مكافحة الإرهاب ـ هل أصبحت سوريا واليمن حاضنه للتطرف؟

مازالت الجماعات المتطرفة تستغل الظروف والأزمات التي تمر بها سوريا واليمن للتوسع  والانتشار، ولخلق بيئة مواتية إما لعودة الظهورأو لتخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية إقليميا ودوليا. و أصبحت الجماعات تعمل بشكل لامركزي وبتكتيكات واستراتيجيات جديدة بعد استهداف كبار قاداتها ما يضمن بقاء تلك التنظيمات.

خريطة داعش في سوريا – مكافحة الإرهاب

تشكل جغرافية مناطق انتشار “داعش” الحالية في سوريا عامل قوة للتنظيم تمكنه من إعادة تنظيم نفسه.يتخذ التنظيم الصحراء السورية الوسطى مركزاً أساسياً له لجهة التموضع وإعادة التنظيم . يدرك تنظيم “داعش” جيدا أن الصحراء السورية لجهة عدم تواجد كثيف للعنصر البشري انه بحاجة للتوسع والسيطرة على مناطق مأهولة بالسكان وقد تكون لدى تنظيم “داعش “على المدى المتوسط خطط للسيطرة على بلدات ومدن سورية وبالأخص المناطق المأهولة في أرياف كل من إدلب وحماة والسويداء وسيكون الهدف الأساسي لهذه الخطوة هي زيادة أعداد التنظيم وكذلك المواردفي 13 أغسطس 2021.

يقدر عدد مقاتلي “داعش” بين سوريا والعراق يصل إلى (10) آلاف. وأن التهديد الذي يشكّله داعش والجماعات التابعة له أعلى في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات، مثل سوريا. ورغم أن التنظيم لا يملك منذ سقوط “خلافته” أي مناطق تخضع تحت سيطرته الكاملة أو مواقع يمكن تحديدها بالخرائط، إلا أن مقاتليه لا يزالون ينفذون الهجمات، حيث أنها تتصاعد بالتدريج، وخاصة في سوريا، التي ينتشرون في صحرائها مترامية الأطراف (البادية).

إن “سكان دير الزور يخشون عودة تنظيم داعش”، وتوضح أن زعماء القبائل والقادة العسكريين والمحللين يعتقدون أن “داعش” “يقوم بتجنيد أعضاء جدد بين السكان المحليين الذين يعانون من الفقر، ويصبح أكثر جرأة على تنفيذ أعمال العنف من خلال استغلال حالة عدم اليقين والتوتر الناجم عن الفصائل المتحاربة في المناطق الحدودية المتوترة. وتم ابتزاز الشركات التجارية ومداهمة المتاجر، في حين تم اغتيال العديد من القادة المحليين، من الشرطة إلى أعضاء البلدية”.

أسباب تنامي الجماعات المتطرفة في سوريا – مكافحة الإرهاب

الأزمات الاقتصادية: تشهد سوريا، نزاعاً منذ نحو (11) عاماً، وأزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم والأسعار وندرة في المحروقات وانقطاعاً طويلاً في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو (20) ساعة يومياً دون وجود بدائل حقيقية.ر ومنذ بدء النزاع 2011، مُني قطاع النفط والغاز في سوريا بخسائر كبرى تقدّر بنحو (91,5) مليار دولار جراء المعارك وتراجع الانتاج مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية. داعش ـ هل يتخذ من أفغانستان نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية دولياً؟

نزوح السوريين: أودى النزاع بنحو نصف مليون شخص، وهجّر الملايين، ودمّر البنى التحتية. لا تزال سوريا تعتبر أضخم أزمة نزوح في العالم، حيث اضطر أكثر من (13) مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها في 15 مارس 2022. حيث يعيش أكثر من (90%) من السوريين في فقر مدقع، إلى جانب عدد متزايد من المجتمعات التي تستضيفهم. ويحتاج (14.6) مليون شخص إلى مساعدة إنسانية وغيرها من أشكال المساعدة. كما يحتاج حوالي (5.9) مليون شخص إلى المساعدة من أجل تأمين المسكن الآمن لهم، ولا يزال الكثيرون يواجهون تحديات من حيث الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.

النزاعات الدولية: أبرز داعمي الحكومة السورية هما روسيا وإيران، في حين دعمت تركيا والقوى الغربية بدرجات متفاوتة فصائل وتنظيمات فى سوريا. فروسيا كانت لديها قواعد عسكرية في سوريا من قبل الحرب. وأطلقت حملة جوية لدعم الأسد في عام 2015. وقدمت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة دعما في البداية لما اعتبروه مجموعات معارضة “معتدلة”. لكنهم يعطون الأولوية للمساعدات غير القتالية في 15 مارس 2021 بعد أن سيطرت المجموعات الجهادية على التنظيمات ال‘خرى. و تركيا تعد الداعم الأكبر في سوريا ، لكنها تركز على استغلال التنظيمات لمجابهة وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على تحالف قوات سوريا الديمقراطية.

الجماعات المتطرفة في إدلب – مكافحة الإرهاب

باتت محافظة إدلب “العاصمة الجديدة للإرهاب العالمي”، مع اختباء قادة تنظيمي “داعش” و”القاعدة” فيها رغم إعلان هيئة “تحرير الشام” التي تسيطر على المنطقة محاربتها المتشددين في محاولة لاعتراف المجتمع الدولي بها. هيئة تحرير الشام التي كانت تسمى “جبهة النصرة” وهي ذراع القاعدة في سوريا، مدرجة على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة. كانت الجماعة الفرع الرئيسي لتنظيم القاعدة في سوريا حتى عام 2018 عندما قطعت رسمياً علاقاتها مع الجماعة الإرهابية العالمية، وعلى الرغم من قطع مثل هذه العلاقات، حافظت الجماعة على أيديولوجيتها المستوحاة من تنظيم القاعدة.وأعلنت جماعات متشددة أخرى مقرها في إدلب مثل حراس الدين والحزب الإسلامي التركستاني في سوريا ولاءها لتنظيم القاعدة.

ويبدو أن مساعي الجماعة التي تريد أن تكون بديلا للحكم في المنطقة وتشرف عل توفير الخدمات لنحو(3) ملايين سوري وتسعى إلى قبول المجتمع الدولي، قد تبددت. كذلك التعاون التركي مع الجماعة التي هي في وضع يسمح لها بالسيطرة على الأراضي التي تعتبرها تركيا موطئ قدم أساسي لمراقبة القوات الكردية، لكن تركيا لا تطارد “القاعدة” ولا “داعش”.

مستقبل داعش في سوريا – مكافحة الإرهاب

يهدف تنظيم “داعش” إلى زيادة مناطق سيطرته وإعادة تشكيل هياكله الأمنية والعسكرية وتوسيع مناطق نفوذه.تساعد أيضا التضاريس المعقدة من صحراء وجبال “داعش” في عمليات التمويه والاختباء وكذلك في إنشاء معسكرات التدريب العسكري والأيديولوجي. يبدو جليا أن خطر “داعش” لن يزول على المدى القريب والمتوسط. تعتبر أيضا المخيمات والسجون التي تحوي الألاف من مقاتلي وعوائل تنظيم “داعش” والخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية مثل مخيم الهول، الذي يحوي العدد الأكبر من عوائل التنظيم هدفا أساسيا لخلايا التنظيم. فالمخيم يحوي المئات من ( أشبال الخلافة ) المفعمين بالفكر المتطرف والذين يرى فيهم التنظيم الأمل الكبير في إعادة إحياءه على المستويين الإقليمي والعالمي وذلك كونهم ينحدرون من جنسيات مختلفة حول العالم. ومن ثم،  فإن  منع جهود التطرف والحد من انتشارها يمثل ضرورة أساسية يجب العمل عليها. مكافحة الإرهاب ـ التحالف الدولي في العراق وسوريا، قراءة مستقبلية. 

الجماعات المتطرفة في اليمن

تنظيم القاعدة: استغلت القاعدة الصراع في اليمن ليس فقط للبقاء على قيد الحياة ، ولكن لتخطيط وتنفيذ هجمات على الأمريكيين وحلفائهم. في عام واحد، جند التنظيم مئات المقاتلين بمساعدة القبائل المحلية ، وجذب الجهاديين من آسيا وأفريقيا. حتى أنها أصدرت واحدة من أولى المجلات الجهادية الإنجليزية على الإنترنت ، بعنوان Inspire. واصلت استغلال الفراغ الأمني ​​الناجم عن الصراع المستمر” و “شن هجمات والعمل في مناطق جنوب ووسط اليمن مع إفلات نسبي من العقاب” ، وفقًا لتقرير أمريكي صدر عام 2019 عن الإرهاب فإن عدد مقاتلي القاعدة في جزيرة العرب يقدر بآلاف قليلة.استغل تنظيم القاعدة أزمة اليمن في توسيع أنشطته  في اليمن منذ عام 2014 لاسيما استغلال عمليات النزوح . حيث أعلنت الأمم المتحدة، ، ارتفاع عدد النازحين جراء صراع في اليمن إلى (4) ملايين و(200) ألف شخص.

داعش – فرع اليمن  (Daesh-YB) : حذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في 30 يونيو 2022، من تزايد تهديدات الأنشطة السيبرانية لتنظيم “داعش” في اليمن على أمن واستقرار المنطقة، داعية إلى مواصلة دعمها في جهود مكافحة الإرهاب. تهديد تنظيم داعش قد زاد بوتيرة عالية في الأنشطة السيبرانية وشبكات التواصل الاجتماعي في اليمن، فضلا عن توطيد علاقته وتنسيقه المستمر مع الحوثيين والجماعات الإرهابية في اليمن متمثلة بالقاعدة وداعش لزعزعة أمن واستقرار اليمن والمنطقة”​​​.

مقاتلو داعش فرع اليمن هم أكثر منشقي القاعدة في جزيرة العرب تطرفاً. هاجم مقاتلو داعش فرع اليمن العديد من المساجد الأزيدية في صنعاء. بالنسبة للتمويل، تعتمد داعش فرع اليمن بشكل أساسي على الدعم الخارجي المهرب عبر وسطاء من سوريا إلى اليمن، أو المهرب عبر الموانئ البحرية إلى الحُديدة وعلى طول الشريط الساحلي. كما أنها تحصل على المال من خلال طلبات الفدية لإطلاق سراح الأسرى الأجانب، وسرقة البنوك ومكاتب الصرافة ومتاجر المجوهرات، والمشاركة في غسيل الأموال. مكافحة الإرهاب ـ واقع ومستقبل الإرهاب والتطرف في أفغانستان

التقييم

لايزال تنظيم داعش والقاعدة يستغلان الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية للتوسع  في سوريا واليمن. كذلك يعززداعش ويخلق بيئة مواتية لعودة ظهوره المحتمل في وسط وشمال شرق سوريا. على الرغم من هزيمته عسكريًا. ولا يزال لدى داعش أعداد من المقاتلين بهدف لإظهار قدراته ، واستعادة الأراضي التي فقدها ونفوذهبعد انهيار الخلافة من خلال استغلال هشاشة هياكل الدولة السورية.

بات من المتوقع أن يستخدم  داعش وسط الصحراء السورية كقاعدة لعملياتها ولتخزين الأسلحة والإمدادات ، و أقامة المعسكرات والتدريب والمخابئ التييتراجع إليها مقاتلوها وقادتها،  مع الاحتفاظ بسرية مخابئ قادتها من المستويات المتوسطة إلى العليا الذين يتخفون وسط السوريين النازحين داخليًا.

بات مرجحاُ أن تعمل خلايا  داعش والقاعدة بعد استهدافه قيادتها في هيكل لامركزي للغاية ، حيث يتم تشبع القادة الإقليميين والمحليين بسلطات واسعة النطاق، مما يضمن بقاء التنظيمين في حالة التخلص من كبار القادة. وسيسعى داعش بتكييف استراتيجيته لضمان انتشار الخلايا العاملة في وسط سوريا في جميع أنحاء المنطقة والاعتماد على هيكل وحدة صغيرة للبقاء ، مما يجعل من الصعب تعقب مقاتليه والقضاء عليهم.

 

الهوامش

Islamic State’s Primed for Resurgence in Syria
https://bit.ly/3A8pTEY

Rebel-Held Syria Is the New Capital of Global Terrorism

Will Al-Zawahiri’s Killing Have Impact on Al-Qaida Affiliates in Syria?
https://bit.ly/3wkDJTq

Yemen’s Al-Qaeda regenerates amid battle for the north
https://bit.ly/3CmlZee

10 آلاف مقاتل بين بلدين.. حقيقة أرقام “داعش” وحجم “الفاعلين والكامنين”
https://arbne.ws/3T6KVfI

تنظيم الدولة الإسلامية: “عودة داعش تنشر الخوف في سوريا حيث يعيد العنف الجديد فتح الجراح القديمة”- في الإندبندنت
https://bbc.in/3wmQRYf

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%81%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d9%80-%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84%d8%aa-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M