شهدت لبنان على مدار الأيام الماضية ظاهرة اقتحام المصارف اللبنانية المتتالية، لسحب الودائع من خلال التهديد بالسلاح، وذلك للقيود المفروضة من البنوك على سحب المودعين لمدخراتهم بالدولار الأمريكي؛ إذ قامت إحدى الفتيات باقتحام البنك لسحب وديعتها للإنفاق على علاج أختها، وهددت موظفيه بمسدس تبين فيما بعد أنه صوت، ثم توالت عمليات اقتحام البنوك من جانب المودعين يوم 16 سبتمبر 2022 في مختلف أنحاء لبنان، وعلى إثر ذلك قامت جمعية المصارف اللبنانية بإغلاق المصارف لمدة ثلاثة أيام لمراجعة الإجراءات الأمنية.
تعود أزمة المصارف إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الدولة، نتيجة فقدان العملة اللبنانية (الليرة) قيمتها أمام الدولار، لذا اتخذت البنوك إجراءات لتقنين عملية سحب المدخرات، ووضع حد للسحب الشهرى بهدف منع هروب رؤوس الأموال للخارج، حيث تقدر الخسائر التي تعاني منها البنوك بنحو 80 مليار دولار. كما أن هناك تباطؤًا في علمية الإصلاح للوضع المتردى الذي تعاني منه لبنان، من قبل مؤسسات الدولة سواء مصرف لبنان أو الحكومة أو مجلس النواب.
وتضيف أزمة اقتحام المصارف والتي شهدت حوالي ثماني عمليات اقتحام إلى الأزمات التي تعاني منها الدولة على مدار السنوات الماضية، فقد قامت الاحتجاجات في أكتوبر 2019 اعتراضًا على فساد الطبقة السياسية، ولسيطرة فاعل رئيسي (حزب الله) على الوضع اللبناني وعدم رغبة أطراف إقليمية في استمرار هذا الوضع؛ إذ تعد لبنان ذات أهمية استراتيجية لدول الخليج، فهي متقاربة جغرافيًا وسياسيًا بسوريا، ومن ثم فوجود مليشيا إيرانية تمتد من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان وساحل البحر المتوسط يمثل مصدر قلق للدول الخليجية، نظرًا للدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه المليشيات الإيرانية في المنطقة عامة والخليج خاصة، مثل: جماعة الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في سوريا ولبنان. وعليه تعد لبنان بيئة خصبة لتفاعلات إقليمية ودولية، وأي حلول للأزمة مرتبطة بالتفاعلات في ملفات وقضايا أخرى، نظرًا للتشابك والتداخل بين مصالح الدول الفاعلة هناك.
تفاقم الأزمات
تعود أزمة اقتحام المصارف إلى عدد من العوامل التي ساهمت في تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي، واستمرار عدم الاستقرار السياسي في الدولة، ويمكن الوقوف عليها على النحو التالي:
• الأزمة الاقتصادية: وفقًا للبنك الدولي تصنف لبنان بأنها واحدة من العشرة الأوائل، ومن أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، بما يهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي على المدى الطويل، وتتمحور هذه الأزمة حول انخفاض قيمة العملة، وعدم القدرة على سداد الدين الخارجي، وإفلاس القطاع المصرفي.
انخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان من 52 مليار دولار أمريكي في عام 2019 إلى 21.8 مليار دولار أمريكي في عام 2021، إضافة إلى التدهور الحاد الذي تشهده العملة، حيث فقدت الليرة اللبنانية حوالي 95% من قيمتها، حيث إنخفض سعر الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي، ومتوسط سعر الصرف في البنك الدولي بنسبة 211 في المائة و219 في المائة.
وارتفعت نسبة التضخم التي قدرت بـ 154.8 المائة في عام 2021، مما جعل لبنان تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا بعد فنزويلا والسودان في معدلات التضخم، وبلغت البطالة 14.5 في المائة عام 2021. ومنذ عام 2019 زج ما يزيد على 80 في المائة من السكان في دوامة الفقر الذي تضاعف من 42 في المائة عام 2019 إلى 82 في المائة عام 2021، وارتفعت الأسعار بأكثر من 200 في المائة، كما ارتفعت أسعار وقود الديزل بنسبة 2000 في المائة في عام واحد فقط، لذا يجد العمال صعوبة في الانتقال للعمل، وكذلك الأطفال إلى المدارس.
وفيما يخص القطاع المصرفي ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة الصادر في مايو 2022، فإن الأفراد المرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالنخب السياسية يسيطرون على 43 في المائة من الأصول في القطاع المصرفي التجاري، ومن أصل 20 مصرفًا حوالي 18 مصرفًا لها مساهمون رئيسيون مرتبطون بالنخب السياسية، وتسيطر ثماني عائلات على 29 في المائة من إجمالي أصول القطاع، وتمتلك معًا أكثر من 7.3 بلايين دولار من الأسهم، وما لا يقل عن 30 سياسيًا أو أفراد أسرهم المقربين هم حاليًا مساهمون أو أعضاء في مجالس إدارة المصارف التجارية، بما في ذلك أكبر المصارف في لبنان مثل “بنك عودة، أو بنك بيروت، أو فرنسبك”.
وفيما يتعلق بقطاع المياه فقد حذرت اليونيسف من انهيار نظام المياه؛ إذ إن حوالي نصف السكان (3 ملايين شخص) يرتبطون بشبكات المياه في لبنان، أما الآخرون فيعتمدون على بدائل أخرى، مثل صهاريج المياه أو الآبار غير المنظمة، والتوصيلات غير القانونية بشبكات المياه العامة.
يُضاف إلى هذه الأزمة عجز الحكومة عن شراء الوقود لمحطات الطاقة، والذي ساهم في استمرار انقطاع التيار الكهربائي، حيث يمثل العجز التشغيلي المتراكم لمؤسسة كهرباء لبنان 46% من الدين العام، مع ما نتج عن تراكم الأزمات من تضخم متصاعد، وتراجع في قيمة العملة الوطنية، وتقلبات كبيرة في أسعار المحروقات، وهو ما أثر على مؤسسات المياه التي تحتاج إلى ساعات طويلة من التغذية الكهربائية، لتشغيل محطات الضخ، ومعالجة توزيع المياه وإيصالها إلى زبائنها.
كما تشهد الدولة أزمة في رواتب الجنود، ويعاني الجيش من صعوبات في توفير الأمن الغذائي لعائلاتهم، ويؤدى انهيار الجيش هناك إلى فوضى عارمة في الدولة، وعليه تعهدت قطر بالتبرع بـ 70 طنًا من المواد الغذائية للجيش اللبناني، و60 مليون دولار لدعم رواتبه. وقد تسلمت قيادة الجيش اللبناني الدفعة الثانية من الهبة المالية في 14 سبتمبر 2022. وبحسب تصريحات لرئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في 23 سبتمبر أعلنت إيران عن تقديم 600 ألف طن من الوقود الإيراني بما يساهم في معالجة أزمة الكهرباء في لبنان، ولعل الاجتماع الذي جمع بين رئيس الوزراء اللبناني والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة نحو مسار مواجهة أزمات لبنان.
وسط هذا الوضع الذي يزداد سوءًا، تبنى عدد من المواطنين خيار اقتحام المصارف اللبنانية للحصول على ودائعهم كسبيل لمواجهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشون بها داخل لبنان. وكان من المفترض وفقًا للاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي في أبريل 2022، أن يتم اتخاذ إجراءات إصلاحية من حيث قوانين لإصلاح عجز الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، لكن بسبب الفساد الداخلي وعدم توافق القوى السياسية، لم يتم إحراز تقدم، وتأجل إقرار موازنة 2022 لوجود خلافات حولها حيث إنسحب نواب كتلة حزب القوات اللبنانية برئاسة “سمير جعجع” والكتائب اللبنانية برئاسة “سامى الجميل” اعتراضًا على التعديلات التي أجريت على الموازنة، وزيادة رواتب موظفي القطاع العام دون وجود رؤية للإصلاح، وتتضمن الموازنة عجزًا بقيمة 15 ألف مليار ليرة لبنانية.
• تأخر تشكيل الحكومة: لم تسفر الانتخابات النيابية في لبنان منذ انعقادها في مايو 2022، عن تشكيل الحكومة حتى هذه اللحظة، نظرًا لتباين الآراء بين القوى السياسية حول عدد من الوزارات، فهناك خلاف بين الرئيس “ميشال عون” ورئيس الوزراء “نجيب ميقاتي” حول مطالبة عون ببقاء وزارة الطاقة ضمن حصة التيار الوطني الحر أو استبدال وزارة الداخلية بها، كما توقفت مفاوضات تشكيل الحكومة نظرًا للتوتر بين ميقاتي و”جبران باسيل” رئيس التيار الوطني الحر، ومطالبة التيار بالثلث المعطل في الحكومة.
كما تشير بعض التحليلات إلى أن تأخر تشكيل الحكومة قد يرجع إلى عدم رغبة حزب الله في تشكيلها سريعًا ارتباطًا بمدى التقدم في المحادثات النووية مع إيران، وربما قد تطول عملية التشكيل لحين التوصل إلى صفقة بين الأطراف الداخلية والخارجية، بحيث تتضمن شكل الحكومة، والتوافق حول شخصية رئيس الجمهورية، وإجراء إصلاحات اقتصادية، وإحراز تقدم في مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بوساطة أمريكية.
من ناحية أخرى؛ هناك تقديرات حول احتمالية البقاء على حكومة برئاسة “نجيب ميقاتي” وإجراء تعديلات في وزارات الاقتصاد ويشغلها الوزير “أمين سلام” والمهجرين ووزيرها الحالي “عصام شرف الدين”، والمالية ويشغلها الوزير “يوسف خليل”. لكن هناك عدم توافق حول الاسم المطروح لوزارة المهجرين “صالح الغريب” وهو غير مرغوب بالنسبة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط”.
• تباين حول الانتخابات الرئاسية:دائمًا ما يكون التنافس حاضرًا بين قوى 8 آذار، و14 آذار، ومن بين الأسماء المطروحة للرئاسة لقوى 8 آذار “جبران باسيل” ويدعمه الرئيس الحالي “ميشال عون” ويتمسك باسيل بفكرة أن يكون الرئيس صاحب كتلة نيابية وازنة، لكن هناك توترًا في العلاقات بين باسيل و”نبيه بري” رئيس مجلس النواب، كما أن باسيل يواجه معضلة العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، لكن ربما يدعمه حزب الله في ظل التحالف الوثيق بين الحزب والتيار الوطني الحر. ومن المرشحين الآخرين “سليمان فرنجية” رئيس تيار المردة، ورئيس لبنان في الفترة من 1970-1976، لكن تتراجع حظوظه إذ لا تنطبق عليه أي من المعايير المطروحة للترشح، فهو ليس صاحب كتلة وازنة في البرلمان، ولا محايدًا من خارج الاصطفافات.
أما المرشحون المحتملون لقوى 14 آذار “سمير جعجع” ويرأس حزب القوات اللبنانية والذي يرى أن الرئيس القادم يجب أن يكون غير تابع للمحور الإيراني، لكن لم يعلن جعجع عن ترشحه، ومن غير الواضح ما إذا كان سيحصل على دعم السنة بعد انسحاب تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري. ولعلّ اجتماع مفتي الجمهورية اللبنانية “عبداللطيف دريان” مع النواب السنة، تلبية لدعوة من السفير السعودي “وليد البخاري” في 24 سبتمبر الجاري، خطوة نحو التوافق على مرشح مدعوم من الكتل السنية. وعقب ذلك الاجتماع خرج بيان يعبر عن الموقف السني وكذلك السعودي إزاء الوضع اللبناني. وبحسب البيان، هناك إجماع على انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد، وضرورة تعاون لبنان مع الإخوة العرب والمجتمع الدولى ليستعيد لبنان دوره وهويته، وأن مساعدة لبنان مرهونة بتوقف من يفتري ظلمًا على الدول العربية –ربما في إشارة إلى حزب الله- الذي يعزز استقرار هذه الدول.
ومن بين الأسماء الأخرى غير المحسوبة على أي من التيارين قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون”، ووزير الداخلية الأسبق “زياد بارود”، والمحامي “ناجى البستاني”. وتكمن معضلة انعقاد الانتخابات الرئاسية، في عدم قدرة أي من الكتل السياسية على تأمين الأغلبية، حيث إن حزب الله وحلفاءه غير قادرين على تأمين أغلبية في البرلمان، لانتخاب رئيس وكذلك الخصوم، بالإضافة إلى معضلة التوافق الإقليمي والدولي على الرئيس القادم في ظل اختلاف مصالح هذه الأطراف.
طرحت قوى التغيير (المستقلين) مبادرة لانتخاب رئيس الجمهورية تستند إلى انتخاب رئيس يعمل على استرداد الدولة وتقليص دور القوى الإقليمية في هذا الاستحقاق، ورفض الاصطفاف، والالتزام بالدستور. ويرفض نواب التغيير مناقشة الأسماء المطروحة، لكن يفضلون طرح قائمة بعدة أسماء يتم الانتخاب من بينها في انتخابات داخل البرلمان، في محاولة لرفض الطريقة المعتادة في اختيار الرئيس؛ وهي تزكية اسم مرشح ثم دعوة البرلمان للتصويت عليه.
وبحسب الدستور اللبناني فإن المادة 49 تنص على أن “رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية، ما لم يكن حائزًا على الشروط التي تؤهله للنيابة، وغير المانعة لأهلية الترشيح”.
الموقف الإقليمي والدولي
تختلف مواقف القوى الإقليمية والدولية من الأزمة اللبنانية، وربما هناك صراع للأجندات وضغوط من الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد اللبناني، فهناك من يحاول إخراج لبنان من دائرة إيران، حيث تعمل الدول العربية على عودة لبنان إلى المحيط العربي أو على الأقل وجود دور عربي موازن للدور الإيراني، وقد حاولت بعض الدول وعلى رأسها مصر والأردن جذب لبنان إلى المحور العربي من خلال خط الغاز العربي. ولعل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 8 سبتمبر 2021 بين وزراء الطاقة في مصر ولبنان والأردن وسوريا خلال اجتماع في عمان خطوة في هذا المسار لتوفير الغاز الطبيعي والكهرباء إلى لبنان عبر الأردن وسوريا بدعم من الولايات المتحدة والبنك الدولي للمساعدة في تخفيف أزمة الطاقة اللبنانية، ويقوم البنك الدولي بتمويل صفقة الغاز بما يقدر بـ350 مليون دولار، وتقوم مصر بتصدير 65 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي إلى لبنان (حيث سيتم ضخ الغاز المصري عبر خط الغاز العربي من شمال سيناء عبر الأردن، ثم إلى مدينة حمص، ليصل أخيرًا إلى منطقة دير عمار في لبنان، ويبلغ طول الخط 1200 كم).
وهو مشروع طموح يتعلق بمساعدة لبنان للخروج من أزماته الهيكلية وغلق أبواب التعاون المحتمل بين إيران ولبنان في مجال استيراد النفط والمازوت التي قادها حزب الله اللبناني، إلا أنه قد يواجه بعض العقبات من حيث توفير التمويل، والموقف الأمريكي المتمثل في قانون قيصر الذي يفرض توقيع عقوبات أمريكية على الدول التي تتعاون مع سوريا، ومن الناحية الفنية قد يواجه المشروع إشكالية عدم أهلية خطوط الربط في سوريا وتكاليف الصيانة الكبيرة لخطوط نقل الغاز الممتدة في الأراضي السورية، لكن من المحتمل أن تعمل مصر والأردن على تذليل تلك العقبات، من خلال اللقاءات المشتركة بين المسئولين وآخرها زيارة وزير الطاقة اللبناني وليد فياض إلى مصر في 14 أبريل 2022 لبحث تصدير الغاز إلى لبنان.
