البحث عن إيران.. سيناريوهات الأزمة العراقية بعد اعتزال مقتدى الصدر

علي عاطف

 

يمر العراق في الوقت الراهن بمرحلة انعطاف سياسية غير مسبوقة منذ رحيل النظام السابق برئاسة صدام حسين عام 2003؛ إذ إن الأزمة الحالية التي بدأت ملامحُها تتشكل بعيد انتخابات أكتوبر 2021 التشريعية، قد تطورت رويدًا رويدًا حتى وصلت إلى حالة انسداد كامل مع إعلان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يوم 29 أغسطس 2022 اعتزاله العمل السياسي “نهائيًا”، ما دفع أنصاره إلى النزول إلى الشوارع وتنظيم احتجاجات حاشدة ودخول مقر مجلس الوزراء في القصر الحكومي.

وقد أدّى ذلك إلى وقوع صدامات بين الصدريين وقوات الأمن العراقية وموالين لـ “الإطار التنسيقي” داخل المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد. وعلى الرغم من تعدد واستمرار مظاهرات مختلف التيارات والفئات في العراق خلال الأعوام الماضية، إلا أن مظاهرات الأيام الأخيرة تختلف عما سبقتها من احتجاجات؛ فتراكمات سنوات من الغضب السياسي الشعبي والصدري أيضًا وغضب القوميين الشيعة العراقيين، والسنة، من سيطرة ونفوذ الموالين لإيران في “الإطار التنسيقي”، الذي يتألّف من كتل سياسية شيعية مثل “تحالف الفتح” بقيادة هادي العامري و”ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي؛ قد وصلت إلى مرحلة الانفجار غير المسبوق.

ويناهض هؤلاء وطوائفُ كثيرة في الشارع العراقي الحضورَ الإيراني العميق داخل مؤسسات ومفاصل العراق والممثل في هذه الكتل المُشار إليها وعبر فرض سلطتها وقوتها من خلال الميليشيات المسلحة. وهذا هو أخطر ما يمكن الحديث عنه في الأزمة الجارية حاليًا داخل العراق.

لذا، فإن هذه اللحظة التي يمر بها العراق لا تُحسَب على أنها عادية في تاريخ ما بعد 2003، حيث قد يقرأها كثيرٌ من العراقيين على أنها توقيتٌ مناسب لتقييد نفوذ مختلف الجماعات السياسية والمسلحة التابعة لإيران، خاصة في ظل وجود فصيل شيعي قومي ذي شعبية لا يختلف معهم كثيرًا في مسألة تحجيم النفوذ الإيراني داخل العراق.

ولعل هذا الاختلاف هو ما دفع وسائل الإعلام في إيران خلال الأشهر الماضية، التي تلت انعقاد الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021، إلى تبني وجهة نظر غير إيجابية بالمرة إزاء مقتدى الصدر، ومهاجمته بشكل صريح ووصفه أحيانًا بأنه “تخطّى دوره”. لذا، لا يجب مطلقًا تخطّي اللاعب الإيراني فيما يحدث داخل العراق الآن.

وفي ضوء ذلك وانطلاقًا من التوترات السياسية الأخيرة التي انفجرت في العراق إثر الصِدام ما بين الصدريين وقوات الأمن و”الإطار التنسيقي” نتطرق فيما يلي لأبرز السيناريوهات المحتملة للأزمة العراقية:

  1. حرب أهلية طاحنة داخل العراق: 

يذهب كثيرون إلى أن السيناريو الأقرب إلى التحقق في العراق خلال قادم الأيام يتمثل في اندلاع حرب أهلية. وقد تكون هذه الحرب خيارًا مطروحًا داخل المشهد السياسي في العراق؛ مع وجود حالة من الاحتقان الشديد والمتراكم لسنوات من جانب الشعب العراقي والصدريين أيضًا ضد الجماعات السياسية والفصائل المسلحة الأخرى الموالية لطهران في العراق.

فقد يرى كثيرٌ من العراقيين أن هذه التطورات تشكل متنفسًا لهم وفرصة ذهبية للتخلص من نفوذ تلك الميليشيات ونفوذ طهران العميق داخل السلطة السياسية العراقية، أو على الأقل تقييده وفرض وجود كتل قومية وطنية غير ذات صلة وثيقة بطهران.

