الطاقة أولًا: أبعاد جولة المستشار الألماني الخليجية

مارى ماهر

 

أجرى المستشار الألماني أولاف شولتز جولة خليجية مترأسًا وفدًا تجاريًا رفيع المستوى، على مدار يومي 24 و25 سبتمبر الماضي، كان عنوانها الرئيسي “تأمين إمدادات الطاقة”، حيث استهلها بزيارة المملكة العربية السعودية ملتقيًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ثم توجه للإمارات مُلتقيًا الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان وشهد توقيع اتفاقية “أمن الطاقة” بين البلدين”، قبل أن يتوجه إلى قطر للقاء أميرها تميم بن حمد آل ثاني، وتهدف الجولة بالأساس لإبرام صفقات جديدة للطاقة لتحل محل الإمدادات الروسية وتخفف أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الأوكرانية.

ملاحظات هامة

قبل شرح الفرص الطاقوية والاقتصادية التي توفرها الشراكة الخليجية لألمانيا، والتي كانت هدفًا رئيسيًا لجولة شولتز، ينبغي التأكيد على نقاط هامة، أولًا: أن إعادة الاتحاد الأوروبي النظر في سياسة الطاقة أعاد تشكيل العلاقات مع دول الخليج، حيث أصبح أمن الطاقة أولوية بالنسبة لأوروبا بما في ذلك ألمانيا، حيث إن أحد الدروس الرئيسية التي تعلمتها برلين من الحرب الأوكرانية هو أن علاقات تجارة الطاقة هي أيضًا علاقات جيوسياسية ولا يمكن فصلها عن السياقات الأمنية، وبالتالي فإن توسيع علاقات الطاقة مع دول الخليج جزء لا يتجزأ من نهج استراتيجي أوسع وصياغة سياسة خليجية ألمانية منفصلة. ثانيًا: يسعى الخليج للاستفادة من مفاعيل العقوبات الغربية على روسيا والتي أعادت توجيه كيفية تداول الطاقة حول العالم بحيث اتجهت تدفقات الإنتاج الروسي إلى الشرق، بينما يأمل الخليج أن يتوجه إنتاجه للغرب، إذ تتطلع الدول الخليجية لاستغلال ارتفاع أسعار الطاقة لرفع احتياطاتها النقدية وتعويض ما استنفدته جائحة كورونا، كما تسعى لأن تنفرد بالقدرة على الاستمرار في تلك الصناعة لرفع حصتها في السوق. وفي هذا الإطار، تهدف السعودية والإمارات إلى زيادة إنتاجهما معًا من 13 مليون برميل يوميًا العام الماضي إلى 16 مليونًا على المدى المتوسط، كما تعمل قطر على توسيع مشروع حقل الشمال في السنوات القليلة المقبلة ليعادل إنتاجها السنوي المستهدف 33% من إجمالي الغاز الطبيعي المسال المتداول في العالم عام 2021.

وثالثًا: يُظهر الاتجاه الألماني نحو الخليج نهجًا براجماتيًا لحزب الخضر الذي تنتمي له وزيرة الخارجية الحالية أنالينا بربوك والذي لطالما وجه انتقادات لدول الخليج المنتجة للنفط والغاز باعتبارها أحد أكبر مصادر انبعاثات الكربون، لكنه يبحث الآن عن شراكة إيجابية مع الخليج وربما الاعتراف بأن ثرواتهم قد تحتوي على مفتاح العمل المناخي الفعال في الشرق الأوسط. ورابعًا: يُمكن تأطير الجولة ضمن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي المُعلن عنه في بروكسل يوم 18 مايو والذي يحدد عددًا من مجالات السياسة الرئيسية للعمل معًا بما في ذلك الطاقة والتحول الأخضر، والتنويع التجاري والاقتصادي، والرقمنة، والأمن. وخامسًا: يأتي التحول في نهج ألمانيا تجاه الخليج ضمن التحول الكبير في سياسات البلاد الخارجية والطاقة التي يقودها المستشار أولاف شولتز.

وسادسًا: تمثل الجولة استمرارًا لخطوات الجانبين لفتح قناة تعاون مباشرة بدأت إرهاصاتها منذ عام 2019 إلى جانب مناقشة كيفية الاستفادة من الأطر الحالية بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك برنامج العمل المشترك (2022-2027)، الذي وافق عليه المجلس المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والاجتماع الوزاري في بروكسل يوم 21 فبراير 2022. وسابعًا: تُظهر الجولة إذا ما قرأناها في سياق جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق أوسطية الأخيرة التي شملت السعودية وما تلاها من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ثم الرئيس الإماراتي محمد بن زايد لفرنسا، وزيارة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون غير المثمرة إلى السعودية والإمارات استمرار أهمية الخليج لأمن الطاقة العالمي رغم ظهور منتجين كبار بالسوق العالمي كالولايات المتحدة، وبالتالي ستظل المنطقة مهمة في الشؤون العالمية خلال العقود القادمة.

وثامنًا: تأتي الجولة في وقت تسعى برلين إلى تقوية العلاقات مع الرياض بعد مرحلة من الفتور بدأت منذ 2018، حيث ناقش المستشار شولتز في محادثة هاتفية مع بن سلمان القضايا الثنائية والإقليمية في 17 أغسطس. كما تمثلت بعض مظاهر التحول في تصريح أغسطس هانينج، المدير السابق لوكالة المخابرات الفيدرالية، ألقى فيه باللوم على تدخل إيران في اليمن مؤكدًا أنه كان ضروريًا ليس فقط دعم الحكومة اليمنية ولكن دعم السعودية أيضًا، كما اعترفت نائبة حزب الخضر في البرلمان الأوروبي هانا نيومان بان ألمانيا وأوروبا التزمتا الصمت لفترة طويلة بشأن إدانة هجمات الحوثيين على السعودية، معتبرة أن بلادها يجب أن تقبل بعض اتهامات دول الخليج لأنها لم تفهم التهديد الإيراني في المنطقة. وتاسعًا: تأتي الجولة استكمالًا لزيارة وزير الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي روبرت هابيك إلى قطر والإمارات في مارس الماضي لبحث مسألة إمدادات الطاقة.

وعاشرًا: رغم عدم كون منطقة الخليج محط تركيز للسياسة الخارجية الألمانية ولم تظهر ألمانيا كواحدة من أهم شركاء دول الخليج، فإن العلاقات الألمانية الخليجية حققت تقدمًا، ففي عام 2021، أقامت ألمانيا ودول مجلس التعاون الست علاقات تجارية تبلغ قيمتها حوالي 18.9 مليار يورو، واستحوذت الإمارات وحدها على ما يقرب من 8 مليارات يورو من ذلك المبلغ، أي أكثر من الدولة العربية الأخرى وأكثر بقليل من إسرائيل. والحادي عشر: شملت الجولة السعودية والإمارات وقطر تحديدًا كونهم برزوا كجهات فاعلة جيوسياسية مؤثرة بدرجة أكبر مما كانت عليه في الماضي، حيث قاومت السعودية والإمارات ومنتجو النفط الخليجيون الآخرون دعوات من الولايات المتحدة والدول الأوروبية لزيادة إنتاج النفط بشكل كبير للحد من الأسعار المرتفعة بعد بدء الغزو الروسي.

الطاقة أولًا

لا يُمكن قراءة جولة شولتز الخليجية بعيدًا عن مجريات الحرب الأوكرانية التي عصفت بأمن الطاقة الأوروبي، لا سيما مع اقتراب قدوم فصل الشتاء وتنامي المخاطر المرتبطة بإمدادات الطاقة الروسية عقب التخريب الذي طال خط “نورد ستريم 1” الرابط بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق والذي يؤمن للأخيرة 58% من احتياجاتها السنوية من الغاز، ليعزز التأثيرات السلبية الناجمة عن القرار الروسي بتخفيض الإمدادات إلى ألمانيا بنسبة 60% والتي أفقدت الأخيرة القدرة على ملء مرافق التخزين لتأمين احتياطات الغاز لفصل الشتاء. هذا إلى جانب التداعيات الاقتصادية السلبية لأزمة الطاقة على الاقتصاد الألماني بما في ذلك ارتفاع التضخم عند مستويات قياسية، والتوقعات بدخول البلاد أكبر حالة ركود منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتسجيل الميزان التجاري عجزًا للمرة الأولى منذ ثلاث عقود مدفوعًا بارتفاع أسعار الغاز حيث وصل سعر العقود الآجلة للغاز 1,769.30 يورو (1,697.01 دولار) لكل ألف متر مكعب بحسب تعاملات يوم 26 سبتمبر الجاري، وتضرر الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة التي يعتمد عليها الاقتصاد.

وفي هذا السياق يُمكن استعراض الملفات الرئيسية ذات الأولوية التي حملها شولتز على أجندة التعاون بين الجانبين والاستدلال على الفرص التي توفرها منطقة الخليج:

• تنويع مصادر الطاقة الأحفورية: تسببت الحرب الأوكرانية في مراجعة ألمانيا لخططتها قصيرة المدى بشأن إيقاف استخدام الوقود الأحفوري، مما أتاح فرصة للموردين الخليجيين كأحد البدائل المتاحة لاستراتيجية برلين والعديد من جيرانها الأوروبيين لتنويع إمدادات الطاقة في محاولة لخفض اعتمادهم على المورد الروسي الرئيسي كجزء من الضغط على موسكو ولتقليل الضرر الذي تسببه الأخيرة من خلال متابعة تخفيض إمداداتها وتهديداتها بالمزيد من التخفيض.

ويرجع لجوء ألمانيا للخليج كبديل محتمل إلى الإمكانيات التي يمتلكها حيث تعتبر قطر واحدة من أكبر منتجي ومصدري الغاز الطبيعي في العالم وتعمل حاليًا على توسيع طاقتها الإنتاجية بشكل كبير بنحو 60% مما سيجعلها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال إنتاجًا في العالم بحلول عام 2027 على أبعد تقدير، كما تأتي السعودية والإمارات ضمن المراتب العشرة الأولى لمنتجي النفط العالميين، فقد استحوذت الرياض، وبدرجة أقل أبو ظبي، على معظم الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم والتي حددتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية على أنها “حجم الإنتاج الذي يمكن تحقيقه في غضون 30 يومًا والاستمرار في 90 يومًا على الأقل”، وتُقدر وكالة الطاقة الدولية أن المملكة والإمارات يمكنهما معًا إضافة 2.8 مليون برميل يوميًا إلى السوق بشكل سريع.

وعليه، سعى شولتز لإبرام عقود لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وقد شهدت زيارة الإمارات بالفعل التوقيع على اتفاقية “أمن الطاقة” بين شركة النفط الحكومية الإماراتية أدنوك وشركة المرافق الألمانية RWE توفر الأولى بموجبها شحنة من الغاز الطبيعي المسال للتسليم في أواخر عام 2022، لاستخدامها في التشغيل التجريبي لمحطة استيراد الغاز الطبيعي المسال العائمة في ألمانيا بمنطقة برونسبويتيل، وكانت أدنوك قد أكملت أول تسليم مباشر على الإطلاق للديزل إلى ألمانيا في وقت سابق من سبتمبر وستقوم بتوريد ما يصل إلى 250 ألف طن من الديزل شهريًا في عام 2023، وتشكل تلك الخطوة تنويعًا لسوق الغاز الإماراتي الذي كان يتركز بشكل كبير على آسيا وبالأخص اليابان كجزء من خطة أدنوك لمضاعفة الإنتاجية من 6 مليون طن في السنة إلى 12 مليون طن. كذلك هدف شولتز من زيارته لقطر إلى تسريع توقيع اتفاقية بين شركة قطر للطاقة وشركتي RWE وUniper الألمانيتين حيث تعثرت صفقة ثنائية قبل أسابيع بسبب الشروط القطرية وعلى رأسها حظر بيع ألمانيا للغاز من قطر إلى دول أوروبية أخرى، ومع ذلك يجب التأكيد على أن قدرتها على المناورة لمساعدة ألمانيا محدودة للغاية لا سيما أنها مرتبطة بعقود طويلة الأجل مع عملاء آسيويين.

• الشراكة بشأن تعزيز الانتقال إلى الطاقة المتجددة: يمكن أن تظهر الدبلوماسية الخضراء كركيزة مهمة لسياسة ألمانيا تجاه الخليج لا سيما أن تداعيات الحرب الأوكرانية عززت استراتيجية الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وتسعى برلين إلى توسيع التعاون في التقنيات الجديدة مثل الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة المتجددة، وهو أحد المجالات الواعدة في التعاون في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتمتع منطقة الخليج بظروف مناسبة لإنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر ومشتقاته، لكن هذا يختلف من دولة لأخرى دول فكل دولة لديها استراتيجيات وإمكانيات مختلفة بشأن الهيدروجين؛ فبينما يُمكن للسعودية والإمارات إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق، تمتلك قطر إمكانيات لإنتاج الهيدروجين الأزرق، وهو ما يخدم خطة ألمانيا لإنشاء ما يسمى شراكات المناخ مع دول مختارة وبالتالي توفير فرصة لتعزيز التعاون مع دول خليجية مثل السعودية أو الإمارات، وهو ما يتلاقى مع سعي الأخيرين لتأمين موقع رئيسي في سوق الهيدروجين الدولي من خلال بعض المبادرات كالمبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء، كما قامت شركة قطر بإعادة تسمية نفسها مؤخرًا باسم قطر للطاقة مما يشير إلى نيتها في استكشاف الطاقة الخضراء والمتجددة والاستثمار فيها. وقد وقعت ألمانيا اتفاقية متعلقة بالهيدروجين مع الرياض وأبو ظبي عام 2021، كما وقعت شركات ألمانية اتفاقيات مع شركات إماراتية لبناء سلسلة لتوريد الهيدروجين.

• تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية: حققت الدول الخليجية فوائض مالية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بما يجعلها مؤهلة لتوسيع استثماراتها الخارجية، وهو ما تطمح برلين الاستفادة منه، لا سيما أن الإمارات هي أكبر شريك تجاري لألمانيا في منطقة الخليج بحجم تجارة يُقدر بحوالي 8.3 مليارات دولار عام 2020، تليها السعودية بحوالي 4.42 مليارات دولار عام 2021، وقطر بحوالي 3.1 مليارات دولار عام 2021، ويتطلع الجانبان الألماني والخليجي للمزيد من الاستثمارات لا سيما مع ما توفره رؤية التنويع الاقتصادي السعودية والإماراتية من فرص للشركات الألمانية في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من المجالات. كما أنه من أجل تسهيل المزيد من التعاون الاستثماري القطري الألماني تخطط الرابطة الألمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة لفتح مكتب إقليمي في الدوحة لجذب الاستثمارات المستقبلية في القطاعات المستهدفة ومنها التكنولوجيا الصحية والأدوية والطاقة النظيفة والبيئة والمياه، وتستضيف قطر حاليًا 331 شركة تعمل في مجال تطوير السكك الحديدية والتجارة وخدمات المقاولات والاتصالات والطرق والبنية التحتية والمعدات الطبية وغيرها. كذلك تشكل ألمانيا شريكًا استراتيجيًا لقطر ووجهة مهمة للاستثمارات القطرية التي بلغت حوالي 25 مليار يورو وتشمل مشاريع حيوية في قطاعات السيارات وتكنولوجيا المعلومات والبنوك حيث يمتلك المستثمرون القطريون حصصًا في مجموعات تجارية ومصرفية ألمانية مرموقة، بما في ذلك مجموعة فولكس فاجن وسيمنز ودويتشه بنك وهاباج لويد وهوشتيف، وغيرهم.

حدود وآفاق الشراكة

اتسقت موضوعات ومخرجات الزيارة مع المستوي المنخفض للعلاقات الألمانية الخليجية مقارنة بعلاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا، على سبيل المثال، والتي أقامت جميعها علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع الشركاء الخليجيين، ومع أن برلين اعترفت في السنوات الأخيرة بالدول الخليجية كشركاء إقليميين مهمين من ناحية التعاون الاقتصادي، إلا أن مساحات التعاون السياسي ظلت محدودة ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:

• اقتصار الأولويات السياسية للعلاقات الألمانية بالمنطقة على ملفات رئيسية هي: منع انتشار الأسلحة النووية، تجنب تدفق اللاجئين على نطاق واسع من خلال تعزيز الاستقرار الإقليمي، والسيطرة على حركات الهجرة، ووضع استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب، وأمن إسرائيل، وتضمين قضايا تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان كأحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على السياسة الخارجية الإقليمية لألمانيا.

• إعطاء ألمانيا الأولوية للمفاوضات مع إيران ودعمها الوصول لاتفاق نووي إيراني ومساعيها للضغط على السلطات الإيرانية لإنجاز الصفقة نظرًا لاعتقادها بضرورة مثل هذا الاتفاق للتعامل مع قضايا الأمن الإقليمي الأوسع ولمعاناة شركاتها – التي تُعد من أكبر المستفيدين من اتفاق 2015 – من إعادة فرض العقوبات على إيران عام 2018، ولكون منع انتشار الأسلحة النووية أحد أهم محددات علاقاتها بالشرق الأوسط، بما لا يتلاءم مع المخاوف الخليجية التي لا تعارض بالطبع طموحات إيران النووية لكنها تشعر بالقلق الأكبر من شبكة طهران من الجماعات المسلحة وبرامج الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تمثل تهديدًا أكثر إلحاحًا لأمنهم واستقرارهم الإقليمي.

• يركز التعاون بين ألمانيا والخليج على الجانبين الاقتصادي والتجاري بينما يظل البُعد الاستراتيجي أقل حضورًا نظرًا لانخفاض مكون تجارة الأسلحة في العلاقات الثنائية، لا سيما أن ألمانيا قررت عام 2018 حظر بيع أسلحة للسعودية والإمارات بسبب حرب اليمن وهو قرار مدده المستشار الحالي أولاف شولتز، بعكس بعض الدول الأوروبية الأخرى كفرنسا التي باعت للإمارات – على سبيل المثال – عام 2019 أسلحة بقيمة 8.3 مليار يورو، كما باعت لأبو ظبي 80 مقاتلة من طراز رافال عام 2021 في صفقة بلغت قيمتها 14 مليار يورو. ومع ذلك، إذا قررت برلين إدخال تعديلات على سياستها الخاصة بتصدير الأسلحة، فلا شك أنها ستكون موضع ترحيب هذه الدول المهتمة بتنويع ترتيباتها الدفاعية.

• تواجه دول الاتحاد الأوروبي صعوبات في تطوير سياسة مشتركة شاملة ومتناغمة مع الخليج، حيث دفع سباق القيادة بين دول الاتحاد الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا قبل خروجها من الاتحاد، تلك الدول إلى النظر للمنطقة بطريقة مجزأة من حيث الجوانب الاقتصادية والاستراتيجية والجغرافية، وبات بعضهم يقيم علاقات مع دول خليجية معينة بينما طور البعض الآخر علاقات أوثق مع دول خليجية أخرى.

• عدم انخراط برلين في قضايا تُصنف كمهددات للأمن الإقليمي كالأزمة اليمينة ولا يتوقف الأمر على تعزيز دفاعات السعودية وإنما دعم التوصل لحل سياسي مستدام يعالج مخاوف الأمن القومي الحقيقية للسعودية وجيرانها فيما يتعلق بالحوثيين بحيث يُنهي قدرتهم على تعريض المصالح الحيوية للمملكة للخطر.

ختامًا، تأتي جولة المستشار الألماني أولاف شولتز ضمن سياق إعادة صياغة السياسة الخارجية كجزء من استراتيجية أكبر لتنويع مصادر الطاقة، حيث أبدت برلين اهتمامًا أكبر بدول الخليج وبالأخص في مجالي الطاقة والاقتصاد، وهي قضايا تحمل أبعادًا استراتيجية، وبالأخص المتعلقة بالطاقة، لكن العلاقات بين الجانبين ستتعزز بشكل أكبر إذا ما اشتملت على الجوانب السياسية والعسكرية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/21168/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M