بقلم : محسن الكومي – المركز الديمقراطي العربي
تختلف المشاكل التي تمر بنا في دولاب العمل اليومي عن بعضها البعض فبعضها يتنامى أثره، والبعض الآخر يكون مؤقتا ولحظياً دون أن يُحدث أثراً عميقاً وفي كل الحالات لا يمكن أن تُعد هذه المشكلات أو أن يُطلق عليها أزمات، لكن أصدق تعبير عنها هو أنها أحداث مؤسفة أنتجت مشاكل في العمل فحسب أما مفهوم الأزمات فهو مختلف عن ذلك لأن من خصائص الأزمة أنها عميقة الأثر قوية التأثير على دولاب العمل المؤسسي وعلى المتأثرين بها بل يمكن أن يتعدى أثرها جغرافيا المؤسسة ذاتها إلى مؤسسات أخرى أو المجتمع ككل فالأزمة هي ” حادثة محددة غير متوقعة وغير مألوفة أو سلسلة من الحوادث التي تُخلّف مستويات عالية من الاضطرابات . ولذا يمكن النظر على أدق الفوارق بين المشكلات اليومية “أي الأحداث المؤسفة” وبين الأزمات في المؤسسات في عدة نقاط من أهمها عناصر :
- المفاجأة
- التهديد
- زمن الاستجابة المقدر ([1])
تلك أهم عناصر التفرقة بين الأزمات والأحداث المؤسفة ” المشاكل اليومية” لأي مؤسسة أو أي جهاز إداري
فأما المفاجأة : فهي سمت من سمات الأزمات ومعناها بعبارة تعريفية أدق” حدوث الحدث في زمن غير متوقع حدوثه” ففي حادث يعتبر بمثابة أزمة لشركة من شركات الشحن قام أحد المارة بتصوير عاملا لتلك الشركة وهو يقوم بمناولة شاشة كومبيوتر لأحد أفراد الشركة تمهيدا للشحن وذلك عن طريق إلقائها له من الدور الثاني في حديقة منزل أحد العملاء وكانت الأزمة في انتشار هذا الفيديو على اليوتيوب وحصوله على أعلى مشاهدة في هذا اليوم ومبادلة المشاهدين الفيديو لبعضهم والذي يعد سبباً كبيراً لنشوء أزمة للشركة بصورة مفاجأة وغير متوقعة أن تحدث أصلاً وفي وقت قياسي وسريع جداً وهذا يمثل عنصر المفاجأة .مما دفع الشركة إلى سرعة التواصل مع الجماهير وعمل تعليقات فيديو سريعة للرد على ما تم من مفاجأة نتيجة سرعة انتشار ذلك الفيديو ليعد أزمة لكيان الشركة ككل .
وأما عنصر التهديد: إن لكل أزمة تهديدها الذي يعتبر مرماها منذ اللحظة الأولى لنشأتها ولذا فقد تسعى الشركات الكبرى إلى الحد من التهديد والذي قد يطال كثيرا من جنبات الشركة على مستوى الأفراد، مما يمثل تهديداً للنسيج الاجتماعي داخلها، وقد يكون أيضا على مستوى المركز المالي للمؤسسة ، أوقد يمثل تهديداً على مستوى ولاء العملاء والمراكز ذات العلاقة، وبالتالي يعد التهديد من أقوى توابع الأزمات وفي مثالنا السابق يعتبر انتشار فيديو عامل الشركة هو عنصر من عناصر التهديد الكبرى التي قد تشتمل على انسحاب كثير من العملاء ممن لهم شحنات تجارية وخاصة تلك التي تتسم بالقابلة للكسر من التعامل مع الشركة وبالتالي ينتج ذلك تهديداً مباشرا للمركز المالي للشركة، وقد يسبب انتشار الفيديو تهديداً قويا أخر للشركة من خلال فقد العملاء الراسخين ولاءهم للشركة والحصول على الخدمات من شركات أخرى وهذا أيضاً يمثل تهديدا من نوع جديد حيث ينتج عنه انتقاص الحصة السوقية للشركة بصورة مهددة للمركز المالي لها.
وأما عنصر زمن الاستجابة المقدر:
إن لكل أزمة فترة رد فعل تمثل فترة استجابة للحدث، والتي من خلالها تسعى المؤسسات لمحاولة تجنب الأزمة من خلال ردات فعل سريعة تناسب سرعة مفاجأة الأزمة، وفي هذا لو قُدِر أن زمن الاستجابة للأزمة طويلا نسبياً أو ممتداً هنا قد يَعظم الخطر على الشركة أو المؤسسة ولذا ينبغي أن تكون سرعة الاستجابة للحدث عالية جدا وتناسب عنصر المفاجأة الحاصل من الأزمة وإلا فقد تفقد المؤسسة دورها وريادتها نتيجة طول فترة الاستجابة أو انعدام الاستجابة أصلاً وفي مثالنا السابق نجد أن شركة الشحن قد أحسنت التصرف إذا قللت تماماً زمن الاستجابة فكانت الإجابة فورية في التعامل مع العملاء والاتصال بهم ونشر فيديو يمثل رداً على تلك المفاجأة يتناسب هذا الرد مع نوع التهديد وزمنه مع التهديد الحاصل وبنفس الزمن.
وبعد هذا الإيضاح لمفهوم الأزمة وعناصر التفرقة بينها وبين الأحداث المؤسفة أو المشاكل المؤسسية ينبغي النظر إلى ركن أصيل من أركان التعامل السريع مع الأزمات والتغلب على عنصر المفاجأة وعنصر التهديد وتقليل زمن الاستجابة مما يُقلل تهديدات وآثار الأزمة. إن عنصر إدارة الحوار وقت الأزمات من أهم تلك العناصر التي تعمل على حسن التعامل معها وقد يكون سبباً رئيساً من أسباب انحصارها والتخلص منها.
إن إدارة الحوار فن ومهارة حيال المواقف اليومية والمشاكل الحادثة وهذا على سبيل الإجمال لأهمية الحوار فما بالنا بدور وأهمية الحوار وقت الأزمات؛ فالحوار بمعناه العام كمفهوم هو “تبادل الأفكار والآراء والمناقشات بين طرفين أو أكثر بهدف الوصول إلى نقطة اتفاق مشتركة يمكن البناء عليها في موضوع ما” .
وفكرة إدارة الحوار هي “تلك المنهجية والطريقة المتبعة في الوصول إلى نقطة اتفاق مشتركة عن طريق تبادل الآراء والأفكار بين الأطراف ذات العلاقة”.
وأما إدارة الحوار أثناء الأزمات فيمكن التعبير عنها بأنها ” تلك المنهجية والطريقة التي يمكن من خلالها اتفاق الأطراف على تبادل الأفكار والآراء حيال أزمة ما للوصول إلى حل تتفق عليه كافة الأطراف للخروج من تلك الأزمة .
وأما أسس تلك المنهجية المتبعة في الحوار أثناء الأزمات فيمكن تلخيصها في :
- الشفافية : حيث تعتبر من أهم دعائم إدارة الحوار ذلك لأن التغلب على الأزمات تنبغي معه المكاشفة وإعطاء كل طرف ما لديه من حلول تسهم في التغلب على الأزمة وهذا يجب أن يصاحبه مقدار كبير من الشفافية التامة بين تلك الأطراف .
- التكامل : يعد التكامل من أسس إدارة الحوار في الأزمات وذلك عندما تتجمع أراء كل طرف من أطراف الحل لتشكل بعدها رأي موحد ناجم عن دراسة كافة الآراء والعمل على مزجها سوياً في نسيج متكامل تام .
- المكاشفة : أن تطور الأزمات وانتقالها من مرحلة إلى أخرى أكثر شراسة قد يكون ذلك نتاج غموض يصاحب تلك الأزمة وهنا تنمو الأزمات وتستفحل ويعظم أثرها لأن عنصر الغموض وتناميه يعتبر بيئة خصبة تنمو معه الأزمات وتنتقل من طور إلى آخر أشد وأقوى .
- حسن التقدير : إن تقدير الظرف الراهن زمن الأزمات قد يعتبر من عناصر النجاح في إدارتها من خلال الحوار الهاديء حيث ينتج مع الأزمات سلسلة من التشاكس والارتباك قد يعصفان بالفريق ككل ولكن مع حسن تقدير أعضاء الفريق للأزمة وتوخي الحذر في التعامل معها من خلال سمو ونوع الخطاب البيني للحوار بين الأعضاء أو من خلال التعاطي الإعلامي حول الأزمة، فقد يُنتج ذلك التقدير نجاة حقيقية أقلها زيادة لٌحمة الفريق فيخرج متماسكاً أكثر رسوخا من ذي قبل .
- المسئولية : قد ينتج عن الأزمة عاصفة من المشاكل يتجه معها كل فرد بالابتعاد عن المساءلة متسلحاً بالهجوم واتباع أساليب غير أخلاقية أقلها التهرب من المسائلة والقاء الاتهام على الآخرين وهنا ينبغي للفريق ككل في إدارته للحوار وقت الأزمات أن يكون على قدر من المسئولية فيرقى بمستوى حواره وذلك بالتحلي بالخلق الرفيع وعدم القاء التهم على الآخرين بغية تبرءة النفس.
كيف ندير حوار فعالاً وقت الأزمة؟ :
اتفقنا سابقاً أن عنصر الأزمة والتهديد وزمن الاستجابة المقدر هم من أهم عناصر التفرقة بين الأزمات والمشكلات اليومية داخل دولاب العمل المؤسسي وحتى نستطيع أن ندير حواراً فعالاً يتماشى مع تلك العناصر ينبغي مراعاة ما يلي:
أولا إدارة الحوار بالتوافق مع عنصر المفاجأة :
إن إدارة الحوار بين أعضاء الفريق الواحد في الأوضاع الطبيعية قد يتسم بالصعوبة أحياناً في بعض فرق العمل نتيجة اختلاف وجهات النظر وهذا يعتبر من مظاهر المرحلة الثالثة من مراحل تشكيل فرق العمل ألا وهي
مرحلة “الصراع” وهذا الأمر قد يحدث في الأوضاع الاعتيادية لسير العمل فما بالنا في أوضاع استثنائية مثل تلك التي تمر في فترات الأزمات ونظراً لمدى الحرج الناتج في هذه الأوقات ينبغي على الفرق المميزة والتي تعمل على إدارة حوار فعال بين أعضاءها أن تراعي وتتبع ما يلي:
- تطوير منظومة الاتصال والتواصل بين عناصر الفريق ومعرفة دور كل واحد من الأعضاء أثناء الأزمات مع توضيح وتركيز الهيكلة والهيكلة البديلة وتحديد الاختصاصات والمسئوليات حتى لا يحدث ارتباك ينشأ معه تدني لغة الحوار والتحول إلى المنابذة والاتهام .
- التقليل من مساحات العمل المشترك وتفعيل دور الرقابة الذاتية مع التزام كل عضو بالفريق بموقعه وفق ما رُسم له مع الاعتماد على الانضباط الفردي وسرعة الاستجابة للعمل الجماعي إن طُلب ذلك في أي مرحلة من مراحل التعامل مع الأزمة.
- تصميم نماذج عرض الأفكار وطرق العرض الفعال والمختصرة بما لا يدع مجالاً للمزايدات أو عرض ما لا يتماشى مع الأزمة وهذه النماذج فعلا قد تكون مميزة في التخلص من محاولة الأعضاء التنصل من المسئولبة والقاء التهم على بعضهم البعض.
- تدريب الفريق على إدارة الحوار أثناء الأزمات عن طريق المحاكاة والتجربة العملية على مشاكل وسيناريوهات تشبه الأزمات، لتتشكل لدى الفريق قدرة على التعامل الحواري الراقي وقت الأزمات وكأنهم يتدربوا عمليا على نماذج مشابهة للأزمات الحقيقة كمثل التي تحدث في حالات الإخلاء عند التدريب على سيناريوهات الدفاع المدني ولذا ينبغي التدريب على مثل هذه النماذج في إدارة الحوار عملياً بصورة تدريببة محاكية للواقع .
ثانياً إدارة الحوار بالتوافق مع عنصر التهديد :
إن من لوازم الأزمات ومظاهرها ما قد تحمله في طياتها من تهديد للكيان المؤسسي كفريق عمل أو قوة اقتصادية أو ولاء العملاء ولذا ينبغي على فرق العمل المميزة أن تُراعي ما يلي في إدارتها للحوار الفعال بين أعضاء الفريق الواحد:
- تصميم منظومة متابعة دقيقة تقوم بالرصد والتحليل لما قد يستجد من تهديدات نابعة من الأزمة مع قياس حجم ذلك التهديد وتنامي أثره ومدى عمقه وتأثيره وقوته، حتى يتم التلائم بالحلول المتناسبة مع تقدير الحجم المرصود من التهديدات .
- اطلاع فريق العمل على كافة التفاصيل التي من شأنها أن تكن لها علاقة بأثر التهديدات الناجمة عن الأزمة كل حسب اختصاصه ومدى علاقته بتلك التهديدات.