ومع ذلك، فإن هذا السيناريو لا يُرجّح أن يحدث في العراق؛ لعدد من الأسباب التي يأتي من بينها:

  • عدم رغبة الميليشيات العراقية الموالية لإيران بالأساس في وقوع حالة حرب أهلية؛ لأنها تعلم جيدًا أنها سوف تخسر كثيرًا من نفوذها في ظل حالة الاستياء الشديد بين قطاعات من المواطنين تجاهها.
  •  لن يكون في مصلحة طهران، المتحكم الرئيس في هذه الميليشيات، وقوع حرب أهلية دامية في العراق، للسبب المذكور آنفًا من جانب والذي يمكن أن ينتهي بفقدانها بعضًا أو جزءً كبيرًا من نفوذها داخل العراق مستقبلًا، ثم لأن حربًا أهلية في العراق بعد هذه السنوات قد تمتد لفترة طويلة من الزمن وسوف تهدد بلا شك أمن إيران بقوة من جانب آخر.
  • رفض مقتدى الصدر الواضح لقيام حرب أهلية في العراق، بل إنه أعلن اليوم 30 أغسطس 2022 أنه سوف يتبرّأ من أتباعه الذين لن يغادروا المنطقة الخضراء في بغداد في غضون 60 دقيقة فقط.
  • إدراك الدول الفاعلة في الشرق الأوسط أن قيام حرب أهلية في العراق سوف يُلقي بظلاله على أمن المنطقة والإقليم، وقد يقود مرة أخرى إلى تنشيط وعودة الجماعات الإرهابية من جديد مثل تنظيم “داعش” أو إحياء تنظيم “القاعدة” في العراق مرة أخرى، خاصة أن هذه الاحتمالات الأخيرة واردة بعد مقتل أيمن الظواهري في أفغانستان قبل أسابيع وما تُبديه التقاريرُ ذات الصلة من اهتمام المرشحين لخلافة الظواهري بعودة التنظيم بقوة داخل الإقليم، وربما في مناطق أخرى غيره.
  • تأكيد الدول الكبرى على رفض قيام حرب أهلية في العراق والدعوة إلى تجنب العنف، واللجوء إلى الحوار.

لذا، يصبح سيناريو الحرب الأهلية في العراق غير مرجّح بقوة داخل العراق خلال الفترة القادمة.

  1. تشكيل “الإطار التنسيقي” الحكومة من دون الصدريين:

قد يعني إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي تركه المجال مفتوحًا لأن يشكل الإطار التنسيقي الحكومة المقبلة في العراق. وهو ما يعني بالتالي تأليف حكومة ائتلافية لن يكون الصدريون راضين عنها، إلا أنهم قد يقبلوا بها تحت ضغوط ودعوة مقتدى الصدر.

  1. الدعوة إلى انتخابات مبكرة:

يُعد الخيار الأكثر قربًا للواقع، في إطار طبيعة التحالفات السياسية والعسكرية أيضًا داخل العراق، هو استمرار حكومة حكومة تصريف الأعمال بزعامة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، وأن تجري بالتزامن مع ذلك الدعوة إلى انتخابات مبكرة. ويمكن القول إنه يمكن اللجوء في هذا الإطار أيضًا إلى تغيير الكاظمي، الذي لا يحظى بقبول الإطار التنسيقي، وأن تحل محله شخصية تنتمي إلى التيار الصدري ولكنها تكون مؤقتة وانتقالية ترعى فقط إجراء هذه الانتخابات المبكرة؛ تجنبًا لمزيد من سفك الدماء في العراق.

ولكن على أي حال، فإن خيار الانتخابات المبكرة قد يكون الحل الأمثل للوضع الذي يشهده العراق اليوم، وهو ما قد تفضله مختلف التيارات والمواطنين؛ تجنبًا لسيناريو الحرب الأهلية.

  1. تسوية سياسية بين الصدريين و”الإطار التنسيقي”:

يجيء هذا الاحتمال ثاني أبرز السيناريوهات المرشحة بقوة للعمل بها داخل العراق خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد خيار الانتخابات المبكرة؛ إذ قد تدعو مختلف القيادات الشيعية والسنية العراقية، وبالمثل القوى الفاعلة داخل منطقة الشرق الأوسط والقوى الدولية الأخرى المعنية، الصدريين والإطار التنسيقي لإيجاد حل مشترك لمستقبل العراق السياسي، وقد يكون هذا من خلال تشكيل حكومة مشتركة يتيح فيها الصدريون المجال بشكل كبير لشخصيات من الإطار لتولي وزارات ومسؤوليات بعينها داخل الحكومة المقبلة.

وختامًا، سوف يحكمُ التيارات السياسية الناشطة داخل العراق في الوقت الحالي عند التعامل والبحث في حلول للأزمة القائمة محاولة تجنب وقوع حرب أهلية طاحنة في الداخل سوف يتضرر منها جميع العراقيين وقد تتنتج تداعياتٍ قاسية للغاية لا يتوقعها أحد. لذا، قد يلجأ الفرقاء العراقيون إلى حل التسوية السياسية الداخلية ما بين الصدريين والإطار التنسيقي عبر الانتخابات المبكرة أو تشكيل حكومة مشتركة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72595/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M