خريطة طريق لتحقيق العدالة المناخية

د.عصام شيحة

 

بات واضحا الآن أن قضية البيئة بأبعادها المختلفة فرضت نفسها على مائدة الحوار العالمى، ولم تعد ترفا يخص النخبة بل تحدى يؤرق العامة، ولم تعد قضية الدول الكبرى بل تهديد خطير يهدد بقوة دول العالم النامى وخاصة إفريقيا، وما الحديث عن شبح الجوع وأزمة الغذاء، وأزمة الطاقة وانهيار سريلانكا سوى جزء من تجليات الازمة. ومن الامور الجيدة تبنى مصر بثقلها وتاريخها قضية البيئة، وحمل لواء الدفاع عن حقوق ومصالح الدول الإفريقية التى هى ضحية ازمة ليست من صنع يديها، ويعانى الافارقة مثل بقية الضحايا ليس فقط من ضياع موارد أرزاقهم ولا التشرد والهجرة القسرية ولا الافتقار الى الاحتياجات الاساسية بل ضياع الحق فى الحياة بالموت فى الصحراء الكبرى أو الموت غرقا أمام سواحل أوروبا.

وهنا ربما تثار العديد من الأسئلة: هل العدالة المناخية وهم؟، وما علاقة تغير المناخ بعدم المساواة الاجتماعية والعنصرية والعدالة بين الأجيال؟، وهل هناك علاقة قوية بين هذه الأمور لأن الدول الغنية المسببة لتلوث المناخ أقل تضررا من الضحايا فى الدول الفقيرة. والإجابة هى نعم بالتاكيد على الاسئلة السابقة ولا قطعا العدالة المناخية ليست وهما.

وأحسب أن هناك دولا وشركات وأشخاصا يتحملون مسئولية تغير المناخ أكثر من غيرهم، وثمة آخرون يتأثرون بسببه أكثر من غيرهم أيضا. فعلى من يقع اللوم؟ وهل من طريقة عادلة لتحقيق العدالة المناخية؟.

وبداية ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻘﻮﻕ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﺘﺄﺻﻠﺔ فى ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻫﻲ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺠﺰﺋﺔ ﻭﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻭﻣﺘﺮﺍﺑﻄﺔ ﻭ ﻻﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﺯﻝ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻧﺘﺰﺍﻋﻬﺎ ﻭﺍﻟﺒﺸﺮ ﻫﻢ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ، ﻭﻳﺤﻖ ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭ ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺃﺷﺪﻫﻢ ﺗﺄﺛﺮﺍً ﺑﺘﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻠﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭﻩ ﺍﻟﺴﻠﺒﻴﺔ, ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﻁﺒﻘﺎً ﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻹﻁﺎﺭﻳﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﻳُﻌﺰﻯ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺸﺎﻁ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﻐﻼﻑ ﺍﻟﺠﻮﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻟﺬﺍ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻤﻨﺎﺧﻲ ﻓﻲ ﺇﻁﺎﺭ الالتزام ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺎﻳﻴﺮﻫﺎ.

ومن البديهى الآن أن من ﺍﻟﻜﻮﺭﺍﺙ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺧﻲ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ، وﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻅﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ، وﻧﺪﺭﺓ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻌﺬﺑﺔ، وﺍﻟﺤﺮﺍﺋﻖ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ، وﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﻨﺴﻮﺏ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺳﻄﺢ ﺍﻟﺒﺤﺮ، ﺍﻟﻔﻴﻀﺎﻧﺎﺕ، وﺫﻭﺑﺎﻥ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﺍﻟﻘﻄﺒﻲ، وﺍﻟﻌﻮﺻﻒ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪﺓ. ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻻﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ آﺛﺎﺭﻩ ﺍﻟﻀﺎﺭﺓ ﺃﻥ ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ ﻳﻬﺪﺩ ﺍﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻐﺬﺍء ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻤﺎﺋﻲ ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﻫﻮﺭ ﺍﻟﺘﻨﻮﻉ ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮ.

ﻓﻮﺻﻮﻝ ﺍﻻﺣﺘﺒﺎﺱ ﺍﻟﺤﺮﺍﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ مئوية ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻓﻮﻕ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍلصناعية, اهتمت الدول بالتغير المناخى وتم ﺗﻮﻗﻴﻊ ﺍﺗفاقيات ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺑﺸﺄﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ. ومن أهم هذه ﺍﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟية: ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍلإﻁﺎﺭﻳﺔ ﺑﺸﺄﻥ ﺍﻟﻤﻨﺎﺥ، وﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺑﺎﺭﻳﺲ التى ﺗﺒﻨتها 197 ﺩﻭﻟﺔ، ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻛﻴﻮﺗﻮ ﻋﺎﻡ 1997 .

.. وهنا ظهرت فكرة العدالة المناخية فى عام 2000 عندما انعقدت أول قمة للعدالة المناخية فى لاهاى بهدف التأكيد على التغير المناخى والآثار المترتبة عليه واعتبارها مسألة حقوق ومسئوليات، وتشير العدالة المناخية إلى أنه لا يتكرر ما حدث للإنسان والطبيعة وأن يتم تعويض البلدان عن طريق تمويل مشاريع التكيف والتخفيف والعمل على الحد من الفوارق، واللاعدالة التى تتسبب فيها الآثار السلبية للتغيرات المناخية التى يعتبر الإنسان فاعلاً أساسياً فيها، كما تهدف العدالة المناخية إلى ضمان تمتع الجميع بالحقوق الأساسية وإلى الإنصاف بين البلدان فى التمكين من أجل التكيف ضد الآثار السلبية والإنصاف بالنسبة للأجيال المستقبلية. ويتطلب تحقيق العدالة المناخية إعادة توزيع الموارد، بالإضافة إلى إشراك الأشخاص الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية فى اقتراح وصياغة الحلول واعتبارهم عنصراً أساسياً فى صنع القرار.

ولاشك أن العبء غير المتكافئ ومبدأ الإنصاف يحتم نظرة مختلفة، فنحن نعرف أن البلدان الصناعية و المدرجة فى المرفق الأول للاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، تتحمل القدر الأكبر فى انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن أنشطة بشرية، وعلى الرغم من ذلك توزع آثار تغير المناخ توزيعًا غير متكافئ فتتأثر الدول النامية والفقيرة بمعظم الآثار أى تلك التى ساهمت عمومًا بالقدر الأدنى فى تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية.

وتعكس المادة ٣ من الاتفاقية المشار إليها بمادة الإنصاف و عدم تكافؤ عبء تأثيرات تغير المناخ، وتنص هذه المادة على أن «الأطراف ينبغى أن تحمى النظام المناخى على أساس الإنصاف ووفقًا لمسئولياﺗﻬا المشتركة وإن كانت متباينة وقدرات كل منها وعلى أن البلدان المتقدمة ينبغى أن تأخذ مكان الصدارة فى مكافحة تغير المناخ والآثار الضارة المترتبة عليه، وعلى أن يولى الاعتبار التام لاحتياجات البلدان النامية، لا سيما تلك المعرضة بشكل خاص للتأثر بالنتائج الضارة الناجمة عن تغير المناخ والتى سيتعين عليها أن تتحمل عبئًا غير متناسب أو غير عادى بمقتضى الاتفاقية وهو ما يشكل تحدياً كبيراً فى تفعيل هذا المبدأ.

ويبقى أن من أهم النتائج المستهدفة هي: العمل على صياغة مفاهيم محددة للعدالة المناخية يُراعى فيها حقوق الإنسان، وتحديد التحديات التى تواجه تحقيق العدالة المناخية واتباع نهج قائم على حقوق الإنسان لتحديد الفئات الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، ومن ثم تحديد الاحتياجات الضرورية لتلك الفئات. والتأكيد والدعم على حق الحصول على المعلومات المتعلقة بالآثار البيئية والتغيرات المناخية والإعمال التدريجى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحقيقاً للعدالة المناخية باعتبارها أكثر الحقوق تأثرا بالتغير المناخى.

نقلا عن جريدة الأهرام بتاريخ 9 أكتوبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21153/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M