تسليح الغذاء… دوافع وتداعيات الانسحاب الروسي من اتفاقية الحبوب

ماري ماهر

 

أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في اتفاقية تصدير الحبوب الهادفة إلى تأمين تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، والتي تم التوقيع عليها يوم 22 يوليو الماضي في مدينة إسطنبول بوساطة الأمم المتحدة، مع قيام تركيا بدور الوسيط لتفتيش السفن قبل مغادرتها، الأمر الذي أدى إلى إنهاء عملية الحصار البحري الروسي المستمر على أوكرانيا على مدار خمسة أشهر.

وجاءت هذه الخطوة بعد ساعات فقط من زعم ​​وزارة الدفاع الروسية أنها صدت سلسلة من الهجمات الأوكرانية بواسطة طائرات بدون طيار على سفن روسية تابعة لأسطول البحر الأسود، وبالتحديد في خليج سيفاستوبول المطل على شبه جزيرة القرم، قالت إنها تحمي ممرات الشحن بموجب الاتفاق. وقد اعتبرت الولايات المتحدة الإجراء الروسي محاولة لتسليح الغذاء، ووصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بالخطوة الشائنة، فيما تواصل مسؤولو الأمم المتحدة مع السلطات الروسية.

دوافع موسكو

لم يكن الانسحاب الروسي مفاجئًا؛ فقد حملت الأيام الماضية تهديدات متكررة بوضع الاتفاقية قيد المراجعة بدعوى أن الحبوب الأوكرانية لا يتم شحنها إلى الدول الأكثر احتياجًا في الشرق الأوسط وأفريقيا ولكنها تذهب إلى أوروبا، رغم أن هذا التصريح ترافق مع مغادرة 108 سفن الموانئ الأوكرانية ذهب 47% منها إلى تركيا والدول الآسيوية، و17% إلى إفريقيا، و36% إلى الاتحاد الأوروبي، ورغم أن أيٍ من الوثيقتين اللتين وقعتهما روسيا لتمكين تصدير الحبوب الأوكرانية لم تحددا وجهة الصادرات المفترضة، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها:

• عدم تحقيق مكاسب روسية: اشتكى الكرملين من أن الاتفاقية فتحت شحنات الحبوب الأوكرانية لكنها فشلت في الوفاء بوعودها بالسماح بتصدير الأسمدة والمنتجات الغذائية الروسية، وربما يعود ذلك إلى رفض موانئ البلطيق التي يمر عبرها حوالي ثلث صادرات شركة أورالكالي المتخصصة في إنتاج وتصدير أسمدة البوتاس الروسية العمل مع الشركات الروسية، وطلب الآسيويين خصومات كبيرة لشراء الأسمدة الروسية، وذلك رغم عدم خضوع القطاع للعقوبات الغربية حيث أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية ترخيصًا عامًا في مارس بإعفاء السلع الزراعية، بما في ذلك إنتاج ونقل وبيع الأسمدة.

• طرح نفسها كبديل: تريد روسيا تقديم نفسها كمنقذ للأسواق العالمية وتصريف جزء من إنتاجها للخارج بعدما باتت غير قادرة على تخزينه؛ نظرًا إلى زيادة الإنتاج مسجلًا حوالي 147.5 مليون طن من الحبوب بما في ذلك 100 مليون طن من القمح، مقابل نقص مساحات التخزين، وهو ما أظهره تصريح وزير الزراعة الروسي دميتري باتروشيف بقوله إن موسكو مستعدة لاستبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل وتزويد جميع الدول المهتمة بأسعار معقولة، مع توريد ما يصل إلى 500 ألف طن من الحبوب إلى البلدان الفقيرة في الأشهر الأربعة المقبلة مجانًا. وتسعى روسيا بذلك إلى تعويض انخفاض صادراتها من الحبوب بنسبة 22% في يوليو وأغسطس إلى 6.3 مليون طن، رغم استثناء الإمدادات الغذائية من العقوبات الغربية، إلا أن المصرفيين وشركات التأمين قلقون من التعامل مع روسيا، وتحجم خطوط الشحن عن المخاطرة بإرسال سفنها إلى منطقة صراع.

التداعيات المحتملة

يتسبب القرار الروسي في انعكاسات سلبية على الأسواق العالمية وأسعار السلع والأمن الغذائي، وهو ما يُمكن توضحيه على النحو التالي:

• ارتفاع أسعار الحبوب وتهديد الأمن الغذائي: كانت مبادرة حبوب البحر الأسود أساسية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي، وبالتالي فإن توقفها يعرضه للخطر عن طريق وقف تصدير الحبوب والأسمدة التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة أزمة الغذاء العالمية، وبالتالي رفع أسعار الحبوب العالمية وبالأخص القمح بعدما انخفضت أسعاره إلى مستويات 807.75 دولار للطن نهاية يوليو الماضي مقارنة مع مستوى يبلغ نحو 1277.5 دولار للطن. ويدلل على ذلك القفزة التي سجلها عقد القمح الأكثر نشاطًا في مجلس شيكاغو للتجارة بنسبة 5.8% إلى 878.90 دولارًا للبوشل (نحو 27 كجم)، وارتفعت أسعار الذرة وفول الصويا ولكن بوتيرة أقل مع ارتفاع أسعار عقود الذرة الآجلة لتصل إلى أعلى مستوى في أسبوعين بنسبة 2.6% عند 698.75 دولار للبوشل (نحو 20 كجم) وعقود فول الصويا الآجلة في الولايات المتحدة بنسبة 0.7%.

شكل (1) يوضح ارتفاع أسعار القمح

• حرمان الاقتصاد الأوكراني من عائد رئيسي: يتسبب القرار الروسي في قطع صادرات الحبوب الأوكرانية من موانئها الحيوية على البحر الأسود بعدما نجحت في تصدير 9.2 مليون طن من الذرة والقمح ومنتجات عباد الشمس والشعير واللفت وفول الصويا بواسطة 397 سفينة حتى 27 أكتوبر الجاري، وسيؤدي ذلك إلى حرمان أوكرانيا من جزء كبير من عائداتها من العملة الصعبة، ويسهم في تكدس الإنتاج الزراعي غير المستهلك محليًا الذي من المتوقع أن يتجاوز 53 مليون طن للحبوب و15 مليون طن لمحاصيل البذور الزيتية، بعدما أظهرت الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة الأوكرانية عودة صادرات الحبوب إلى المستويات نفسها التي سُجلت قبل نشوب الحرب في فبراير 2022.

• الضغط على الاقتصاد الأوروبي: سينعكس ارتفاع أسعار الحبوب على مستويات التضخم الأوروبية، التي وصلت بالفعل إلى مستوى قياسي في منطقة اليورو بمعدل 9.9% على أساس سنوي في سبتمبر الفائت، وتعد أسعار المواد الغذائية ثاني أكبر عامل يقود التضخم الأوروبي بعد أسعار الطاقة.

ختامًا، يتوقف مدى تأثر الأسواق العالمية ودرجة تهديد الأمن الغذائي بالأجل الزمني لتعطل عمليات الإمدادات لاسيمَّا في ظل محاولة إيجاد وسائل للالتفاف على القرار الروسي والسماح باستمرار توريدات الحبوب الأوكرانية بما في ذلك اتفاق الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا على خطة حركة تُطبق على 14 سفينة موجودة في المياه التركية، وقول وزير الزراعة الفرنسي إن بلاده تعمل على السماح لأوكرانيا بتصدير الإمدادات الغذائية عبر الطرق البرية بدلًا من البحر الأسود عبر بولندا أو رومانيا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73711/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M