اليمين المتطرف في ألمانيا ـ حرب أوكرانيا تُزيد مخاطر الإرهاب والجريمة

ما زالت ألمانيا تعيش على وقع اليمين المتطرف بالتوازي مع وقع الجماعات” الإسلاموية” المتطرفة، وفي أعقاب ألحرب في أوكرانيا صعدت التيارات الشعبوية من أنشطتها. وزاد الأمر تعقيداً، كون ألمانيا ما زالت لحد الأن لم تتعافى من تداعيات جائحة كورونا.

أطلقت الهجمات ضد الأقليات العرقية والدينية والسياسية في ألمانيا أجراس الإنذار عندما سجلت أرقام جرائم اليمين المتطرف أعلى مستوى لها منذ (20) عاماً. فبعد جائحة كورونا وحرب أوكرانيا، أستهدف اليمين المتطرف الأقليات والأجانب خاصة الجاليات المسلمة ومن أصول مهاجرة. ويمثل التطرف اليمين تهديداً متزايداً لألمانيا، وبدوافع  سياسية وعرقية مع أعتماد التضليل الإعلامي وفبركة الأخبارواللجوء إلى العنف، وبالفعل لعبت المعلومات المضللة دوراً في تغذية التطرف اليميني. اليمين المتطرف في ألمانيا ـ اِستِغلاَل أزمة الطاقة

تحشيد التظاهرات

تظاهر آلاف الأشخاص وسط برلين يوم الثامن من أكتوبر 2022 على سبيل المثال، بدعوة من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني احتجاجاً على التضخّم وسياسة الطاقة التي تنتهجها حكومة المستشار شولتس. ونُظّمت مسيرة احتجاجية تحت شعار “أمن الطاقة والحماية من التضخم، ألمانيا أولاً”، وشارك فيها نحو ثمانية آلاف شخص قرب مقر البرلمان وبوابة براندنبرغ .

يسعى اليمين المتطرف إلى استغلال تدهور شعبية حكومة شولتس في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة ومخاطر شح مواردها مع توقف إمدادات الغاز والنفط من روسيا. وانتشرت الشرطة بأعداد كبيرة لمواكبة المسيرة التي نظّمت بالقرب منها تظاهرات مضادة عدة شارك فيها نحو (1400) من النشطاء المناهضين للعنصرية، وفق الشرطة. يُذكر بأن اليمين المتطرف كثيراً ما نظم التظاهرات ضد التضخّم وسياسة الطاقة التي تنتهجها الحكومة . [1]

ارتفاع جرائم اليمين المتطرف

أعلنت وزارة الداخلية الألمانية يوم 27 يونيو 2022، إن أكثر من  (500) متطرف يميني مطلوبين في ألمانيا، وأضافت إن ألمانيا تبحث عن (568) متطرفاً يمينياً، من بينهم (145) شخصاً ارتكبوا جرائم عنيفة، حتى 31 مارس 2022.  وهناك ما لا يقل عن (79) من المطلوبين فروا إلى الخارج.  ويوجد ما يقرب من (33900)  يميني متطرف في ألمانيا ، منهم (13500)  مستعدين لتنفيذ جرائم،  وزاد المتطرفين اليمينيين بنسبة (1.8%) مقارنة بعام 2020، وهو أعلى مستوى منذ الاحتفاظ بالإحصاءات.

شهدت ألمانيا تزايداً في العنصرية وكراهية الأجانب تغذيها دعاية الجماعات اليمينية المتطرفة والمعادية للسامية والمسلمين، بما في ذلك “حزب البديل من أجل ألمانيا AfD”، ولطالما انتقدت جماعات حقوق الإنسان السلطات لاستخفافها بالتهديد وعدم التحقيق بجدية في الجرائم التي ارتكبها النازيون الجدد.[2]

وارتفعت الجرائم خلال عام 2021 ذات الدوافع السياسية بشكل عام بنسبة (9%) تقريبًا لتصل إلى ما يقرب من (45000) حالة، مع وجود ما يقل قليلاً عن (11000)  حادثة ذات خلفية يسارية متطرفة، بما في ذلك (1526) حالة عنف.  وأرتفعت الهجمات المعادية للسامية ، بنسبة (16%)  تقريباً ونُفذت بشكل أساسي عبر الإنترنت. [3]

أحصت وكالة حماية الدستور(الاستخبارات الداخلية)، مايقارب (33476) جريمة ذات دوافع سياسية  خلال عام 2021، بزيادة طفيفة عن العام 2020، بعد (32924) في عام 2020 ، لكن كانت هناك زيادة بنسبة (10%) في جرائم العنف ذات الدوافع السياسية. [4]

وبلغ  عدد اليمينيين الأكثر تطرفاً ما يقارب (32) الفاً فى ألمانيا، وهناك (13) الفاً يعتبرون من الأكثر تطرفاً.  ويبدو إن التطرف اليميني والارهاب اليميني هما حالياً الأكثر خطراً.

التخطيط لعمليات إرهابية

كانت مجموعة يمينية  متطرفة  تخطط في 14 ابريل 2022 لهجمات واختطاف، وفي أعقاب ذلك ألقت الشرطة القبض على أربعة أشخاص يشتبه في ضلوعهم في خطط لاختطاف وزير الصحة وتنفيذ تفجيرات. كانت الجماعة تهدف إلى خلق وضع “شبيه بالحرب الأهلية” لإثارة الفوضى في ألمانيا.  وإن المعتقلين هم مواطنون ألمان مرتبطون باحتجاج  رافضي COVID وحركة “الرايخ””.  قال المدعون العامون في كوبلنز ومكتب الشرطة الجنائية بولاية “ماينز” إن مجموعة تطلق على نفسها اسم “Vereinte Patrioten” “يونايتد باتريوتس” أي  “وطنيون موحدون”  خططت لهجمات بالقنابل على البنية التحتية للطاقة في ألمانيا. وكانت إحدى الخطط المزعومة الأخرى للجماعة هي اختطاف وزير الصحة. [5]

حرب أوكرانيا تعيد شبكات اليمين المتطرف في أوروبا

ساهمت حرب أوكرانيا بإحداث انشقاقات داخل اليمين المتطرف في ألمانيا، واحدثت الحرب إرباك داخل النازيين الجدد. يرى “يوهانس كيس”، المتخصص من اليمين المتطرف في معهد Else” Frenkel-Brunswik ” بجامعة لايبزيغ، أن النازيين الجدد المؤيدين لأوكرانيا في ألمانيا مدفوعون أساساً بصلاتهم بالجماعات اليمينية المتطرفة في أوكرانيا. وقال: ” إن مشهد النازيين الجدد يوجد في شبكات داخل أوروبا وهناك صلات لهذه الشبكات في عدد من الدول الأوروبية ، أبرزها بولندا. [6]  اليمين المتطرف في ألمانيا ـ حركة “بيغيدا” تخرج للشوارع مجدداً

تدفع الحرب في أوكرانيا أجهزة الاستخبارات إلى توخي المزيد من الحذر بعد أن أصبحت الحرب موضوع نقاش ساخن بين المتطرفين اليمينيين في ألمانيا. هناك حديث في غرف الدردشة، عن تدفق النازيين الجدد الألمان إلى أوكرانيا للقتال. ويقول توماس هالدينوانغ، رئيس وكالة الاستخبارات المحلية  BfV ـ المكتب الاتحادي لحماية الدستور يوم 16 مارس 2022 :  “لا ينبغي لأحد أن يبالغ في تقدير مخاطر اليمين المتطرف”. وانتقل شبان إلى قنوات التواصل الاجتماعي من أجل الانضمام إلى القتال في أوكرانيا، واستطاعت وكالة المخابرات المحلية تحديد المتطرفين اليمينيين الذين يعتزمون القتال في أوكرانيا. وتحاول السلطات الألمانية منعهم من مغادرة البلاد بإلغاء جوازات سفرهم. [7]

اليمين المتطرف يستعيد شعبيته

نجح حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف استعادة  شعبيته  بعد فترة طويلة من الركود، حيث بدأت التكاليف المتزايدة الناتجة عن أزمة الطاقة في التأثير على الأسر والشركات الألمانية. ونصب اليمين المتطرف، تحديداً حزب البديل من أجل ألمانيا،  نفسه على أنه رأس الحربة للاحتجاج على ارتفاع أسعار الطاقة.

وارتفع الدعم العام للحزب في ألمانيا إلى (15%) ، حيث كانت هناك زيادة مطردة في الدعم لحزب البديل مع حرب أوكرانيا وارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة. وتزايد الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا إلى (9%) في الانتخابات الأخيرة  في ولاية سكسونيا السفلى، بزيادة أربع نقاط مئوية مقارنة بانتخابات الولاية لعام 2017.

ودعا قادة حزب البديل إلى استئناف العلاقات التجارية مع روسيا وطالب رئيس المجموعة البرلمانية” تينو تشروبالا” خلال مظاهرة ضد سياسة الطاقة الحكومية التي نظمها حزبه للمطالبة بإصلاح وفتح خطي نورد ستريم، كونه يوفر الطاقة بأسعار رخيصة.[8] اليمين المتطرف في ألمانيا ـ التهديدات وتدابير المواجهة

التقييم 

إن إنعدام المساواة بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، يعني عدم الاستقرار بعد أن كانت ألمانيا ذات يوم واحدة من أكثر البلدان الأوروبية مساواة بين أفراد المجتمع، حيث كان للطبقة والوضع الاجتماعي تأثير أقل، لكن الأن تزايدت الفوارق الطبقية في المجتمع الألماني بسبب تفاوت الدخل للفرد صعد فرص اليمين المتطرف .

  إن خطط الحكومة لم تعد قادرة على معالجة هذه الفوارق  اي الفوارق الطبقية الأجتماعية وهذا بسبب التضخم وأسعار الطاقة إلى حد إن ذوي الدخل المنخفض أصبحوا أكثر ضعفاً، وباتت الطبقة الوسطى مهددة في المجتمع الألماني.

  إن الفوارق الطبقية ممكن أن تدفع الكثير من الألمان الألتحاق بصفوف اليمين المتطرف والمشاركة بالتظاهرات، رغم انهم لايؤمنون بـ “أيدولجيات اليمين المتطرف والنازيون الجدد” ولكن يجدون في اليمين المتطرف فرصة لمعارضتهم للحكومة .

  يبدو إن استمرار حرب أوكرانيا، يعني ارتفاع نسبة الجريمة والتطرف عند اليمين المتطرف، وفقاً إلى احصائيات وبيانات وزارة الداخلية الألمانية، وهذا مايمثل تحديا كبيراً أمام أجهزة الأمن والاستخبارات الألمانية.

 أستطاع اليمين المتطرف باستعادة أنشتطته وعلاقاته كثيراً خلال حرب أوكرانيا، وذلك من خلال فبركة الأخبار وتضخيم المخاوف وانتقاد الحكومة عبر وسائل التواصل الأجتماعي.

 إن تصاعد التيارات الشعبوية والمعارضة للحكومة الألمانية أيضاً يعتمد على مدى قدرة الحكومة الألمانية بمعالجة التضخم وارتفاع الأسعار، التقارير كشفت صعود التضخم إلى اكثر من (8.9%) وهي أعلى درجة وصل اليها التضخمم القتصادي في ألمانيا منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي.

 قدمت الحكومة من جانبها خطط وأوعدت بتقديم الدعم للمواطن الألماني والشركات من أجل تخفيف عبء تكاليف المعيشة، لكن لحد الان لم تكن هناك نتائج ملموسة، وهذا يعطي التيارات اليمينية المتطرفة إلى ترويج الأخبار الكاذبة وزيادة انتقاداته للحكومة الألمانية، وهذا بدوره يساعد على نشر الفوضى والجريمة.

 يعتبر التطرف السياسي أمراً حساساً للغاية في ألمانيا نظراً للماضي النازي، ويشعر العديد من الألمان بمسؤولية خاصة في استئصال العنصرية والتعصب.

 تسعى ألمانيا كثيراً لمحاربة لتطرف اليميني من خلال تعزيز قدرات أجهزة استخباراتها والحملات التعليمية والتثقيفية، وصولاً إلى حظر الأحزاب والمنظمات المتطرفة.

 الحكومة الألمانية تحاول مواجهة اليمين أيضاً من خلال الرصد والمتابعة وتنفيذ الأوامر القضائية، ورغم أن ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا ليست فريدة من نوعها في ألمانيا.

 بذلت ألمانيا أكثر من بقية دول أوروبا جهود ومساعي كبيرة جدًا من أجل محاربة النازية، منذ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن، واليوم تجد ألمانيا نفسها من جديد في محاربة النازيون الجدد والتيارات الشعبوية وهذا مايمثل تحديًا جديدًا إلى الحكومة وأجهزتها الأمنية.

 ما ينبغي أن تقوم به الحكومة الألمانية، تسريع تنفيذ خطط الدعم  للمواطنين والشركات خاصة في مجال الطاقة، غير ذلك سوف تخسر الحكومة مصداقيتها، وتتصاعد فرص اليمين المتطرف أكثر.

 

هوامش

[1] تظاهرة لليمين المتطرف في برلين ضد التضخّم وسياسة الطاقة التي تنتهجها حكومة شولتس
bit.ly/3EhXT3X

[2]Over 500 right-wing extremists wanted in Germany: Interior Ministry
Bit.ly/3ElFkfg

[3]German society ‘brutalised’ as far-right crimes hit record levels

bit.ly/3Gl6a9E

[4]German far-right growing and more prone to violence – govt agency
bit.ly/3EhrXMS

[5]Germany: Far-right group planned attacks, abductions
bit.ly/3XkfwJ4

[6]Germany’s far-right split by Russia-Ukraine war
bit.ly/3V1BIpb

[7] Ukraine war impacts fight against far-right extremism
bit.ly/3txSfWm

[8]Far-right AfD gains popularity amidst energy crisis, recession fears – polls
bit.ly/3ElJ54m

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%80-%d8%b9%d9%88%d8%a7%d9%85%d9%84-%d8%a7%d8%b1%d8%aa/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M