- تصميم بنك اقتراحات فوري يتلقى كافة الآراء حول التعامل مع تلك التهديدات على أن يوضع بمتناول الفريق ليعبر كل واحد عن رأيه حتى الأعضاء الذين لم تشملهم فرق العمل المخصصة لإدارة الأزمة وبالتالي نضمن إدارة حوار فعال هرمي يبدأ من أقل مستوى إداري مروراً بمستوى التنفيذيين وحتى الإدارة العليا .
- تحديد صلاحيات كل عضو من أعضاء فريق إدارة الأزمة وعدم تداخل الاختصاصات مع بيان شامل للهيكلة لتلك الفرق، مع بيان وتوضيح دور كل عضو في الفريق .
- فتح قنوات اتصال فورية بين أعضاء الفريق كهرم ومنظومة عمل واحدة وأن يكون طاقم إدارة الازمة قريب من أعضاء الفريق ككل في تلقي الاقتراحات والشكاوى وطريقة وأسلوب العمل المتبع.
ثالثاً إدارة الحوار بالتوافق مع عنصر زمن الاستجابة المقدر :
يعد زمن الاستجابة المقدر من أهم عناصر تفاقم الأزمات ، وقد يكون من أهم عناصر إنهائها وتعتمد الفكرتان على طول أو قصر زمن تلك المعالجة والاستجابة فكلما طال زمن الاستجابة والتعامل مع الأزمة كلما تعقدت الأمور وتطورت الأزمة وزاد أثر التهديد وعمقه والعكس صحيح، ولذا ينبغي عند إدارة الحوار للتوافق مع زمن الاستجابة المقدر وقت الأزمات مراعاة ما يلي :
- تهيئة الفريق تهيئة تامة وذلك بالشرح الوافي للأزمة والتعبير عنها وفق ما تم رصده حقيقياً دون تهويل أو انتقاص من حجمها بما يجعل الفريق كله يعمل كمنظمة عمل واحدة للوصول إلى حلول ناجعة للتغلب على تلك الأزمة .
- الوقوف ضد أي مظهر من مظاهر السلبية واللامبالاة من أعضاء الفريق ومحاولة القضاء عليها أولاً بأول ووضع كافة أعضاء الفريق في قلب الحدث لينتج عن ذلك حالة من التبني العام لموقف المؤسسة في مواجهة تلك الأزمة ..
- الوقوف على مدى جاهزية الفريق وتدريبهم تدريباً شاملا على مواجهة الأزمات وقياس معدل الاستجابة لديهم في التعاطي مع الأزمات ومقدار ردة فعلهم في حال حدوث أزمات مشابهة.
- اعتماد مبدأ المصداقية في الحوار بين الإدارة والفريق ككل والقضاء على أي مظاهر من مظاهر التشرذم والفرقة بين أعضاء الفريق الواحد ومحاولة تجنيب العناصر المسببة للتفرقة بين الأعضاء والذين نطلق عليهم دوماً “سرطان “الفريق والذي يبدد قوة الفريق عن طريق بث الإشاعات واستغلال شح المعلومة وضبابية الموقف .
- تقليل زمن الغموض الذي يكتنف فترات الأزمات مما يسبب ضبابية لدى الأفراد ويعتبر مظهر من مظاهر الأزمة وذلك عن طريق زيادة مساحة الحوار وتوفر المعلومة الصحيحة عن الأزمة فكلما زاد الغموض واصبح تداول المعلومة شحيحاً ، كلما زادت وكثرت الإشاعات وزاد الحوار السلبي وتنامت روح التقاتل والاتهام والحوارات البينية القاتلة لروح الفريق .
إن الحوار الفعال والبنَّاء والذي يكون سبباً في التجميع بين وحدات العمل في المؤسسة الواحدة، تعظم وتشتد الحاجة إليه في الأوقات الصعبة وخاصة فترات الأزمات والتي قد تكون مهدداً كبيراً للمؤسسات ودولاب العمل الإداري بها، ولذا ينبغي على المؤسسات الناجحة أن تقدر لتلك الفترات أساليب التواصل والاتصال أثنائها ،حتى ينتج عن ذلك حواراً فعالاً مميزاً يتناسب مع تلك الأزمات ويقدر لها عمق وخطورة تأثيرها وأثر نتائجها على الفريق وعلى مكتسباته من مراكز مالية أو حصص سوقية.
([1]) التواصل الفعال مع الأزمات الانتقال من الأزمة إلى الفرصة، روبرت اولمر، ص 23،دار الفجر للنشر والتوزيع،القهارة ، 2015
.
رابط المصدر: