استعادة الزَّخَم: كيف عزَّز الديمقراطيون حظوظهم في الانتخابات النصفية الأمريكية؟

عمر طاش بينار

 

يتوجه الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النصفية المقررة في الثامن من نوفمبر 2022، والتي سيتم فيها انتخاب كامل أعضاء مجلس النواب (435 عضواً)، و34 عضواً من أصل 100 عضو في مجلس الشيوخ، وأكثر من ثلث حكام الولايات.

 

ويتمحور السؤال حول أداء الرئيس جو بايدن والديمقراطيين في هذه الانتخابات، إذ تُمثل هذه الانتخابات في العادة استفتاءً حول شعور الناخبين تجاه الرئيس الموجود في البيت الأبيض والتي تنتهي على الدوام تقريباً بالنتيجة نفسها: الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض يميل إلى خسارة مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ. ومنذ عام 1934 خسر حزب الرئيس في المعدل 28 مقعداً في مجلس النواب، و4 مقاعد في مجلس الشيوخ خلال الانتخابات النصفية. لذلك فإن هذا النمط يعود إلى 90 سنة خلت مع قليل من الاستثناءات، مثل انتخابات عام 2002 التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي انطوت على دعم شعبي للرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش.

 

تحسُّن التوقعات بالنسبة لبايدن والديمقراطيين

في مطلع صيف العام الجاري بدت انتخابات نوفمبر 2022 وكأن الجمهوريين سيحققون نصراً مُحقَّقاً فيها، وأن خسارة بايدن الساحقة في هذه الانتخابات شبه مضمونة بسبب وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ سبعينيات القرن الماضي، وارتفاع سعر البنزين ليصل إلى نحو 5 دولارات للجالون الواحد تقريباً، واختفاء حليب الأطفال من الأسواق، وتزايُد معدلات الجريمة والهجرة، ومواجهة العالم تصعيداً من جانب روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا بلغ حد التهديد باستخدام الأسلحة النووية، وظهور بايدن مجرداً من أي نجاح في السياستين الداخلية أو الخارجية.

 

وأظهرت استطلاعات الرأي أن نحو 75% من الشعب الأمريكي يعتقدون بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، حيث وصلت معدلات الرضا عن أداء الرئيس بايدن إلى أقل من 37%. وبدا من المرجح للغاية أن الحزب الجمهوري سيستعيد بسهولة سيطرته على مجلسي النواب والشيوخ من خلال تحقيق انتصارات ساحقة.

 

والآن، بعد أربعة أشهر نجد مشهداً سياسياً مختلفاً، حيث استعاد الديمقراطيون الأمل والزخم. وبالرغم من أنه ما زال من المحتمل أن يخسر الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب، غير أن الحزب يمتلك فرصة أفضل للدفاع عن أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ. وغني عن القول إن السيطرة على مجلس الشيوخ ستؤثر في أمور حيوية بالنسبة لإرث بايدن، بما في ذلك التصديق على تعيين مزيد من القضاة، وترفيع أحد قضاة المحكمة العليا في حال ظهور شاغر في المحكمة، والتصديق على تعيين مسؤولين بارزين في إدارة بايدن، وجهود محتملة من جانب الجمهوريين لعزل مسؤولين في إدارة بايدن وربما الرئيس نفسه.

 

وتُعَدُّ المدة حتى موعد الانتخابات طويلة في السياسة الأمريكية، لكنَّ الاتجاه بالنسبة للديمقراطيين يسير في الاتجاه الصحيح قبل موعد الانتخابات النصفية. ووصلت معدلات الرضا عن أداء الرئيس بايدن إلى نحو 43%، إذ يبدو أن القاعدة الشعبية للديمقراطيين مشحونة بشكل غير عادي. إذن، ما الذي حدث؟ فما زال التضخم عند مستويات قياسية مرتفعة تصل إلى نحو 8%، والهجرة والجريمة ما زالتا تشكلان مشاكل لبايدن، ولم يحدث أي تغيير كبير على جبهة السياسة الخارجية سوى مقتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في كابُل وبعض النجاح ضد روسيا في أوكرانيا. إذن، لماذا يحقق الحزب الديمقراطي وبايدن أداءً أفضل نسبياً حالياً؟

 

أدت أربعة عوامل على الأقل إلى تحسين الاحتمالات لصالح بايدن: التراجُع النسبي في أسعار البنزين، وقانون الإجهاض، ونجاح إدارة بايدن في إصدار تشريعات مهمة، والخشية من عودة ترمب.

 

تراجُع أسعار البنزين

من أولى وأهم العوامل التي تصب في مصلحة بايدن في الانتخابات المقبلة تراجُع أسعار البنزين عند محطات الوقود إلى نحو 3.5 دولار للجالون. ويشعر المستهلكون الأمريكيون بحساسية خاصة تجاه أسعار البنزين، ويعتبرونها مؤشراً على تكاليف الحياة. لكنَّ الاقتصاد ما زال يُمَثِّلُ نقطة ضعف بالنسبة لبايدن. وشهدت أسواق الأسهم أسوأ أداء لها منذ الأزمة المالية عام 2008، إضافة إلى أن معدلات الفائدة المرتفعة قد تدفع البلاد باتجاه ركود اقتصادي. كما أن هناك خطرَ حدوث ركود اقتصادي مصحوب بالتضخم. ومع ذلك فإن سوق العمل تتسم بقوة كبيرة، إذ إن معدلات البطالة ما زالت عند مستويات متدنية تاريخية تصل إلى نحو 3.5%.

 

ويمتلك بايدن فرصة دفع ثمن أقل في انتخابات نوفمبر المقبل في حال عدم حدوث ارتفاع في أسعار البنزين، لكنَّ التضخم سيكلف بايدن مقاعد في الانتخابات المقبلة. ولولا تراجع أسعار البنزين من 5 دولارات إلى نحو 3.65 حالياً عند محطات الوقود فإن التضخم كان سيصل إلى خانتين عشريتين حالياً. لذلك تبدو الآفاق الانتخابية حالياً أفضل نسبياً بالنسبة للديمقراطيين عما كانت عليه الأمور في يونيو الماضي.

 

من أهم العوامل التي تصب في مصلحة بايدن وحزبه في الانتخابات النصفية المقبلة تراجُع أسعار البنزين عند محطات الوقود إلى نحو 3.5 دولار للجالون، لذلك تبدو الآفاق الانتخابية حالياً أفضل نسبياً بالنسبة للديمقراطيين عما كانت عليه الأمور في يونيو الماضي

 

ويتفق الخبراء على أن الفضل في التراجع النسبي في أسعار النفط في الولايات المتحدة يعود بشكل رئيس إلى قرار بايدن في استخدام الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد من النفط. وعملت وزارة الطاقة الأمريكية من خلال استخدام 160 مليون برميل من النفط الخام منذ مارس الماضي –أي أكثر من ربع المخزون الاحتياطي– على خفض مستوى ذلك الاحتياطي إلى أدنى مستوياته منذ أربعة عقود. ويرى بعض خبراء النفط أن مواصلة استخدام الاحتياطي قد يُشكّلُ اختباراً لأمن الطاقة في الولايات المتحدة. لكنْ بالرغم من تراجع أسعار النفط بشكل حاد عن ذروتها، فإن الإدارة الأمريكية ليست مستعدة للبدء بإعادة ملء الاحتياطي. وبدلاً من وقف استخدام الاحتياطي في أكتوبر كما كان مخططاً، قررت إدارة بادين تمديد ذلك الاستخدام عند معدلات أقل لمدة شهر آخر على الأقل.

 

في غضون ذلك لم يحاول بايدن إظهار زيارته للسعودية في يوليو الماضي على أنها نجاح لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط. وبدلاً من ذلك ترى وسائل الإعلام الأمريكية أن التباطؤ الاقتصادي العالمي، وعمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا في الصين، ونجاح روسيا في إعادة توجيه صادراتها من النفط نحو الصين والهند بدلاً من أوروبا، تُعَدُّ عوامل أكثر أهمية. وبشكل عام يَتَمَثَّلُ الإجماع في الأوساط الإعلامية الأمريكية بأن السعودية ترغب في استمرار ارتفاع أسعار النفط، وأن الرياض ستعمل على تقليص الإنتاج رداً على حدوث تراجع كبير في أسعار النفط أو رداً على التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران.

 

الإجهاض

تُعَدُّ قضية الإجهاض السبب الآخر الذي قدّم دفعة إلى الحزب الديمقراطي، وقد يؤدي إلى أداء أفضل مما هو متوقع للرئيس بايدن في انتخابات نوفمبر المقبل. فقد نقضت المحكمة العليا الأمريكية في 24 يونيو الماضي حُكماً صدر عام 1973 شَكَّلَ الأساس الدستوري لحق الإجهاض في الولايات المتحدة. ويمنح هذا الحكم المثير للجدل كل ولاية أمريكية، وبشكل منفرد، صلاحية وضع قوانينها الخاصة بالإجهاض دون الخوف من انتهاك حكم عام 1973 الذي يسمح بالإجهاض خلال الأشهر الستة الأولى من الحمل. ويُمهِّد هذا الحكم الطريقَ أمام نصف الولايات الأمريكية تقريباً لحظر الإجهاض أو وضع قيود صارمة عليه، الأمر الذي سيؤثر في عشرات ملايين الأشخاص في أرجاء الولايات المتحدة الذين قد يتعين عليهم الانتقال من ولاية إلى أخرى للحصول على رعاية في مجال الصحة الإنجابية. ولعل من غير المفاجئ أن هذا الحدث المزلزل أدى إلى تحفيز القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي.

 

ويدعم أغلبية الأمريكيين حق الإجهاض، لذلك فإن قرار المحكمة العليا لا يتماشى مع الرأي العام الأمريكي، ويمنح القرار الديمقراطيين فرصةً لحشد قاعدتهم الشعبية، وبخاصة النساء. وترى أغلبية الناخبين المسجلين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري (56%) أن قضية الإجهاض ستحمل أهمية كبيرة عندما يُدلون بأصواتهم في الانتخابات النصفية، مقارنة بنسبة 43% في مارس الماضي. لكنَّ معظم هذه الزيادة حدثت في أوساط الديمقراطيين: 71% من الناخبين المسجلين عن الحزب الديمقراطي أو ذوي الميول الديمقراطية يعتبرون الإجهاض قضيةً مهمة للغاية. وفي المقارنة لم يظهر أي تغيير تقريباً في آراء الجمهوريين منذ ذلك الحين (41% الآن مقارنة بـ 40% آنذاك).

 

وحقَّق الديمقراطيون سلسلة من الانتصارات الانتخابية في أعقاب قرار المحكمة العليا الذي أشار إلى أن الدستور الأمريكي لا يمنح حق الإجهاض، بما في ذلك الانتخابات الخاصة بمجلس النواب في وادي هدسون بولاية نيويورك وولاية ألاسكا، ما أظهر حماساً أقوى مما هو متوقع لمرشحي الحزب الديمقراطي. وبشكل عام يواجه بايدن وحزبه الانتخابات النصفية بثقة أكبر تمكّنهم من تفادي هزائم انتخابية مدوية كتلك التي عانى منها الرئيسان الديمقراطيان السابقان، بيل كلنتون عام 1994، وباراك أوباما عام 2010، خلال الفترة الأولى من رئاستيهما.

 

لكنَّ هذه الصورة المشرقة بالنسبة للديمقراطيين قد تنعكس بسهولة في حال بدء أسعار البنزين بالزيادة مرة أخرى بعد تراجع تدريجي خلال صيف العام الجاري أو إذا ما بدأ الناخبون بتوجيه مزيد من الانتباه نحو قضايا أخرى يحظى فيها الجمهوريون باليد العليا، مثل الهجرة عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. لكنَّ نقض قرار المحكمة العليا لعام 1973 حول حق الإجهاض يُمَثِّلُ كنزاً سياسياً بالنسبة للديمقراطيين عند هذه المرحلة من الدورة الانتخابية الأمريكية، حيث سيؤدي إلى تحفيز القاعدة الشعبية والمؤيدين للحزب الديمقراطي للتسجيل والإقبال على صناديق الاقتراع بقوة خلال يوم الانتخابات. وأظهر استطلاع للرأي نشرته شبكة “سي بي أس” الإخبارية الأمريكية في 25 سبتمبر الماضي أن 71% من الناخبات الإناث أشرن إلى ضرورة أن يتفق المرشح مع رأيهن في مجال الإجهاض للحصول على أصواتهن.

 

نجاح بايدن في مجال التشريعات 

يَتَمَثَّلُ السبب الثالث في تحسُّن نسبة الرضا عن أداء بايدن بالنجاح الذي حققه مؤخراً على جبهة التشريعات. وبدت أجندة الحزب الديمقراطي في مجال التشريعات راكدة قبل أشهر قليلة فقط، وأن حظوظها السياسية سيئة. بعد ذلك عَمَدَ الكونجرس إلى التصديق على العديد من القوانين الجديدة، أبرزها مشروع قانون تصالحي حول الموازنة جمع بين بنود التخفيف من حدة تَغَيُّر المناخ وتوفير الرعاية الصحية، وإعلان الرئيس بايدن عن إعفاء جزئي غير مسبوق في مجال الديون الفيدرالية للطلاب. ويحظى بايدن وحزبه الآن بزيادة في الشعبية إلى درجة دفعت البعض إلى التشكيك بشكل علني بالفوز المفترض للجمهوريين في انتخابات نوفمبر المقبل بعد التصديق على ما وُصِفَ بأنه “قانون خفض التضخم”، وهو عبارة عن مشروع قانون للنفقات بقيمة 750 مليار يهدف إلى خفض نفقات الرعاية الصحية من خلال السماح للحكومة بالتفاوض على أسعار الأدوية التي تصرف بموجب وصفة طبية.

 

كما يشتمل مشروع القانون على تعليمات جديدة لمكافحة تَغَيُّر المناخ من خلال المساعدة في مجال الطاقة النظيفة، وتعليمات ضريبية جديدة للمساعدة في تقليص الديون المالية المتزايدة للولايات المتحدة. وسيعمل مشروع القانون على تقليص العجز من خلال فرض ضرائب جديدة – بما في ذلك ضريبة الحد الأدنى بنسبة 15% على الشركات الكبرى، وضريبة بنسبة 1% على إعادة شراء الأسهم من جانب الشركات – وتعزيز قدرة إدارة ضريبة الدخل على جمع الضرائب. ويُفتَرض أن يتمكَّن مشروع القانون هذا من جمع 700 مليار دولار من العوائد الحكومية على مدى 10 سنوات، وإنفاق أكثر من 430 مليار دولار لتقليص انبعاثات الكربون، وتقديم الدعم في مجال التأمين الصحي بموجب قانون توفير الرعاية الصحية، واستخدام ما تبقى من العوائد الجديدة لتقليص العجز.

 

نقض قرار المحكمة العليا لعام 1973 حول حق الإجهاض يُمَثِّلُ كنزاً سياسياً بالنسبة للديمقراطيين عند هذه المرحلة من الدورة الانتخابية الأمريكية، حيث سيؤدي إلى تحفيز القاعدة الشعبية والمؤيدين للحزب الديمقراطي للتسجيل والإقبال على صناديق الاقتراع بقوة

 

وشَكَّلَ هذا النجاح التشريعي، مقروناً بالانتصار الرمزي حول مسألة الحد من حمل الأسلحة الخفيفة، عاملاً إضافياً في الزيادة المتواضعة في معدلات الرضا عن أداء بايدن. كما وقّع بايدن نهاية يونيو الماضي على قانون مدعوم من كلا الحزبين يهدف إلى منع الأشخاص الخطرين من الحصول على السلاح، وزيادة الاستثمارات في نظام الصحة العقلية على مستوى الدولة. وبالرغم من عدم تضمين مشروع القانون هذا مزيداً من المقترحات التي تحد من الحصول على السلاح والتي يفضلها الديمقراطيون، غير أنه أنهى ثلاثة عقود من الجمود في واشنطن حول كيفية التعامل مع العنف الناجم حمل السلاح في الولايات المتحدة. وشَكَّلَ القانون الجديد بالنسبة للمشرّعين والداعمين والناجين من عنف الأسلحة تتويجاً لعقود من العمل، وبناءً على جهود فاشلة متكررة لتجاوز معارضة الجمهوريين، وتعديل قوانين الأسلحة في الولايات المتحدة رداً على حوادث القتل الجماعية في البلاد.

 

عودة ترمب

تَتَمَثَّل المسألة الرابعة، وربما الأهم في مساعدة بايدن، بعودة دونالد ترمب إلى المشهد السياسي الأمريكي. ويُعَدُّ ترمب أكبر قضية تواجه الناخبين في انتخابات نوفمبر النصفية ربما أكثر من بايدن نفسه. ويزور بايدن وترمب الولايات التي من المتوقع أن تشهد تنافساً حاداً لتحذير قواعدهما السياسية حول تهديدات وجودية في حال فوز الحزب المنافس. وكان بايدن يأمل عندما وصل إلى البيت الأبيض باختفاء ترمب وتلاشي أهميته. وقرر بايدن تجاهل ترمب على أمل توحيد البلاد.

 

لكنَّ ترمب احتفظ بشعبية كبيرة في أوساط القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري، واستمر في نشر الدعاية القائلة بأن بايدن سرق انتخابات 2020. وتسود شائعات بأن ترمب قد يعلن عن ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة في عام 2024 قبل الانتخابات النصفية. ويقول مستشارو الرئيس السابق إن ترمب قد يفعل ذلك في وقت قريب للغاية، لأنه يشعر بالاستياء من الاهتمام الذي يحصل عليه مرشحون محتملون آخرون. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس الذي يبدو مرشحاً للفوز في حملة إعادة انتخابه بنسبة كبيرة. ويرغب ترمب في استباق الأحداث، وتثبيت المانحين للحزب الجمهوري، وإظهار هيمنته على الحزب الجمهوري. وبحسب استطلاعات الرأي فإن احتمال ترشيح ترمب نفسه في انتخابات 2024 يحظى بدعم ثابت من ثلاث مجموعات: 60% من الجمهوريين، و75% من الناخبين الذين دعموه في انتخابات 2020، وأكثر من نصف المسيحيين الإنجيليين البيض. كما أن جلسات الاستماع المتعلقة بأحداث 6 يناير 2021 في الكونجرس أو امتلاك ترمب لأكثر من 10,000 وثيقة حكومية في مقر إقامته بولاية فلوريدا لم تُؤدِّ إلى تغيير آراء مؤيديه الثابتين.

 

ودعم ترمب خلال الانتخابات النصفية مرشحين مُوالين له وتخلى عن البقية. وأخفق أربعة من أصل عشرة من الجمهوريين في مجلس النواب، الذين صوتوا لصالح عزل ترمب بسبب التحريض على اقتحام مبنى الكونجرس في 6 يناير 2021، في الفوز في حملات إعادة انتخابهم، ومنهم ليز تشيني التي تولت منصب نائب رئيس اللجنة التي حققت في دور الرئيس السابق في هذا الهجوم. واختار أربعة آخرون التقاعد، ما يعني بقاء اثنين فقط قد يعودان إلى الكونجرس في يناير المقبل. وفاز المرشحون الذين دعمهم ترمب في أرجاء الولايات المتحدة في أربع منافسات من أصل خمسة في منافسات الحزب الجمهوري، لكنَّ هذا لا يعني أن من المرجح فوز هؤلاء المرشحين ضد منافسيهم الديمقراطيين في نوفمبر المقبل.

 

وقرر بايدن خلال صيف العام الجاري إعادة حملته الانتخابية إلى وضع الهجوم ضد ترمب لسببين رئيسيَن: الأول، إدراك بايدن أن أفضل طريقة لحشد القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي والمستقلين تَتَمَثَّل بإثارة مخاوف عودة ترمب؛ والثاني، يُشَكِّل ترمب أحد العوامل الرئيسة التي توحد الاتجاهات الأيديولوجية المتباعدة في الحزب الديمقراطي. بعبارة أخرى، ينقسم الديمقراطيون بين تقدميين ووسطيين في الحزب، لكنَّهم يتوحدون بقوة عندما يتعلق الأمر بمعارضة ترمب. وبدأ بايدن رهانه على ترمب بوجود مثل هذه الاعتبارات الاستراتيجية في ذهنه.

 

وفي خطوة تنمّ عن مفهوم الغاية تبرر الوسيلة، قرر الخبراء الاستراتيجيون في الحزب الديمقراطي تضخيم رسالة المرشحين الجمهوريين المتطرفين لخوض انتخابات الكونجرس التمهيدية، لأن هزيمتهم ستكون أسهل من هزيمة الجمهوريين الأكثر وسطية الذين يركزون على الاقتصاد. وتتضمن المقاربة عادة خطوتين تكتيكيّتين: الخطوة الأولى تتسم بالبراعة وتشتمل على إعلانات تلفزيونية تشير إلى أن المرشحين المتطرفين محافظون للغاية بالنسبة للولاية أو المقاطعة، وتسليط الضوء على آراء المرشح المتشددة حول الإجهاض والأسلحة والرئيس السابق ترمب؛ وهي رسائل تلقى أصداء في أوساط الناخبين المحافظين الذين ينتهي بهم المطاف بالتصويت للمرشح المحافظ الأكثر تشدداً. والخطوة التكتيكية الثانية المباشرة تمثلت ببثِّ الديمقراطيين إعلانات تهاجم المرشحين الجمهوريين الذين يُعتقد بأن من الصعب هزيمتهم في الانتخابات العامة بطرق قد تؤدي إلى تراجع الدعم لهم في انتخابات الحزب الجمهوري التمهيدية. وبحسب تحليل في صحيفة “واشنطن بوست” فقد أنفق الديمقراطيون نحو 60 مليون دولار في الانتخابات التمهيدية في ثماني ولايات خلال العام الجاري لتسليط الضوء على المرشحين الجمهوريين المتطرفين الذين شككوا أو أنكروا صحة انتخابات 2020.

 

وانعكست هذه الاستراتيجية المتمثلة بالتركيز على ترمب بوصفه هدفاً أسهل من الجمهوريين الوسطيين، على المستوى المحلي في الخطاب القوي المناهض لترمب الصادر عن بايدن نفسه. ومنذ نهاية أغسطس بدأ الرئيس بايدن هجومه من خلال خطابات تشجب الحزب الجمهوري بسبب تحوله نحو اتجاه “شبه فاشي”. واستهدف بايدن في الولايات التي تشهد منافسة حادة بين الحزبين، مثل بنسلفانيا ووسكنسن، ترمب بشكل مباشر والجمهوريين المؤيدين له. باختصار، يرغب بايدن وحزبه في تغيير الموضوع من التضخم والاقتصاد إلى ترمب.

 

لا يزال من المحتمل أن يخسر الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب، غير أن الحزب يمتلك فرصة أفضل للدفاع عن أغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، وهذا الأمر الأخير سيُمَثِّلُ نجاحاً نسبياً لبايدن على ضوء الاتجاه التاريخي الذي يخسر فيه الرئيس الموجود في السلطة مقاعد في كلا المجلسين

 

وفي حين أن هذا يُعَدُّ وضعاً سيئاً بالنسبة للجمهوريين، غير أن ترمب سعيد بأن يكون موضع الانتباه مرة أخرى، ويُمارس نفوذاً قوياً على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. لكنَّ رسالته المتعلقة بسرقة انتخابات 2020 لا تلقى آذاناً صاغية لدى قيادات الحزب الجمهوري الذين يرغبون في التركيز على الاقتصاد ومعدلات الجريمة والهجرة. بعبارة أخرى، يُعَدُّ ترمب شيئاً من الماضي في حين يرغب قادة الحزب الجمهوري في التركيز على المستقبل، وربما من خلال مرشح جديد مثل حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس. ويُعَدُّ ديسانتيس ونائب الرئيس السابق مايك بنس من الشخصيات الجمهورية التي تعتزم خوض انتخابات الرئاسة المقبلة. كما يجري تداول اسم ديسانتيس بشكل متكرر ضمن المنافسين المحتملين الذين قد يخلطون الأوراق في الحملة التمهيدية لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية. كما أن الديمقراطيين وبايدن ربما يراهنون على أن ترشيح ترمب قد يدفع بمنافس مستقل مثل ليز تشيني لخوض السباق، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث انقسام في أوساط الناخبين الجمهوريين، وتعزيز فرصة المرشح الديمقراطي. ومن المرجح أن تحظى تشيني بدعم قوي من الجمهوريين الوسطيين.

 

استنتاجات

بالنسبة للتوقعات حول الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، فإن من المحتمل أن نشهد سيطرة الجمهوريين على أغلبية مقاعد مجلس النواب في الوقت الذي سيحتفظ فيه الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ. وهذا يعني أن الجمهوريين سيمتلكون نفوذاً أكبر على الأجندة التشريعية، وسيتراجع أي أمل بالتصديق على أي تشريع ديمقراطي جوهري إلى الصفر. ويظل السيناريو الذي يتفادى فيه الديمقراطيون فقدان السيطرة على مجلس الشيوخ يُمَثِّلُ نجاحاً نسبياً لبايدن على ضوء الاتجاه التاريخي الذي يخسر فيه الرئيس الموجود في السلطة مقاعد في كلا المجلسين.

 

وتُعَدُّ استراتيجية بايدن لمثل هذا النجاح النسبي واضحة: فبدلاً من الاستفتاء على رئاسته التي تضررت نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع المعنويات الشعبية بشكل عام، يرغب بايدن في جعل الانتخابات خياراً بين أمر “طبيعي” (إدارته)، و”تشدد يُهدد أسس جمهوريتنا” (ترمب). وإذا ما تمكن بايدن من تحقيق استراتيجيته في الانتخابات النصفية 2022 فإن الوضع سيمثل تكراراً لما جرى في انتخابات 2020: بايدن في مواجهة ترمب.

 

ولعل ما هو أكثر أهمية يَتَمَثَّلُ بأن ترمب سيتلقى التشجيع من خلال استعادة الجمهوريين السيطرة على الكونجرس. وسيجني ترمب الفضل ويُمهِّد الطريق أمام ترشيح نفسه في انتخابات 2024 الرئاسية. وتمكَّنت حملته الانتخابية بالفعل من جمع أكثر من 100 مليون دولار. كما تمكّنت لجان العمل السياسية التابعة لترمب من جمع ملايين الدولارات من مؤيديه في أعقاب قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي بتفتيش منزله في ولاية فلوريدا.

 

ويلوح في الأفق سؤالان كبيران عند هذا الحد بالنسبة للمحللين في مجال السياسة الخارجية:

 

أولاً، إذا ترشح ترمب في انتخابات 2024 الرئاسية فهل سيُقرر بايدن خوض سباق الرئاسة؟ وتتمثل الإجابة المختصرة بنعم، فبايدن ليس على استعداد لاستبعاد خوض انتخابات 2024، إضافة إلى أن معظم المحيطيين به يرون أن بايدن ما زال يمتلك دوافع قوية ضد ترمب لنفس الأسباب التي قرر من أجلها خوض انتخابات 2020.

 

ثانياً، هل يمكن لترمب تأمين ترشيحه لخوض الانتخابات؟ تبدو الصورة هناك أكثر ضبابية، حيث يُعَدُّ ديسانتيس نجماً صاعداً في صفوف الحزب الجمهوري. ويعتبر ترمب بشكل عام المفضل للترشيح، غير أنه يُنظر إلى ديسانتيس على أنه أكثر المنافسين المحتملين قوة. ويحاول ديسانتيس تأكيد نفوذه الوطني على أنه مُحارِب ثقافي حول القضايا العرقية والسلاح والإجهاض لحشد الدعم من جانب مؤيدي ترمب والقيام بجولات في الولايات المتأرجحة. كما بدأ ديستانيس بشكل متزايد ينأى بنفسه عن ترمب في خطاباته دون أن ينتقد بشكل واضح الرئيس السابق.

 

وفي الختام، نحن نشهد المراحل الأولية من اللعبة في موسم المناورات السياسية الأمريكية للاستعداد لانتخابات 2024 الرئاسية، لكنَّ البيئة السياسية بدأت تتشكل لإعادة التنافس بين بايدن وترمب. ويُشَكِّلُ ديسانتيس عاملَ تعطيل كبير داخل المعسكر الجمهوري، كما أن ليز تشيني قد تخوض المنافسة بوصفها مرشحاً مستقلاً لإحداث شرخ في صفوف المحافظين، الأمر الذي سُيدخِل البهجة في صفوف الديمقراطيين.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/aistieadat-azzakham-kayf-azzaz-aldiymuqratiuwn-huzuzahum-fi-alaintikhabat-alnisfiat-al-amrikia

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M