وسبق وأعلن وزير البترول المصري طارق الملا، في نوفمبر 2021، عن استعداد الحكومة ضخ الغاز الطبيعي إلى لبنان في الربع الأول من عام 2022، لتلبية احتياجاته من الطاقة، يضاف إلى ذلك الدعم المصري للقطاع الصحي في لبنان من خلال المساعدات الطبية لمواجهة جائحة كورونا، وخلال أزمة انفجار مرفأ بيروت بحوالي 1.5 مليون طن من الإمدادات الطبية. كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى مصر، في 9 ديسمبر 2021، على الاهتمام بتلبية كل مطالب لبنان من جانب كل الوزرات المعنية.
أما يخص الموقف الفرنسي-السعودي، فهناك تنسيقات مشتركة بصدد الملف اللبناني، فتم في وقت سابق اتصال ثلاثي بين الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، برئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي” في 4 ديسمبر2021، واتُّفق خلاله على إنشاء آلية مساعدات إنسانية فرنسية-سعودية للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني. وألقى البيان المشترك الصادر عن فرنسا والسعودية المسئولية على الحكومة اللبنانية من حيث ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة، وألا يكون لبنان منطلقًا لأي أعمال إرهابية ومصدرًا لتجارة المخدرات، بجانب ضرورة القيام بتنفيذ إصلاحات شاملة والالتزام بتنفيذ اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وعلى إثر الأزمة الخليجية-اللبنانية بشأن تصريحات وزير الإعلام “جورج قرداحي” السابق تجاه الحرب في اليمن، نجحت الجهود الفرنسية في تهدئة التوتر السعودي-اللبناني، الأمر الذي ترتب عليه لاحقًا قرار عودة السفير السعودي “وليد البخاري” إلى لبنان في أبريل 2022 وإحداث انفراجة في الأزمة، وتمثلت مؤشراتها في الترحيب من قبل الخارجية السعودية ببيان رئيس الوزراء اللبناني “نجيب ميقاتي” في محاولة لاستعادة لبنان إلى محيطه العربي وموازنة النفوذ الإيراني، وتأكيده على ألا تكون لبنان مصدر إزعاج لأي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي. وجدد خلاله ميقاتي تقدير لبنان للجهود السعودية والفرنسية، مؤكدًا التزام حكومته باتخاذ كل ما من شأنه تعزيز العلاقات مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ورفض كل ما من شأنه الإساءة إلى أمنها واستقرارها.
كما أن البيان المشترك الذي صدر عن لقاء ثلاثي جمع وزراء خارجية الرياض وباريس وواشنطن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر الجاري يعكس الموقف الفرنسي– الأمريكي- السعودي من الأزمة في لبنان وجاء في مضمونه “الدعم المستمر لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وفق الدستور، وانتخاب رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية، إضافة إلى تشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية اللازمة لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية، وتحديدًا الإصلاحات الضرورية للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680)، (2650) والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، والالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان”.
ارتباطًا بالسابق؛ وبالنظر إلى هذه اللقاءات المشتركة، يتضح أن الموقف الإقليمي والدولي في التعامل مع لبنان يهدف إلى تقليص دور حزب الله، وإجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية، والعمل على تشكيل حكومة بشكل دائم، واختيار رئيس جمهورية وفقًا للدستور حتى لا تتجه الدولة، إلى حالة من الفراغ الرئاسي وعدم الاستقرار السياسي.
ختامًا، ليس من مصلحة القوى الإقليمية والدولية انهيار لبنان، لأنه في حال انهيار الدولة سوف نشهد عودة للتطرف العنيف ولا سيما في شمال لبنان في مناطق مثل طرابلس وعكار، وهي مناطق فقيرة معرضة للتطرف، كما أن لبنان تستضيف حوالي 1.5 مليون من اللاجئين السوريين، ومن ثم فإن انهيار الدولة قد يؤدي إلى حدوث أزمة نزوح كبرى إلى الدول المجاورة، لذلك من المهم والضروري توحيد المواقف الداخلية والخارجية، والعمل على المضيّ في خطوات الاستقرار السياسي من حيث وجود حكومة دائمة واختيار رئيس للجمهورية، وإجراء إصلاحات حقيقية.
.
رابط المصدر: