محمد الليثي
تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية مطلع الشهر المقبل حدثًا غير مسبوق نبع عن أزمة عميقة تتمثل في عدم نجاح أي من المتنافسين على تلك الساحة في تحقيق الأغلبية المطلقة في انتخابات الكنيست “المُتكررة” لتشكيل حكومة جديدة، أو تشكيل حكومة تستطيع استكمال فترتها، لذلك تنعقد الانتخابات للمرة الخامسة خلال أقل من 4 سنوات لأول مرة في تاريخ إسرائيل. فيما تستمر استطلاعات الرأي في الإشارة إلى أن الأزمة مُستمرة وأن الانتخابات السادسة تُلوح في الأفق، إلا إذا شهدت الأمور مفاجآت سواء من مكر نتنياهو الذي استطاع إسقاط الحكومة السابقة أو من يائير لابيد الذي يتطلع إلى تصدر المشهد.
أزمة مستمرة
في انتخابات الـ 9 من أبريل عام 2019، أمل زعيم المعارضة الحالي ورئيس الوزراء الأسبق، بنيامين نتنياهو، في الفوز من جديد على الرغم من قضايا الفساد التي تلاحقه منذ فترة كبيرة، وآنذاك وقف في مواجهة رئيس هيئة الأركان السابق، بيني جانتس، زعم تحالف «أزرق أبيض»، ليحقق كل من حزب «الليكود» اليميني والتحالف الوسطي «أزرق أبيض» نتائج متقاربة جدًا بحصول كل منهما على 35 مقعدًا، إلا أن نتنياهو استطاع بعد الحصول على دعم أحزاب يمينية صغيرة الحصول على تكليف الرئيس الإسرائيلي آنذاك رؤوفين ريفلين بتشكيل الحكومة، ولكن بعد أسابيع من المفاوضات لم يتمكن من ضمان الغالبية في الكنيست الذي يضم 120 مقعدًا.
في نهاية مايو 2019، وبعد أن عجز نتنياهو عن تشكيل ائتلاف حكومي، اتخذ الكنيست الإسرائيلي قرارًا بإجراء انتخابات جديدة ليبقى نتنياهو في السلطة رئيسًا للوزراء حتى يُجرى اقتراع جديد بدلًا من تكليف آخر بمهمة تشكيل الحكومة.
في 17 سبتمبر حقق حزبا «الليكود» و«أزرق أبيض» نتائج متقاربة من جديد في الانتخابات، ليتم تكليف نتنياهو بالمهمة مرة أخرى، والذي اقترح على جانتس «حكومة وحدة»، إلا أن جانتس رفض بسبب احتمال اتهام نتنياهو بالفساد. وآنذاك لم يكن بوسع أي منهما فرصة للحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، وأمام فشل نتنياهو، كلف ريفلين في 20 أكتوبر بيني جانتس بتشكيل الحكومة، ولكنه فشل في ذلك خلال شهر.
وفي 21 نوفمبر 2019، وجه المدعي العام الإسرائيلي، أفيخاي ماندلبليت، اتهامات إلى نتنياهو بالفساد والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا منفصلة، وبعدها بما يقرب من 20 يومًا، صوّت النواب على حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات جديدة مع انتهاء مهلة تشكيل الحكومة.
وفي مارس 2020، فاز حزب «الليكود» بعدد المقاعد الأكبر في الكنيست بعد حصوله على 36 مقعدًا في مقابل 33 مقعد لتحالف «أزرق أبيض»، وعلى الرغم من ذلك، تم تكليف بيني جانتس بتشكيل الحكومة لأنه حصل على دعم أحزاب أخرى، وفي 20 أبريل وتفشي جائحة كورونا «كوفيد 19» والاضطرار إلى فرض إغلاق، أعلن جانتس ونتنياهو حكومة وحدة وطنية طارئة لمواجهة تلك الجائحة على أن تستمر الحكومة 3 سنوات يتقاسمان فيها الحُكم، على أن تكون الفترة الأولى لبنيامين نتنياهو لمدة 18 شهرًا. وأقرت المحكمة الإسرائيلية العليا ذلك الاتفاق في 7 مايو. وتم حل الكنيست من جديد بعد الفشل في إقرار ميزانية عام 2021، وتمت الدعوة إلى انتخابات جديدة في مارس2021.
وفي شهر مارس توجه الإسرائيليون مرة رابعة إلى الانتخابات خلال عامين، ليتصدر الليكود بـ30 مقعدًا وبعده حزب «يش عتيد» برئاسة زعيم المعارضة آنذاك، يائير لابيد، بـ17 مقعدًا، ليتكرر السيناريو بتكليف نتنياهو بتشكيل فريق حكومي وأخذ مُهلة من 6 أبريل حتى 4 مايو، ولكنه لم يستطع تشكيل الحكومة، وطلب الرئيس الإسرائيلي ريفلين من لابيد محاولة تشكيل الحكومة، ليعلن زعيم حزب «يمينا» اليميني المتشدد، نفتالي بينيت، دعمه للابيد، ليبرما اتفاقا لتشكيل ائتلاف حكومي يتناوبان بموجبه على منصب رئيس الوزراء، ويتولى بينيت الفترة الأولى لمدة سنتين، والثانية للابيد لمدة عامين، ليتم الإطاحة بنتنياهو الذي ظل 12 عامًا متواصلة في السلطة، ولكن بعد عام واحد انهارت تلك الحكومة الضعيفة بعد خسارة الأغلبية في الكنيست بانسحاب أعضاء في حزب رئيس الوزراء.
وفي 20 يونيو الماضي، أعلن بينيت ولابيد عزمهما على تقديم مشروع قانون لحل الكنيست والدعوة إلى انتخابات خامسة خلال أقل من 4 سنوات، وبالفعل تم حل الكنيست في 30 يونيو ليتم تحديد الأول من نوفمبر المقبل كموعد للانتخابات.
حكومة ضعيفة وانتخابات سادسة
وفقًا لآخر استطلاع رأي أجرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فإنه إذا أجريت انتخابات الكنيست الـ25 في تاريخ إسرائيل فستحصل الأحزاب المؤيدة لبنيامين نتنياهو على 61 مقعدًا بزيادة مقعدين مقارنة بالاستطلاع الأخير بعد إضافة مقعد واحد لحزب «الليكود» وآخر لحزب «الصهيونية الدينية»، وعلى الرغم من ذلك إذا استطاع نتنياهو تشكيل الحكومة بفارق ضئيل سيتكرر سيناريو «نفتالي بينيت» وستكون حكومة مُهددة بالفشل في أي وقت حال انسحاب عضو أو اثنين من الائتلاف الحكومي ما يجعلها غير قادرة على التشريع في الكنيست، ومن ثم لا شك ستسقط.
وإذا صابت استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن الأمور تذهب إلى فشل جديد في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، ومن ثم الذهاب إلى انتخابات سادسة ربما تشهد الأزمة نفسها إلا إذا شهدت الأمور تغيرًا جوهريًا. وسيؤدي الذهاب إلى انتخابات سادسة إلى المزيد من تعقيد الأمور وجمود للحياة السياسية في إسرائيل.
والتمثيل العربي في الانتخابات المقبلة لن يكون يدًا واحدة ضد نتنياهو، بل تخوض القوائم العربية تلك الانتخابات منقسمة إلى 3 قوائم، ما يثقل كفة زعيم المعارضة الحالي للعودة إلى منصبه مرة أخرى، وفي الناحية الأخرى تظل القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس منقذة لليسار الإسرائيلي في ظل تراجع شعبيته.
قضايا تتحكم في اتجاه الناخب الإسرائيلي
القضية الأولى التي تتحكم في اتجاه الناخب الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة هي «عدم الذهاب إلى انتخابات جديدة»، لذلك تتردد على الألسنة في الأوساط الإسرائيلية أنهم سينتخبون من يضمن لهم حكومة أكثر استقرارًا وألا يكون هناك انتخابات إضافية. فكلما اقتربت الانتخابات وحقق أحد المنافسين ضمانات تؤكد للجمهور الإسرائيلي أنه سيشكل حكومة أكثر استقرار ستكون كفته الأرجح.
القضية الثانية، تعود إلى البرامج الاقتصادية التي ستقدمها الأحزاب والتي تهدف إلى الحد من ارتفاع الأسعار بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ضربت العالم بسبب جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الأوكرانية الروسية.
القضية الثالثة، هي كاريزما الشخص المتقدم للانتخابات والتي يتفوق فيها زعيم المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو، أو بمعنى آخر فإن الشخصية صاحبة الكاريزما الوحيدة على الساحة الإسرائيلي هي شخصية بنيامين نتنياهو، ولذلك فإن الأحزاب التي تتشكل منها الحكومة المقبلة تميل إلى الانضمام إلى حكومة بزعامة نتنياهو، عدا القائمة العربية المشتركة التي لن توصي بنتنياهو.
القضية الرابعة، تتعلق بالوضع الأمني وما يترتب عليه من تأثيرات على الناخب الإسرائيلي، حيث يتعلق ذلك بالوضع في الضفة الغربية والمنطقة الشمالية وتهديدات تنظيم «حزب الله» اللبناني وخصوصًا بعد تعقيد الأمور في مفاوضات «ترسيم الحدود» بين لبنان وإسرائيل، ويتعلق أيضًا بالوضع في القدس خصوصًا قبيل فترة الأعياد اليهودية.
ختامًا، يبدو أن متاهة الجمود السياسي في إسرائيل ستستمر بناءا على المؤشرات الأخيرة التي تؤكد تعادل الكتلتين أو تقارب عدد المقاعد في الانتخابات المقبلة، لأنه إذا لم تحقق إحدى الكتلتين الأغلبية التي يُمكن من خلالها تشكيل الحكومة، سيكون المصير انتخابات سادسة، أما إذا نجحت إحدى الكتلتين في العبور بتشكيل حكومة بالفعل، ستكون حكومة ضعيفة شأنها شأن حكومة نفتالي بينيت التي لم تستطع التشريع بسبب انسحاب أعضاء ومن ثم سقطت بعد عام واحد فقط من تشكيلها.
.
رابط المصدر: