لا تشكل روسيا بديلًا كاملًا عن الشراكة الأمنية والعسكرية مع أمريكا، لكن المملكة تحاول الدفاع عن مصالحها وأولوياتها من خلال تنويع شبكة حلفائها.

من خلال زيارته الأخيرة، يكون بايدن قد أنهى حالة الجمود في العلاقات مع السعودية. وقد يترتب عنها: أولًا، تطبيع علاقات الإدارة الأمريكية مع ولى العهد السعودي، ومستقبلًا التخفيف من حدة التصريحات الأمريكية بخصوص موضوع حقوق الإنسان في السعودية. ثانيًا، يتردد الحديث أن واشنطن تدرس استئناف بيع الأسلحة الهجومية للسعودية بعد التوقف الذي شهدته مع بدء رئاسة بايدن. ومن المرجح أن يعتمد القرار النهائي لإلغاء هذا الحظر على ما إذا كانت القيادة السعودية في الرياض ستحرز تقدمًا نحو إنهاء الحرب في اليمن، حسبما تناقلته وسائل اعلام دولية نقلًا عن مصادر أمريكية مطلعة.

ثالثا، أظهرت السعودية بعض الانفتاح نحو إسرائيل، فقد أعلنت أنها سترفع القيود المفروضة على مرور الطائرات المتوجهة إلى إسرائيل والقادمة منها فوق الأجواء السعودية. أما ما روجت له بعض وسائل الاعلام الغربية والإسرائيلية عن قرب إقامة حلف دفاعي إقليمي يضم الدول العربية وإسرائيل لمواجهة الخطر الإيراني فإنه من الواضح من واقع بيانات القادة في قمة جدة أنهم لم يتناولوا هذا الموضوع، وإن أشار كثير منهم إلى ما تمثله السياسات الإيرانية من خطر على الأمن والاستقرار في المنطقة.

في الختام، تبقى الإشارة إلى أنه من المبكر الحكم على مدى نجاح أو فشل هذه القمة ومدى تحقيقها الأهداف التي استهدفتها واشنطن ودول المنطقة.

نقلًا عن صحيفة الأهرام

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71609/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M