هل أصبح القلق المناخي مسيطرًا على أوروبا؟

 منى لطفي

 

اجتاحت موجات الحر “الاستثنائية” جنوب وغرب أوروبا، وأسفر هذا الارتفاع في درجات الحرارة عن اشتعال الحرائق في مناطق وغابات مختلفة في أوروبا، جاءت على رأس هذه الدول المتأثرة بموجة الحر بريطانيا، والتي تجاوزت فيها درجة الحرارة 40 درجة مئوية لأول مرة، وأعلنت خدمات الإطفاء وقوع العديد من حوادث الحرائق، وأدى حريق كبير في “وينينجتون” شرقي العاصمة لندن إلى تدمير منازل، ولذلك ألغت السلطات بعض خدمات السكك الحديدية؛ بسبب ارتفاع درجة حرارة القضبان الحديدية أو التوائها، وفشل الكابلات العلوية للقطارات.

وفى باريس تجاوزت درجة الحرارة أيضًا 40 درجة مئوية، وتعد تلك أعلى درجة حرارة وصلت إليها منذ أواخر القرن 19، وترتب على تلك الارتفاع ازدياد معدل الحرائق في الغابات لمدة ثماني أيام على التوالي. وبناء عليه، قررت السلطات الفرنسية حظر إقامة الأنشطة والفعاليات العامة في الهواء الطلق في بعض المناطق، وطالبت وزارة الداخلية الفرنسية الناس بتوخي الحذر الشديد وعدم تعريض أنفسهم لأشعة الشمس. على ذات السياق، وفي الولايات المتحدة الأمريكية -التي تعد أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري- ارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير في الجنوب والغرب.

وامتدت موجة الحر كذلك إلى إسبانيا، والتي استمرت لمدة عشرة أيام على التوالي، ترتب عليها وفاة ما يقرب من 500 شخص. وبالنسبة للبرتغال، اشتعلت حرائق الغابات التي اجتاحت وسط البلاد، وسط درجات حرارة شديدة وهبوب رياح قوية، مما تسبب في إخلاء عدة قرى، مما ينذر بتداعيات مناخية مقلقة هددت الأرواح وزادت من معدلات حرائق الغابات، ودمرت المباني وقلبت موازين الروتين في معظم أنحاء أوروبا.

وهو ما أكدت عليه “كلار نوليس” المتحدثة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في جنيف قائلة: “تضرب موجة حر جديدة، هي الثانية هذا العام، أوروبا الغربية، وتؤثر بشكل أساسي على إسبانيا والبرتغال، لكن من المتوقع أن تصبح أقوى وأن تمتد”.

اللكمات المناخية تقلق أوروبا

بذلت أوروبا العديد من الجهود لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مدار العقود الماضية، سواء من خلال اللجوء إلى استخدام الطاقة النظيفة، أو فرض ضرائب على الكربون وسياسات أخرى لتقليل الاعتماد على الطاقة غير النظيفة والتي يترتب عليها تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، خاصة وأن أوروبا سعت في هذا المجال منذ التسعينات إلى تقليل الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 30% على الأقل.

وبالرغم من أن أغلب التقارير كان يشير إلى أن المناخ سيلقي بظلامه بشكل أكثر قتامة على الدول النامية وأنها المتأثرة بشكل أكبر بالتغييرات المناخية، إلا أن المعادلة قد تغيرت اليوم، وأصبحت قارة أوروبا عبئًا على تغير المناخ، وأصبحت سياسات الطاقة النظيفة في طي النسيان، وسارت أوروبا في طريقها اليوم نحو أن تكون على صفيح مناخي ساخن.

وقد أشارت تقارير إلى أن اتباع السياسات الحالية في أغلب الدول الصناعية الكبرى قد يؤدى إلى ارتفاع درجة الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، والحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية، يعني أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يجب أن تنخفض بسرعة في السنوات والعقود القادمة، وأن تصل إلى الصفر في منتصف القرن تقريبًا.

وبالتالي، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين ما وعدت الحكومات بفعله والمستوى الإجمالي للإجراءات التي اتخذتها حتى الآن. علاوة على ذلك، تقع كل من السياسة الحالية ومسارات التعهدات فوق مسارات الانبعاثات المتوافقة مع هدف درجة الحرارة على المدى الطويل لاتفاق باريس 2015.

ولذلك كان رئيس الوزراء البرتغالي “أنطونيو كوستا” قد من “مخاطر قصوى” في الأيام المقبلة، لو بلغت درجة الحرارة 43,1 مئوية في وسط البلاد، وأن الدراسات أكدت إلى أنه حتى لو حقق العالم أهداف اتفاقية باريس، التي تنص على الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، ومن الناحية المثالية إلى 1,5 درجة مئوية، فإن “خطر حرائق الغابات في البرتغال سيكون أكبر بست مرات.

موجة الحر تزيد من أزمة الطاقة في أوروبا

أدت موجة الحر “الاستثنائي” التي ضربت قارة أوروبا إلى زيادة الطلب على الطاقة، بالإضافة إلى الأزمة الروسية- الأوكرانية التي قلبت كافة موازين الطاقة في العالم، وباتت الدول الأوروبية اليوم تسارع من أجل تأمين احتياجات شعوبها من الكهرباء، بالإضافة إلى إجبارها على تقليل إنتاج الطاقة من المحطات النووية لأن الحرارة الشديدة جعلت من الصعب تبريد المفاعلات. وهنا يثار التساؤل حول هل ستسمر أوروبا في تحولها السريع نحو الطاقة النظيفة؟ أم سينتهي الأمر بها إلى الوقود الأحفوري، والتضحية بسياسات المناخ؟

يبرز هذا التساؤل في هذا التوقيت بالذات بالنظر إلى أن دولًا أوروبية عدة بدأت التوجه نحو الوقود الأحفوري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، خاصة بعد فرض الحزمة الخامسة من العقوبات على روسيا، والتي تعد أول عقوبات متعلقة بالطاقة؛ فبدأت التوجه نحو إعادة استخدام الفحم، الأمر الذي عُد بمثابة تراجع أوروبي عن الالتزامات المتعلقة بالحد من استخدام الوقود الأحفوري وخاصة الفحم، واستخدام مصادر طاقة منخفضة الكربون، ما دفع الاتحاد الأوروبي خلال الأيام القليلة الماضية إلى إصدار سياسات جديدة للتأكيد على التزامه بهذه الأهداف، ومنها التحول نحو السيارات الكهربائية من خلال حظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين في عام 2035، وعزم الاتحاد توسيع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حتى أكثر مما كان مخططًا له سابقًا.

ولكن من ناحية أخرى، فإن الاعتماد العالمي المتنامي على الوقود الأحفوري الذي يمثل السبب الرئيس للاحترار العالمي، ووجود رغبة من الولايات المتحدة وأوروبا في عدم الابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري، واستمرار الصين والهند في الإنتاج المتزايد للفحم على الرغم من أنها تمتلك عدة مصادر للطاقة النظيفة؛ يحمّل هذه الدول مسؤولية أكبر من المسؤولية التي تتحملها بالفعل عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري التي تدمر المناخ، والتي توضح موجة الحرارة غير المسبوقة التي تشهدها دول أوروبا الآن أنه لا توجد دولة في العالم بمعزل عن الآثار السلبية لتغير المناخ.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71603/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M