في خطاب إعلان الضم: الصراع الأيديولوجي وأشياء أخرى

داليا يسري

 

ثمة صور ولقطات ستظل باقية في ذاكرة التاريخ السياسي ربما إلى أجل غير مسمى، خاصة وإن كانت هذه اللقطات تكتسب أهميتها من الحدث المحوري الذي تقترن به؛ حدث جلل على غرار تقسيم أمة إما بحكم قوة الاستفتاء أو السلاح، أو ربما من الممكن أن يتم ذلك من خلال منح من لا يملك الأرض الحق في وهبها إلى من لا يستحقها.

وفي السياق الراهن، يدور الحديث عن الصورة التي تداولتها وكالات الإعلام للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وهو يتوسط رؤساء المناطق الأربع، عقب توقيع مراسيم الانضمام، والتي تعيد إلى الأذهان بشكل تلقائي صورة مماثلة التقطت في تاريخ ليس بعيد عن ذاكرة الجماهير التي ما زالت حاضرة تتنفس نفس الهواء. نعود بالتاريخ تحديدًا، إلى يوم 6 ديسمبر عام 2017، عندما التقطت صورة للرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، جنبًا إلى جنب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، عقب إعلان القدس عاصمة إسرائيل!

بينما نجد الرئيس “بوتين” يضحك في حماسة مشتعلة وهو يتوسط الأربعة رؤساء، لا يخفى على أحد نظرات التعالي التي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يرمق بها كل المشاهدين من حول العالم، أثناء إلقاء “ترامب” كلمته في ذلك اليوم. وبهذه الطريقة، نجد أن المشهد الراهن يستلزم تقديم مراجعة لأبرز الرسائل التي احتوى عليها الخطاب التاريخي المطول الذي ألقاه الرئيس الروسي، في 30 سبتمبر، خلال مراسم احتفالية انعقدت بمناسبة توقيعه على مراسيم الموافقة على انضمام أربع مقاطعات جديدة إلى روسيا، بما يعادل 15% من إجمالي مساحة الأراضي الأوكرانية، بالإضافة إلى إرفاق ترجمة نصية كاملة للخطاب.

نظرة على أبرز رسائل “بوتين”

● يشير “بوتين” إلى حق تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. من ثم يتناول الحديث خلال أكثر من موضع من خطابه، مهاجمًا، عن جرائم وانتهاكات وعدم عدالة النظام العالمي أحادي القطب. والسؤال هنا، هل تلامس ادعاءاته الصواب؟

ليس هناك أدنى شك في أن حق تقرير المصير مكفول بالفعل، ذلك بالإضافة إلى مبادئ كثيرة على رأسها مبدأ المساواة في الحقوق بين جميع الشعوب، الذي ورد في البندين الأول والثاني من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لدى الأمم المتحدة. نفهم من ذلك، بطبيعة الحال، أن يكون هذا الحق ساريًا لدى جميع على حد سواء.

وعلى هذا الأساس، كان من المفترض أن نفهم طبيعة ردود الفعل الغربية الشرسة على خطوة الضم الروسي للأراضي الأوكرانية في الأربع مقاطعات، والتي اقترنت بعقوبات اقتصادية ووعود يجري تنفيذها بزيادة الدعم العسكري لأوكرانيا. غير أننا لو عدنا بالخلف للوراء، في قفزة زمنية، لمراجعة ردود الفعل الدولية –الغربية- على قرارات مماثلة أصدرتها إسرائيل، لن نجد الأمر نفسه، بل على العكس، سنجد أن الولايات المتحدة -الثائرة اليوم بفعل انتهاك القانون الدولي على يد روسيا- تكون دائمًا هي أول من يصدق على هذا النوع من القرارات نفسها لمجرد أنها تصدر عن إسرائيل!

فبتاريخ 25 مارس 2019، وقع الرئيس الأمريكي على مرسوم بالاعتراف بخطوة الضم الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية –بدون استفتاءات شعبية- في انتهاك صارخ لقراري مجلس الأمن الدولي رقم (497) و(242). وهو القرار الذي لاقى استنكارًا دوليًا من قِبَل مسؤولين غربيين، لكن في الوقت نفسه لم تتعدى هذه الإدانات كونها مجرد كلمات أو حبر على أوراق دبلوماسية. لم يرق الأمر أبدًا إلى حد تقديم دعم عسكري للطرف المجني عليه أو حتى توقيع عقوبات على الدولة الجانية، بشكل يُضفي المزيد من التأكيد على كلمات “بوتين” التي تصف عدم عدالة النظام العالمي أحادي القطب، الذي يمنح حلفاءه ما يمنعه عن أعدائه تحت لواء ادعاءات زائفة بالمبادئ.

● يشرح “بوتين” التاريخ ويستفيض في خطابه مسترسلًا حول محطات تاريخية عِدة، إما حول العالم، أو فيما يقتصر على تاريخ بلاده فقط. وليس ثمة شك في أننا نقف أمام رئيس دارس متعمق للتاريخ. مثال على ذلك، أنه أشار إلى “استفتاء 1991” في الاتحاد السوفيتي ونتائجه التي لم يعتد بها بشكل يتجاوز مفهوم الديمقراطية بشكله المعروف لدى الغرب الجماعي. وكرر دعوته لنظام كييف مرة أخرى للعودة إلى طاولة المفاوضات التي تركوها في 2014.

الاستفهامات هنا تكمن عند تكرار عودة الرئيس الروسي للتاريخ الموحد خلال الحقبة التي كانت فيها أوكرانيا بالكامل تدين بالتبعية لروسيا، سواء في الخطاب الحالي له أو غيره من الخطابات، بالإضافة إلى تكرار إرساله الحسرات على تفكك الاتحاد السوفيتي. كل ذلك يُلقي بظلاله على مدى جدية وعود “بوتين” بأن أهداف العملية العسكرية الخاصة تقف عند حدود إقليم الدونباس؟! وتشير إلى أنه ربما تكون قناعته التاريخية التي لم تبتلع بعد حقيقة تفكك الاتحاد السوفيتي وهروب أوكرانيا منه، تظل عائقًا أمام اعتقاده بأنه ينبغي عليه التخلي الكامل عما تبقى من أراضي أوكرانية.

ربما يبعث هذا المشهد بدلالات تُلقي بظلالها على حروب أخرى قادمة في الأفق –في حال انتهت الحرب بالفعل عند هذه المرحلة- حول نفس الهدف، وهو استرداد “بوتين” لحقوقه التاريخية في أرض أوكرانيا، إذا لم يحصل عليها كاملة.

● هناك، الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب.  ومن الملاحظ أن روح هذا الصراع هو أكثر ما طغي على الخطاب، وليس الصراع العسكري فقط. ومن الأجدر القول إن الصراعات الأيديولوجية أكثر أهمية وخطورة مما عداها من الصراعات. خاصة بالنظر إلى سهولة وسرعة انتشارها وقوة تأثيرها بالمقارنة مع القوة الوقتية للحروب العسكرية.

وقد ظهر الجانب الأيديولوجي هنا في عبارات واضحة كثيرة خلال خطابه، على غرار؛ “عدوانهم تجاه الدول المستقلة، تجاه القيم التقليدية والثقافات الأصلية“، و”ديكتاتورية النخب الغربية موجهة ضد كل المجتمعات، بما في ذلك شعوب الدول الغربية نفسها، إن مثل هذا الإنكار الكامل للإنسان، والإطاحة بالإيمان والقيم التقليدية، وقمع الحريات بشكل يكتسب سمات الدين المعكوس، وهو شيء شيطاني صريح. وكما قال يسوع المسيح في عظة الجبل، ” ستعرفونهم من ثمارهم”. وهذه الثمار السامة واضحة بالفعل للناس ليس فقط في بلدنا، بل في جميع البلدان، بما في ذلك للعديد من مواطني الغرب نفسه”. وعبارة، “هل نريد، هنا في بلدنا، في روسيا، بدلًا من الأب والأم، أن يكون هناك الوالد الأول والوالد الثاني والوالد الثالث؟! لقد فقدوا رشدهم تمامًا بالفعل. هل نريد حقًا أن تفرض الانحرافات التي تؤدي للتدهور والانقراض على مدارسنا من الصفوف الابتدائية؟! أن يتم إخبارهم أنه من المفترض بهم قبول أجناسًا أخرى غير النساء والرجال، وأن يُعرض عليهم عملية تغيير جنسهم؟ هل نريد كل هذا لبلدنا وأطفالنا؟! بالنسبة لنا، كل هذا غير مقبول، لدينا مستقبل مختلف.”

من الجدير ربط كلماته في هذا الخطاب، بتصريحات سابقة صدرت عنه، بخصوص ما يُطلق عليه المليار الذهبي. عندما قال “بوتين”، خلال منتدى “أفكار قوية للعصر الجديد”، 22 يوليو 2022، إن فكرة الهيمنة الكاملة للمليار الذهبي هي فكرة عنصرية واستعمارية جديدة بطبيعتها، وتقسم الشعوب إلى صنف أول وصنف ثاني. وأضاف، “يفتقد نموذج الهيمنة الكاملة لما يسمى بالمليار الذهبي، لأية عدالة. لماذا من بين كل سكان الأرض يجب أن يهيمن هذا المليار الذهبي على الجميع، ويفرض قواعد سلوكه الخاصة عليهم؟”.

● عند هذه النقطة، يوجد سؤال ينبغي الرد عليه، وهو لماذا يُصور الإعلام الغربي أن كل ما يقوله “بوتين”، في هذا الصدد، محض خرافات وأشياء ناجمة عن قناعاته بنظرية المؤامرة؟! أليس هناك احتمال واحد أن يكون رئيسًا بحجم دولة الاتحاد السوفيتي، لا يتفوه بالهراء، في هذا الأمر تحديدًا؟!

ذلك خاصة وأنه ليس ثمة شك في أن هناك قوة عالمية غربية تسعى بكل ما تملك من قوة وأدوات إلى نشر القيم الغربية رغمًا عن أنف الجميع في كل المجتمعات، عنوة. هذه القوة بقيادة أمريكية، وهي بالطبع، وكما قال “بوتين”، موجهة ضد شعوبهم هُم أولًا وقبل أي شيء. والسؤال هنا، يتكرر بنفس الطريقة التي ألقاها بها الرئيس الروسي، “نحن نسمع من جميع الأطراف، أن “الغرب يدعو إلى نظام قائم على المبادئ”، من أين أتوا بها؟ من رأى هذه المبادئ؟ من وافق عليها؟”. 

وهناك تساؤلات أخرى كثيرة حول من أيضًا الذي منح الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الغرب الحق في تقسيم الشعوب إلى أمم متحضرة أو غير متحضرة وفقًا لمدى قبولها لأشياء من قبيل حقوق المثليين؟! وإذا كان من الأجدر وصف مصطلحات مثل الديمقراطية والمناخ الديمقراطي بأنها تعني منح الانسان، أي انسان، الحق في الحرية المطلقة في فعل ما يريده. من إذًا الذي منح الولايات المتحدة الحق الأخلاقي في إجبار الأمم الأخرى على التخلي عن معتقداتها الدينية والشرعية والثقافية للانضمام إلى رَكبهم المتحضر كما يزعمون. في حين يفترض أن يكون العالم الحر كما يقولون عنه، في الحقيقة حر في تبني ما يربو إليه من معتقدات! نرى أن محاولات إرغامهم الآخرون على قبول القيم التي يدعون إليها، شيء يخلو تمامًا من أي ديمقراطية.

● سياسة الأمر الواقع، كانت أيضًا شيئًا واضحًا خلال الخطاب سواء أمام الشعب الروسي نفسه، أو العالم أجمع. وهي السياسة ذاتها التي تواصل روسيا اتباعها منذ أول لحظة دخولها إلى القرم في 2014. وبغض النظر عن زيف هذه الاستفتاءات من عدمها، تتبع روسيا بوضوح سياسة تقوم على أساس أن كلمة صاحب القوة هي التي يجب أن تسود في نهاية المطاف.

وفيما نحن لسنا بصدد تقييم الأهداف التي تقوم كل دولة بتوظيف قوتها لأجل تحقيقها، يطرح السؤال نفسه، هل ترغب كل جماهير العالم، في كل الدول، بلا استثناء، أن يسود نظام عالمي يخضع لقوانين محددة تسري على الكُل. أم أنه يرغب في سيادة سياسة تبنى على أساس أن يأكل القوي الضعيف؟! رغم أن مستقبل ما يدعو إليه “بوتين” من نظام عالمي متعدد الأقطاب يظل مبهمًا للجميع، لكن ثمة ما يقول إن العالم، حقيقة الأمر، قد سأم من الأحادية القطبية التي انتهكت الحقوق وأهدرت ثروات الضعفاء. ولو كان عدم استباحة استخدام القوى للحصول على الأهداف من قِبَل روسيا، فإنه ينبغي أن يكون الأمر سيان بالنسبة للجميع.

● الجانب العملي، هنالك يطرح الرئيس الروسي تساؤلات حول إمكانية إطعام الناس بالعملات الورقة وتدفئتهم بالنظم السياسية. وهو شيء أيضًا ينبغي ربطه بما قاله “بوتين” في الخطاب نفسه بأن الدول الغربية دأبت منذ قرون على تكرار رغبتها في جلب الحرية والديمقراطية للشعوب الأخرى. السؤال هنا، هل أطعمت الديمقراطية الغربية هذه الشعوب التي وطأتها أقدامهم بقوة السلاح؟ هل ساهمت حقيقة في تحضرها؟  الرد على ذلك، ببساطة، يظل التاريخ هو خير من يعرفه.

ونحن لسنا بحاجة لإلقاء نظرة تاريخية على الجرائم الأمريكية، على سبيل المثال في فيتنام؛ فمن البديهي حتى أمام عيون الجماهير، غير المطلعة على السياسة، أن يكون في وسعها إلقاء نظرة بسيطة على ما آلت إليه مصائر كُلا من “الشعب العراقي، السوري، اليمني، الليبي”. وبالإمكان فتح القوس وتركه في انتظار الضحية التالية لمحاولات الغرب إجبار الآخرين على قيمهم وفرض قواعد الديمقراطية الغربية التي يشهد التاريخ على أنها لا تُخلف وراءها سوى ضحايا متنوعين؛ من قتلى، وجرحى، ومهاجرين، ولاجئين، وجوعى، والكثير والكثير من هؤلاء الذين كانوا في الأمس القريب مواطنين ذوي كرامية يعيشون في سلام ببلادهم وصاروا ما بين ليلة وضحاها شحاذين يتوسلون الحكومات الغربية الإبقاء عليهم وإطعامهم. من المسؤول عن إخراج هؤلاء من بيوتهم؟ من أودى بهم إلى هذا المصير المرعب والمأساوي؟ الجواب: الديمقراطية.

الترجمة النصية الكاملة للخطاب

“إلى مواطني روسيا المبجلين؛ مواطني جمهوريات دونيتسك، ولوهانسك العشبيتين، ومواطني زابوريجيا وخيرسون، والسادة أعضاء نواب مجلس دوما الدولة، وأعضاء مجلس الشيوخ في الاتحاد الروسي:

كما تعلمون، أُجريت الاستفتاءات في مناطق دونيتسك ولوهانسك الشعبية، وخيرسون، وزابوريجيا. ولقد تم تلخيص نتائجهم، والنتائج معروفة. اتخذ الناس خيارهم، اختيار واضح. نوقع اليوم اتفاقيات بشأن قبول جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، ومقاطعتي زابوريجيا وخيرسون في روسيا. إنني على يقين من أن الجمعية الفيدرالية ستدعم القوانين الدستورية المتعلقة باعتماد وتشكيل أربع مناطق جديدة في روسيا، بوصفهم أربع رعايا جدد في الاتحاد الروسي، لأن هذه هي إرادة الملايين من الناس. وهذا، بالطبع، هو حقهم غير القابل للتصرف والمنصوص عليه في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تتحدث بشكل مباشر عن مبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير المصير.

أُكرر، هذا حق الشعوب غير القابل للتصرف، وهو قائم على الوحدة التاريخية، التي باسمها انتصر أجيال من أجدادنا، أولئك الذين من أصول روسيا القديمة والذين أنشأوا روسيا ودافعوا عنها على مدار عقود. هنا، في نوفوروسيا، قاتل روميانتسيف، وسوفوروف، وأوشاكوف، وأسست كاثرين الثانية وبتيمكين مُدنًا جديدة. هنا وقف أجدادنا وأجداد أجدادنا حتى الموت خلال الحرب الوطنية العظمى.

سوف نتذكر دائمًا أبطال الربيع الروسي؛ أولئك الذين لم يقبلوا انقلاب النازيين الجدد في أوكرانيا في عام 2014، وجميع الذين ماتوا من اجل الحق في التحدث بلغتهم الأم، والحفاظ على ثقافتهم وتقاليدهم، الإيمان من أجل الحق في الحياة. هؤلاء هم محاربو الدونباس، وشهداء “أوديسا خاتين”، وضحايا الهجمات الإرهابية اللاانسانية التي شنها نظام كييف. هؤلاء، متطوعين وميليشيات، وهم؛ من المدنيين، والأطفال، والنساء، وكبار السن، والروس، والأوكرانيين، وأناس من جنسيات مختلفة.

هذا هو زعيم الشعب الحقيقي لدونيتسك، ألكسندر زاخارتشينكو، وهؤلاء القادة العسكريون أرسين بافلوف، وفلاديمير زوغا، وأولغا كوتشورا، وأليكسي موزغوفي، وهذا هو المدعي العام لجمهورية لوهانسك سيرجي جورينكو. هذا هو المظلي نوماجوميد جادجيماجوميدوف، وجميع جنودنا وضباطنا الذين ماتوا موت الشجعان خلال عملية عسكرية خاصة. إنهم أبطال، أبطال روسيا العظيمة، وأطلب منكم تكريم ذكراهم بلحظة صمت.

شكرًا لكم.

وراء اختيار ملايين السكان في جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، وفي منطقتي زابوريجيا، وخيرسون، يوجد هناك مصيرنا المشترك وتاريخنا الممتد لألف عام. لقد نقل الناس هذه الصلة الروحية لأبنائهم وأحفادهم، على الرغم من كل التجارب، فقد حملوا حبهم لروسيا على مر السنوات. ولا أحد يستطيع تدمير هذا الشعور فينا. لهذا السبب، صوت كل الأجيال من الأكبر سنًا إلى الشباب، الذين ولدوا بعد مأساة انهيار الاتحاد السوفيتي، من أجل وحدتنا ومن أجل مستقبلنا المشترك.

في عام 1991، في بيلوجيفسكي بوشي، قرر ممثلو النخب الحزبية آنذاك حل الاتحاد السوفيتي دون طلب إرادة المواطنين العاديين. ووجد الناس أنفسهم فجأة معزولين عن وطنهم، ومزق هذا القرار أوصال المجتمع وتحول إلى كارثة وطنية. تمامًا كما تم تقطيع حدود الجمهوريات النقابية، بعد الثورة، من وراء الكواليس. وهكذا دمر آخر قادة الاتحاد السوفيتي بلدنا العظيم، وخلافًا لما عبرت عنه إرادة غالبية الشعب في استفتاء عام 1991، ووضعوا الناس بمنتهى البساطة أمام الأمر الواقع.

اعترف أنهم لم يفهموا تمامًا ما الذي كانوا يفعلونه وما هي العواقب التي حتمًا ستصل إليها الأمور في النهاية. لكن الأمر لم يعد مهمًا، لا يوجد اتحاد سوفيتي، ولا يمكن إرجاع الماضي. نعم، وروسيا اليوم لم تعد بحاجة إليها، ولا نسعى إلى ذلك. لكن لا يوجد شيء أقوى من تصميم ملايين الأشخاص الذين وبحكم ثقافتهم وإيمانهم وتقاليدهم ولغتهم، يعتبرون أنفسهم جزءًا من روسيا، التي عاش أسلافها في دولة واحدة لعدة قرون. لا يوجد شيء أقوى من تصميم هؤلاء الناس على العودة إلى وطنهم الحقيقي والتاريخي.

على مدار ثماني سنوات طوالٍ، تعرض الناس في دونباس للإبادة الجماعية والقصف والحصار، وفي خيرسون وزابوريجيا حاولوا بشكل إجرامي زرع الكراهية لروسيا، ضد كل شيء روسي. والآن، خلال الاستفتاءات، هدد نظام كييف بالعنف، وقتل معلمي المدارس، والنساء اللواتي عملن في لجان الانتخابات، وأرهبوا ملايين الأشخاص الذين جاؤوا للتعبير عن إرادتهم بالقمع. لكن شعب الدونباس وزابوريجيا وخيرسون قالوا كلمتهم بشكل غير منقطع.

أريد أن تسمعني سلطات كييف وأسيادهم الحقيقيون في الغرب، حتى يتذكر الجميع هذا، الشعوب التي تعيش في لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا أصبحوا مواطنينا إلى الأبد. ندعو نظام كييف مرة أخرى إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وجميع الأعمال العدائية، والحرب التي أطلقها في عام 2014، والعودة إلى طاولة المفاوضات. نحن جاهزون لذلك، لقد قيل هذا الأمر أكثر من مرة. لكننا لن نناقش اختيار مواطني دونيتسك ولوهانسك وزابوريجيا وخيرسون، فقد تم بالفعل هذا الأمر، وروسيا لن تخونه. ويجب على سلطات كييف اليوم التعامل مع هذه الإرادة الحرة للشعب باحترام ولا شيء غير ذلك. هذه هي الطريقة الوحيدة إلى السلام.

سوف نحمي أرضنا بكل القوى والوسائل المتاحة لنا، وسنبذل قصارى جهدنا لضمان الحياة الآمنة لشعبنا. وهذه هي مهمة التحرير العظيمة لشعبنا. سنعمل بالتأكيد على إعادة بناء المدن، والبلدات المدمرة، والمساكن والمدارس، والمستشفيات، والمسارح، والمتاحف، واستعادة وتطوير المؤسسات الصناعية والمصانع والبنية التحتية والضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية وأنظمة الرعاية الصحية والتعليم.

وسنعمل بالطبع على تحسين مستوى الأمن. وسنعمل معًا على التأكد من أن المواطنين في المناطق الجديدة يشعرون بدعم الشعب الروسي بأكمله، والبلد بأكمله، وجميع الجمهوريات، وجميع أقاليم ومناطق وطننا الأم الشاسع.

أصدقائي المبجلين، الزملاء!

أود اليوم أن أخاطب الجنود والضباط المشاركين في العملية العسكرية الخاصة، جنود دونباس، ونوفوروسيا، الذين انضموا بعد المرسوم الخاص بالتعبئة الجزئية إلى رتب القوات المسلحة، لأداء واجبهم الوطني، والذين حضروا إلى مكاتب التسجيل والتجنيد العسكري بدعوى قلبية. أود أن أتوجه بالحديث إلى آبائهم وزوجاتهم وأبنائهم لأخبرهم بما الذي يقاتل شعبنا من أجله، ومن هو العدو الذي يقاومنا، الذي يلقي بالعالم في حروب وأزمات جديدة، ويحصل على مكاسبه الدموية من وراء هذه المأساة.

لقد رأى مواطنونا، إخواننا وأخواتنا في أوكرانيا، الجزء الأصيل من شعبنا الموحد، بأعينهم ما تعده الدوائر الحاكمة لما يُطلق عليه الغرب للبشرية جمعاء. هُنا، في الواقع، ألقوا بأقنعتهم للتو وأظهروا حقيقة ما يدور في سريرتهم.

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، قرر الغرب أنه ينبغي على العالم أجمع، بكل من فيه، أن يتحمل إلى الأبد إملاءاتهم. ثم توقع الغرب، في عام 1991، أن روسيا لن تتعافى من مثل هذه الصدمات وأنها ستنهار من تلقاء نفسها. نعم، لقد حدث ذلك تقريبًا، نتذكر التسعينيات الرهيبة والجوع والبرد واليأس. لكن روسيا قاومت وعادت إلى الحياة، وأصبحت أقوى، وأخذت مكانتها الصحيحة مرة أخرى في العالم.

في غضون ذلك، كان الغرب يبحث طوال هذا الوقت ويستمر في البحث عن فرصة جديدة لضرب روسيا وإضعافها وتدميرها بالشكل الذي لطالما حلموا به، وتقسيم دولتنا، وتحريك الشعوب ضد بعضها البعض، وإلحاق الهزيمة بهم. إنهم ببساطة لم يكونوا يرغبون في ترك فرصة لأن يوجد في العالم مثل هذا البلد العظيم الضخم بأراضيه وثرواته الطبيعية وموارده مع شعب لا يعرف ولن يعرف أبدًا كيف يعيش وفقًا لأوامر آخرون.

الغرب مستعد أن يدعس كل شيء من أجل الحفاظ على النظام الاستعماري الجديد الذي يسمح له، في الواقع، بالتطفل ونهب العالم على حساب قوة الدولار والإملاءات التكنولوجية، لجمع الجزية الحقيقية من الإنسانية، لاستخراج المصدر الرئيسي للازدهار غير المستحق، للحصول على ريع من خلال الهيمنة. إن الحفاظ على هذا الريع هو دافعهم الرئيسي الحقيقي والذي يخدم مصالحهم الذاتية تمامًا. إن هذا هو السبب في أن السيادة الكاملة تظل لصالحهم. ومن ثم فإن عدوانهم تجاه الدول المستقلة، تجاه القيم التقليدية والثقافات الأصلية، يحاول تقويض العمليات الدولية والتكاملية الخارجة عن سيطرتهم، والعملات العالمية الجديدة ومراكز التطور التكنولوجي. ومن الضروري بالنسبة لهم أن تتخلى جميع الدول عن سيادتها لصالح الولايات المتحدة.

توافق النخب الحاكمة في بعض الدول طواعية على القيام بذلك، وتوافق طواعية على تصبح دولة تابعة، بينما يتم رشوة آخرين وترهيبهم. وإذا لم ينجح الأمر، فإنهم يدمرون دولًا بأكملها، تاركين ورائهم كوارث إنسانية، ومآسي، وأنقاض، وملايين من المصائر البشرية المدمرة والمشوهة، والجيوب الإرهابية، ومناطق الكوارث الاجتماعية، والمستعمرات. إنهم لا يكترثون طالما أنهم يحصلون على مصلحتهم الخاصة.

مرة أخرى، أرغب في تأكيد أنه يوجد هناك أسبابًا حقيقية لدى الغرب الجماعي لشن حرب هجينة ضد روسيا بوازع من الجشع وبهدف الحفاظ على قوتهم الغير محدودة. إنهم لا يريدون لنا الحرية، لكنهم يريدون رؤيتنا كمستعمرة. إنهم لا يريدون تعاونًا متساويًا، لكنهم يريدون السرقة. إنهم لا يريدون رؤيتنا كمجتمع حر، ولكن كحشد من العبيد بلا روح.

التهديد المباشر بالنسبة إليهم هو فكرنا وفلسفتنا، وبالتالي، فهم يتعدون على فلاسفتنا. إن ثقافتنا وفننا يمثلون خطر عليهم، لذلك فهم يحاولون منعهم. إن تنميتنا وازدهارنا يشكلان أيضًا تهديدًا لهم، فالمنافسة آخذة في الازدياد. إنهم لا يحتاجون إلى روسيا على الإطلاقة، نحن من نحتاج إليها.

أود أن أذكركم بأن الادعاءات بالسيطرة على العالم في الماضي قد تحطمت أكثر من مرة بسبب شجاعة وعزيمة شعبنا. ستظل روسيا على الدوام روسيا. سوف نستمر في الدفاع عن قيمنا ووطننا الأم. يعتم الغرب على الإفلات من العقاب والإفلات من كل شيء. لقد أفلت في الواقع من كل شيء حتى الآن؛ ذهبت الاتفاقيات في مجال الأمن الاستراتيجي إلى سلة المهملات، تم الإعلان عن عدم صحة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها على أعلى المستويات السياسية، تم التخلي عن الوعود الصارمة بعدم توسع حلف الناتو شرقًا، فقد اتضح أن كل هذا كان مجرد حيل خداعية قذرة بمجرد أن صدقها زعمائنا السابقين، ومعاهدات الدفاع المضاد للصواريخ والصواريخ المتوسطة والقصيرة الأمد تم خرقها من قِبَل جانب واحد بحجة ذرائع غير مواتية.

نحن نسمع من جميع الأطراف، أن “الغرب يدعو إلى نظام قائم على المبادئ”، من أين أتوا بها؟ من رأى هذه المبادئ؟ من وافق عليها؟ اسمعوني، هذا مجرد هراء، خداع مطلق، يقوم على معايير مزدوجة أو معايير ثلاثية بالفعل! إنها أشياء مصممة فقط لأجل الحمقى.

إن روسيا تعد قوة عظمى منذ عهد الألفية، وهي دولة ذات حضارة، ولن تعيش أبدًا وفقًا لهذه المبادئ الخاطئة المزيفة. لقد دعس ما يسمى بالغرب على مبدأ حرمة الحدود، والآن، يقرر هو وفقًا لتقديره الخاص من له الحق في تقرير المصير ومن لا يستحقه! لماذا قرروا ذلك؟! ومن أعطاهم هذا الحق؟! شيء غير واضح لهم هُم أنفسهم.

هذا هو السبب في أن اختيارات مواطني شبه جزيرة القِرم، وسيفاستوبول، ودونيتسك، ولوهانسك، وزابوريجيا، وخيرسون، يسبب لهم غضبًا شديدًا. إن الغرب ليس له أي حق أخلاقي في تقييم هذه الاختيارات، إنهم حتى يتلعثمون فيما يتعلق بالحرية الديمقراطية التي لا توجد في الغرب نفسه، ولم تكن موجودة في أي وقتٍ مضى!

إن النخب الغربية لا تنكر السيادة الوطنية والقانوني الدولي فحسب، بل إن هيمنتهم لها طابع واضح من الشمولية والاستبداد والفصل العنصري. إنهم يقومون بتقسيم العالم بوقاعة إلى أتباعهم، الذين يقولون عنهم دول متحضرة، وإلى جميع بقية العالم الذين ووفقًا لخطة العنصريين الغربيين اليوم، يجب أن يتم إدراجهم على قائمة البرابرة والوحشيين. إن التسميات الكاذبة، مثل “دول مارقة” و”نظام استبدادي”، جاهزة بالفعل، فبها يتم وصم شعوبًا ودولًا بأكملها، ولا يوجد شيء جديد في هذا. فالنخب الغربية ظلت كما كانت، استعمارية، إنهم يقومون بتمييز وتقسيم الشعوب إلى أصناف، “تصنيف أول” و”تصنيف ما دون ذلك”.

نحن لم نقبل ولن نقبل أبدًا مثل هذه القومية السياسية العنصرية. وماذا إذا لم يكن معنى العنصرية هو الخوف من روسيا بالشكل الذي ينتشر به في جميع أنحاء العالم الآن؟ ماذا يكون معناه إذا؟ إن لم تكن العنصرية باعتبارها الاقتناع التام لدى الغرب بأن حضارته وثقافته النيوليبرالية هي نموذج لا جدال فيه للعالم بأسره؟ وإذا لم يكن مبدأهم قائم على من ليس معنا فهو ضدنا؟

حتى التوبة عن جرائمهم التاريخية تقوم النخب الغربية بإلقاء اللوم فيها على أي شخص آخر، مطالبين مواطني بلدانهم والشعوب الأخرى بالاعتراف بالذنب فيما ليس لهم به علاقة على الإطلاق؛ مثال على ذلك، الاحتلال في الفترات الاستعمارية.

من الجدير بالتذكرة أن الغرب بدأ سياساته الاستعمارية في العصور الوسطى، ثم انهمك في تجارة الرقيق العالمية، والإبادة الجماعية للقبائل الهندية في الولايات المتحدة، ونهب الهند وإفريقيا وحروب إنجلترا وفرنسا ضد الصين، التي اضطرت كنتيجة لذلك فتح موانئها لتجارة الأفيون. ما فعلوه هو إجبار أمم بأكملها على المخدرات، وتعمدوا إبادة جماعات عرقية بأكملها من أجل الأرض والموارد، وقاموا بمطاردة حقيقية للبشر تمامًا وكأنهم حيوانات. وكل هذا يتعارض مع طبيعة الإنسان ذاتها، مع الحقيقة، والحرية، والعدالة.

ونحن، نحن فخورون بأن بلدنا في القرن العشرين هو الذي قاد الحركة المناهضة للاستعمار، والتي فتحت الفرص أمام العديد من شعوب العالم للتطور من أجل الحد من الفقر وعدم المساواة، والتغلب على الجوع والمرض.

أؤكد أن أحد أسباب رهاب روسيا منذ قرون، هو الحقد غير المقنع لهذه النخب الغربية تجاه روسيا، لأننا تحديدًا لم نسمح لأنفسنا بالسرقة خلال فترة الفتوحات الاستعمارية، لقد أجبرنا الأوروبيون على التجارة من أجل المنفعة المتبادلة. لقد تم تحقيق ذلك من خلال إنشاء دولة مركزية قوية في روسيا، والتي طورت وعززت نفسها على أساس القيم الأخلاقية العظيمة للأرثوذكسية والإسلام واليهودية والبوذية، وعلى الثقافة الروسية، والكلمة الروسية المفتوحة للجميع.

من المعروف أنه قد تم وضع مخططات التدخل في روسيا مرارًا وتكرارًا، لقد حاولوا استخدام كل الأوقات المضطربة في بداية القرن التاسع عشر، وفترة الاضطرابات بعد عام 1917، وفشلوا. ومع ذلك، تمكن الغرب من الاستيلاء على ثروة روسيا في نهاية القرن العشرين، عندما تم تدمير الدولة. ثم تواصلوا معنا بدعوى أننا أصدقاء وشركاء، لكنهم في الحقيقة عاملونا كمستعمرة، وتم سحب تريليونات الدولارات من البلاد بموجب مجموعة متنوعة من المخططات. كلنا نتذكر كل شيء، لم ننسى أي شيء.

وفي هذه الأيام، تحدث الناس في دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريجيا لصالح استعادة وحدتنا التاريخية. شكرًا لكم!

دأبت الدول الغربية منذ قرون على تكرار رغبتها في جلب الحرية والديمقراطية للشعوب الأخرى. كل ما يفعلونه هو عكس ذلك تمامًا؛ بدلًا من الديمقراطية، القمع والاستغلال، بدلًا من الحرية، الاستعباد والعنف. إن النظام العالمي أحادي القطب بأكمله هو بطبيعته مناهض للديمقراطية وليس حرًا، إنه مخادع ومنافق.

الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت الأسلحة النووية مرتين، ودمرت مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين. بالمناسبة، لقد حققت الولايات المتحدة السبق في ذلك. اسمحوا لي أن أذكركم بأن الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع البريطانيين، حولت دريسدن وهامبورج وكولونيا والعديد من المدن الألمانية الأخرى إلى أطلال دون أي ضرورة عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد قاموا بذلك دون أي ضرورة عسكرية، أكرر. كان هناك هدف واحد فقط تماما كمان كانت حالة التفجيرات النووية في اليابان، وهو تخويف بلدنا والعالم بأسره.

لقد تركت الولايات المتحدة أثرًا رهيبًا في ذاكرة شعوب كوريا، وفييتنام، من خلال القصف البربري الهمجي واستخدام قنابل النابالم والأسلحة الكيميائية. وحتى الآن، هم في الواقع يحتلون ألمانيا واليابان وجمهورية كوريا ودولًا أخرى. وفي نفس الوقت يسمونهم بشكل ساخر بأنهم، حلفاء متساوون. اسمعوني! ما هو نوع هذا التحالف؟ يعرف العالم أجمع أن قادة هذه الدول يخضعون للمراقبة، بحيث يتم تثبيت أجهزة تنصت لدى الطبقة العليا من هؤلاء الأشخاص، ليس فقط في مقار عملهم، بل أيضًا في محل سكنهم. إن هذا هو العار الحقيقي. عار على أولئك الذين يفعلون هذا، وعلى أولئك الذين يبتلعون هذه الوقاحة بصمت وخنوع مثل العبيد.

إنهم يطلقون على الأوامر والصيحات الفظة والمهينة الموجهة لأتباعهم بالتضامن الأوروبي الأطلسي، ويطلقون على تطوير أسلحة بيولوجية، وتجارب على أشخاص لا يزالون أحياء، بما في ذلك أوكرانيا، اسم البحث الطبي النبيل. وبسبب سياساتهم التدميرية وحروبهم ونهبهم، تسببوا في زيادة تدفقات الهجرة بشكل هائل اليوم. حيث يعاني ملايين الأشخاص من الحرمان وسوء المعاملة ويفقد الآلاف حياتهم أثناء محاولته الوصول إلى أوروبا.

يقومون الآن بتصدير الخبز من أوكرانيا بحجة توفير الأمن الغذائي لأفقر دول العالم، إلى أين يتجه يا ترى؟ إلى أين هي ذاهبة؟ كل شيء يذهب إلى نفس البُلدان الأوروبية. هناك خمسة بالمائة فقط من الشحنات ذهبت إلى أفقر دول العالم. مرة أخرى خداع، وخداع صريح.

إن النخبة الأمريكية في الواقع، تستخدم مأساة هؤلاء البشر لإضعاف منافسيهم، لتدمير الدول القومية. ينطبق هذا أيضًا على أوروبا، وينطبق أيضًا على هوية فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ودول أخرى ذات تاريخ طويل. تطالب واشنطن بالمزيد والمزيد من العقوبات ضد روسيا، ويوافق معظم السياسيين الأوروبيين بخنوع على ذلك. إنهم يفهمون بوضوح أن الولايات المتحدة، التي تدفع باتجاه رفض الاتحاد الأوروبي الكامل لشركات الطاقة الروسية وغيرها من الموارد، تؤدي عمليًا إلى تراجع عملية التصنيع في أوروبا، والاستيلاء على السوق الأوروبية بالكامل. فهم يفهمون كل شيء، هذه النخب الأوروبية تفهم كل شيء، لكنهم يفضلون خدمة مصالح الآخرين. لم يعد هذا خنوعًا، بل خيانة مباشرة لشعوبهم. لكن فليباركهم الرب، فهذا شأنهم.

لكن العقوبات ليست كافية بالنسبة للأنجلو ساكسون، فقد تحولوا إلى التخريب بشكل لا يصدق، لكنه حقيقي. فمن خلال تنظيم تفجيرات خطوط أنابيب الغاز الدولية، نورد ستريم، التي تمتد على طول قاع بحر البلطيق، لقد بدأوا بالفعل في تدمير البنية التحتية للطاقة في أوروبا. ومن الواضح لكل من يستفيد من هذا، أيًا كان المستفيد، فقد فعل الأمر بالطبع.

إن إملاءات الولايات المتحدة تقوم على القوة الغاشمة، على قانون القبضة. بحيث يحدث كل شيء بشكل يكون ملفوفًا داخل غلاف جميل، وأحيانًا يكون الأمر بدون غلاف، لكن الجوهر يظل هو نفسه، قانون القبضة. ومن هنا جاء نشر مئات القواعد العسكرية في جميع أنحاء العالم، وتوسع حلف شمال الأطلسي، ومحاولات لتشكيل تحالفات عسكرية جديدة مثل أوكوس وما شابه ذلك. يجري العمل بنشاط أيضًا لإنشاء رابط عسكري سياسي بين واشنطن وسيول وطوكيو. وكل تلك الدول التي تمتلك أو تسعى لامتلاك سيادة استراتيجية حقيقية وقادرة على تحدي الهيمنة الغربية يتم إدراجها تلقائيًا في فئة الأعداء.

على أساس هذه المبادئ، تُبنى المذاهب العسكرية للولايات المتحدة والناتو، ولا تتطلب أقل من الهيمنة الكاملة. تقدم النخب الغربية خططها الاستعمارية الجديدة بنفس الطريقة المنافقة، حتى مع ادعاء السلام، فهي تتحدث عن نوع من الاحتواء، وتتجول هذه الكلمة الماكرة من استراتيجية إلى أخرى، لكنها في الواقع تعني شيء واحد فقط، تقويض أي مراكز تنمية مستدامة.

لقد سمعنا بالفعل عن احتواء روسيا والصين وإيران. أعتقد أن دولًا أخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى الشركاء والحلفاء الحاليين للولايات المتحدة، هي التالية في الصف. نعلم أنهم يفرضون عقوبات على حلفائهم، كل ما لا يحبونه، أولًا ضد بنك، ثم على بنك آخر. الآن ضد شركة، ثم ضد شركة أخرى. هذه هي الممارسة نفسها، وسوف تتوسع. إنهم يستهدفون الجميع، بما في ذلك أقرب جيراننا، بلدان رابطة الدول المستقلة.

في الوقت نفسه، من الواضح أن الغرب كان يفكر بالأمنيات منذ فترة طويلة. لذلك، عند بدء حرب خاطفة ضد روسيا، اعتقدوا أنهم سيكونون قادرين مرة أخرى على بناء عالم بأسره تحت قيادتهم. ولكن، كما اتضح، فإن مثل هذا الاحتمال الوردي يغرد بعيدًا عن الجميع. ربما أنه لم ينل إعجاب سوى حفنة من السياسيين المازوخيين وآخرين معجبين بأشكال أخرى غير تقليدية من العلاقات الدولية. بينما ترفض معظم الدول الانسحاق وتختار طريقًا معقولًا للتعاون مع روسيا.

من الواضح أن الغرب لم يتوقع منهم مثل هذا التمرد. لقد اعتادوا فقط على التصرف وفقًا للقالب، وأخذوا كل شيء بوقاحة، من خلال الابتزاز والرشوة والتخويف، وإقناع أنفسهم بأن هذه الأساليب ستنجح إلى الأبد، كما لو كانت متحجرة ومتجمدة في الماضي.

هذه الثقة بالنفس هي نتاج مباشر ليس فقط للمفهوم سيء السمعة لحريتهم الفردية، على الرغم من أن هذا الأمر مثير للدهشة، ولكن أيضًا بسبب الجوع الحقيقي للمعلومات في الغرب. لقد أغرقوا الحقيقة في محيط من الأساطير والأوهام والتزوير، مستخدمين دعاية شديدة العدوانية، إنهم يكذبون بتهور، مثلما يقول جوبلز، أنه كلما كانت الكذبة لا تصدق بشكل أكبر، كلما أسرعوا في تصديقها. هذه هي الطريقة التي يتصرفون بها، وفقًا لهذا المبدأ.

لكن لا يمكن إطعام الناس بالدولار واليورو المطبوع. من المستحيل تناول هذه القطع الورقية كطعام، ومن المستحيل تدفئة المنازل باستخدام الرأسمالية الافتراضية المتضخمة للشبكات الاجتماعية الغربية، إن كل هذا مهم، لكن ما أتحدث عنه وما قيل للتو لا يقل أهمية، لا يمكنك إطعام أي شخص بالنقود الورقية. فأنت بحاجة إلى طعام. ولن تقوم بتدفئة أي شخص بهذه الأحرف الكبيرة المتضخمة أيضًا، هناك حاجة إلى ناقلات الطاقة.

لذلك، يتعين على السياسيين في أوروبا نفسها إقناع مواطنيهم بتناول كميات أقل، والاغتسال مرات أقل، وارتداء ملابس أكثر دفئًا في المنزل. وبالنسبة لأولئك الذين بدأوا في طرح أسئلة عادلة، مثل “لم كل هذا في الواقع؟”، يتم إعلانهم على الفور بأنهم أعداء ومتطرفون وراديكاليون. إنهم يصوبون السهام نحو روسيا، ويقولون ها هنا، إن هذا هو مصدر كل مشاكلكم، إنهم يكذبون مرة أخرى.

ما أود التأكيد عليه؛ يوجد هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن النخب الغربية لن تبحث عن طرق بناءة للخروج من أزمة الغذاء والطاقة العالمية، التي نشأت بفعل خطأهم، وبالتحديد من خلال أخطائهم، كنتيجة لسنوات عديدة من سياساتهم قبل وقت طويل من عمليتنا العسكرية الخاصة في أوكرانيا، في الدونباس. إنهم لا ينوون حل مشاكل الظلم وعدم المساواة. هناك خوف من استعدادهم لاستخدام وصفات أخرى مألوفة لديهم. وهنا يجدر التذكير بأن الغرب خرج من تناقضات أوائل القرن العشرين خلال الحرب العالمية الأولى. بعد أن سمحت أرباح الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة بالتغلب أخيرًا على عواقب الكساد الكبير وأن تصبح أكبر اقتصاد في العالم، لفرض قوة الدولار كعملة احتياطية عالمية.

وبالنسبة للأزمة المتأخرة في الثمانينيات فقد تغلب الغرب إلى حد كبير على أزماته من خلال الاستيلاء على تراث وموارد الاتحاد السوفيتي الذي كان ينهار ثم انهار في النهاية. إنها حقيقة.

الآن، من أجل تخليص أنفسهم من مجموعة متشابكة أخرى من التناقضات، يحتاجون إلى كسر روسيا والدول الأخرى التي تختار مسار التنمية السيادي بأي ثمن من أجل نهب ثروات الآخرين بشكل أكبر لسد ثغراتهم. إذا لم يحدث هذا، فأنا لا أستبعد محاولاتهم إسقاط النظام بالكامل. حيث يمكن إلقاء اللوم بالكامل على روسيا واستخدام الصيغة المعروفة ب “الحرب ستكتب إيقاف كل شيء”. تتفهم روسيا مسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي، وستبذل قصارى جهدها لإعادة هؤلاء المتهورين إلى رشدهم.

من الواضح أن النموذج الاستعماري الجديد الحالي محكوم عليه بالفشل في نهاية المطاف. لكنني أكرر أن أصحابه الحقيقيين سيتشبثون به حتى النهاية. إنهم ببساطة ليس لديهم ما يقدمونه للعالم باستثناء الحفاظ على نفس نظام السرقة والابتزاز.

في الواقع، إنهم يبصقون على الحق الطبيعي لمليارات البشر في الحرية والعدالة لتقرير مستقبلهم بأنفسهم. وقد انتقلوا الآن تمامًا إلى الإنكار الجذري للمعايير الأخلاقية والدين والأسرة. دعونا نجيب على بعض الأسئلة البسيطة لأنفسنا. أريد الآن أن اعود إلى ما قلته، أريد أن أخاطب مواطني البلد، ليس فقط أولئك الزملاء الموجودون في هذه القاعة، بل إلى جميع مواطني روسيا: هل نريد، هنا في بلدنا، في روسيا، بدلًا من الأب والأم، أن يكون هناك الوالد الأول والوالد الثاني والوالد الثالث؟! لقد فقدوا رشدهم تمامًا بالفعل. هل نريد حقًا أن تفرض الانحرافات التي تؤدي للتدهور والانقراض على مدارسنا من الصفوف الابتدائية؟! أن يتم إخبارهم أنه من المفترض بهم قبول أجناسًا أخرى غير النساء والرجال، وأن تُعرض عليهم عملية تغيير جنسهم؟ هل نريد كل هذا لبلدنا وأطفالنا؟! بالنسبة لنا، كل هذا غير مقبول، لدينا مستقبل مختلف.

أكُرر، ديكتاتورية النخب الغربية موجهة ضد كل المجتمعات، بما في ذلك شعوب الدول الغربية نفسها. إن هذا هو تحدٍ للجميع. إن مثل هذا الإنكار الكامل للإنسان، والإطاحة بالإيمان والقيم التقليدية، وقمع الحريات بشكل يكتسب سمات الدين المعكوس، وهو شيء شيطاني صريح. وكما قال يسوع المسيح في عظة الجبل، “ستعرفونهم من ثمارهم”. وهذه الثمار السامة واضحة بالفعل للناس ليس فقط في بلدنا، بل في جميع البلدان، بما في ذلك للعديد من مواطني الغرب نفسه.

لقد دخل العالم فترة من التحولات الثورية ذات الطبيعة المحورية. حيث يتم تشكيل مراكز تطوير جديدة، وهذه المراكز تمثل الأغلبية من المجتمع الدولي. إنهم مستعدون ليس فقط للحفاظ على مصالحهم وحمايتها أيضًا، بل مستعدون للنظر إلى التعددية القطبية كفرصة لتعزيز سيادتهم، وبالتالي لاكتساب الحرية الحقيقية والمنظور التاريخي الخاص بهم، وحقهم في الاستقلال والإبداع، وفي التطور الأصيل أثناء عملية متناغمة.

وفي جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة، كما قلت، لدينا العديد من الأشخاص الذين يتشابهون معنا في التفكير، ونحن نشعر أننا نرى دعمهم. إن حركة التحرير المناهضة للاستعمار ضد الهيمنة أحادية القطب تتطور بالفعل داخل أكثر البلدان والمجتمعات تنوعًا. إن موضوعية هذه الحركة تتزايد. وهذه هي القوة التي سوف تحدد شكل الواقع الجيوسياسي في المستقبل.

أصدقائي المبجلين!

نحن نكافح اليوم من أجل طريق عادل وحُر، لأجل أنفسنا أولًا وقبل كل شيء، ومن أجل روسيا، ومن أجل رفض الإملاءات والاستبداد وحتى يبقى كل هذا إلى الأبد جزءً من الماضي. أنا مقتنع بأن البلدان والشعوب تُدرك أن السياسة القائمة على حصرية أي شخص، على قمع الثقافات والشعوب الأخرى، هي سياسة إجرامية بطبيعتها، ويجب علينا طي هذه الصفحة المخزية. إن انهيار الهيمنة الغربية الذي بدأ بالفعل، لا رجعة فيه. وأكرر مرة أخرى، لن تكون الأمور كما كانت عليه من قبل.

إن ساحة المعركة التي دعانا إليها القدر والتاريخ هي ساحة المعركة لشعبنا ولروسيا التاريخية العظيمة.  من أجل روسيا التاريخية العظيمة، من أجل الأجيال القادمة، من أجل أطفالنا وأحفادنا، يجب حمياتهم من الاستعباد، من التجارب الوحشية التي تهدف إلى شل وعيهم وأرواحهم.

نحن اليوم نكافح حتى لا يخطر على بال أحد أن روسيا وشعبنا ولغتنا وثقافتنا يمكن أن تُمحى وتنتزع من التاريخ. اليوم، نحن بحاجة إلى توطيد المجتمع بأسره، وهذا التماسك لا يمكن أن يقوم إلا على السيادة والحرية والإبداع والعدالة. إن قيمنا هي الإنسانية والرحمة، والتعاطف.

وأريد أن اختتم حديثي بكلمات الوطني الحقيقي، “إيفان ألكساندروفيتش إلين”: “إذا كنت اعتبر روسيا موطني الأم، فهذا يعني أنني أحب اللغة الروسية، وأتأمل وأفكر، وأغني وأتحدث بالروسية؛ وأؤمن بالقوة الروحية للشعب الروسي. إن روحه هي روحي، ومصيره قدري، ومعاناته حزني، وازدهاره هو سعادتي”.

يوجد وراء هذه الكلمات خيار روحي عظيم، والذي اتبعته أجيال عديدة من أجدادنا لأكثر من ألف عام من حياة الدولة الروسية. نحن اليوم نقوم باتخاذ هذا الخيار، وقد اتخذ مواطنو جمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين وسكان مقاطعتي زابوريجيا وخيرسون، هذا الخيار. لقد اختاروا أن يكونوا مع شعبهم، وأن يكونوا مع الوطن الأم، وأن يعيشوا مصيره، وأن يفوزوا معه.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73281/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M